خلال فترة رئاسة زين العابدين بن علي الطويلة، كانت الشرطة تمنع بشكل واسع جمعيات ونشطاء حقوق الإنسان من التجمع. لكن في المحاكمات السياسية البارزة، كان النشطاء يحضرون غالبا بشكل جماعي قبالة المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة لمساندة المتهمين.
رغم القمع المتزايد منذ استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطة في 25 يوليو/تموز 2021، ما يزال المجتمع المدني في تونس اليوم أكثر حرية مما كان عليه في عهد بن علي، الذي خُلع في يناير/كانون الثاني 2011 بعد أكثر من 20 عاما في السلطة. لكن في 10 يناير/كانون الثاني، تسببت قضيّة سياسية ضدّ ناشط حقوقي مخضرم بإعادة الحشد الحقوقي إلى نفس الرصيف مقابل المحكمة.
في مشهد نادر منذ الثورة التي أسقطت بن علي في 2011، التحق نشطاء، ومحامون، وسجناء سياسيون سابقون من تلك الفترة برفاق أصغر منهم سنّا تضامنا مع محامي حقوق الإنسان العياشي الهمّامي (63 عاما)، الذي كان يمثل أمام المحكمة صباح ذلك اليوم.
يواجه الهمامي تُهما بسبب مقابلة إذاعية أجراها في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، بصفته منسق لـ "هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين"، وندّد فيها بجهود الرئيس سعيّد لتقويض استقلالية القضاء. في 1 يونيو/حزيران 2022، أصدر سعيّد مرسوما منح بموجبه نفسه صلاحية إقالة القضاة، وفي نفس اليوم استخدمه لإقالة 57 قاضيا. اتهم الهمامي وزيرة العدل ليلى جفال بـ "ارتكاب جريمة" لأنها رفضت تنفيذ حُكم صادر عن المحكمة الإدارية يقضي بإعادة معظم القضاة إلى مناصبهم، و"فبركة" ملفات جنائية ضدّهم.
تستند التهمة الموجهة إلى الهمامي إلى شكوى قدّمتها جفال عملا بـ"القانون عدد 54"، الصادر في شكل مرسوم عن الرئيس سعيّد في سبتمبر/أيلول الماضي. اتُهم الهمامي بموجب الفصل 24 بنشر "أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة... بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام... أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير". قد يواجه الهمامي، الذي تُرك في حالة سراح مؤقت، السَّجن عشر سنوات.
في الأشهر الأخيرة، رفعت جفال دعاوى جنائية ضدّ العديد من الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام لانتقادها الرئيس وحكومته.
في غرفة قاضي التحقيق يوم 10 يناير/كانون الثاني 2022، تناوب 22 محاميا على الترافع، قائلين إن الهمامي لم يفعل سوى ممارسة حقه في حرية التعبير للدفاع عن استقلالية القضاء. على القاضي أن يقرّر الآن ما إذا كان سيحيل الهمامي إلى المحاكمة.
عندما فرغ محامو الدفاع من مرافعاتهم في وقت متأخر من ظهر ذلك اليوم، كانت الحشود على الرصيف المقابل للمحكمة قد تفرّقت. لكن يبدو أن روّاد حقوق الإنسان الذين ظهروا متآزرين ذلك الصباح مصمّمون على العودة.
قالت خديجة الشريف (72 عاما)، الرئيسة السابقة "للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" في عهد بن علي: "اعتقدت أنّ تلك الأيام قد ولّت".