Skip to main content

مستوطنون إسرائيليون يهاجمون فلسطينيين-أمريكيين في مسقط رأسهم بالضفة الغربية

نُشر في: Middle East Monitor
رجل يسير بجانب جدارية تصور الصحفية الأمريكية-الفلسطينية المقتولة شيرين أبو عاقلة، على الجدار الفاصل الإسرائيلي المثير للجدل في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، الأربعاء، 6 يوليو/تموز 2022. ظهرت اللوحة الجدارية للفنان الفلسطيني تقي سباتين في ساعة مبكرة من يوم الأربعاء ، قبل أيام من موعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.  © 2022 محمود عليان/أسوشيتد برس

عندما باع كايد أبو عواد منزله في أوك لون في ولاية إلينوي الأمريكية في يونيو/حزيران، لم يتخيل قط أن يصبح هو وعائلته بلا مأوى بعد بضعة أسابيع.

كالعديد من الفلسطينيين المولودين في الولايات المتحدة، خطط أبو عواد، وهو سائق شاحنة عمره 38 عاما، أن ينقل عائلته إلى "وطننا" لعامين أو ثلاثة، ليتمكّن أطفاله المولودون في الولايات المتحدة (3 و11 و14 عاما)، "من تعلّم اللغة والثقافة". وهو ما فعله والده معه عندما كان طفلا.

شحن هو وزوجته دينا، التي أصبحت مواطنة أمريكية بزواجها منه، أثاثهما إلى منزل بناه والده في بلدة ترمسعيا بالضفة الغربية، بجوار المنزل الذي نشأت فيه دينا.

لكن خطتهم احترقت. حرفيا.

في 21 يونيو/حزيران، قبل أسبوعين من الوصول المرتقب للأسرة، اجتاحت ترمسعيا حشودٌ آتية من المستوطنات الإسرائيلية القريبة، وجميعها غير قانونية بموجب القانون الدولي. أحرق المستوطنون السيارات، وحطموا النوافذ، وألقوا قنابل حارقة داخل المنازل.

اقتحم المستوطنون شرفة منزل أبو عواد ، وخلعوا نافذة غرفة الجلوس، وأحرقوا الغرفة والشرفة. لم يتمكنوا من تجاوز الباب الرئيسي، لتنجوا الممتلكات التي شحنتها عائلة أبو عواد.

لم يكن هناك أحد، لكن والدة دينا، خديجة (75 عاما)، كانت في المنزل المجاور، حيث ألقى المستوطنون أيضا قنابل حارقة. ساعدها الجيران على الهروب من الباب الخلفي.

أخبرنا عضو المجلس البلدي سائد حمود عندما زرنا ترمسعيا في 10 يوليو/تموز أن المستوطنين خرّبوا ممتلكات فيها عدة مرات سابقا، لكن هذا الاجتياح بدا أكثر تنظيما. في 29 يناير/كانون الثاني، حطّم المستوطنون نوافذ منزل أبو عواد وتسببوا بأضرار في أماكن أخرى.

في البداية، تردّد أبو عواد في تغيير النوافذ، وأقنع نفسه بعدم وجود ما يمنع المستوطنين من تكرار فعلتهم، لكنه غيّرها قبل وصول عائلته المرتقب في 5 يوليو/تموز.

تتزاحم عائلة أبو عواد الآن في غرفة واحدة في منزل أحد الأقارب. منزلهم المتضرر معرض للخطر بشكل خاص: على الطرف الشمالي من البلدة، هو من أوائل المنازل التي تصلها حشود المستوطنين عبر الوادي من مستوطنة شيلو غير القانونية.

ترمسعيا، الواقعة على تلة قبالة الطريق السريع "شارع 60" بين رام الله ونابلس، تبدو جميلة ومزدهرة. أفاد مسؤولو البلدة أن ٪70 إلى 80٪ من سكانها يحملون الجنسية أو الإقامة الدائمة الأمريكية. ينمو عدد سكانها البالغ 3 آلاف نسمة في الشتاء إلى أكثر من 8 آلاف عندما يعود فلسطينيو الشتات كل صيف. منهم رجال أعمال، ومحامون، وأطباء، وعضو واحد على الأقل في "مجلس الشيوخ" الأمريكي، عبد الناصر رشيد من إلينوي. وتكون سيارات الدفع الرباعي من آخر طراز مركونة أمام منازلها الفسيحة.

لا يَسلم الأمريكيون-الفلسطينيون من انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الآخرين. فالولايات المتحدة لا تستطيع حمايتهم، رغم مساعداتها السنوية البالغة 3.8 مليار دولار لإسرائيل.

اجتياح 21 يونيو/حزيران هو واحد من مئات الهجمات التي نفّذها المستوطنون في السنوات الأخيرة في الضفة الغربية المحتلة. أدان اللواء الإسرائيلي يهودا فوكس هجوما على حوارة قرب نابلس في 26 فبراير/شباط ووصفه بالـ "بوغروم". جرح المستوطنون 204 فلسطينيين وقتلوا ستة خلال النصف الأول من 2023؛ قتل الفلسطينيون 24 إسرائيليا في الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل خلال هذه الفترة، وفقا لـ "الأمم المتحدة". ارتفع عدد الضحايا بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي.

يزدهر عنف المستوطنين في ظل تساهل قوات الأمن والإفلات من العقاب في النظام الجنائي. بين 2005 و2022، أغلقت السلطات الإسرائيلية 93٪ من التحقيقات ضد مستوطنين هاجموا الفلسطينيين دون توجيه اتهامات لأي مشتبه به، وفقا لمنظمة "يش دين" الإسرائيلية لحقوق الإنسان. أفضت 3٪ فقط من التحقيقات إلى إدانة من نوع ما. لا تشمل هذه الحصيلة الحالات العديدة التي لم يتقدم فيها الفلسطينيون بشكوى ولم يُفتح تحقيق.

كالعديد من الاجتياحات السابقة، هجم المستوطنون في 21 يونيو/حزيران بدعوى الانتقام. في اليوم السابق، قتل مسلحان فلسطينيان أربعة مستوطنين على بُعد 8 كيلومتر شمالا. جاء المهاجمَان الفلسطينيان المفترضان، اللذان قُتلا بالرصاص، من قرية عوريف التي اقتحمها المستوطنون أيضا في 21 يونيو/حزيران.

أخبرنا العديد من سكان ترمسعيا أن المستوطنين تجمعوا في مقبرة مستوطنة شيلو عقب تشييع جنازة نحمان شموئيل موردوف (17 عاما)، الذي قُتل في هجوم 20 يونيو/حزيران. قالوا إن قوات الأمن الإسرائيلية لم تتصدَّ في أي وقت من الأوقات لحشود المستوطنين أثناء نزولهم من الحقول، وعبورهم طريق يخضع لإجراءات أمنية مشددة، وتسلّقهم بساتين الزيتون التابعة للقرية حوالي الساعة 1:30 بعد الظهر. قدّر السكان أن المجموعة ضمت 200 شخص على الأقل، أغلبهم من الفتيان والرجال بين 15 و25 عاما، معظمهم مقنّعون واثنان منهم على الأقل يحملان بنادق.

صوّرت كاميرات مراقبة خاصة حشود المستوطنين وهم يجتاحون الطرف الشمالي من المدينة، ويرمون الحجارة، وبحسب ما أخبرنا بعض سكان البلدة، رمى المستوطنون أيضا قطعا خرسانية مليئة بالمسامير. تباطأ تقدمهم أخيرا بسبب رمي الحجارة عليهم من قبل شبان البلدة الذين أصيب سبعة منهم على الأقل برصاص حي أطلقه المستوطنون، بحسب البلدية.

قال سكان البلدة إن قوات الاحتلال لم تدخل القرية إلا بعد ربع ساعة على الأقل من وصول المستوطنين. التقطت كاميرا فيديو في الساعة 1:43 بعد الظهر سيارة أمن وحيدة تتوقف بينهم، وتفتح بابا لإسقاط عبوة غاز مُسيّل للدموع على الأرض، ما تسبب في تشتت الصِبية والرجال، ثم ذهبت بعيدا. لم يخرج العناصر من المركبة لاعتقال أحد.

أخبرنا مسؤولون في البلدة أن المستوطنين واصلوا تخريب الممتلكات وحرقها أثناء انسحابهم باتجاه الطريق الفاصل بين ترمسعيا وشيلو. أحرقوا خمسة منازل و22 سيارة بعد ظهر ذلك اليوم وألحقوا أضرارا بالعديد من الممتلكات الأخرى.

أثناء خروج المستوطنين من البلدة، دخل المزيد من قوات الاحتلال الإسرائيلي. قال الجيش إن القوات واجهت وابلا من الحجارة ومقذوفات أخرى، ففتح الجنود النار. أصابوا أربعة فلسطينيين، بحسب البلدية، وقتلوا عمر قطين (27 عاما)، وهو حامل "غرين كارد" أمريكية ومتزوج من مواطنة أمريكية وأب لطفلين صغيرين.

وفقا للشرطة الإسرائيلية، أطلق العناصر النار "بدقة" على "مثير شغب" لم يُذكر اسمه، "عرّض حياتهم للخطر". لكن شابا فلسطينيا كان مع قطين قال لموظف ميداني من "بتسيلم" إنه وقت إصابة قطين بالرصاص، لم يكونوا يرمون أي شيء، بل كانوا يبحثون عن جنود اعتقدوا أنهم يقتربون من القرية آتين من الحقل.

من بين 12 فلسطينيا على الأقل أصيبوا ذلك اليوم في ترمسعيا بنيران المستوطنين أو الجنود، ثلاثة على الأقل يحملون الجنسية أو البطاقة الخضراء الأمريكية، بحسب عضو المجلس البلدي ورئيسه السابق سعد كوك.

في يوم التوغل، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى "المساءلة الكاملة والمحاكمة القانونية للمسؤولين عن هذه الهجمات، بالإضافة إلى التعويض عن الخسائر في المنازل والممتلكات". في اليوم التالي، أعلن السفير الأمريكي لدى إسرائيل حينها توم نايدس: "لن نقف مكتوفي الأيدي، ونحن نحثّ الإسرائيليين على اتخاذ أي إجراء يحتاجون إلى اتخاذه لوقف هؤلاء الأشخاص". كما أدان كلاهما قتل المستوطنين الأربعة. قام دبلوماسيون من الولايات المتحدة ودول أخرى بجولة في بلدة ترمسعيا في 23 يونيو/حزيران.

إسرائيل مُلزمة بموجب القانون الإنساني الدولي بضمان حماية من هم تحت احتلالها وسلامتهم. أقرّ الجيش بأنه "أخفق" في وقف هجمات المستوطنين في ترمسعيا وغيرها، قائلا إن قواته "مرهَقة للغاية". ندّد رؤساء الأجهزة الأمنية المختلفة باجتياحات المستوطنين ووصفوها بأنها "إرهاب قومي".

وفقا لمنظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية، فإن استمرار التراخي في ردع عنف المستوطنين مُتعمد؛ فهو "أداة رئيسية غير رسمية بيد الدولة للاستيلاء على المزيد من أراضي الضفة الغربية".

قالت بتسيلم إن إحدى طرق حدوث ذلك، بحجة الحد من الاحتكاك بين المجتمعات المحلية، فإن الجيش "يُفضّل إخراج الفلسطينيّين بالذات من أراضيهم الزراعيّة أو من المراعي عوضا عن مواجهة المستوطنين؛ وفي ذلك يلجأ إلى إصدار أوامر تعلن الموقع "منطقة عسكريّة مغلقة" وتسري فقط على الفلسطينيّين".

في ترمسعيا، أغلق الجيش 2,500 دونم من الأراضي المتاخمة للمستوطنات غير القانونية وسمح لأصحابها بالوصول إليها مرتين فقط في السنة لمدة ثلاثة أيام في كل مرة، بحسب حمود، عضو المجلس البلدي.

لا يعرف أبو عواد ماذا يفعل. قال: "سأبني سياجا مرتفعا لحماية ممتلكاتي، لكن البلدية أخبرتني أن "بيت إيل" [الإدارة المدنية الإسرائيلية للضفة الغربية] لن تسمح بذلك". يقع منزله في "المنطقة ج"، حيث تمارس السلطات الإسرائيلية سلطة حصرية وتُلزم الفلسطينيين بتقديم طلب للحصول على تصاريح بناء نادرا ما تمنحها. يؤدي ذلك كثيرا إلى قيام الفلسطينيين بالبناء "بشكل غير قانوني"، ما يُعرّضهم لخطر التغريم وهدم منشآتهم.

قال أبو عواد: "كنت أخطط للسفر بشكل متكرر إلى الولايات المتحدة لكسب المال، لكن بدون سياج، لا أشعر أنه من الآمن أن أترك زوجتي وأطفالي وحدهم في منزلنا".

أعلنت السلطات الإسرائيلية في 23 يونيو/حزيران عن اعتقال ثلاثة مستوطنين عقب هجمات عدة في الضفة الغربية ذلك الأسبوع. أفادت لاحقا عن توجيه الاتهام إلى مستوطنَيْن واعتقال خمسة آخرين  إداريا (يوجد أكثر من 1,100 فلسطيني محتجزين حاليا بهذا الشكل بدون تهمة أو محاكمة). حتى الآن، لم يُعلن عن أي اعتقالات مرتبطة بالهجوم على ترمسعيا ولم تُدفع أي تعويضات لسكانها.

سكان ترمسعيا ليسوا الأمريكيين-الفلسطينيين الوحيدين المقيمين في الضفة الغربية الذين واجهوا القمع مؤخرا. في 11 مايو/أيار 2022، قتلت القوات الإسرائيلية بالرصاص مراسلة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة أثناء تغطيتها مداهمة في جنين بينما كانت ترتدي سترة الصحافة الزرقاء، بعيدا عن أي قتال نشط. في 12 يناير/كانون الثاني 2022، عُثر على عُمَر أسعد (78 عاما) ميتا بعدما قيّد جنود يديه وكمّموه قرب نقطة تفتيش مفاجِأة وتركوه ملقًى هناك. أعلن الجيش أنه لن تكون هناك ملاحقات قضائية في كلتا الحالتين.

الحقوق الإنسانية للفلسطينيين-الأمريكيين لا تساوي أكثر ولا أقل من حقوق أي شخص آخر. لكن من الواضح أن إسرائيل، التي تتلقى مساعدات أمريكية كبيرة، تنتهك بشدة حقوق هؤلاء المواطنين الأمريكيين، وتقوم بذلك على أساس هويتهم الإثنية أو القومية أو العرقية.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة