(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" (الشبكة العربية)، إحدى المنظمات الحقوقية المستقلة الرائدة في مصر منذ فترة طويلة، أعلنت في 10 يناير/كانون الثاني 2022 أنها ستنهي عملها بعد قرابة 18 عاما. استشهدت المنظمة بسلسلة من التهديدات، والاعتداءات العنيفة، والاعتقالات من قبل "قطاع الأمن الوطني"، فضلا عن المهلة التي تشارف على الانتهاء وتفرض على جميع المنظمات غير الحكومية التسجيل بموجب قانون الجمعيات.
يفرض قانون 2019 قيودا صارمة على عمل منظمات المجتمع المدني ورقابة حكومية شديدة، تشمل شرط تسجيل جميع المنظمات غير الحكومية لدى "وزارة التضامن الاجتماعي" (وزارة التضامن). قالت المنظمة إنها غير قادرة على تلبية هذه المتطلبات ولا ترغب في تلبيتها.
قال جو ستورك، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إغلاق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان خسارة فادحة للحركة الحقوقية المصرية وشركائها الدوليين. قرار الشبكة العربية الصعب بالإغلاق بعد نحو عقدين من الزمن يُثبت للأسف أن هدف الحكومة المصرية هو إسكات المجتمع المدني المستقل الناقد".
جاء قرار المنظمة بسبب الموعد النهائي للتسجيل في يناير/كانون الثاني 2022، المنصوص عليه في اللائحة التنفيذية الصادرة في 2021. يحظر القانون أي "عمل مدني" دون تسجيل مسبق لدى وزارة التضامن. إجراءات التسجيل معقدة ومرهقة، وتتطلب مئات الصفحات من التوثيق للأنشطة السابقة، ومصادر التمويل، والأنشطة المزمع إجراؤها. يسمح القانون للجهات الحكومية بإغلاق أي منظمة فاعلة غير مسجلة بالقوة وتجميد أصولها، ويمكن للمحكمة الإدارية أن تأمر بحلها. لا يُعتبر التسجيل نهائيا إلا بعد موافقة وزارة التضامن علنا على تسجيل المنظمة.
قد يمدد اقتراح حكومي حديث الموعد النهائي للتسجيل في يناير/كانون الثاني لستة أشهر. قال مؤسس الشبكة العربية ومديرها جمال عيد لـ هيومن رايتس ووتش إن أي تأجيل "لا يغيّر الوضع لعدم وجود مؤشر على انتهاء الانتهاكات والتهديدات ضدنا".
قالت المنظمة لـ هيومن رايتس ووتش إنها تلقت رسالة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 من مسؤول بوزارة التضامن تقول إن المنظمة لا يمكنها التسجيل باسمها وعليها اختيار اسم جديد. كما أصر المسؤول على أن حرية التعبير، وحرية الصحافة، وظروف السجون لا تندرج ضمن الأنشطة التي ستكون الوزارة والسلطات الأمنية مستعدة للموافقة عليها.
قال المسؤول إن على المنظمة أن تعمل بدل ذلك على "القضايا الطبيعية". قال جمال عيد في بيان: "بعد هذا التاريخ المشرف الذي نفخر به، نرفض أن نتحول لمؤسسة تعمل على الموضوعات الغير ذات أهمية، فلن نتحول إلى مؤسسة متواطئة أو جنجوز [حكومية - غير حكومية]".
ساهمت حملة الترهيب والمضايقة الوحشية التي شنها الأمن الوطني في قرار المنظمة. قالت المنظمة إنه على مدار السنوات الأربع الماضية، استدعى ضباط الأمن الوطني أعضاء عدة من المنظمة للاستجواب، في محاولة منهم لتجنيدهم كجواسيس. كما حذّر الجهاز الأمني ثلاثة من محامي المنظمة من العمل مع المنظمة أو نشر معلومات عن معتقلين سياسيين.
اعتقلت قوات الأمن عمرو إمام، أحد محامي المنظمة، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2019، واحتجزته بمعزل عن العالم الخارجي ليومين. ما يزال محبوسا احتياطيا بتهم ملفقة بالانضمام إلى منظمة إرهابية، ما يتجاوز حد السنتين المنصوص عليه في القانون المصري للحبس الاحتياطي. اعتُقل عضو آخر من فريق المنظمة في مايو/أيار 2020 بتهم لا أساس لها بنشر "أخبار كاذبة" ولم يُفرج عنه إلا في أغسطس/آب 2021. قالت المنظمة إن ثلاثة موظفين آخرين تركوا العمل خوفا من الأمن الوطني.
تعرض جمال عيد لاعتداء جسدي مرتين في 2019. أشارت الملابسات إلى تورط قوات الأمن. في 10 أكتوبر/تشرين أول 2019، هاجم مسلحان بملابس مدنية عيد، ما تسبب بكسور في ضلوعه وجروح في ذراعيه وساقيه. بعد 20 يوما، تلقى تهديدات عبر اتصالات هاتفية ورسائل نصية من أرقام مختلفة، حيث قال له أحد المتصلين: "إتلمّ بقى يا عم جمال" [تأدّب يا جمال]. في 29 ديسمبر/كانون أول 2019، اعتدى 10 أو 12 رجلا بدا أنهم عناصر أمن بالضرب على عيد وألقوه على الأرض، وهددوه بالمسدسات، وألقوا الطلاء على رأسه وملابسه.
قالت المنظمة لـ هيومن رايتس ووتش إن عيد وروضة أحمد، وهي مؤسِسة أخرى للمنظمة، من بين المدافعين عن حقوق الإنسان المتهمين في قضية "تمويل أجنبي" مستمرة منذ عشر سنوات، ما يعيق أكثر قدرة المنظمة على التسجيل. يخضع عيد لمنع سفر وتجميد الأصول منذ 2016، ولا يمكنه فتح حسابات بنكية أو التعامل رسميا مع أطراف ثالثة حتى إغلاق القضية. استدعت السلطات عيد في 27 يوليو/تموز 2021 بخصوص القضية واستجوبته لثلاث ساعات. قالت المنظمة في بيانها حول الاستجواب إن ملف الادعاء الذي أعده الجهاز الأمني يزعم أن عيد والمنظمة لعبا دورا في انتفاضة 2011.
أسس عيد وأحمد المنظمة في 2004 لتعزيز حرية التعبير وتقديم المساعدة القانونية للنشطاء والصحفيين. منذ 2019، وثّقت المنظمة بشكل مستفيض الظروف الصعبة في السجون المصرية. استند رئيس "الهيئة العامة للاستعلامات" الحكومية ضياء رشوان مباشرة إلى تقاريرهما في مقابلة حول مجمع سجن "وادي النطرون" المُنشأ حديثا.
حصلت المنظمة وعيد على جوائز دولية لعملهما في حرية التعبير وحرية الصحافة في مصر. في 2011، حصل عيد على جائزة "زعماء الديمقراطية" من "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط"، وهي منظمة غير حكومية مقرها واشنطن.
قال ستورك: "يُشكّل إغلاق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ضربة خطيرة لمستقبل المجتمع المدني المستقل في مصر، وعلامة جديدة على الحالة الحقوقية المتردية في البلاد. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتحمل السماح للدولة بإبادة المجتمع المدني المصري الذي كان حيويا في السابق بهذه التكلفة الزهيدة، وعليه الضغط على الحكومة لإلغاء قانون الجمعيات".