غالبا ما تشتد حاجة الناس الذين يعيشون في بلدان يستشري فيها الفساد الحكومي إلى المساعدة المالية. لكنّ حكوماتهم، بشكل عام، لا تعطي الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية سوى ثلاثة خيارات سيئة: الاعتماد على القنوات الحكومية التي تتسرب منها الأموال لصرف المساعدات والمخاطرة بعدم وصولها إلى المحتاجين؛ أو الحفاظ على السيطرة الحصرية على قرارات التمويل والدعوة إلى انتقاد النفوذ الأجنبي؛ أو رفض المساعدة بالكامل والتخلّي عن الناس المحتاجين. في كلّ من هذه الخيارات، الشعب هو الخاسر.
هذا الشهر، أعلن "البنك الدولي"، و"الأمم المتحدة"، و"الاتحاد الأوروبي" عن نموذج مُبتكر لصرف المساعدات في لبنان بغية حلّ هذه المعضلة.
عندما هزّ انفجار المرفأ مدينة بيروت في 4 أغسطس/آب، موديا بحياة أكثر من 200 شخص ومدمّرا آلاف المنازل، كان الاقتصاد اللبناني سبق أن تداعى في ظلّ الفساد الحكومي الصاعق والسياسات المالية التي تفيد النخبة. لكنّ سبب الانفجار، أي 2,750 طن من نيترات الأمونيوم شديدة الاحتراق التي تُركت في عنبر قرب المرفأ منذ 2013، فضح عمق تجاهل الدولة القاسي للشعب.
بينما كانت منظمات المجتمع المدني اللبنانية تنظف الشوارع من الزجاج المحطّم وتوجد المأوى للمشرّدين حديثا، مالئة بذلك مرّة أخرى الفراغ الذي خلّفته الحكومة، اتّضحت الحاجة إلى خيار جديد لصرف المساعدات.
كانت النتيجة "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار" الذي سيجمع الأموال ضمن آلية ذات بنية فريدة تمكّن المجتمع المدني وتصرف المساعدات مباشرة إلى المجموعات غير الحكومية والشركات. تشغل منظمات المجتمع المدني اللبنانية والقطاع الخاصّ مقاعد في المجموعة المشرفة على القرارات الاستراتيجية، واللجنة التوجيهية التي تدير نفقات الصندوق. سيلعب المجتمع المدني دورا فاعلا في مراقبة التنفيذ.
بينما تشغل الحكومة اللبنانية أيضا مناصب في هذه الهيئات الحاكمة، يعتمد حصولها على المزيد من التمويل لتعافٍ طويل الأمد على إنفاذ إصلاحات الحوكمة والاقتصاد.
سيعتمد نجاح هذا الإطار على تبنّي الحكومة اللبنانية الإصلاحات المطلوبة بإلحاح وتطبيقها، بما في ذلك كيفية إدارة المشاكل الشائكة التي لم يتطرّق إليها الإطار، مثل استقلالية فئات المجتمع المدني التي تشغل مناصب في هيئات الصندوق، والحدّ من تضارب المصالح في إشراك القطاع الخاصّ، واحترام الحقوق الاجتماعية وغيرها من حقوق الإنسان، والمعايير البيئية. لكن، ينبغي ألّا تحجب هذه التحديات إمكانات الإطار في إعادة تصوّر الدعم الدولي الذي يمكّن الناس في البلدان المتلقية للدعم.
بعد إظهار صمود هائل في وجه خسارة لا يمكن تصوّرها، لعلّ المجتمع المدني اللبناني قادر هذه المرّة أن ينتزع فوزا.