أكتب إليكم للتعبير عن اهتمام هيومن رايتس ووتش العميق إزاء سعي الحكومة الإيطالية لترحيل نسيم سعدي بناء على ضمانات دبلوماسية ضد التعذيب والمعاملة السيئة حصلت عليها من السلطات التونسية. وقضية سعدي ما زال لم يتم البت فيها أمام دائرة المحكمة الكبرى بمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وقد أخرت إيطاليا نقله إلى تونس مراعاة لطلب المحكمة باتخاذ إجراءات مؤقتة حتى صدور الحكم النهائي.
وهيومن رايتس ووتش منزعجة من استناد إيطاليا إلى الضمانات الدبلوماسية الصادرة عن تونس، في تبريرها لأن ترحيل سعدي متفق مع التزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان. وتشير أبحاثنا إلى حد كبير إلى أن الضمانات ضد التعذيب والمعاملة السيئة لا توفر ضمانة فعالة للأشخاص المعرضين لمثل هذه الإساءة لدى عودتهم. ومثل هذه الضمانات لا يمكن الاعتماد عليها من حيث المبدأ ولا يمكن تنفيذها من الناحية العملية. واستخدامها المتزايد في منطقة مجلس أوروبا وغيرها من المناطق يهدد بتقويض الحظر ضد التعذيب والالتزامات الخاصة بعدم الإعادة إلى حيث تتعرض حياة الشخص للمخاطر. وكما نذكر أدناه، فإن ممثلاً للحكومة الإيطالية في ذلك الحين قد جسد مخاوفنا الخاصة بالضمانات الدبلوماسية في اجتماع مجلس أوروبا في مارس/آذار 2006، متخذاً الموقف المبدئي الخاص بأنها يجب ألا تستخدم من قبل الحكومات الأوروبية.
ونطلب بكامل الاحترام أن تمتنع السلطات الإيطالية عن السعي إلى الحصول على الضمانات الدبلوماسية أو التعويل عليها، وهي ممارسة كفيلة بتقويض الحظر ضد التعذيب والمعاملة السيئة.
التزامات إيطاليا الدولية
يعد السعي للحصول على ضمانات ضد التعذيب في قضية نسيم سعدي بمثابة الاعتراف بأنه عرضة لخطر التعذيب والمعاملة السيئة لدى إعادته إلى تونس. والتزامات الحكومة الإيطالية الخاصة بالتعذيب والمعاملة السيئة واضحة تمام الوضوح. إذ أنه بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن التعذيب والمعاملة السيئة محظورة ولا يجوز نقل شخص إلى دولة أخرى يكون فيها عرضة لخطر التعذيب أو المعاملة السيئة (الالتزام بعدم الإعادة إلى حيث تتعرض حياة الشخص للمخاطر). وحظر التعذيب وعدم الإعادة هو حق مطلق لا خلاف عليه. وينطبق على كل الأشخاص دونما اعتبار لوضعهم أو الجرائم التي يُزعم أنهم ارتكبوها، وبغض النظر عن طبيعة النقل، بما في ذلك النفي والطرد والترحيل والتسليم.
وفي الحالات التي قد يتعرض فيها الأشخاص لخطر التعذيب، فالالتزام الكامل بعدم الإعادة يتطلب من الدول أن توفر لهم مراجعة من قبل جهة مستقلة ومحايدة تقوم بالفصل في قرار نقل الشخص. ولكي يكون حلاً فعالاً، فيجب أن تتم هذه المراجعة قبل نقل الشخص. وقد صدر الأمر بترحيل سعدي في أغسطس/آب بموجب إجراء متعجل تمت صياغته بموجب القانون رقم 155 الصادر في 31 يوليو/تموز 2005 ("مرسوم بيسانو") والذي ينكر صراحة الحق في الاستئناف بتعليق الحكم من قبل من يتعرضون للإبعاد بناء على أسس من الأمن القومي. وفي مايو/أيار 2007، أصدرت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة تقريرها الدوري الرابع وعبرت فيه من مخاوفها من أنه "لدى التطبيق الفوري لأوامر الإبعاد هذه، دون مراجعة قضائية، و... أن إجراءات الطرد هذه تعوزها الحماية الكافية ضد عدم الإعادة"
تُذكّر اللجنة بالطبيعة المطلقة الخاصة بحق كل شخص في ألا يتعرض للطرد إلى دولة حيث قد يواجه التعذيب أو المعاملة السيئة، وتدعو اللجنة الدولة الطرف إلى إعادة النظر في إجراء الطرد الجديد هذا. ولدى النظر في تحديد مدى تطبيقها لالتزامات "عدم الإعادة"، بموجب المادة 3 من هذه الاتفاقية، فعلى الدولة الطرف أن تحدد المزايا بإمعان في كل حالة فردية على حدة، وأن تضمن وجود الآليات القضائية المناسبة لمراجعة القرار.
ويمكن أن يؤدي التقييم المستقل للمخاطر قبل الإبعاد، كما أوصت لجنة مناهضة التعذيب، في هذه الحالة، لأن ترى محكمة محلية أن سعدي لا يمكن إعادته بسلامة إلى تونس. والقانون الإيطالي ينص على بديل للإبعاد، يتمثل في الإقامة الإلزامية، وإشراف شرطي خاص. ولا يمكن فرض هذه الإجراءات إلا من جانب محكمة وهذا بعد جلسة كاملة يتم فيها عرض وجهتي نظر طرفي القضية، ويمثل فيها الشخص محامٍ. وانتهاك شروط الإقامة توفر الأساس لفرض عقوبات جزائية.
كما أننا قلقون من أنه خلال جلسة المحكمة بتاريخ 11 يوليو/تموز 2007 في قضية سعدي، قال ممثل الحكومة الإيطالية بأن الطبيعة المطلقة للالتزام بعدم الإعادة يجب أن يعاد النظر فيها للسماح باستثناءات خاصة بالأمن القومي، والاستثناء بحق المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (الالتزام بعدم الإعادة). وقال إن الاستثناء سيسمح بموازنة خطر المعاملة السيئة مقابل التهديد المزعوم الذي يفرضه الشخص الذي يتم النظر في أمر إبعاده. وعلى الرغم من أن حظر الإعادة إلى خطر التعذيب سيبقى سليماً بموجب القانون الدولي، وعلى الأخص بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة التعذيب، فإن الحكومة الإيطالية قد بذلت جهداً واضحاً في إضعاف الحظر المطلق ضد التعذيب والمعاملة السيئة بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو الجهد الذي يعتبر أثره وكأنه يأكل في نص الاتفاقية، ويُضع الأشخاص المعرضين للإبعاد تحت خطر المعاملة السيئة.
ونشير إلى أن الحكومة البريطانية تدخلت في قضية نسيم سعدي وتقدمت بتصريحات شفهية للمحكمة أثناء الجلسة لصالح القيام باختبار توازن الأمن القومي مقابل العودة إلى خطر المعاملة السيئة. وقد انتقدت هيومن رايتس ووتش الحكومة البريطانية على تدخل مماثل في قضية "رمزي ضد هولندا"، وهي قضية انسحبت منها الحكومة الإيطالية المتولية السلطة في ذلك الحين. ومن المحبط أنه بعد الانسحاب من تدخل المملكة المتحدة في قضية رمزي ضد هولندا، تقوم الحكومة الإيطالية الآن بإصدار تصريحات وحجج مماثلة في قضية سعدي.
خطر المعاملة السيئة في تونس وانتهاك الضمانات الدبلوماسية
قالت الحكومة الإيطالية أمام المحكمة إن أي خطر قد يواجهه نسيم سعدي لدى عودته فسوف تقلل منه الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب والمعاملة السيئة والتي تقدمت بها الحكومة التونسية. وقد تم الحكم على سعدي غيابياً في 2005 بالسجن 25 عاماً من قبل محكمة عسكرية، بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، ومن المؤكد أنه سوف ينقل تلقائياً إلى السجن لدى عودته. وطبقاً للحكومة الإيطالية، فقد وعدت السلطات التونسية بأن سعدي سيلقى معاملة بما يتفق مع المادة 32 من الدستور التونسي، والتي تعلي الالتزامات الدولية على التشريع الوطني، من حيث أن أي إساءات تُرتكب ضد سعدي سوف ينتج عنها تحقيق شامل ومحاسبة لمرتكبي الإساءات حسب القانون الجزائي التونسي، وسوف يتمكن أفراد أسرة سعدي ومحاميه من مقابلته لدى عودته.
إلا أن هذه الضمانات الدبلوماسية لا تفعل أكثر من إعادة ذكر الالتزامات الأساسية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب والتي تعد تونس طرفاً فيها. إلا أنه طبقاً لأبحاث هيومن رايتس ووتش وأبحاث أخرى، فإن تونس قد فشلت بشكل متكرر ومنهجي في الوفاء بالتزاماتها الملزمة قانوناً بموجب الاتفاقيات، وتمارس التعذيب والمعاملة السيئة بحق أشخاص في مراكز الاحتجاز والسجون بتونس، وهي الممارسات التي جرى توثيقها توثيقاً جيداً. وفي هذا الصدد أود لفت انتباهكم إلى رسالة بتاريخ 23 يوليو/تموز 2007 من منظمة العفو الدولية، توثق للعودة الجبرية والاحتجاز الانفرادي دون اتصال بالآخرين، والتعذيب والمعاملة السيئة للمواطنين التونسيين لدى عودتهم إلى تونس بين عام 2004 وأواسط 2007 (يرجى الاطلاع على المرفقات).
كما أن قرار لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الصادر في مايو/أيار 2007 بشأن قضية "تيبورسكي ضد فرنسا" كفيل بتوضيح الأمور. ففي أغسطس/آب 2006، قامت السلطات الفرنسية بترحيل عادل تيبورسكي تونسي الجنسية من فرنسا إلى تونس، وزعمت أن عادل تيبورسكي يمثل تهديداً للأمن القومي الفرنسي. على الرغم من مطالبة اللجنة لفرنسا بتأخير ترحيل تيبورسكي حتى تراجع التماسه. ثم وجدت اللجنة أن فرنسا انتهكت المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب، وذكّرت فرنسا بالتالي:
المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب تفرض حماية مطلقة لأي شخص ضمن إقليم الدولة الطرف بالاتفاقية من التي أصدرت إعلاناً بموجب المادة 22 [بتقديم الالتماسات الفردية للجنة]. وما إن يشير هذا الشخص إلى خطر تعرضه للتعذيب كما جاء في الظروف المحددة في المادة 3، لا يمكن للدولة الطرف التذرع ببواعث القلق الداخلية واعتبارها أسساً للفشل في الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية من حيث توفير الحماية لأي شخص في إقليم الدولة يُخشى أنه عرضة لخطر التعذيب لدى عودته إلى دولة أخرى.
وقد خلصت اللجنة إلى أن ترحيل فرنسا لتيبوريسكي إلى تونس ينتهك التزامها المطلق بعدم إعادة الشخص إلى حيث توجد أسس قوية للاعتقاد بأنه في خطر التعرض للتعذيب. وهذا الحكم بمثابة إدانة لتونس على ممارستها واستخدامها للتعذيب والمعاملة السيئة ضد خصومها السياسيين والمشتبه بهم المزعومين بارتكاب أعمال إرهابية، وفي الوقت نفسه إعلان أن فرنسا بترحيلها لتيبورسكي تعرضه لخطر مواجهة الإساءات لدى عودته.
كما أن تونس فشلت في الالتزام بالضمانات الدبلوماسية بالمعاملة الإنسانية التي تقدمت بها في الماضي. ففي 6 سبتمبر/أيلول 2007، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان "عودٌ غير حميد: دراسات حالة لتونسيين عائدين من غوانتانامو"، وجاء فيها تفصيلاً محنة رجلين كانا محتجزين في خليج غوانتانامو ثم أعيدا إلى تونس في يونيو/حزيران 2007. وقد تعرض كل من الرجلين للمعاملة السيئة، على الرغم من تعهد تونس للحكومة الأميركية بأنها ستعاملهما معاملة إنسانية لدى عودتهما. وفي الوقت الحالي، وفيما هما محتجزان في أحد السجون التونسية، قال كل من الرجلين لمن زارهما إن معاملتهما كانت سيئة لدرجة أنهما يفضلان العودة إلى غوانتانامو.
كما لم يتم السماح لـ هيومن رايتس ووتش بمقابلة المحتجزين السابقين، لكن تمكن باحثونا من التكلم إلى محاميهم وأفراد من أسرهم كانوا قد قابلوا الرجلين وكشفوا عن صورة سيئة لطبيعة الإساءات التي تعرضا إليها. ويقول عبد الله الحاجي بن عمور، أب لثمانية في سن 51 عاماً، إنه قضي أول يومين له بعد العودة إلى تونس في مقر وزارة الداخلية، حيث تعرض للصفع مراراً وهددوه باغتصاب زوجته وبناته، وكانوا يفيقونه كلما يداهمه النعاس، وأكرهوه على توقيع ورقة يقول إنه لم يتمكن من قراءتها. وقضي الحاجي الأسابيع الستة التالية في الحجز الانفرادي في حجرة سيئة التهوية أطلق عليها اسم "قبري" وكانوا يخرجونه 15 دقيقة يومياً في مساحة مغلقة لا يوجد فيها نور طبيعي. وقد أنكرت الحكومة التونسية علناً استخدام الحبس الانفرادي لفترات مطولة في اجتماع مع هيومن رايتس ووتش في 2005، وأثناء ذلك الاجتماع أشرنا إلى قلقنا من أن الاحتجاز في ظل هذه الظروف يعتبر معاملة قاسية غير إنسانية وحاطة بالكرامة. وفي مطلع أغسطس/آب، تم نقل الحاجي إلى زنزانة أخرى مع سجناء عاديين، حيث ينتظر موعد إعادة محاكمته في 26 سبتمبر/أيلول.
أما المحتجز السابق الآخر، لطفي الأغا، فلم يتم تمثيله من قبل محامي في غوانتانامو قط، ولم يُمنح حق مشاورة محامي في تونس إلا في 9 أغسطس/آب، أي بعد أكثر من سبعة اسابيع من عودته إلى هناك. ومثل الحاجي، تم أخذ الأغا مبدئياً إلى وزارة الداخلية. ثم مثل أمام قاضي تحقيق فيما بعد، وأوصى القاضي بتوجيه الاتهامات إليه ثم عاد إلى السجن، حيث تم وضعه في الحبس الانفرادي بدوره لأكثر من ستة أسابيع. وينتظر الأغا الآن محاكمته التي لم يتم تحديد موعدها بعد، لكن يتوقع محاميه أن تتم في وقت ما من شهر أكتوبر/تشرين الأول. ويقول الأغا إنه أخبر ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذين زاروه في غوانتانامو أنه يخشى الإعادة إلى بلده.
وأخبر روبرت ف. غوديك، سفير الولايات المتحدة في تونس، هيومن رايتس ووتش بأن الضمانات الدبلوماسية التي تم تلقيها من تونس هي "محددة وموثوقة، ونحن نتابع هذه الضمانات". لكن لم يتمكن السفير من تحديد ما تم الوعد به على وجه الدقة فيما يتعلق بالحاجي والأغا، وما إذا كانت الوعود قد تم الوفاء بها، أو متى وكيف تمت مراقبة معاملة الأغا، وإن كانت المعاملة تتفق مع الوعود بالمعاملة الإنسانية، وإن لم يكن الأمر كذلك، فما الذي تم فعله لمحاسبة التونسيين على انتهاكات الضمانات المحتملة.
وكما اتضح من أبحاث هيومن رايتس ووتش، فإن السلطات التونسية فشلت في معاملة الحاجي والأغا بطريقة تتفق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي، وفي انتهاك ظاهر للضمانات التي تقدمت بها للحكومة الأميركية بأن المحتجزين السابقين بغوانتانامو سيعاملان معاملة إنسانية وبما يتفق مع التزامات تونس القانونية الخاصة بحقوق الإنسان.
الضمانات الدبلوماسية غير مجدية كضمانة ضد التعذيب والمعاملة السيئة
تضمنت أبحاث هيومن رايتس ووتش بعض الحالات الأخرى جيدة التوثيق، والتي تم فيها نقل الأشخاص على أساس من الضمانات الدبلوماسية ثم تعرضوا في واقع الأمر إلى التعذيب والمعاملة السيئة، وكذلك تضمنت عدداً من الحالات حيث أمرت المحاكم بوجوب وفاء الدولة بالتزام "عدم الإعادة" بواسطة إيقاف نقل الأشخاص بعد تحديد أن الضمانات الدبلوماسية الصادرة عن الدولة المستقبلة غير كفيلة بتوفير ضمانة فعالة ضد التعذيب والمعاملة السيئة.
وتشير جملة من الأدلة المتراكمة والمتزايدة وآراء الخبراء الدوليين إلى أن الضمانات الدبلوماسية لا يمكن التعويل عليها في حماية الأشخاص من خطر التعذيب لدى العودة. وجزء مما يجعل هذه الوعود غير فعالة هي طبيعة التعذيب نفسها. فالتعذيب نشاط إجرامي من النوع الأكثر خطورة، خاصة بالنسبة للاستخدام السري للأساليب التي يصعب التحقق منها (مثلاً، الإغراق والاعتداء الجنسي والاستخدام الداخلي للكهرباء، والتهديد بالعنف). وفي دول كثيرة، فإن العاملين الطبيين في مراكز الاحتجاز يراقبون الإساءات لضمان أن التعذيب لا يسهل التعرف إلى وقوعه. ويخشى المحتجزون الذين تعرضوا للتعذيب في العادة أن يشتكوا لأحد عن الإساءة التي يتعرضون إليها خشية الانتقام ضدهم أو ضد أفراد أسرهم. ولا يمكن أن تكفل المراقبة من الحين للآخر فيما بعد العودة من قبل الدبلوماسيين، الحماية للأشخاص في ظل هذه الظروف.
وربما كانت الضمانات الدبلوماسية مُستغلة فيما يسمى "التسليم غير الاعتيادي" من قبل إيطاليا نفسها. فتعذيب حسن مصطفى أسامة نصر (المعروف بأبي عمر) في مصر بعد اختطافه وتسليمه من إيطاليا في فبراير/شباط 2003 من قبل عناصر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بالتعاون مع عناصر من الشرطة الإيطالية، يُظهر بوضوح المشكلات المتأصلة في الاعتماد على مثل هذه الوعود. وطبقاً لوزارة الخارجية الأميركية، فإن الولايات المتحدة تنتهج سياسة الحصول على الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب في قضايا التسليم حيث يوجد خطر قائم بالتعذيب لدى العودة. وفي ديسمبر/كانون الأول 2005، عشية رحلة إلى أوروبا، دافعت كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية عن برنامج تسليم الحكومة الأميركية، وادعت أنه إذا كانت الحكومة الأميركية تخشى تعذيب مشتبه به لدى عودته إلى وطنه أو دولة ثالثة، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى تأمين الحصول على ضمانات دبلوماسية بالمعاملة الإنسانية من الدولة المستقبلة. وهذه السياسة مماثلة في طبيعتها للسياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة فيما يخص العائدين من خليج غوانتانامو حسب المذكور أعلاه.
وفي فبراير/شباط 2003، تم اختطاف أبو عمر في ميلان وسُلم إلى مصر من قبل وكالة الاستخبارات المركزية عن طريق آفيانو، وهي قاعدة جوية أميركية. ووضع أبو عمر في الحجز الانفرادي دون اتصال بالآخرين لدى عودته وتم إطلاق سراحه مؤقتاً من الحبس لدى السلطات المصرية في أبريل/نيسان 2004، حين اتصل بزوجته ورجل دين مصري يقيم في إيطاليا. واعترضت الحكومة الإيطالية هذه المكالمات، وخلالها زعم أبو عمر أنه تعرض للتعذيب في سجن مصري، بما في ذلك استخدام التعذيب بالصدمات الكهربية، مما أدى إلى فقدانه السمع ومشكلة مستديمة في السير بشكل سليم. وفي فبراير/شباط 2007، أفاد محامي أبو عمر بأن أبو عمر قد تم إطلاق سراحه من الحبس ثانية. وقابلت هيومن رايتس ووتش أبو عمر في مارس/آذار 2007 وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه قد تعرض للتعذيب وهو قيد الاحتجاز في مصر. وفي 16 فبراير/شباط 2007، وجهت محكمة إيطالية الاتهام إلى 26 أميركياً، ومنهم 25 شخصاً يُزعم أنهم عملاء للاستخبارات الأميركية وسبعة إيطاليين، منهم المدير السابق للاستخبارات الإيطالية، جراء دورهم في اختطاف أبو عمر والاختفاء القسري والتسليم إلى مصر.
وتستمر الحكومة الأميركية في دفاعها عن استخدام التسليم كأداة لمكافحة الإرهاب، لكنها تفشل دوماً في الإجابة على الأسئلة المشروعة والانتقاد الموجه إليها بخصوص درجة فعالية الضمانات الدبلوماسية في توفير حماية للأشخاص المعرضين لعمليات النقل هذه. وفي تعليقات صدرت في 11 سبتمبر/أيلول 2006 في مركز الدراسات الأميركية في روما، عنّف المسؤول القانوني بوزارة الخارجية الأميركية جون بيلينغز لجنة مناهضة التعذيب، ومقرر الأمم المتحدة المعني بالتعذيب، وغيرها من الجهات المدافعة عن حقوق الإنسان، جراء معارضتها للضمانات الدبلوماسية:
إن مثل هذا الرفض غير المرن للضمانات الدبلوماسية يمكن أن يكون معقولاً ومقبولاً حين يكون على الدول التعامل فقط مع عدد محدود من الاشخاص المعرضين لخطر الإساءة إذا تم نقلهم إلى دولهم. لكن اليوم تجد الدول نفسها غير قادرة على إعادة مئات الأجانب الذين يخططون لتنفيذ هجمات إرهابية ضد مواطنيها. إذن فربما يكون المنهج الأقل معارضة للضمانات الدبلوماسية مناسباً أكثر.
ومن المزعج للغاية أن تستعين الحكومة الإيطالية بنفس الأساليب، أي استخدام الضمانات الدبلوماسية التي لا يمكن الاعتماد عليها ضد التعذيب لتبرير ترحيلها لشخص مشتبه به في قضية أمن قومي، وهو نفس الأمر الذي تستعين به الولايات المتحدة في برنامجها لتسليم الأشخاص الموجهة إليه انتقادات كثيرة.
موقف إيطاليا من الضمانات الدبلوماسية
كما أن أفعال الحكومة الإيطالية في قضية سعدي مثيرة للانزعاج؛ حيث يبدو أنها متعارضة بشكل مباشر مع التصريحات التي صدرت في ديسمبر/كانون الأول 2005 ومارس/آذار 2006 من قبل ممثل دبلوماسي إيطالي للحكومة السابقة، أثناء المداولات الخاصة بقضية الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب في اجتماعين للخبراء لمجموعة الاختصاصيين في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، في مجلس أوروبا. وفي يونيو/حزيران 2005، قامت اللجنة التوجيهية الأوروبية بشأن حقوق الإنسان بتكليف مجموعة من الاختصاصيين بفحص الحكمة من إعداد أدلة إرشادية عن "الاستخدام المناسب" للضمانات الدبلوماسية. وفي النهاية قامت مجموعة الاختصاصيين بتقديم توصيات بأنه يجب ألا يتم إعداد أدلة إرشادية عن استخدام الضمانات، وكانت الحكومة الإيطالية في ذلك الحين تتخذ جانب الدول المعارضة لاستخدام الضمانات الدبلوماسية في عمليات النقل التي يوجد فيها خطر التعرض للتعذيب والمعاملة السيئة.
وفي اجتماع عُقد في مارس/آذار 2006 لمجموعة الاختصاصيين، لاحظ ممثل هيومن رايتس ووتش الذي يحضر بصفة المراقب، وجود معارضة شفهية وثابتة من جانب ممثل إيطاليا لاستخدام الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب والمعاملة السيئة. وكان الممثل الإيطالي طرفاً في مجموعة من الدول التي قالت، فيما يتفق مع تحالف من المنظمات غير الحكومية تضم هيومن رايتس ووتش، إن الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب والمعاملة السيئة لا تخفف من خطر الإساءة القائم. وجاء في تقرير أبريل/نيسان 2006 النهائي الخاص بالاجتماع:
اعتبر بعض الخبراء أن الضمانات الدبلوماسية الخاصة بمعاملة المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وبخصوص إجراءات الطرد، هي في الأصل لا يمكن التعويل عليها ولا يمكن القول بأن لها ما يكفي من قوة بحيث ترقى إلى وسيلة فعالة لإبعاد الخطر. ولهذا فيجب ألا يُعتمد عليها قط. وقد أبدى البعض هذا الرأي على إطلاقه، فيما قصر البعض الآخر تعليقاتهم على حالات معينة حيث يوجد نسق منهجي واضح باستخدام التعذيب في الدولة المستقبلة للأشخاص.
واعتنق ممثل الحكومة الإيطالية بإصرار الموقف الذي مفاده أن الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب تقوض الالتزام "بعدم الإعادة" ويجب ألا تستخدم في الحالات التي يوجد بها خطر حقيقي بالتعذيب والمعاملة السيئة لدى العودة. ولهذا فإن هيومن رايتس ووتش تريد الاستيضاح بشأن ما يبدو أن تراجع حكومتكم عن موقف اتخذته إيطاليا في اجتماع الاختصاصيين، وتحول إلى قبول الضمانات الدبلوماسية والاعتماد عليها في ترحيل من هم عرضة لخطر التعذيب.
رأي الخبير الدولي عن الضمانات الدبلوماسية
إن موقف الخبير الإيطالي تجاه استخدام الضمانات الدبلوماسية في عمليات النقل التي يوجد بها خطر تعرض للتعذيب والمعاملة السيئة في سياق الجهد العالمي لمكافحة الإرهاب، قد ردده فاعلون دوليون آخرون. ففي مارس/آذار 2006 قال المفوض السامي للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، لويس أربور: "إنني أشارك بقوة في الرأي القائل بأن الضمانات الدبلوماسية لا تنجح بما أنها لا توفر الحماية المناسبة ضد التعذيب والمعاملة السيئة". وقد ذكر المفوض السامي لماذا أن المراقبة فيما بعد العودة لشخص معزول لا يمكن اعتبارها ضمانة مضافة".
وفي تعليق على جهود الحكومة البريطانية لترحيل المشتبه بهم في أعمال إرهابية بناء على الضمانات الدبلوماسية، قال مقرر الأمم المتحدة المعني بالتعذيب، مانفريد نوفاك، إن السعي لهذه الضمانات "يعكس ميلاً في أوروبا نحو الالتفاف حول الالتزام الدولي بعدم ترحيل أي شخص إذا كان ثمة خطر قائم بتعرضه للتعذيب لدى عودته".
أما توماس هامربرغ، مفوض حقوق الإنسان بمجلس أوروبا، فهو واضح تمام الوضوح في معارضته لممارسة السعي للحصول على الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب:
إن "الضمانات الدبلوماسية"، سواء وعدت الدول المستقبلة بألا تعذب أشخاص بعينهم لدى العودة، هي قطعاً لا تقدم حلاً لمعضلة التسليم أو الترحيل إلى دولة تمارس التعذيب. ومثل هذه التعهدات لا تتمتع بالمصداقية واتضح أنها غير فعالة في حالات تم توثيقها جيداً... وباختصار، فإن مبدأ عدم الإعادة يجب ألا يتم تقويضه بأي وعود اتفاقية غير ملزمة من مثل هذا النوع.
والطبيعة الواضحة لهذه التصريحات تعطي ثِقلاً لفرضية أن الضمانات الدبلوماسية ضد التعذيب ليست ناجحة وتقوض من الالتزام بعدم الإعادة.
الاستنتاج
يعتبر تحرك الحكومة الإيطالية مؤخراً لاستخدام الضمانات الدبلوماسية لترحيل نسيم سعدي بمثابة تطور مثير للإحباط. فهو يعارض بشكل غريب أدلة جيدة التوثيق مفادها أن مثل هذه الضمانات بالمعاملة الإنسانية لا توفر ضمانة فعالة ضد التعذيب والمعاملة السيئة. وندعو سيادتكم إلى أن ترفض الحكومة الإيطالية الضمانات الدبلوماسية التونسية في قضية سعدي باعتبارها لا يمكن الاعتماد عليها وغير كافية، وإيقاف جهودها الرامية لترحيل سعدي، ورفض السعي للحصول على ضمانات في أي قضية مستقبلية حيث يوجد خطر قائم بالتعذيب لدى العودة.
مع كامل الاحترام،
هولي كارتنر
المديرة التنفيذية
قسم أوروبا وآسيا الوسطى
نسخة إلى:
لويس أربور، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة
مانفريد نوفاك، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب
تيري ديفيس، الأمين العام لمجلس أوروبا
توماس هامربرغ، مفوض حقوق الإنسان بمجلس أوروبا
ماسيمو دى أليمو، وزير الخارجية الإيطالي
جيوليانو أماتو، وزير الداخلية الإيطالي
لامبيرتو ديني، رئيس اللجنة الدائمة للشؤون الخارجية والهجرة بمجلس الشيوخ الإيطالي
أمبيرتو رانييري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب