لت الحملة العسكرية التي أطلقتها إسرائيل ردا على هجمات "حماس" الوحشية في 7 أكتوبر/تشرين الأول أكثر من 27 ألف شخص في قطاع غزة، وأصابت أكثر من 60 ألف آخرين، وفقا لوزارة الصحة في غزة. نزح نحو 75% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. يعاني نحو 400 ألف شخص من المجاعة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة والقيود الصارمة على المساعدات الإنسانية، التي تحرم المدنيين مما يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة. وقد يرتفع هذا العدد إذا تعثر التمويل الدولي للمساعدات.
هذه الأرقام صادمة، ومن المستحيل التفكير فيها دون النظر فيما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت القانون الإنساني الدولي خلال حملتها. في الواقع، يشير قدر كبير من المعلومات المتاحة علنا إلى أن إسرائيل فعلت ذلك. نشرت منظمات حقوقية ووسائل إعلام تقارير عن العقاب الجماعي غير القانوني بحق السكان الفلسطينيين، واستخدام التجويع سلاحا في الحرب، والقصف الجوي والمدفعي، وهدم المباني التي لم تتضمن أي أهداف عسكرية واضحة ورغم ذلك أدى إلى خسائر مدنية كبيرة ودمر الممتلكات. توصلت تحقيقات "هيومن رايتس ووتش" إلى حصول غارات غير قانونية متكررة على مستشفيات في غزة، منها "المستشفى الإندونيسي"، و"المستشفى الأهلي"، و"المركز الدولي للعيون"، و"مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني"، و"مستشفى القدس" في غزة. كما وجدت "منظمة العفو الدولية" أن المنازل المكتظة بالمدنيين في غزة تعرضت للقصف بـ "ذخائر الهجوم المباشر المشترك" أمريكية الصنع، التي قتلت 43 مدنيا بينهم 19 طفلا.
أدى استخدام إسرائيل المتكرر للأسلحة الثقيلة في المناطق المأهولة بالسكان إلى زيادة المخاوف من احتمال تنفيذها هجمات عشوائية غير قانونية. حين يكون السؤال ما إذا كانت إسرائيل تنتهك القانون في غزة، هناك ما يكفي من الدخان للاشتباه بنشوب حريق، وهذا وضع المسؤولين الأمريكيين في مأزق. الولايات المتحدة أهم حليف لإسرائيل وأكبر مصدر للمساعدات والمعدات العسكرية لها. منذ تأسيسها العام 1948، تلقت إسرائيل مساعدات خارجية أمريكية بالمجموع أكثر من أي دولة أخرى خلال تلك الفترة: 300 مليار دولار، معدلة لاحتساب التضخم، مع احتمال وصول 10 مليارات دولار أخرى. لكن القانون الأمريكي يلزم وزارة الخارجية بضمان عدم وصول المساعدة الأمنية الأمريكية إلى قوات الأمن التي تستمر في ارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة. تتطلب السياسة الأمريكية الحالية أيضا من الوزارة تقييم ما إذا كان متلقي المساعدات العسكرية الأمريكية "على الأرجح" يستخدم الأسلحة الأمريكية لانتهاك القانون الدولي، وحظر عمليات النقل إلى أي دولة تستوفي هذا المعيار.
لكن حتى الآن، ليس واضحا ما إذا أجرت وزارة الخارجية هذه التقييمات. حثّ كبار المسؤولين الأميركيين، علنا وسرا، الحكومة الإسرائيلية على تقليص الضرر بالمدنيين والسماح بإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة. في وقت مبكر، في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنه "قُتل عدد كبير جدا من الفلسطينيين" على يد القوات الإسرائيلية، وقال إنه "من الضروري" أن يكون لدى إسرائيل "خطة واضحة تولي الأولوية لحماية المدنيين". (في اجتماع "المنتدى الاقتصادي العالمي" بدافوس الشهر الماضي، ردد هذه الملاحظة، قائلا إن عدد القتلى المدنيين "مرتفع كثيرا"). وجّه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن رسالة مماثلة إلى السلطات الإسرائيلية في بداية الحرب، وأرسل مستشارين أمريكيين إلى إسرائيل لتقديم المشورة لـ "قوات الدفاع الإسرائيلية" بشأن ضبط النفس في بيئة تسودها التحديات.
مع ذلك، باستثناء التحذير الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جو بايدن في ديسمبر/كانون الأول الماضي على ما يبدو بشأن المخاطر التي تتعرض لها سمعة إسرائيل من خلال تنفيذ "قصف عشوائي"، تجنب المسؤولون الأمريكيون التصريح بوضوح بأن أي تصرفات إسرائيلية بعينها في غزة غير مقبولة (أمضى المتحدثون باسم الإدارة أياما يتراجعون عن تعليق بايدن). عندما طرح الصحفيون على المسؤولين الأمريكيين أسئلة مباشرة حول سلوك إسرائيل في غزة، لم يجيبوا بوضوح. قال جون كيربي، المتحدث باسم "البيت الأبيض"، في ديسمبر/كانون الأول، عندما طلب منه مراسل أن يصف كيف ستبحث الولايات المتحدة عن أدلة على الانتهاكات الإسرائيلية: "لن نحكم على كل حدث تكتيكي". أجاب المسؤول الإعلامي في "البنتاغون" باتريك رايدر عندما سأله مراسل في مؤتمر صحفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني عما إذا كان رد إسرائيل متناسبا: "لن أتحدث عن العمليات الإسرائيلية". وقال في حوار منفصل خلال المؤتمر الصحفي نفسه إن "الجيش الأمريكي [لا] يشارك في وضع أهداف جيش الدفاع الإسرائيلي [أو] يساعده في إدارة حملته. كما تعلمون، ولأكون واضحا تماما، إنها عمليتهم، إنهم يديرون عمليتهم".
غاب بشكل ملحوظ عن هذه التصريحات الرسمية والكثير مثلها أي تصريح يؤكد أن إسرائيل تلتزم في الواقع بالقانون الدولي. لو كان المسؤولون الأميركيون يعتقدون أن إسرائيل تفعل ذلك – أو على الأقل تتخذ كل التدابير الممكنة لتجنب إيذاء المدنيين في ظروف صعبة – لكانوا قالوا ذلك بلا تردد. لم يفعلوا ذلك، رغم أن إدارة بايدن لم تتردد في انتقاد سلوك أطراف متحاربة في نزاعات أخرى.
سبب ذلك هو أن لفت مزيد من الاهتمام إلى ما يحدث في غزة سيفرض بالتأكيد تغييرا في السياسة لا يرغب بايدن في إجرائه، وقد يفرض على إدارته سلسلة من الخيارات الصعبة التي تفضل تجنبها، ويفاقم تعقيد الديناميات المعقدة أصلا للعلاقة الأمريكية-الإسرائيلية – وربما يضعف بايدن سياسيا في عام الانتخابات.
لكن مع تجنب الإدارة الأمريكية واقع الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وتطبيقها قواعد المساعدة العسكرية انتقائيا، سيتلاشى أكثر فأكثر التفوق الأخلاقي الذي تدعيه الولايات المتحدة. طوال تاريخها، روّجت الولايات المتحدة احترام قوانين الحرب: القيام بذلك، كما دأب القادة الأمريكيون على التأكيد، هو أحد الأشياء التي تميز البلاد عن خصومها. شجبت إدارة بايدن الفظائع التي ارتكبتها حكومات دول مثل روسيا وسوريا، لكنها تظاهرت بعد ذلك بأن لا رأي لها بشأن الفظائع التي ترتكبها حكومة إسرائيل، ولا تموّلها. الأضرار طويلة الأمد لهذا النهج تفوق المكاسب المؤقتة بكثير وتضر بمصداقية الولايات المتحدة ومصالحها. ينبغي للمسؤولين الأميركيين القول بصوت عال ما يعرفونه، ويعرفه كل مراقب حيادي عن سلوك إسرائيل في غزة: إنه أمر غير مقبول، وإذا لم يتغير فإن السياسة الأمريكية تجاه المساعدة العسكرية لإسرائيل ستتغير. سيكون ثمن هذا الصدق باهظا، ولكن ثمن النفاق أعلى.
إرساء القانون
ليست كل الوفيات أو الإصابات التي تلحق بالمدنيين في زمن الحرب هي انتهاكات لقوانين الحرب. طالما أن القوات المسلحة تهاجم هدفا عسكريا مشروعا، وطالما أن السلاح المستخدم أو طريقة الهجوم يمكن أن تميز بين المقاتلين والمدنيين، وما دامت الخسائر المدنية المتوقعة من الهجوم ليست مفرطة مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة، فمن المرجح أن يكون الهجوم مشروعا. أحيانا يكون من السهل نسبيا إظهار أن الهجوم الذي ألحق الضرر بالمدنيين انتهك القانون – كما هو الحال عندما لا يكون هناك هدف عسكري واضح. في ظروف أخرى، خاصة إذا تسبب الهجوم بضرر غير متناسب للمدنيين، من الصعب جدا تقييم شرعية هجوم معين. لذا، من المهم جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات في مثل هذه الظروف – ليس فقط حول الخسائر المدنية، ولكن أيضا حول وجود قوات عدوة متورطة أم لا.
يعمل جيش الدفاع الإسرائيلي في إحدى أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، ويمكن لـ "حماس" والمقاتلين الفلسطينيين الآخرين أن يختفوا بين السكان وتحت الأرض. هذه بيئة تسودها تحديات بشأن اتخاذ قرارات استهداف معقدة. كما أن على حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة التزامات بموجب قوانين الحرب. عليها اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين الخاضعين لسيطرتها وعدم استخدام المدنيين "دروعا بشرية". لكن الخروقات من جانبهم لا تقلل من التزامات إسرائيل.
يتطلب القانون الأمريكي من المسؤولين تقييم ما يفعله متلقي المساعدات العسكرية الأمريكية بالأسلحة المقدمة إليه. قد تبدو هذه التقييمات ذات أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بالحرب في غزة، نظرا لحجم القصف الإسرائيلي الهائل والمستويات المعلنة للخسائر في أرواح المدنيين. لكن ليس واضحا أبدا أن ذلك يحدث. يتطلب القسم 502 ب من قانون المساعدة الخارجية من وزارة الخارجية ضمان أن المساعدة الأمنية الأمريكية لا تحرّض على الانتهاكات الحقوقية الجسيمة. وتحظر ما تسمى بـ "قوانين ليهي" التي سنها الكونغرس منذ عقود توجيه المساعدات العسكرية الأمريكية إلى وحدات محددة ترتكب انتهاكات حقوقية جسيمة، ومنعت توجيه المساعدات العسكرية إلى قوات الأمن المنتهِكة في هندوراس، ونيبال، ونيجيريا.
لكن وفقا لجوش بول، الذي عمل في "مكتب الشؤون السياسية والعسكرية" في وزارة الخارجية لأكثر من 11 عاما حتى استقالته احتجاجا على الحرب في غزة الخريف الماضي، نظام ليهي "معطل" عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. رغم أن موظفي المكتب حددوا "عديدا" من الانتهاكات من جانب إسرائيل، إلا أن بول أكد في مقابلة في برنامج "ساعة الأخبار من بي بي إس" الخريف الماضي أنهم لا يستطيعون الحصول على "موافقة رفيعة المستوى" على تلك القرارات. تنظر مجموعة عمل شُكلت في وزارة الخارجية وأطلق عليها اسم "منتدى التدقيق في احترام قوانين ليهي من قبل إسرائيل" في مزاعم الانتهاكات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. ولكن باعتبارها مجموعة غير رسمية من الموظفين، فإن نتائجها ليست ملزمة للوزارة.
غالبا ما يُستدعى محامو وزارة الخارجية الأمريكية وخبراء الجرائم الفظيعة إلى "مكتب العدالة الجنائية العالمية" التابع للوزارة لتقييم انتهاكات القانون الدولي في النزاعات. تحت قيادة بلينكن، راجع هذا المكتب والفريق القانوني التابع للوزارة الأدلة وأصدروا تصريحات رسمية بشأن انتهاكات القانون الدولي من قبل حكومات إثيوبيا، والسودان، الصين، وميانمار. لكن لا يوجد دليل متاح علنا على أنه طُلب من مكتب العدالة الجنائية العالمية أو أي مكتب آخر اتخاذ قرارات بشأن الحملة الإسرائيلية في غزة.
الضرر الناجم عن عدم الرغبة المفترضة من جانب إدارة بايدن في إجراء تدقيق قانوني في المعلومات المتاحة يفاقمه تقاعسها الظاهر عن الالتزام حتى بالسياسات التي وضعتها بنفسها كتعبير عن التزام بايدن المفترض بحقوق الإنسان. العام الماضي، تبنت وزارة الخارجية "سياسة نقل الأسلحة التقليدية"، والتي تتطلب من المسؤولين تقييم ما إذا كان الشريك الأمني "على الأرجح" يستخدم الأسلحة الأمريكية لانتهاك القانون الدولي. إذا كانت الإجابة نعم، يُحظر على الحكومة الأمريكية إجراء النقل إلى تلك الدولة.
طرح البيت الأبيض هذه السياسة في فبراير/شباط 2023، مُقِرّا أنه "عندما لا يُستخدم العتاد الدفاعي بمسؤولية، يمكن استخدامه لانتهاك حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وزيادة خطر إلحاق الضرر بالمدنيين، والإضرار بمصالح الولايات المتحدة". لكن الدعم الأمريكي لإسرائيل منذ بدء الأعمال القتالية في غزة يعني على الأرجح أن الإدارة انتهكت سياستها فورا تقريبا بعد وضعها قيد التنفيذ. في اجتماعات مع ممثلي منظمات غير حكومية، قال مسؤولو وزارة الخارجية إنهم يقيّمون سلوك إسرائيل بموجب سياسة نقل الأسلحة التقليدية، لكنهم رفضوا الكشف عن أي نتائج توصلوا إليها أو تقديم جدول زمني للقيام بذلك.
في أغسطس/آب الماضي، أصدرت إدارة بايدن أيضا قواعد جديدة، أطلق عليها اسم "التحقيقات في الأضرار المدنية وإرشادات الاستجابة"، لإجبار وزارة الخارجية على التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الأمريكية لإيذاء المدنيين. وفقا لمسؤولين في وزارة الخارجية، دققت بعض التحقيقات الأولية التي بدأت في إطار اللجنة في سلوك إسرائيل في غزة. لكن نشر نتائج تحقيقات اللجنة للعموم ليس إلزاميا، والمسؤولون الأمريكيون غير ملزمين بالتصرف على أساس ما تكشفه التحقيقات.
بينما تدفن إدارة بايدن رأسها في الرمال، يبدو الكونغرس مترددا بالمثل في دراسة الوضع بجدية. في ديسمبر/كانون الأول، اقترح السيناتور المستقل عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز قرارا في "مجلس الشيوخ" يطلب من وزارة الخارجية تقديم تقرير عن التزام إسرائيل بالقانون الدولي: طلب معقول ومباشر لضمان التزام إسرائيل بالتشريعات التي أصدرها الكونغرس بشأن عمليات نقل الأسلحة. لم يكن القرار ليقطع المساعدات عن إسرائيل، لكنه مع ذلك لم يُمرر، لأن كثيرا من أعضاء مجلس الشيوخ يعتقدون أنه لا يوجد سبب للتشكيك في سلوك إسرائيل – أو لا يريدون النظر إلى الحقائق عن كثب.
سبب هذا التردد في الكونغرس – وسبب عدم استخدام إدارة بايدن على ما يبدو أي من الأدوات المتاحة لها لتقييم السلوك الإسرائيلي – ليس لغزا: فالاعتراف العلني بأي انتهاك إسرائيلي للقانون الدولي أو الأمريكي يعني الاضطرار إلى الإجابة عن أسئلة مزعجة لاحقا، واتخاذ قرارات صعبة حول كيفية تغيير المساعدات العسكرية المستقبلية لإسرائيل أو وضع شروط لها. (هناك أيضا مسألة احتمال مواجهة المسؤولون الأفراد خطرا قانونيا بسبب التواطؤ في انتهاكات جسيمة إذا تم الاعتراف رسميا بسوء السلوك الإسرائيلي: في السنوات الأخيرة، خفض المسؤولون الأمريكيون الدعم العسكري للضربات العشوائية التي تشنها السعودية في اليمن، التي قتلت آلاف المدنيين – على ما يبدو كان السبب، إن لم تكن هناك أسباب أخرى، الخوف من أن الاستمرار بفعل ذلك قد يجعلهم متواطئين قانونيا في جرائم الحرب).
معيار مزدوج خطير
أسوأ نتيجة لرفض الإدارة الأمريكية الامتثال لنص القانون الأمريكي وروحه هي أن واشنطن قد تمكّن وقوع خسائر فادحة وربما إجرامية في أرواح المدنيين في غزة. لكن ثمة ضحية أخرى لهذا النهج وهي مصداقية الولايات المتحدة، التي تضررت بسبب ما يمكن أن يعتبر في أفضل الأحوال تناقضا، وفي أسوأ الأحوال نفاقا. مثلا، أدان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2016 حرمان الرئيس السوري بشار الأسد المدنيين في حلب من الغذاء والماء. يمكن القول إن إسرائيل فعلت الشيء نفسه مع السكان المدنيين في غزة لأكثر من ثلاثة أشهر بدون أي انتقاد لهذا التكتيك من إدارة بايدن. (دفع بايدن نتنياهو إلى السماح بوصول المزيد من المساعدات إلى غزة، لكنه لم ينتقد الحصار بشكل مباشر).
أثارت الغارات الجوية العشوائية التي شنتها روسيا على المستشفيات والمدارس في أوكرانيا إدانة بايدن ومسؤولين آخرين في الإدارة. لكن إسرائيل نفذت أيضا هجمات أصابت المستشفيات والمدارس دون أن تثير الكثير من الاحتجاج من البيت الأبيض. قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان لـ "شبكة سي إن إن" في نوفمبر/تشرين الثاني: "لا نريد أن نرى مرضى أو جرحى أبرياء يصابون أو يقتلون في تبادل إطلاق النار". لكن سوليفان أضاف أن الجيش الإسرائيلي أكد لواشنطن "أنه يبحث عن طرق تمكنه من ضمان سلامة وأمن المرضى الأفراد في تلك المستشفيات". لا يمكن مقارنة المواقف التي واجهتها الحكومتان الروسية والسورية بالمواقف التي واجهتها إسرائيل بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولكن حين تقرر أي دولة استخدام القوة العسكرية، عليها أن تلتزم بالكامل بالقوانين التي تحكم السلوك في الحرب، والتي تنطبق على جميع الدول، والجماعات المسلحة غير الحكومية.
قد يجادل البعض بأنه يمكن للولايات المتحدة التحلي بالقليل من النفاق من أجل دعم حليفتها القديمة إسرائيل. لكن لعب دور في تآكل القانون الدولي سيكون له عواقب ضارة على الولايات المتحدة تتخطى غزة. ستصبح التصريحات المستقبلية لوزارة الخارجية بشأن الفظائع جوفاء، ما يزيد صعوبة محاسبة الجناة وردع الجرائم الدولية في المستقبل. الضغط على الأطراف المتحاربة للالتزام بقوانين الحرب في أماكن أخرى – مثلا في أذربيجان أو السودان – سيكون له وزن أقل. في نظر العالم، سيصبح من الأصعب التمييز بين الولايات المتحدة والدول التي ترفض القانون الدولي صراحةً وتتعمد تقويض النظام الدولي القائم على القواعد من خلال أفعالها.
للبدء في ردع إسرائيل ووقف تآكل المصداقية الأمريكية، على إدارة بايدن تكليف محاميها بتقييم جميع المعلومات المتاحة – السرية وغير السرية – بشأن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وتحديد متى وأين انتهكت القوات الإسرائيلية قوانين الحرب، وما إذا حاسب جيش الدفاع الإسرائيلي المسؤولين عنها. كما ينبغي نشر النتائج التي توصلوا إليها، وتقديم الأدلة إلى الكونغرس. أثناء إجراء هذه التقييمات، يجب إخطار إسرائيل بأن المساعدات العسكرية الأمريكية مهددة.
لن يكون الثمن السياسي للنظر بإنصاف إلى الأدلة وتصحيح السياسة الأمريكية إذا لزم الأمر مريحا للرئيس والمشرعين خلال الحملة الانتخابية. لكن هذا الثمن أقل مما ستتكبده السلطات الأمريكية إذا تصرفت وكأن المعاناة الكبيرة للشعب الفلسطيني في غزة لا تستحق التدقيق نفسه الذي تستحقه معاناة المدنيين في نزاعات أخرى، وهو موقف يعزز مزاعم من يقول إن واشنطن تطبق معايير من الواضح أنها مزدوجة ومنافقة عندما يتعلق الأمر بتطبيق المبادئ