Skip to main content
تبرعوا الآن

لبنان: إصلاحات قضائية إيجابية لكن غير كافية

ينبغي للبرلمان مواءمة "تنظيم القضاء العدلي" مع المعايير الدولية

رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وأعضاء الحكومة اللبنانية يحضرون جلسة برلمانية في بيروت، 15 يوليو/تموز 2025. © 2025 إميلي ماضي/رويترز

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن القانون الذي أقره مجلس النواب اللبناني في 31 يوليو/تموز 2025 يتضمن إصلاحات إيجابية للنظام القضائي اللبناني، لكنه لا يضمن استقلالية القضاء.

يتضمن القانون بعض التقدم في مجال استقلال القضاء، في مجالات تشمل زيادة الاستقلال الذاتي للقضاء وتوسيع نطاق انتخاب القضاة من قبل قضاة آخرين. لكنه يسمح للنائب العام التمييزي (أعلى مسؤول في النيابة العامة) المعيّن من قبل الحكومة اللبنانية بأن يأمر المدعين العامين الآخرين بوقف الإجراءات القانونية الجارية، ويقيّد قدرة أعلى هيئة قضائية في لبنان على التغلب على الجمود الحكومي وعرقلة التعيينات القضائية.

قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "بعد سنوات من الجهود الدؤوبة التي بذلتها مجموعات حقوقية وقضائية لبنانية، أحرز مجلس النواب اللبناني تقدما، لكنه لم يغتنم الفرصة بالكامل لحماية القضاء اللبناني من التدخل السياسي. قانون تنظيم القضاء العدلي تقدمي في جوانب عدة، لكن الثغرات التي لم تعالَج تواصل تهديد استقلال القضاء وتعرضه للتدخل السياسي المستمر".

وبحسب تقارير، وقّع رئيس البرلمان اللبناني على القانون في 7 أغسطس/آب وأحاله إلى رئيس الوزراء نواف سلام والرئيس جوزاف عون لتوقيعه وإقراره. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للحكومة ومجلس النواب اللبنانيَّيْن الآن العمل على تعديل القانون ومواءمته مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء، بما في ذلك التوصيات التي قدمتها "اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون" (لجنة البندقية). من المقرر أن يدخل القانون حيّز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2026.

في مايو/أيار، قبل عرض مشروع القانون على البرلمان، رحبت منظمات حقوقية وقضائية لبنانية بموافقة الحكومة على "مشروع قانون استقلالية القضاء"، الذي أعيدت تسميته لاحقا "قانون تنظيم القضاء العدلي"، ووصفته بأنه يساهم في "مسار إصلاح القضاء".

هذه المجموعات، ومنها "ائتلاف استقلال القضاء في لبنان" و"المفكرة القانونية"، التي قدمت في 2018 نسخة أصلية من مشروع القانون إلى البرلمان، دعت البرلمان إلى تعديل القانون مجددا ومواءمته مع المعايير الدولية.

قال نزار صاغية، المدير التنفيذي لـ المفكرة القانونية: "عندما صيغ القانون في 2018، أدرجنا معايير عالية جدا بشأن استقلال القضاء. هناك عدة تطورات إيجابية في النسخة الحالية من القانون، تتعلق بالانتخابات القضائية والشفافية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات، لكنها ما تزال بعيدة جدا عمّا ينبغي أن تكون عليه".

تجاهل النص الذي اعتمده البرلمان إلى حد كبير العديد من توصيات المجتمع المدني. كما شاب عملية اعتماد القانون خروقات جسيمة للإجراءات التشريعية. وشملت هذه الخروقات تعديلات أُدخلت في اللحظة الأخيرة ولم يتمكن النواب من مراجعتها قبل التصويت، وعملية فرز الأصوات العشوائية التي دفعت بعض الصحفيين والنواب إلى الاستنتاج أن مشروع القانون لم يحصل على أغلبية الأصوات.

قالت النائبة حليمة قعقور في فيديونُشر على وسائل التواصل الاجتماع: "لم نناقش القانون ولم نصوّت عليه. نادوا بعض الأسماء [لأعضاء البرلمان] ثم تمت الموافقة على القانون".

يتضمن القانون الجديد تطورات في مجال استقلالية القضاء. فهو يوسع مشاركة القضاة في العمليات الانتخابية القضائية، ويسمح للقضاة بترشيح أنفسهم لمختلف المناصب القضائية، ويعزز الحكم الذاتي القضائي، بما يشمل الترقيات، والتأديب، وتوزيع القضايا على القضاة. كما يكلف "مجلس القضاء الأعلى"، وهو أعلى هيئة قضائية في البلاد، بوضع لوائح قضائية داخلية ومدونة قواعد سلوك قضائية.

يقر القانون بحق القضاة في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، ويُلزم القضاة بإخطار رئيس مجلس القضاء الأعلى قبل 48 ساعة من ظهورهم في وسائل الإعلام. تنص المادة 53 على أن "القضاة مستقلون في أداء مهامهم" و"لا يمكن تعيين القضاة أو نقلهم أو تقييمهم أو تأديبهم أو فصلهم عن القضاء إلا وفقا لأحكام هذا القانون".

وتنص المادة 77 على أنه "لا يعزل القاضي إلا وفقا لأحكام هذا القانون، ولا ينقل من مركزه، خلال مهلة أربع سنوات من دون رضاه". وبموجب القانون، لا يجوز للقاضي البقاء في منصب معين لأكثر من خمس سنوات، ويجب نقله إلى منصب مساوٍ أو أعلى بعد ذلك، ما لم يكن القاضي يخضع لإجراءات تأديبية.

كما يقيّد القانون دور السلطة التنفيذية في اختيار القضاة لمجلس القضاء الأعلى. وبموجب القانون الجديد، ينتخب أعضاء القضاء في لبنان أربعة من أصل عشرة أعضاء، ويكون أربعة أعضاء بحكم مناصبهم، تعينهم الحكومة بناءً على ترشيحات يقدمها المجلس القضاء الأعلى، ويختار الأعضاء الثمانية الحاليون للمجلس عضوين آخرين. ويشغل الأعضاء مناصبهم لمدة خمس سنوات غير قابلة للتجديد.

في حين أن إدخال قضاة منتخبين من قبل قضاة آخرين في أعلى هيئة قضائية أمر جدير بالتنويه، فإن النسخة الأصلية من مشروع القانون نصت على أن ينتخب القضاء أغلبية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، كما أوصت لجنة البندقية. ولكن، كما أفادت المفكرة القانونية، عدلت "لجنة الإدارة والعدل" البرلمانية القانون لزيادة عدد الأعضاء المعينين من قبل الحكومة من ثلاثة إلى أربعة.

النص الأكثر إثارة للقلق هو المادة 42، إذ تسمح للنائب العام التمييزي، الذي تعيّنه الحكومة بناء على ترشيحات مجلس القضاء الأعلى، أن يوعز إلى المدعين العامين الأدنى رتبة وقف الإجراءات القانونية الجارية. وقال هيومن رايتس ووتش إن ذلك يمنح النائب العام التمييزي صلاحيات مفرطة والقدرة على التدخل في التحقيقات الجارية. كما يقيّد القانون قدرة المجلس الأعلى للقضاء على التغلب على الجمود الحكومي بشأن التعيينات القضائية، حيث يشترط موافقة سبعة من أصل الأعضاء الـ 10 على تعيين القضاة رغم اعتراض الحكومة.

انتقد "نادي قضاة لبنان" القانون في 31 يوليو/تموز، قائلا إنه "يبصر النور ليكرّس الطائفية مرة جديدة وليجدّد التدخل السياسي في القضاء ويؤكد على حرمان المجلس الأعلى للقضاء من أية استقلالية إدارية كانت أو مالية". واتهم نادي القضاة لجنة الإدارة والعدل النيابية بتجاهل توصياته وتوصيات لجنة البندقية.

وقد انتقدت مجموعات حقوقية لبنانية سابقا محاولات كل من لجنة الإدارة والعدل ووزير العدل السابق تعديل مشروع القانون بشكل يتعارض مع المعايير الدولية.

اعتمدت لجنة البندقية في 2022آراء منفصلة بشأن "مشروع قانون استقلالية القضاء"، الذي أعيدت تسميته لاحقا قانون تنظيم القضاء العدلي، ومشروع قانون القضاء الإداري في العام 2024، وقدمت إلى الحكومة والبرلمان اللبنانيَّيْن توصيات تهدف إلى مواءمة الأحكام التي تنظم القضاء مع المعايير الدولية.

كما ينبغي للحكومة اللبنانية المضي قدما في الإصلاحات القضائية من خلال العمل مع البرلمان لاستثناء المدنيين من اختصاص المحاكم العسكرية اللبنانية. في السنوات الأخيرة، استخدمت السلطات اللبنانية الاختصاص القضائي للمحاكم العسكرية على المدنيين كوسيلة لترهيبهم أو معاقبتهم على نشاطهم السياسي أو لقمع المعارضة. يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على القضايا العسكرية البحتة، وألا يشمل المدنيين سواء كانوا ضحايا أو متهمين مزعومين.

قال قيس: "اعتماد قانون تنظيم القضاء العدلي خطوة أولى في إصلاح القضاء، لكن المعركة لن تنتهي حتى يتخلص القادة اللبنانيون أخيرا من النصوص القانونية المستخدمة للتدخل في عمل القضاء وعرقلته".

 

 

GIVING TUESDAY MATCH EXTENDED:

Did you miss Giving Tuesday? Our special 3X match has been EXTENDED through Friday at midnight. Your gift will now go three times further to help HRW investigate violations, expose what's happening on the ground and push for change.

الأكثر مشاهدة