Skip to main content

إسرائيل ترتكب الفصل العنصري... قرار لم نتوصل إليه بسهولة

نُشر في: The Forward
طفل فلسطيني يجري قرب جدار الفصل الإسرائيلي في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية المحتلة. يحيط جدار الفصل بالكامل بالمدينة التي يقطنها أكثر من 55 ألف فلسطيني © "وكالة الصحافة الفرنسية/"غيتي إيميدجز"

عندما جئتُ إلى القدس في 1989 كأول باحث في شأن إسرائيل وفلسطين في "هيومن رايتس ووتش"، لم أكن أتخيل أن عبارة "فصل عنصري" تنطبق على السياق الإسرائيلي والفلسطيني. لكن هيومن رايتس ووتش نشرت هذا الأسبوع تقريرا، حرّرتُهُ بصفتي مدير قسم الشرق الأوسط بالإنابة في المنظمة، وجدَت فيه أن المسؤولين الإسرائيليين يرتكبون جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضد الإنسانية.

كنت أعرف قبل 30 عاما أن للفصل العنصري معنى قانونيا يتجاوز أصوله في جنوب أفريقيا. ومنذ أكثر من عقد من الزمان، هناك اتفاقية دولية عرّفت الفصل العنصري على أنه جريمة تُرتكب عندما يقمع المسؤولون بشكل ممنهج مجموعة واحدة في الإقليم الخاضع لسيطرتهم، ويُخضعونها لأعمال غير إنسانية بقصد إبقاء الهيمنة على تلك المجموعة لمصلحة مجموعة أخرى.

في ذروة الانتفاضة الأولى، وثقتُ أعمالا لاإنسانية عندما استخدم الجيش الإسرائيلي تكتيكات وحشية لقمع الانتفاضة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. اتضح على مر السنين أن هناك اضطهادا ممنهجا للفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

لكن العنصر الثالث، وهو نية الإبقاء على هذا النظام، ظلَّ أقل وضوحا.

عرفت التسعينيات أول محادثات سلام علنية وجها لوجه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، نتجت عنها "اتفاقيات أوسلو". أنشأت الاتفاقية للفلسطينيين مؤسسات محدودة للحكم الذاتي المؤقت وجدولا زمنيا للمفاوضات من أجل حل قضايا الوضع الدائم.

رغم هذه التطورات، رصدت هيومن رايتس ووتش، إلى جانب منظمات حقوقية أخرى، مواصلة إسرائيل استخدام القوة القاتلة غير المبررة ضد المتظاهرين الفلسطينيين، والتعذيب المنهجي للمشتبه بهم، والاحتجاز المطول على نطاق واسع دون تُهم، وهدم المنازل على سبيل العقاب، وانتهاكات أخرى.

ردت الحكومة الإسرائيلية على تقاريرنا بالنفي الغاضب. وكان ردّ دعاة السلام الإسرائيليون، بمن فيهم أقاربي وأصدقائي، "نعم، ولكن...". نعم، هذه الأمور الفظيعة مستمرة، كما يقولون، لكنها أعراض الصراع الذي طال أمده، لذلك دعُونا نُركّز بدلا من ذلك على تحقيق السلام.

كان هذا الموقف مفهوما حينها. كانت هناك سلطة فلسطينية وليدة، وأمل في انتهاء الحكم العسكري الإسرائيلي قريبا.

لكن آمال نجاح عملية السلام حجبت الوضع القائم القمعي، ونية السلطات الإسرائيلية الواضحة الإبقاء على نظام مصمَّم لتمكين اليهود الإسرائيليين من الازدهار على حساب الفلسطينيين، أي نظام هيمنة.

تضاعف عدد سكان المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وارتفع من 270 ألفا إلى حوالي 660 ألفا ما بين 1993 و2021.

جدار الفصل، الذي قال المسؤولون الإسرائيليون إنه ضروري لوقف التفجيرات الانتحارية داخل إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية، نخر عُمقَ الضفة الغربية ليُمكّن من الاستمرار في توسيع المستوطنات في الجانب الإسرائيلي. إضافة إلى الاستيلاء على الأراضي على هذا النحو، دمجت السلطات نظام الصرف الصحي وشبكات الاتصالات والطرق وشبكات الكهرباء والبنية التحتية للمياه في المستوطنات مع تلك الموجودة في إسرائيل. في 2019، أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء منذ 2009، أن إسرائيل "ستستمر في حكم المنطقة بأكملها، حتى نهر الأردن".

عندما وصلت في 1989، كان لدى الفلسطينيين بعض القدرة على التحرّك ضمن الضفة الغربية، وبين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلى داخل إسرائيل، رغم أن إسرائيل فرضت أحيانا بشكل مؤقت حظر تجوّل وإغلاقات بغية قمع المقاومة، بما يشمل المظاهرات التي كانت يمكن في بعض الأحيان أن تكون عنيفة. بعد ثلاثة عقود، هناك نحو 600 حاجز عسكري أو أمني وعوائق تُعقِّد إلى حد كبير قدرة الفلسطينيين على التنقل في الضفة الغربية. الإغلاق الإسرائيلي الذين يقيّد دخول وخروج الأفراد والبضائع من قطاع غزة يحرم نحو مليونَيْ فلسطيني من حقهم في حريّة التنقل، بما يشمل إلى الضفة الغربية، فيما عدا استثناءات قليلة.

حتى عندما يحصل فلسطينيو الضفة الغربية على تصاريح التنقل النادرة الصدور، يُمكن للجنود عند نقاط التفتيش ردّهم أو تأخيرهم لساعات، بينما السيارات التي تحمل لوحات ترقيم إسرائيلية تمر دون توقّف.

عندما حصلت زميلتنا مساعدة الأبحاث وهي من غزة، على تصريح خروج في 2018 بمساعدة منا، كانت تلك المرة الأولى التي تغادر فيها القطاع الذي لا تتعدى مساحته 363 كيلومتر مربع. كان عمرها 31 عاما. في الجيل السابق، سافر عدد أكبر بكثير من سكان غزة في سنها خارج القطاع.

تتذرع السلطات الإسرائيلية بأن هذه الإجراءات تفرضها المخاوف الأمنية، بما في ذلك هجمات قاتلة للفلسطينيين على الجنود والمدنيين الإسرائيليين. لكننا وجدنا أنه حتى السياسات التي تنطوي على عنصر أمني حقيقي لا يُبذل في تنفيذها جهد يُذكر لتحقيق التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان لملايين الفلسطينيين.

ترتبط السياسات الأخرى، مثل المصادرة الواسعة للأراضي في الضفة الغربية وإلغاء حقوق إقامة العديد من الفلسطينيين المقدسيين، بترسيخ سيطرة إسرائيلية يهودية على البنية السكانية والأرض أكثر من الأمن. يمكن لمستوطن(ة) الحصول على إقامة لزوج(ة) أجنبي(ة)، بينما جاره الفلسطيني لا يمكنه ذلك.

لطالما كانت هذه المعاملة المزدوجة المعايير موجودة. الجديد هو أنه لم يعد من الممكن القول، بشكل جدي، إنها إجراء مؤقت. من الواضح اليوم أن السلطات الإسرائيلية تنوي الإبقاء على نظام التمييز الشديد هذا في المستقبل، وهي النية التي تشكل الشق الثالث في جريمة الفصل العنصري.

بعد العمل على قضايا حقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين لثلاثة عقود، لم يكن التوصل إلى هذا الاستنتاج سهلا بالنسبة لي. ساعد العمل الحقوقي الذي شاركت فيه على مدى عقود في التخفيف من وطأة بعض السياسات الضارة ومن المعاناة، لكننا لم ننجح في وقف استحواذ إسرائيل المتزايد على الأراضي، أو في تحسين الحريات الأساسية للفلسطينيين بشكل منهجي. بعد أن أمضيت معظم حياتي المهنية في هيومن رايتس ووتش، وأنا اليوم في الـ 64 من عمري، بودّي أن أؤمن بأن جهودنا أحدثت تغييرا.

لإحداث تغيير حقيقي، علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها: إنه نظام قمعي وتمييزي لا يبدو أنه سيتغير، ويتوافق مع التعريف القانوني للفصل العنصري.

علينا أن نزيد الثمن السياسي الذي تتكبده إسرائيل لحفاظها على الوضع القائم.

آن الأوان لمنح الفلسطينيين الحقوق والحماية الأساسية التي هي من حقهم، بغضّ النظر عن موعد التوصل إلى اتفاق سياسي إسرائيلي فلسطيني، أو الشكل الذي يتخذه.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة