Skip to main content

لبنان: لتحقيق حيادي على يد خبراء دوليين في انفجار بيروت

يجب ضمان توزيع عادل ومنصف للمساعدات يطال الأكثر ضعفا

 آثار الانفجارات في مرفأ بيروت، 5 أغسطس/آب 2020.  © 2020 أسوشيتد برس

 

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على السلطات اللبنانية دعوة خبراء دوليين لإجراء تحقيق مستقل في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 الذي دمّر المدينة. على التحقيق تحديد أسباب الانفجار والمسؤولين عنه، ورفع توصيات حول التدابير اللازمة اتخاذها لضمان عدم تكراره. وعلى الحكومة اللبنانية تأمين المسكن، والغذاء والمياه، والعناية الصحية للمتضررين بشكل ملائم، بالإضافة إلى توزيع المساعدات بعدل وإنصاف.

يبدو أن هذا الانفجار هو الأقوى في تاريخ بيروت. قال الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب إن 2,750 طن من نيترات الأمونيوم كانت سبب الانفجار، وهي تُستخدم كأسمدة وتدخل في صناعة القنابل. قالا أيضا إن هذه المواد كانت مخزَّنة في أحد مستودعات مرفأ بيروت منذ ست سنوات دون إجراءات السلامة المناسبة. لم تتضح الظروف التي أدت إلى انفجار هذه المواد بعد. وعد الرئيس عون بإجراء تحقيق شفاف في أسباب الانفجار، متعهدا بإنزال "أشد العقوبات" بحق المسؤولين.

قالت آية مجذوب، باحثة لبنان والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "حجم الدمار في بيروت يفوق التصور، ويجب محاسبة السلطات المسؤولة عنه. نظرا إلى تقاعس السلطات اللبنانية المتكرر عن التحقيق الجاد في الإخفاقات الخطيرة للحكومة، وانعدام ثقة الناس في المؤسسات الحكومية، فالضمانة الأفضل لإنصاف ضحايا الانفجار تكون بتحقيق مستقل بواسطة خبراء مستقلين ".

قرر مجلس الوزراء في 5 أغسطس/آب وضع المسؤولين عن التخزين والحراسة في المرفأ منذ 2014 تحت الإقامة الجبرية. غير أنه لم يكن واضحة ما هي التهم الموجهة إليهم أو ما إذا تم احترام الإجراءات اللازمة بحق الذين يتم التحقيق معهم.

عبّرت هيومن رايتس ووتش عن قلقها الشديد بشأن قدرة القضاء اللبناني على إجراء تحقيق موثوق وشفاف. وقد وثّقت منظمات حقوقية لبنانية ودولية على مدى سنين التدخلات السياسية في القضاء وانتقدت عدم استقلاليته. كما وثّقت هيومن رايتس ووتش حالات سابقة لم يلتزم خلالها القضاء بالقانون أو يجرِ تحقيقات مستقلة وشاملة في ادعاءات ضد الانتهاكات الحكومية. علاوة على ذلك، تشير الأدلة الأولية إلى أن بعض القضاة كانوا على علم بتخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت ويُزعَم أنهم لم يتحركوا.

في 5 أغسطس/آب، أعلن "الصليب الأحمر اللبناني" عن مقتل أكثر من 135 شخصا وجرح أكثر من 5 آلاف جراء الانفجار، وحذر من ارتفاع عدد الوفيات مع بقاء العشرات في عداد المفقودين. قال محافظ بيروت مروان عبود لـ "وكالة فرانس برس" إن أكثر من نصف المدينة دُمّر، وإن أكثر من 300 ألف شخص أصبحوا بلا مسكن. وقدّر كلفة الدمار بأكثر من 3 مليار دولار. عاين باحثون من هيومن رايتس ووتش الدمار الناجم عن الانفجار وشاهدوا أحياء بأكملها تحولت إلى حطام.

أرهق الانفجار المنشآت الصحية في لبنان التي كانت تعاني أصلا بسبب الأزمة المالية التي تشهدها البلاد والتي تفاقمت مع انتشار جائحة كورونا. مستشفيان على الأقل أصيبا بأضرار بالغة جراء الانفجار. راقبت هيومن رايتس ووتش موظفي مستشفى الروم وهم يجلون المرضى من المبنى المهدم ومعالجة المصابين في موقف السيارات على ضوء هواتفهم. ومع امتلاء مستشفيات بيروت، نُقل مصابو الانفجار إلى المستشفيات في باقي المناطق وصولا إلى النبطية وطرابلس، على بعد أكثر من 70 كيلومتر من بيروت.

لم تنشر الحكومة اللبنانية إلى الآن أي معلومات دقيقة أو متّسقة حول الأثر الصحي لغيمة أوكسيد النيتروس السامة فوق المدينة. كما لم تقدم أي توجيهات لسكان بيروت حول كيفية حماية أنفسهم من تلوث الهواء. نصح خبراء صحيون والسفارة الأمريكية في لبنان السكان بالبقاء داخل منازلهم وارتداء الكمامات.

دمار مرفأ بيروت، الذي يمر عبره 60% من واردات لبنان، يثير الخوف بشأن الأمن الغذائي. حتى قبل الانفجار، أدت الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في لبنان، وتفشي فيروس كورونا، إلى خسارة العملة الوطنية 80% من قيمتها ودفعت أكثر من نصف السكان إلى الفقر. في أبريل/نيسان، توقع وزير الشؤون الاجتماعية أن يحتاج أكثر من 75% من السكان إلى مساعدات. حذّرت هيومن رايتس ووتش في حينها من أن أكثر من نصف السكان يواجهون خطر المجاعة إذا لم تضع الحكومة خطة دعم. لم توضع أي خطة بعد.

يستورد لبنان جميع السلع الحيوية تقريبا. تُظهر فيديوهات صورتها وكالة "أسوشيتد برس" الإهراءات التي كانت تحوي 85% من مخزون القمح في لبنان وقد دُمّرت بالكامل. قال وزير الاقتصاد راوول نعمة لـ "رويترز" إن لدى لبنان احتياطي حبوب يكفيه "أقل قليلا من شهر" في المخازن المتبقية، لكنه ادعى ألا "أزمة خبز أو طحين" حاليا بفضل المخزون الحالي والشحنات القادمة.

على الحكومة اللبنانية ضمان حصول المتضررين من الانفجار على المسكن، والغذاء والمياه، والرعاية الصحية بشكل ملائم. على البلدان المانحة ضمان توزيع شفاف للمساعدات في لبنان مع الالتزام بالمبادئ الإنسانية المتمثلة بالحياد، وعدم التحيز، والاستقلالية في ظل ضمانات لتفادي الفساد. يجب إيلاء الاهتمام أولا للمجموعات الضعيفة مثل الأطفال، العمال والعاملات المهاجرين، واللاجئين. القانون يمنع الحكومة من التمييز في الحصول على هذه الحقوق الأساسية على أساس الجندر، والجنسية، ووضع اللجوء، أو أي أساس آخر.

رغم محدودية مواردها، على الحكومة اللبنانية ضمان مأوى ملائم لجميع المتضررين فورا، ومسكن ملائم على المدى المتوسط. كما على لبنان إتاحة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمشاكل الصحية في المجتمع لجميع السكان، بما في ذلك كيفية تفاديها أو احتوائها.

عرضت دول عديدة منها فرنسا، وكندا، والمملكة المتحدة، وقطر المساعدة. عليها ضمان وصول المساعدات الإنسانية التي ستقدمها مباشرة إلى المتضررين أو عبر منظمات تقدم الدعم المنقذ للحياة على الأرض. كما على الدول المانحة تقديم الدعم للتحقيق في المسؤولية عن الانفجار.

نقلت رويترز عن مصدر رسمي لم تسمِّه قوله إن التحقيقات الأولية "تشير إلى أن سنوات من التراخي والإهمال" بشأن تخزين نيترات الأمونيوم شديد الانفجار. أضاف المصدر "ما انعمل شي" (لم يفعل أحدٌ شيئا) لإصدار أمر بنقل المواد أو التخلص منها، رغم إثارة الموضوع أمام العديد من اللجان والقضاة. اطّلعت رويترز على وثيقتين تُظهران أن الجمارك اللبنانية طلبت من القضاء في 2016 و2017 إعادة تصدير المواد السامة أو الموافقة على بيعها. ذكرت إحدى الوثيقتين طلبات مشابهة سابقة، في 2014 و2015. ونقلت رويترز عن مصدر آخر، مقرّب من أحد موظفي المرفأ، أن فريقا عاين نيترات الأمونيوم قبل ستة أشهر حذر من أنه إذا لم تنقل فإنها "حتفجر بيروت كلها" (ستدمر بيروت كاملة).

من شأن تحقيق مستقل، بمشاركة خبراء دوليين، تحديد أسباب الوفاة والمسؤولين عنها. ويتضمن ذلك معرفة كيف ولماذا تم تخزين كميات هائلة من مادة شديدة الاشتعال وقابلة للانفجار لسنوات في مرفأ بيروت، وما الذي أدى إلى انفجارها. كما عليه تسمية جميع المسؤولين الرسميين الذين كانوا على علم بتخزين هذه المواد طوال سنين وأولئك الذين لم يفعلوا شيئا. على الحكومة اللبنانية دعوة خبراء دوليين بارزين، من ضمنهم مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالآثار المترتبة في مجال حقوق الإنسان على إدارة المواد والنفايات الخطرة والتخلص منها بطريقة سليمة بيئيا، للمشاركة في التحقيق.

على السلطات ضمان حصول التحقيق على جميع الأدلة التي يحتاج إليها، والالتزام بأي توصية حول المسؤولية عن الانفجار من أجل ضمان عدم تكرار كارثة مماثلة.

قالت هيومن رايتس ووتش، إذا كان مسؤولون رسميون فعلا على علم بتهديد واضح للحياة ولم يتخذوا الخطوات المعقولة لمواجهته، فإنهم مسؤولون عن القتل غير القانوني لأكثر من 135 شخصا. في 2001، أدى انفجار مستودع يحتوي على نيترات الأمونيوم في تولوز، فرنسا، إلى التعويض على الضحايا والناجين بأكثر من 2 مليار يورو. على السلطات اللبنانية العمل فورا على تحديد أي عمليات أو مخزونات خطيرة في البلد وتقليص خطرها على الحياة والسلامة العامة.

قالت مجذوب: "آثار الانفجار المدمرة سترافق سكان لبنان لسنوات قادمة. على الحكومة اللبنانية ضمان أن الاستجابة للكارثة تحترم حقوق الإنسان. دور الخبراء الدوليين والدعم المالي الدولي محوري في ضمان استقلالية التحقيقات عن أي تدخل سياسي وحصول الضحايا على الدعم الذي يحتاجون إليها".
 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة