Skip to main content

لبنان: مساعدات مباشرة لأشد المتضررين من أزمة فيروس "كورونا"

استجابة الحكومة غير الملائمة تهدد أعدادا كبيرة بالجوع

بائع خضار متجول يدفع عربته، وهو يضع كمامة لمحاولة حماية نفسه من الإصابة بفيروس "كورونا"، في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، 30 مارس/آذار 2020.   © 2020 رويترز/محمد عزاقير
 

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الملايين من سكان لبنان مهددون بالجوع بسبب إجراءات الإغلاق المتصلة بالوباء، ما لم تضع الحكومة على وجه السرعة خطة قوية ومنسَّقة لتقديم المساعدات. تسبب وباء "كوفيد-19" العالمي الناتج عن فيروس "كورونا" المستجد في تفاقم أزمة اقتصادية مدمرة كانت موجودة أصلا، وكشف عن أوجه القصور في نظام الحماية الاجتماعية في لبنان.  

قالت لينا زيميت، باحثة أولى في الفقر واللامساواة في هيومن رايتس ووتش: "أدى الإغلاق الهادف إلى إبطاء انتشار فيروس كورونا إلى تفاقم الفقر والصعوبات الاقتصادية المتفشية في لبنان قبل وصول الفيروس. خسر عديدون دخلهم، وقد يعجز أكثر من نصف السكان عن شراء غذائهم وحاجياتهم الأساسية إذا لم تتدخل الحكومة".

في 15 مارس/آذار 2020، حثت الحكومة الناس على البقاء في منازلهم، في إغلاق مستمر حتى 26 أبريل/نيسان على الأقل. في 1 أبريل/نيسان، أعلن مجلس الوزراء نيته توزيع 400 ألف ليرة لبنانية (حوالي 150 دولار بحسب سعر الصرف الحالي في السوق) على الأسر الأكثر فقرا، لكنها لم تقدم تفاصيل وافية. قبل ذلك بأسبوع، تعهدت بتقديم 75 مليار ليرة كمساعدات غذائية وصحية، دون تفاصيل. ليس واضحا ما إذا كان كلا الإعلانين يشيران إلى المساعدة نفسها.

قال نشطاء يقدمون المساعدة إلى الأسر المحتاجة في بيروت وصيدا وطرابلس وزغرتا لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم تُقدَّم أي مساعدات فعليا رغم تعهدات الحكومة.

بعد شهر تقريبا من الإغلاق، سبّب غياب أي استجابة واضحة، وفي الوقت المناسب، ومنسقة من جانب الحكومة إلى جوع العديد من العائلات وعجزها عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما فيها الإيجار. أحرق سائق أجرة سيارته عندما غرّمته قوى الأمن لخرقه قواعد الإغلاق. ألقى بائع متجول محبط خضرواته في الشارع بعد أن أوقفت الشرطة عمله. عرض عامل بناء عاطل عن العمل كليته للبيع لعجزه عن دفع الإيجار. اندلعت احتجاجات بالفعل ضد تصاعد المصاعب الاقتصادية في أنحاء مختلفة من البلاد، شملت أحياء القبة وجبل محسن في طرابلس، وبيروت.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قبل أشهر من ظهور تهديد فيروس كورونا، توقع "البنك الدولي" ارتفاع نسبة سكان لبنان تحت خط الفقر من 30% إلى 50% في 2020. ويقدر بعض الاقتصاديين اللبنانيين أن هذا الرقم قد ارتفع بشكل كبير. الأزمة الاقتصادية الحالية، التي أدت إلى احتجاجات عامة استمرت شهورا في أكتوبر/تشرين الأول، تركت غالبية سكان لبنان بقلّة من السبل أو بدون أي منها للتعامل مع المصاعب الإضافية. تتركز الأسر الأكثر فقرا في المقام الأول في القطاع غير الرسمي. أكثر من 80% من العمال الأكثر فقرا يعملون في وظائف غير رسمية وموسمية وغير مضمونة، بأجور أقل أو قريبة من عتبة الفقر، ما يجعلهم عرضة بشكل خاص للصدمات المالية.

أدى التضخم - الذي قدرت وزارة المالية أنه سيصل إلى 27% في 2020 - وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 50% تقريبا إلى زيادة كبيرة في أسعار الأساسيات مثل الغذاء والدواء. قال محمود قطايا، وهو ناشط يعمل على توصيل السلال الغذائية لعائلات سائقي سيارات الأجرة لتمكينهم من البقاء في منازلهم، لـ هيومن رايتس ووتش إن سعر سلة الطعام التي تحتوي على المواد الغذائية الأساسية التي من المفترض أن تدوم أسبوعين لدى الأسرة زاد بنسبة فاقت 25%، من 80 ألف ليرة لبنانية (حوالي 30 دولار أمريكيا) إلى 108 آلاف ليرة في غضون أسبوع بعد الإغلاق.

ظهرت مبادرات محلية لسد الفجوة، لكن قال النشطاء لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لا يملكون الوسائل لإعالة جميع الأسر التي تحتاج إلى المساعدة. يرسل "بنك الغذاء اللبناني" مثلا، الممول بالكامل من التبرعات، صناديق تحتوي على المواد الغذائية الأساسية ومستلزمات النظافة التي يمكن أن تدوم لدى أسرة من أربعة أفراد حتى شهر واحد، إلى 85 منظمة غير حكومية. توزع هذه المنظمات الصناديق على الأسر ذات الوضع الهش التي حددتها في مختلف أنحاء البلاد. وتشمل المبادرات الأخرى توفير الأدوية، والإيجار، والبطانيات، والملابس للأسر التي تحتاجها.

قال غالب الدويهي، وهو ناشط اجتماعي يعمل في زغرتا، لـ هيومن رايتس ووتش: "إذا مددت الحكومة الإغلاق [حتى 26 أبريل/نيسان]، لن يتمكن أكثر من ثلاثة أرباع سكان لبنان من الالتزام به". شارك النشطاء العاملون في صيدا وطرابلس وبيروت قلقه من أنه بغياب مساعدة عاجلة، قد تجد الحكومة أنه من شبه المستحيل تطبيق إجراءات الإغلاق في الأيام القادمة.

تعكس استجابة الحكومة الثغرات الموجودة في نظام الحماية الاجتماعية القائم في لبنان وتُفاقِمها. قلة من البرامج الرسمية تدعم الأسر الفقيرة. "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا" هو الاستجابة الرسمية الأساسية لمكافحة الفقر، لكن خبراءً انتقدوا البرنامج، مشيرين إلى عدم ملائمته وأنه لا يصل إلى الأكثر احتياجا. كانت الجهود محدودة على المستوى الوطني لتقييم الفقر بانتظام.

الحكومة، ولمعالجة افتقارها إلى البيانات، طلبت من العائلات التي تسعى للحصول على الإغاثة المتعلقة بتفشي فيروس كورونا التقدم بطلب عبر البلديات والمخاتير. أعرب خبراء ومجموعات إغاثة لـ هيومن رايتس ووتش عن قلقهم من أن هذه العمليات قد تتلاعب بها الأحزاب السياسية وتسهل شبكات المحسوبية.

مددت السلطات مُهل دفع الضرائب وفواتير الخدمات، لكنها لم تتخذ سوى القليل من الإجراءات الأخرى لتخفيف الصعوبات المالية. لم توقف مثلا دفع الإيجار السكني أو التجاري، أو مدفوعات الرهن العقاري، ولم تفرض وقف الإخلاء من السكن. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة النظر في تعليق مدفوعات الإيجار والرهن العقاري طوال فترة الإغلاق. يجب أن تفكر أيضا في الإعفاء من الفواتير أو منح فترة سماح طويلة لمنح العائلات الوقت لدفع الرسوم المستحقة. لا تتطلب هذه الخطوات نفقات حكومية كبيرة، ويمكن أن تساعد في معالجة الضعف الاقتصادي للناس خلال هذه الأزمة.

أصدر "مصرف لبنان"، وهو البنك المركزي، في 23 مارس/آذار تعميما يسمح للبنوك بتقديم قروض لخمس سنوات بدون فوائد للعملاء الحاليين. لم يتطلب هذا الإجراء، المصمم لمساعدة الشركات والأفراد الذين يواجهون صعوبات، من الشركات المستفيدة من القرض اتخاذ خطوات لحماية العمال، مثل الحفاظ على مستويات التوظيف الحالية. لا يوجد سقف لهذه القروض، لذا يمكن للشركات المقترضة استبدال القروض الحالية بقروض جديدة بدون فوائد.

على الرغم من الموارد المحدودة، يلزم القانون الدولي لحقوق الإنسان الحكومة اللبنانية بحماية حق الناس في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الغذاء والتغذية الكافيين، وأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة، والضمان الاجتماعي.

قال "صندوق النقد الدولي" إنه سيوفر ما يصل إلى 1 تريليون دولار كتمويل طارئ للبلدان التي تكافح في مواجهة التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا، ويدرس طلبات أكثر من 90 دولة. إذا حصل لبنان على مساعدة صندوق النقد الدولي، فيجب توظيفها لدعم الأسر الأكثر فقرا. وافق البنك الدولي بالفعل على إعادة تخصيص 40 مليون دولار من مشروع قائم أصلا لزيادة قدرة نظام الرعاية الصحية في لبنان على فحص ومعالجة الإصابة بفيروس كورونا.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة اللبنانية تحسين تنسيق الاستجابة الاقتصادية لفيروس كورونا بين مختلف وزاراتها ومؤسساتها، وكذلك مع المبادرات المحلية والخاصة التي قامت بالفعل بمسح  لتقييم الاحتياجات. على الحكومة أيضا إبلاغ الجمهور بخطط الإغاثة الاقتصادية بوضوح، وتوضيح شروط الاستفادة والجدول الزمني والإجراءات. ينبغي للبنان استخدام أي مساعدة طارئة دولية لزيادة الدعم المباشر للأسر ذات الوضع الهش.

قالت زيميت: "الناس في لبنان يكافحون وهم على حافة الهاوية. ينبغي للحكومة أن تطور بسرعة برنامج مساعدات يحمي حقوق الناس، ويؤمن لهم الموارد التي يحتاجون إليها في هذه الأزمة من أجل البقاء".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع