البارحة، في وقت متأخّر من بعد الظهر، بينما كنت أختتم مكالمة عبر الإنترنت مع أحد الزملاء، شعرت بذبذبات صغيرة وراح مكتبي يرجّ. فكّرت: لا بدّ أنّها هزّة أرضية. نشعر بمثلها من حين إلى آخر في لبنان، وعادة، لا تستوجب انتباها يتخطّى لحظات استمرارها.
لكن، ما من شيء عادي في الأوقات التي نعيشها في لبنان.
في 4 أغسطس/آب، بينما كنت جالسة في غرفة ابني وأنا أرضعه، راودتني الفكرة نفسها: هزّة أرضية. لكنها لم تكن كذلك. في اللحظات التي أعقبت الاهتزاز، هرع زوجي نحونا، حاملا ابنتنا ومستخدما جسده لحمايتنا من الانفجار الذي تعلّم أن يتوقّعه إثر سنين الحرب الأهلية التي عاشها في لبنان.
أمضيت عقدا من الزمن أوثّق جرائم الحرب خلال النزاعات حول العالم، لكن لم أختبر قطّ، أو أكتب عن، انفجار مدمّر في لحظة واحدة لهذه الدرجة. دخلت بيروت التاريخ مجدّدا للأسباب الخاطئة.
اليوم، بعد نحو ستّة أشهر على الانفجار، ما زالت أحداث ذلك اليوم تطاردنا، حتى نحن الذين حالفنا "الحظّ" بما فيه الكفاية كي نخرج سالمين. قُتل أكثر من 200 شخص في الانفجار، وجُرح الآلاف، وفقد مئات الآلاف منازلهم ومؤسساتهم. هذه ليست مجرّد أرقام؛ إنّهم أصدقاؤنا، وأُسرنا، ومجتمعنا.
تركتنا السلطات من دون أجوبة وعدالة، فأبقت هذا الجرح مفتوحا. لست وحيدة في القلق من أن يتكرّر المشهد. في الأسابيع التي أعقبت الانفجار، أرعبنا حريقان، لا حريق واحد، اندلعا في المرفأ.
نريد أجوبة. مَن المسؤول عن ذلك؟ كيف يمكننا تفادي تكرار المشهد؟
مع أنّ مسؤولين أمنيين وسياسيين لبنانيين كبار كانوا يعلمون بوجود نيترات الأمونيوم المخزّنة عشوائيا في مرفأ بيروت، لم يُحاسب أحد. بدل ذلك، يستمر تأخير تحقيق محلي تشوبه انتهاكات للإجراءات القانونية الواجبة وتدخّل سياسي مزعوم. إذا أردنا الحصول على الأجوبة، لا يمكننا الاعتماد على أمل بالمقاضاة المحلية فقط.
لذلك، تطالب أسر الضحايا، ومجموعات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، بتحقيق دولي في الانفجار. مرّ الوقت، لكن بالنسبة إلى ضحايا الانفجار، لا يمكن أن تستمر الحياة قبل مواجهة صريحة لما حصل ذلك اليوم.