Skip to main content
تبرعوا الآن

مصر: تعذيب وانتهاكات بحق "مجتمع الميم" على يَد قوات الأمن

اعتقالات تعسفية، وتمييز، وخداع، وانتهاك للخصوصية

 

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ عناصر الشرطة المصرية و"قطاع الأمن الوطني" يعتقلون المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي، ومتغيّري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم) تعسّفا ويحتجزونهم في ظروف غير إنسانية، ويعرّضونهم لسوء معاملة منهجية، تشمل التعذيب، وغالبا ما يحرّضون النزلاء الآخرين للاعتداء عليهم. تختار القوى الأمنية بانتظام أشخاصا في الشوارع بالاستناد فقط إلى تعبيرهم الجندري، وتخدعهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة، وتفتّش هواتفهم بطريقة غير شرعية. يستخدم أعضاء النيابة العامة هذا المحتوى لتبرير فترات الاحتجاز المطوّلة، بينما يصادقون شكليا على محاضر الشرطة، وينفّذون ملاحقات قضائية غير مبرّرة بحقّ هؤلاء الأشخاص.

وثّقت هيومن رايتس ووتش قضايا تعذيب في عهدة الشرطة، تشمل الضرب والعنف الجنسي بشكل عنيف ومتكرر، وغالبا ما تكون هذه الأفعال على شكل فحوص شرجية قسرية أو "فحوص للعذرية". ارتكب عناصر الشرطة وعناصر النيابة أيضا اعتداءات لفظية، وانتزعوا اعترافات بالإكراه، ومنعوا المعتقلين من الوصول إلى مستشار قانوني ورعاية طبية. تمّ الإدلاء بهذه الشهادات المفصّلة غير المتوفّرة في أي مكان آخر، بما في ذلك على لسان فتاة عمرها 17 عاما، على خلفية الملاحقات القضائية المتزايدة بسبب السلوك المثلي المزعوم خلال حملة القمع ضدّ مجتمع الميم التي بدأت بعد حفل لفرقة "مشروع ليلى" في القاهرة في 2017.

قالت سارة حجازي، التي اعتُقلت في 2017 بعد أن رفعت علم قوس قزح خلال الحفل، إنّ عناصر الشرطة عذّبوها وحرّضوا السجينات الأخريات على ضربها والتحرّش بها جنسيا. أنهت سارة حياتها في يونيو/حزيران 2020 خلال وجودها في المنفى في كندا. تظهر القضايا الموثّقة في هذا التقرير، والتي يعود أحدثها إلى أغسطس/آب 2020، أنّ سوء المعاملة الذي تعرّضت له هو جزءٌ من نمط انتهاكات أوسع وأكثر منهجية ضدّ مجتمع الميم في مصر.

قالت رشا يونس، باحثة برنامج حقوق مجتمع الميم في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أنّ السلطات المصرية تتنافس على أسوأ سجلّ في الانتهاكات الحقوقية ضدّ مجتمع الميم في المنطقة. أمّا الصمت الدولي، فيصمّ الآذان. قد تكون وفاة سارة حجازي المفجعة قد أثارت تردّدات من الصدمة والتضامن حول العالم، لكنّ مصر تستمرّ في استهدافها الفاضح لأفراد مجتمع الميم والانتهاكات ضدهم لمجرّد هويتهم الجندرية".

في أواخر أغسطس/آب، قبضت قوات أمن تابعة على الأرجح لـ الأمن الوطني على رجلين شهدا على اغتصاب جماعي بارز في فندق "فيرمونت نايل سيتي" في القاهرة العام 2014، وكانا سيقدّمان أدلّة حول القضية. فتّش العناصر هاتفيهما بطريقة غير قانونية بينما احتجزوهما بمعزل عن العالم الخارجي في قسم شرطة التجمّع الأول شرق القاهرة لأيّام عدّة، واستعملوا صورا زعموا أنّها تشير إلى سلوك مثلي لإبقائهما قيد الاعتقال. جدّد القضاة احتجازهما مرّات عدّة، وأخضعوهما لفحوص شرجية قسرية، وهي ممارسة تستعملها السلطات المصرية بانتظام لإيجاد "دليل" على السلوك المثلي، على الرغم من أنّها أُدينت لكونها ممارسات مسيئة وتخرق القانون الدولي. قد يواجه الرجلان تهما بموجب أحكام قانونية مصرية تجرّم "الفسق والفجور".

في ظلّ حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لطالما شنّت السلطات حملة اعتقالات وملاحقات قضائية ضدّ الأشخاص الذين لديهم توجه جنسي فعلي أو متصوّر لا يتطابق مع القيم المعيارية الغيرية والثنائية الجندرية. وثّقت مجموعات حقوق الإنسان انتهاكات واسعة النطاق في أعقاب حفل لفرقة مشروع ليلى اللبنانية في سبتمبر/أيلول 2017، علما أنّ المغني الرئيسي للفرقة لا يخفي مثليته والفرقة تؤدي أغانٍ مؤيدة للتنوّع الجندري والجنسي. خلال الحفل، لوّح نشطاء، منهم حجازي وأحمد علاء، بعلم قوس قزح الذي يرمز إلى فخر مجتمع الميم. قال عدد من الأفراد المصريين من مجتمع الميم إنّهم باتوا يخشون تزايد القمع بعد اعتقالات أغسطس/آب في قضية فيرمونت، وفرّ العديد من البلاد.

أجرت هيومن رايتس ووتش، بمساعدة منظمة داعمة لحقوق مجتمع الميم مقرّها في القاهرة، لم يُفصح عن اسمها لأسباب أمنية، مقابلات مع 15 شخصا، بمَن فيهم أفراد من مجتمع الميم تعرّضوا للملاحقة القضائية بين 2017 و2020 بموجب قوانين مبهمة وتمييزية بشأن "الفسق والفجور" و"الدعارة"، إلى جانب محاميَين مثّلا الضحايا في هذه القضايا وناشطين حقوقيَين لمجتمع الميم. من بين الضحايا فتاة بعمر 17 عاما.

قال جميع الذين أجريت مقابلات معهم إنّ عناصر الشرطة تحرشوا بهم لفظيا واعتدوا عليهم جسديا، وتراوحت الاعتداءات بين الصفع، والرشّ بخراطيم المياه، والتكبيل لأيام. ذكر تسعة منهم أنّ عناصر الشرطة حرّضوا معتقلين آخرين على الاعتداء عليهم. تعرّض ثمانية للعنف الجنسي، وقال أربعة إنّهم حُرموا من الرعاية الطبية، بينما روى ثمانية آخرون أنّ الشرطة أرغمتهم على توقيع اعترافات. وُضع جميع الضحايا في الحبس الاحتياطي لفترات مطوّلة، وفي إحدى الحالات وصلت فترة الاحتجاز إلى أربعة أشهر، غالبا من دون إمكانية الوصول إلى وكيل قانوني.

قال أحد الرجال إنّه، عند اعتقاله في ميدان رمسيس في القاهرة في 2019، ضربه عناصر الشرطة ضربا مبرحا، ثمّ أرغموه على الوقوف لثلاثة أيام في غرفة مظلمة بلا تهوية، مكبّل اليدين والقدمين بحبل: "لم يسمحوا لي بدخول الحمام. اضُطرت إلى التبوّل في ملابسي والتغوّط فيها حتى. لم أكُن أدري بعد لماذا تمّ اعتقالي".

قالت امرأة إنّ عناصر الشرطة أخضعوها لثلاثة فحوص "عذرية" في أوقات مختلفة خلال احتجازها، بعد اعتقالها التعسفي في مظاهرة في القاهرة في العام 2018: "أجبرتني شرطية على خلع ملابسي، وعصرت ثديي ومهبلي، وفتحت شرجي وأدخلت يدها بعمق لدرجة أنني شعرت أنها سحبت شيئا مني. بقيت أنزف لثلاثة أيام ولم أستطع المشي لأسابيع. لم أتمكن من الذهاب إلى الحمام، وقد أصبت بمشاكل صحية ما زلت أعاني منها حتى اليوم".

أرغم عناصر الشرطة ثلاثة رجال، وفتاة وامرأة "ترانس" (عابرة النوع الاجتماعي) على الخضوع لفحوص شرجية. في إحدى الحالات، بعد أن أبرز رجل بطاقة الإعاقة للشرطة، أقحم عناصر الشرطة البطاقة في شرجه.

علّقت إحدى الناشطات على إفلات عناصر الأمن من العقاب والذي على أساسه يتمادون في الانتهاكات ضدّ أفراد مجتمع الميم: "عناصر الشرطة هم أفراد. لكلّ منهم فكرة عن التعذيب الذي يمارسونه في ظلّ جوّ من الإفلات من العقاب. تختلف تقنيات التعذيب والاعتداء فقط بحسب تفضيلاتهم الشخصية".

احتُجزت ملك الكاشف (20 عاما)، وهي امرأة ترانس وناشطة في حقوق الإنسان، تعسفا لأربعة أشهر، وتعرّضت للتحرّش والاعتداء الجنسي في سجن للرجال في 2019. في مايو/أيار 2020، رفضت محكمة إدارية الطعن الذي أودعه محاميها والذي يطلب من وزارة الداخلية تأمين منشآت احتجاز منفصلة للأشخاص الترانس بحسب هويتهم الجندرية.

قد تكون ظروف الاحتجاز للأشخاص الترانس مضرّة بصحتهم الجسدية والنفسية. سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش احتمال تعرّض المعتقلات الترانس للاعتداء الجنسي وغيره من أشكال سوء المعاملة لدى وضعهنّ في زنزانات الرجال.

رفضت مصر مرارا توصيات دول عدّة حول إنهاء الاعتقالات والتمييز القائم على التوجّه الجنسي والهوية الجندرية. في أحدث التطوّرات، رفضت مصر خلال انعقاد "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" في مارس/آذار الاعتراف بوجود مجتمع الميم، مزدريةً بواجبها منح حماية غير تمييزية لحقوق الأشخاص ضمن ولايتها.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي لقوات الأمن المصرية أن تنهي الاعتقالات والملاحقات القضائية للعلاقات الجنسية بالتراضي بين الراشدين، بما في ذلك السلوك المثلي أو القائم على التعبير الجندري، وأن تفرج فورا عن أفراد مجتمع الميم المعتقلين تعسفا. كما ينبغي أن يأمر الرئيس عبد الفتاح السيسي حكومته بإنهاء ممارسات التعذيب وغيرها من سوء المعاملة التي ترتكبها قوات الأمن، بما فيها حظر استعمال "فحوص العذرية" والفحوص الشرجية القسرية.

ينبغي لمصر أن توجّه دعوة مفتوحة لخبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة للتدقيق في تدابير الحماية من التعذيب وغيره من أشكال الانتهاكات، والتعاون كليا مع بعثاتهم. 

ينبغي أن تحرص السلطات على منح الأشخاص الترانس، أينما كانوا محتجزين، الخيار بين منشأة تتماشى مع هويتهم الجندرية أو وحدة سكنية منفصلة ومخصّصة حصريا للأشخاص الترانس. قالت هيومن رايتس ووتش إنّه لا يجوز، في أي ظرف من الظروف، حبس الأشخاص الترانس انفراديا بسبب غياب البدائل.

قالت يونس: "عندما تعتقل قوات الأمن الأشخاص تعسفا وتعرّضهم لانتهاكات تغيّر حياتهم خلال الاحتجاز، فإن ما يحصل هو أخذ الآداب والنظام العام رهينة، وليس الحفاظ عليهما. ينبغي أن يتوقّف شركاء مصر عن دعم قوات أمنها المسيئة إلى أن تتّخذ البلاد خطوات فعّالة لإنهاء هذه الدوّامة من الانتهاكات، كي يتمكّن أفراد مجتمع الميم من العيش بحرية في بلادهم".

انتهاكات، وتعذيب، وعنف جنسي في عهدة الشرطة

توحي طبيعة الاعتقالات والملاحقات القضائية التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش، والتصريحات المصرية الرسمية التي تنكر حقوق مجتمع الميم، بسياسة منسّقة - أقلّه بموافقة، إن لم يكن بأوامر من مسؤولين حكوميين في مناصب عليا - لاضطهاد أفراد مجتمع الميم. على حدّ قول شرطي لرجل اعتُقل في أوائل العام 2019، إنّ اعتقاله كان جزءا من عملية لـ "تطهير الشوارع من الخولات". تمنح هذه الشهادات عن التعذيب والاعتداء أدلّة إضافية عن الاستعمال المتجذّر بعمق والمستشري للتعذيب من قبل وزارة الداخلية وعن درجة الإفلات من العقاب التي ينعم بها عناصرها وضبّاطها. في تقرير صادر في العام 2017، وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ جرائم التعذيب المنتشرة والممنهجة في مصر ترقى على الأرجح إلى مستوى الجرائم ضدّ الإنسانية.

لدى مراجعة الملفّات القضائية لـ 13 قضية لأشخاص تمّت مقاضاتهم بموجب قوانين "الفسق والفجور" و"الدعارة" بين 2017 و2020، وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ السلطات المصرية اعتقلت تعسفا سبعة رجال عبر خداعهم على تطبيقات المواعدة ("غرايندر) ووسائل التواصل الاجتماعي ("فيسبوك" و"واتس آب"). قبضت السلطات عشوائيا على خمسة رجال بسبب ما وصفته بـ "حركات أنثوية" وامرأة ترانس بسبب شكلها "الشاذ".  

احتجزت السلطات 11 رجلا في الحبس الاحتياطي على ذمّة التحقيق، وفي بعض الحالات لأشهر، ثمّ حكمت عليهم بالسجن بين ثلاثة أشهر وستّة أعوام. أسقطت المحاكم الاستئنافية التهم ضدّ ثمانية من الرجال وأبطلت إداناتهم، بينما أبقت على إدانة رجلين لكن خفّضت محكوميتيهما. في إحدى الحالات، أمضى رجل عاما في السجن، بعد أن تمّت إدانته بالـ "الفسق والفجور"، بسبب عدم قدرته على تحمّل نفقة مستشار قانون للطعن في إدانته.

أُخضعت إحدى النساء لثلاثة "فحوص عذرية" خلال احتجازها، وأرغمت السلطات ثلاثة رجال وفتاة وامرأة ترانس على الخضوع لفحوص شرجية. تشكّل فحوص "العذرية" والفحوص الشرجية معاملة قاسية، ومذلّة، وغير إنسانية قد ترقى إلى مستوى التعذيب والاعتداء الجنسي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. تنتهك هذه الفحوص الأخلاقيات الطبية، كما أنّها فاقدة للمصداقية دوليا، وللصلاحية العلمية في "إثبات" السلوك المثلي أو "العذرية". لم تتّخذ "نقابة أطبّاء مصر" أيّ خطوات لمنع الأطبّاء من إجراء هذه الفحوص المذلّة والمنتهِكة.  

في الشهادات التالية، استُخدمت أسماء مستعارة للضحايا لحمايتهم، مبيّنة بعلامات الاقتباس حول الاسم في عناوين القضايا.

"ياسر" (27 عاما)

في سبتمبر/أيلول 2019، كما قال ياسر، التقى برجل آخر في وسط مدينة الجيزة بعد التحدّث معه على غرايندر، وهو تطبيق للمواعدة المثلية. اقترب منهما رجال الشرطة واتهموهما بـ "بيع الخمور" واعتقلوهما:

اقتادوني إلى "عنبر الآداب" وأبقوني هناك حتى الساعة 4 صباحا في غرفة صغيرة من دون غذاء أو ماء. أخذوا هاتفي ومقتنياتي. عندما عادوا حاملين محضر الشرطة، تفاجأت عندما رأيت أنّ الشابّ الذي تعرّفت عليه على غرايندر هو أحد العناصر. ضربوني وشتموني حتى وقّعت أوراقا تتهمني بـ "ممارسة الفسق والفجور والاعلان عنه وارضاء رغباتي الجنسية الشاذة".

قال ياسر إنّ رجال الشرطة أخذوه في اليوم التالي إلى النيابة العامة في الدقي، أحد أحياء مدينة الجيزة. قال له وكيل النيابة: "هو انت العيل الخول اللى قفشوك، انت هتتمنيك عليا يابن المتناكه، انت خول يلا برخصة، انت بتتناك ياد ولا بتنيك؟" 

ثمّ، جدّد احتجاز ياسر لأربعة أيّام:

اقتادوني إلى قسم شرطة الدقي وضربوني بشدّة حتى فقدت الوعي، ثمّ رموني في زنزانة مع سجناء آخرين. قالوا لهم: "دا خول" وقالوا لي: "خلي بالك بدل ما تطلع منهم حامل". بقيت لأسبوع في تلك الزنزانة، وبين الضرب على يَد العساكر والاعتداء من المحتجزين الآخرين، ظننت أنّني لن أنجو.

قال ياسر إنّ رجال الشرطة أخذوه بعد أسبوع إلى سجن الجيزة المركزي في معسكر قوات الأمن المركزي في الجيزة:

تلوا تهمي فور دخولي، وتناوبوا على ضربي، وانهالوا عليّ بالألفاظ النابية. وضعوني في الحبس الانفرادي، وعندما سألت عن السبب، قال الضابط: "عشان انت عيل خول بتتناك هسيبك وسط الرجالة دول هينكوك او تعديهم يا كسمك". اضُطررت إلى رشوة العساكر كي يكفّوا عن تعذيبي وإذلالي.

في 30 سبتمبر/أيلول، حضر ياسر جلسة الاستماع الأولى في محكمة جنح الدقي في الجيزة، وبرّأه القاضي:

عندما عدت لأخذ المعاملات من المركز، تفاجأت بأنّ النيابة طعنت في القرار. وجدت في نهاية المطاف محاميا استأنف القضية، وصدر حكم "البراءة" مرّة أخرى. قاطعتني عائلتي، وهدّد أخي بقتلي. كنا أخاف أن أمشي في الشارع. فقدت كلّ شيء، ولم أكُن أملك المال حتى لمغادرة البلاد.

"سليم" (25 عاما)

احُتجز سليم تعسفيا مرّتين. في أوائل 2019، قال سليم إنّه كان سيلتقي بصديق في المساء في ميدان رمسيس في القاهرة عندما اقترب منه رجال شرطة وطلبوا أن يروا هويته. قال رجال الشرطة لسليم إنّهم "يطهّرون الشوارع من الخولات" وضربوه "بكلّ قوتهم"، ثمّ كبّلوه ورموه في سيارة للشرطة، على حدّ قوله. أخذوه إلى قسم شرطة الأزبكية واستولوا على هاتفه، وأمواله، ومقتنياته الشخصية.

أخذ عشرات العناصر يضربونني من كلّ جانب لدرجة أنّني لم أكُن قادرا على تمييز الضارب من الشاتم. وضعوني في غرفة صغيرة، وأرغموني على الوقوف في الظلام، مكبّل اليدين والقدمين بحبل. لم يسمحوا لي بدخول الحمام. اضُطرت إلى التبوّل في ملابسي والتغوّط فيها حتى. لم أكُن أدري بعد لماذا تمّ اعتقالي. في تلك اللحظة، تمنّيت لو يعودون إلى ضربي بدلا من تكبيلي بهذه الطريقة.

قال سليم إنّه بعد اليوم الثالث، أخذه شرطي إلى غرفة أخرى وأرغمه على توقيع ورقة من دون قراءتها. عندما سأل عمّا يوقّع عليه، هدّده الشرطي بالاغتصاب وقال له: "لو عاوز تمشي امضي على الورق ده يا كسمك". بعد توقيعه، قال سليم إنّ الضباط رموه في زنزانة مكتظّة. في اليوم التالي، اصطحبه العساكر أنفسهم إلى النيابة العامة في الأزبكية. قالوا: " هتحكي اي حاجه حصلتلك في القسم مش هيحصل كويس فخلي بالك عشان منخلكش تشوف الشمس تاني".

قال سليم:      

أخبرت وكيل النيابة أنّني لم أكُن أعرف تهمي أو سبب وجودي هناك. عادوا بي إلى القسم ورموني في قفص لثلاث ساعات وضربوني هناك أيضا. ثمّ، أمروني بمغادرة القسم. عندما طالبت بهاتفي ومالي، ضربوني ورموني خارجا.

بعد شهر، اعتُقل سليم عشوائيا في الشارع مرّة أخرى واحتُجز ليلة كاملة.

في ديسمبر/كانون الأول 2019، برّأه قاضٍ في محكمة العباسية من تهم "الفسق والفجور" التي وُجّهت إليه عندما اعتُقل مرّة ثانية.

ملك الكاشف (20 عاما)

في 6 مارس/آذار 2019، اعتقلت القوى الأمنية ملك الكاشف، وهي ناشطة سياسية وامرأة ترانس، بعد ستة أيام على مشاركتها في مظاهرة في القاهرة. قالت إنّ عناصر الشرطة اعتقلوها من منزلها في القاهرة في الساعة 2 فجرا، وجرّوها من ملابسها في الشارع وضربوها. اقتادوها إلى قسم شرطة الهرم:

وضعوني في زنزانة تشبه القفص، بانتظار التحقيق. كنت أغنّي لأهدّئ نفسي. خلال تحقيق الشرطة، سألوني عن حياتي الخاصّة، وجراحة إعادة تحديد الجنس، وهويتي الترانس، وعلاقتي بـ [نشطاء مجتمع الميم] سارة حجازي، وأحمد علاء، ومشروع ليلى! أرغموني على توقيع محضر الشرطة من دون السماح لي بقراءة ما كتبوا.

أمر عناصر نيابة أمن الدولة باحتجاز الكاشف 15 يوما بانتظار التحقيق حول تهم "إساءة استخدام استعمال وسائل التواصل الاجتماعي"، وهي تهمة واسعة الانتشار في مصر ضدّ المعارضين السلميين:

اعتُقلت لمدّة 15 يوما في قسم شرطة الهرم في زنزانة بحجم الثلّاجة. واجهت أسوأ أشكال الاعتداء اللفظي على الإطلاق من رجال شرطة، ومنعوني من قضاء حاجتي ليومين. أخضعوني أيضا إلى فحص شرجي قسري. اعتدوا عليّ جنسيا.

وُضعت بعد ذلك في الحبس الاحتياطي في سجن مزرعة طرة للرجال لمدّة 135 يوما:

عندما اكتشفت أنّني في طريقي إلى سجن للرجال، شعرت أنّها نهاية العالم. اضطُررت إلى خلع ثيابي أمامهم في ثلاث مرّات مختلفة. على مدى 120 يوما، لم أرَ الشمس، ولم يُسمح لي بزوّار باستثناء والدَيّ اللذين كنت قد رحلت عنهما منذ سبعة أعوام ولم أرغب في رؤيتهما. رسبت في اختبارات الجامعة لأنّها لم تُتَح لي إلا في آخر دقيقة. كان الحبس الاحتياطي أسوأ ما اختبرته، وأثّر فعليا على صحتي النفسية. ما زالت لدي اضطراب ما بعد الصدمة والرهاب الاجتماعي، لست الشخص نفسه الذي كنت عليه.

رفض عناصر الشرطة طلبات محاميها بمتابعة علاج الهرمونات والخضوع للمزيد من العمليات الجراحية المثبتة للجندر. قالت إنّ في يدها اليسرى قضيب معدني من عملية سابقة، وخلال احتجازها، التهب: "شعرت بألم عميق، لكن رفضوا تأمين العلاج الطبي لي".

أنهت الكاشف قائلة:  

على الرغم من كلّ ذلك، لا أريد مغادرة مصر. صدم موت سارة حجازي المفاجئ مجتمعنا في مصر. كانت شخصا نادرا. قلّة هم الأشخاص الذين تمكّنوا من تغيير حياتهم والمنطقة بأسرها كما فعلت. وضعت حقوق "الكوير" على جدول أعمال الحركة اليسارية. تذكّرني تجربتها بأنّ صوتي ضروري في مجتمعي وبأنّ لديّ دور لألعبه، ولن أتوقّف عن النضال.

حسام أحمد (27 عاما)

اعتُقل حسام أحمد، وهو رجل ترانس، في مقهى في القاهرة في 28 فبراير/شباط 2019، واحتُجز في مكان سري  لأربعة أيّام قبل مثوله أمام النيابة العامة في 4 مارس/آذار. اتُهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية،  وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون. على الرغم من إصدار محكمة أمرا بالإفراج عنه في 15 سبتمبر/أيلول، بقي في الحبس الاحتياطي أسبوعا إضافيا قبل إطلاق سراحه في نهاية المطاف في 22 سبتمبر/أيلول.

على الرغم من خضوعه لتدخلات طبية مثبّتة للجندر وتماهيه الذاتي مع هوية رجل ترانس، كُتب على هوية أحمد "أنثى". خلال احتجازه في سجن للنساء في عابدين في القاهرة، قال إنّه تعرّض لفحوص جسدية ومُنع من متابعة علاج الهرمونات والخضوع لجراحة مثبّتة للجندر.

حصلت هيومن رايتس ووتش على تصريح كتبه في السجن في 21 فبراير/شباط 2020 من خلال منظمة حقوقية لمجتمع الميم مقرّها في فرنسا:

يمرّ كلّ يوم كأنّه سنة. كلّ مَن يدخل إلى هنا يخاف من هويتي الترانس ويضايقني جسديا وعاطفيا. يستمتع رجال الشرطة بمضايقتي. ينادونني بالاسم الموجود على هويتي. تقول النساء المحتجزات معي للعناصر، "اسمه حسام". فيضربونهنّ ويعذّبونهنّ كي يقُلن إنّني ارتكبت أعمالا لم تحصل أبدا. ننام على فراش نتنٍ ومتعفّن من دون غطاء. تكتفي الحكومة بإرسال الخبز إلينا، لكن يأتي كلّ الطعام من الزوّار. إذا لم يزُرني أحد لثلاثة أيام، أتضوّر جوعا لثلاثة أيّام.

جُلّ ما أطلبه هو معاملتي كإنسان ومناداتي بـ حسام. تعبت من اقتيادي بانتظام إلى المستشفى للتحقّق من أعضائي التناسلية. تؤلمني عظامي، وركبتاي محطّمتان. لديّ بقع غريبة على جسدي، وثمّة براغيث وبقّ وقمل أينما كان، ناهيك عن علامات العضّ. أشعر أنّني هنا منذ 100 عام.

"آية" ( 28 عاما)

اعتقلت قوى الأمن آية، وهي ناشطة كويرية، في مايو/أيار 2018 خلال تظاهرها ضدّ تضخّم الأسعار. قالت:

كنت قد وصلت لتوّي إلى المظاهرة، وقبل أن أرفع اليافطة حتى، أخذت مجموعة من عناصر أمن الدولة بضربي بالعصي، وركلي، ولكمي. حتى بعد سقوطي أرضا، ضربوني حتى مزّقوا ثيابي.

قالت آية إنّها اقتيدت إلى ستّة أقسام شرطة للاستجواب ووُضعت ليوم كامل في مستودع معدني متنقّل في حرارة ملهبة. قالت: "كان يمكن أن أموت اختناقا".

ثمّ، احتُجزت في سجن القناطر للنساء في القاهرة. استجوبها رجال الشرطة 12 ساعة وسألوها مرارا إذا كانت عذراء، على حدّ قولها. اتّهمتها السلطات بـ "الانضمام إلى جماعة إرهابية ترمي إلى التدخّل بالدستور" واحتجزتها في زنزانة بمساحة 2 × 3 أمتار، إلى جانب 45 امرأة أخرى. قالت: "اضطُرت النساء إلى تبادل الضرب والتهديدات لتأمين فسحة للنوم".

قالت آية إنها خضعت لثلاثة فحوصات "للعذرية":

أجبرني رجل أمن على خلع ملابسي أمام جميع العناصر الآخرين، كنت أبكي، لكنه جعلني أفرد ساقيَّ ونظر في مهبلي، ثم نظر في فتحة الشرج. جعلني أستحم أمامه. أجبرتني شرطية على خلع ملابسي، وعصرت ثديي ومهبلي، وفتحت شرجي وأدخلت يدها بعمق لدرجة أنني شعرت أنها سحبت شيئا مني. بقيت أنزف لثلاثة أيام ولم أستطع المشي لأسابيع. لم أتمكن من الذهاب إلى الحمام، وقد أصبت بمشاكل صحية ما زلت أعاني منها حتى اليوم. كما ألقت طعامي في الحمام.

بعد شهرين، أمرت المحكمة بالإفراج عن آية ووضعها تحت المراقبة لمدة عامين، كان عليها خلالها الحضور إلى مقرات الأمن الوطني ثلاثة أيام في الأسبوع. قالت إنها تعرضت للضرب والاعتداء الجنسي المتكرر والإهانة والتحرش في المقرات أثناء القيام بالإجراءات التي أمرت بها المحكمة:

ما زلت تحت المراقبة. بمجرد أن يكون هناك قضية ضدك في مصر، فإنها لن تنتهي أبدا. يحاكموننا في محكمة الجنايات لأننا "نهدد المجتمع". رأيت ما فعلوه بالنساء الترانس هناك، يحتجزوهن في مستودع دون تهوية، ويضربوهن، ويتحرشون بهن جنسيا.

"أدهم" (22 عاما)

في أغسطس/آب 2018، قال أدهم إنه كان ينتظر أحد أصدقائه في القاهرة عندما أحاط به رجلان يرتديان ملابس مدنية:

قالا إنهما مباحث، ثم أمسكا بذراعيَّ وأخذا هويتي وفتشا هاتفي بحثا عن تطبيقات مواعدة للمثليين. ضربوني وشتموني، ثم ضغطوا عليّ لأريهم صوري الشخصية.

عثر عنصرا الأمن على لقطة شاشة لمحادثة بين أدهم وصديق وسجلاها في دفتر ملاحظاتهما على أنها ما وصفاه بـ "محادثات جنسية مخلة". عندما حاول الشرح، أمسكه أحدهما في وضعية خنق بينما قام الآخر بضربه بشدة ووصفه بـ "أقذر الشتائم"، على حد قوله. ثم ألقيا به في حافلة:

أخذاني إلى "قسم شرطة عابدين"، وقالا إنها سيسمحان لي بالذهاب بمجرد التحقق من بطاقة هويتي، لكن بعد ذلك احتجزاني لساعتين في غرفة غير إنسانية. ضربوني بشدة حتى أنني سقطت على الأرض وأهانوني. رأى رجل شرطة أنني كنت أرتدي صليبا، وأمرني بخلعه، والتقط صورة لي وأنا أحمل ورقة مكتوب عليها اسمي الكامل وتحته كتب "فجور".

قال أدهم إن عناصر الشرطة حاولوا إجباره على توقيع محضر لم يكتبه يتضمن الاعتراف بـ "تجارة بالجنس"، و"فجور وتحريض على الفسق"، و"محاولة إشباع رغبات جنسية محرمة"، والذهاب للمارة من الرجال مقابل اجر مادي".

عندما رفض، هاجمه عدة عناصر أمن من الخلف وبدأوا بلكمه وصفعه والدوس عليه بأحذيتهم في جميع أنحاء جسده. قال أدهم:

جروني من ملابسي إلى زنزانة مع محتجزين آخرين، وقالوا: "ادخل يامتناك ياخول بدل ما اخليهم ينيكوك". اعتدى عليّ المعتقلون الآخرون لفظيا وجنسيا.

وفي اليوم التالي، اقتاد رجال الشرطة أدهم إلى "نيابة قصر النيل" بوسط القاهرة حيث أمر بالإفراج عنه. إلا أن الشرطة لم تمتثل، وأعادته إلى قسم عابدين:

عندما عدت إلى الزنزانة، اعتدى عليّ عنصر أمن جنسيا، وعندما دفعته بعيدا، هددني بوضع صور مزيفة على هاتفي لتوجيه اتهامات إليّ.

في 23 سبتمبر/أيلول 2018، حكمت محكمة في القاهرة على أدهم بالسجن ستة أشهر وستة أشهر تحت المراقبة بتهمة "الفجور". عند الاستئناف، أسقطت المحكمة التهم الموجهة إليه، لكنها ظلت في سجله الجنائي حتى أبريل/نيسان 2019، ما منعه من السفر أو إيجاد عمل.

"علاء" (37 عاما)

في أبريل/نيسان 2018، كما قال علاء، أوقفته الشرطة اوقفته مع صديقه عندما كانا ينتظران في مصرف في القاهرة. قدم علاء بطاقة هويته، وأجرى عناصر الشرطة بحثا ووجدوا أنه قد تم القبض عليه في 2007. قال علاء إن الاعتقال السابق بدا عشوائيا لأن الشرطة لم تعثر على دليل ضده، لكن رغم ذلك، حكم عليه القاضي بالسجن ثلاث سنوات. سُجن بتهم "الفسق والفجور"، وانتهى به الأمر بقضاء حكمه في المستشفى في "سجن وادي النطرون 440"، شمال غرب القاهرة، بعد أن أبلغ وكيل النيابة أنه متعايش مع فيروس نقص المناعة البشرية.

قال علاء إنه أثناء احتجازه في 2007، لم يتلق أي علاج لفيروس نقص المناعة البشرية إلى حين الأشهر الستة الأخيرة، عندما حظيت قضيته باهتمام الرأي العام، وحتى حينها، تم إعطاؤه أدوية منتهية الصلاحية. قال إنه ما يزال يضطر لاستخدام عكاز بسبب الإصابات الناجمة عن الضرب الوحشي والاغتصاب المتكرر من قبل محتجزين آخرين في المستشفى.

قال إنه في 2018، عندما اعتقلته الشرطة مرة أخرى، لم يذكروا السبب، وفي "قسم شرطة بولاق أبو العلا"، ضربوه دون توقف واستهزأوا بإعاقته. أخرج بطاقة إثبات الإعاقة ليُريها للضابط، الذي قال له " اقلع وحطه في طيزك". قال علاء: "اعتقدت أنه يمزح، وبالفعل قام بأمر أمين الشرطة بنزع سروالي وقام بوضع الكارنيه داخل مؤخرتي. كنت بدعي ربنا إن يخدني واموت، كان نفسي الأرض تنشق وتبلعني".

قال علاء إن وكيل النيابة رفض الاستماع إلى شهادته وبدأ التحرش به لفظيا وتهديده بإجراء فحوص شرج قسرية. استجوبته النيابة بناء على محضر الشرطة الذي قال علاء إنه وقّعه تحت الإكراه. وذكرت أن علاء وصديقه، الذي تم اعتقاله أيضا، يمارسان الجنس مع بعضهما وكان يتجادلان علنا حول الأموال المتعلقة بممارستهما للعمل في مجال الجنس.

أمرت النيابة علاء وصديقه بالخضوع لفحص شرجي قسري: "أدخل الطبيب الشرعي أصابعه وشيئا آخر بالقوة في فتحة الشرج. تعرضت للإذلال بما يفوق الكلام".

وصف علاء تعرضه للضرب، والإذلال، والاعتداء الجنسي على أيدي رجال الأمن والمعتقلين في مركز احتجاز بولاق أبو العلا. قال: "كان الضابط يفرض سلطته كأنه إله يعاقب عبيده".

احتُجز الرجلان 26 يوما على ذمة التحقيق. قال علاء إن القاضي قال له في المحكمة: "يا مبوظ مصر، روح بقى شوف حد يربي عيالك وانت وحياة ربنا هخرجك وانت عندك 36 سنه وحياتك تبقي اتدمرت". حكم القاضي على علاء وصديقه بالسجن ست سنوات وست سنوات إضافية تحت المراقبة.

خفض قاضي الاستئناف الأحكام إلى ستة أشهر في السجن وستة أشهر إضافية تحت المراقبة. قضى الرجلان ما مجموعه ستة أشهر و26 يوما في السجن:

حتى يومنا هذا، ما زلت لا أعرف سبب اعتقالي. خسرت كل شيء. حاولت تقديم شكوى للشرطة، ثم أدركت أننا بالنسبة لهم صراصير ولسنا بشرا. كنت أعرف أنني يجب أن أغادر مصر. كل ما أريده هو أن أستيقظ وأشعر بالأمان.

"حامد" (25 عاما)

تم القبض على حامد تعسفا ثلاث مرات في 2014، و2015، و2017.

قال إنه في مارس/آذار 2017، كان في الشارع مع صديق له في القاهرة عندما طلب رجال أمن بطاقتيهما وهاتفيهما. قال حامد إنه عندما علمت الشرطة بتهمتي "الفسق والفجور" و"الدعارة" ضدهما، ضربوهما لإجبارهما على فتح هواتفهما:

قال لي الضابط في قسم الشرطة: " أدخّلك للعساكر ينيكوك جماعي وتريح طيزك". كنت أرتدي سلسلة حول عنقي فأمسكها رجل الأمن وخنقني بها حتى انفكت. قام بتقييد يدي وجعلني أجثو على الأرض. ثم ضربني بقعر بندقيته وصوب نحوي سكين وكيس صغير مليء بالمخدرات. قال: "سأقول أننا وجدناه معك". فتحت الهاتف، وقام رجل الأمن بتنزيل العديد من تطبيقات المواعدة للمثليين ثم قام بتحميل صور إباحية عشوائية التقطها من الإنترنت، ثم أجبرني على التوقيع على محضر الشرطة.

في اليوم التالي، التقى حامد بوكيل النيابة، الذي أمر طبيبا شرعيا بإخضاعه لفحص شرجي قسري: "جُردت من الملابس. أدخل الطبيب الشرعي شيئا في فتحة الشرج. لقد كان مؤلما جدا لدرجة أنني لم أستطع التوقف عن الصراخ". قال حامد إنه كذب وقال إنه مصاب بالإيدز حتى لا يقترب رجال الأمن منه.

حُبس حامد احتياطيا بسجن بمدينة نصر شرق القاهرة لمدة ثلاثة أشهر. قال إن رجال الشرطة كانوا يضربونه كل يوم، ويعتدون عليه جنسيا، ويهينونه باستمرار. حكمت المحكمة على حامد بالسجن ست سنوات. خففت محكمة الاستئناف عقوبته إلى السَّجن ستة أشهر، وبعد ذلك أطلق سراحه، ووضع ستة أشهر أخرى تحت المراقبة:

ما زلت أواجه مشاكل أمنية لأن الشرطة سرّبوا قضيتي للصحافة ونشروها على الإنترنت. لا يمكنني العثور على وظيفة، رغم إسقاط التهم الموجهة إلي. ليس لدي أي حرية في بلدي. حلمي أن أغادر مصر، لكن لا أستطيع قبل أن أشطب القضايا ضدي، ولا أملك المال للرشاوى.

أحمد علاء (24 عاما)

اعتقل علاء بعد أيام قليلة من حفل فرقة "مشروع ليلى"، في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عيد ميلاده الـ21، بمدينة دمياط الشمالية. هاجمه عشرة رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية في الشارع وضربوه وأخذوا هاتفه بينما كان ينتظر صديقا في السيارة. لم يعرّفوا بأنفسهم. قال: "اعتقدت أنها كانت مزحة. لم أستطع فهم ما أرادوه".

قال إن بعض رجال الشرطة اقتادوه قسرا إلى سجن دمياط بعد الضرب. في سيارة الشرطة، صفعه رجال الشرطة باستمرار. لم يخبروه عن سبب اعتقاله، وأثناء الاستجواب الأول من قبل الأمن الوطني في السجن، والذي استمر سبع ساعات، لم يكن لديه محام.

قال علاء إنهم وضعوه في "زنزانة تشبه القفص" طوال الليل. نام خلالها على لوح خشبي، مكبل اليدين، ولم يُقدم له طعام أو ماء، واقتيد إلى دورة المياه ولم يُسمح له بإغلاق الباب.

قال أثناء استجواب الشرطة، سأله الضابط: "أنت خول؟"، "لماذا فعلت هذا بنفسك؟"، "هل قرأت القرآن؟"، "هل مارست الجنس الشرجي من قبل؟"

وسألوه أيضا عما إذا كان قد رفع علم قوس قزح في الحفلة الموسيقية، فأجاب بنعم، وقال إنه يدعم حقوق الجميع في التعبير عن أنفسهم. أجاب رجل الأمن: "الديمقراطية حرام"، و"ستظل في السجن لفترة طويلة جدا".

نُقل إلى "سجن القناطر" للرجال في القاهرة حيث تم استجوابه مرة أخرى من قبل رجال شرطة آخرين:

استجوبني ثلاثة رجال أمن في هذا السجن، أهانوني وشتموني. قالوا إنني "خول" ومدمن مخدرات. هددوني بتحريض السجناء على اغتصابي إذا لم أعترف بممارسة الجنس مع الرجال، لكنني لم أفعل. أردت فقط أن أذهب إلى الزنزانة وأبكي.

قال إن أربعة عناصر راقبوه بعد ذلك وهو يخلع ملابسه بينما كانوا يوجهون إليه شتائم معادية للمثليين. ووضعوه في الحبس الانفرادي، بدعوى أن ذلك لحمايته:

كانت الزنزانة تحت الأرض، بلا نوافذ، ولا إضاءة، ولا سرير، ولا تهوية، وبطانية قذرة، وزجاجتين من الماء، ورغيف خبز. لم يُسمح لي بمغادرة الزنزانة لمدة عشرة أيام. كنت أبكي حتى أنام، وأغني لتهدئة نفسي، ولم أرغب في الاستيقاظ في اليوم التالي.

في اليوم الخامس من حبسه الانفرادي، أخذه رجال الأمن لاستجواب آخر، هذه المرة مع حجازي، التي قبض عليها أيضا بسبب رفع علم قوس قزح في نفس حفل مشروع ليلى، وواجهت نفس التهمة – وهي "الانضمام إلى جماعة أُسِّست على خلاف أحكام القانون وتهدف إلى تعطيل أحكام الدستور"، و"التحريض على الفسق والفجور":

شعرت بالارتياح لوجودها، ابتسمت وقالت لي كن قويا. غنينا أغاني مشروع ليلى معا. كانت سارة تتحدث إلى الإسلاميين وتطرح عليهم الأسئلة وتستمع باهتمام. عاملت كل الناس بإنسانية.

بعد الاستجواب، على حد قول علاء، قام أحد العناصر بتثبيته بينما حلق آخر رأسه. أثناء إعادته إلى الزنزانة، قال له السجناء: "إذا سمحوا لك بالخروج، فسوف نجدك ونغتصبك"، و"لم ألمس أي شخص منذ خمس سنوات وسوف تمص قضيبي الطويل". قال علاء إن أحد رجال الأمن أجبره على لمس أعضائه التناسلية.

ثم نُقل إلى عنبر الآداب بسجن آخر ووُضع في زنزانة مع سبعة سجناء. "تناوبنا على النوم. ينام أربعة في كل مرة، ويقف ثلاثة، لكي يتسع المكان للجميع".

بعد ثلاثة أشهر من الحبس الاحتياطي، في 1 يناير/كانون الثاني 2018، أمر قاض بالإفراج عن علاء وحجازي بكفالة. قال علاء إنه رغم الأمر بالإفراج عنه، فإن عناصر الأمن الوطني احتجزوه عشرة أيام إضافية في مكان سري، دون سند قانوني، بهدف "ترهيبه":

قيل لي إنه إذا أردت إطلاق سراحي، يجب أن "أتصرف وكأني سأموت" وأمرض بشدة. أضربت عن الطعام في اليومين الأخيرين. أردت أن أفقد الوعي حتى يطلقوا سراحي. كنت على استعداد لإنهاء حياتي إذا قاموا بإطالة فترة احتجازي. ولو كنت قد مت هناك، فما كان ليحاسَب أحد.

"مراد" (28 عاما)

في 2017، بينما كان مراد متوجها إلى جامعته في الإسكندرية في الساعة 10 صباحا، أوقفه رجل شرطة لم يعجبه مظهره وقال له: "هل تريد أن تعطيني هاتفك أم تأتي معي إلى القسم؟" قال مراد إن رجل الأمن "فتش هاتفي ووجد صورا خاصة وأنا أرتدي زي امرأة. قال: "أنت شاذ. لم يحسن والداك تربيتك، سأعلمك كيف تكون التربية".

قال مراد إن رجال الشرطة ضربوه، وسبوه، وأجبروه على الاعتراف بأنه مارس الجنس مع رجل. واتهموه بـ "التشبه بالنساء" وخاطبوه بالضمائر المؤنثة لإهانته.

احتُجز مراد في "سجن برج العرب" قرب الإسكندرية، في زنزانة مكتظة وغير صحية. قال: "كان من المستحيل إيجاد مكان للنوم". قال إن حراس السجن ضربوه وهددوه بقتله، واغتصبه معتقلون في زنزانته ولم يفعل رجال الأمن شيئا لحمايته.

حكمت محكمة على مراد بالسجن لمدة عام بتهمة "التحريض على الفسق والفجور":

ما زلت لا أستطيع العثور على وظيفة. لا أستطيع السفر. أمنيتي الوحيدة هي أن أكون مثل إخوتي، حرّا وأعيش بدون سجل جرمي.

"حنان" (20 عاما)

في سبتمبر/أيلول 2017، عندما كانت حنان، وهي امرأة ترانس، فتاة تبلغ من العمر 17 عاما، أوقعت قوات الأمن المصرية بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي واعتقلتها تعسفيا في أحد مطاعم القاهرة، قالت:

كنت أتحدث إلى رجل على "فيسبوك" وطلب رؤيتي. التقينا في مطعم قبل ثلاثة أيام من حفل مشروع ليلى في القاهرة. كان لدي تذكرة للحفل في حقيبة الظهر. وصلت لأجد أربعة رجال يرتدون ملابس مدنية ينتظرونني. علمت أنه يتم القبض عليّ.

قالت حنان إن عناصر الشرطة فتشوا هاتفها، وسجّلوا الدخول إلى "غرايندر" عبر حسابها على فيسبوك، وأنشأوا محادثة مزيفة لتحميل صور لها كامرأة. ولم يتم إخبارها بالتهم الموجهة إليها. قالت إنها أُجبرت على خلع ملابسها أمام رجال الأمن في مركز الشرطة، الذين تفحصوا جسدها وسألوها أسئلة خاصة، مثل: "هل تحلقين؟"، "كيف حصلت على الثديين؟"، "لماذا لديك شعر طويل؟"، "لماذا لديك تذكرة لحضور حفل مشروع ليلى؟"

قالت حنان إنها توقفت عن الرد على الأسئلة بعد ساعات من الإساءة اللفظية. ثم بدأ رجال الأمن بضربها:

صفعوني وركلوني بأحذيتهم وجروني من ملابسي حتى مزقوها. كنت أبكي ولم أستطع التحدث. كان رجال الأمن يصفعوني ويطعنونني بأقلامهم لإجباري على الكلام. هددوني بإجباري على الخضوع لفحص شرجي قسري. قلت لهم أن يفعلوا ذلك، فليس لدي ما أخفيه. ثم أمروا طبيبا شرعيا بإخضاعي للفحص الشرجي.

في النيابة العامة، سُئلت حنان عن الصور الموجودة على هاتفها. نفت أن تكون هي، لكن وكيل النيابة قال: "حتى صورك في زي رجل تدينك. إما أن تعترف الآن أو لن تغادر أبدا". قالت: "كان يشتمني ويصرخ في وجهي، لكنني رفضت الاعتراف". ثم قال وكيل النيابة: "سأبقيك محتجزا ثلاثة أيام حتى تفكر في الأمر".

قالت حنان:

احتجزت في قفص تحت درج [في النيابة العامة]، لم تكن حتى زنزانة سجن، [ولكن] مجرد غرفة صغيرة مساحتها 3  x2 أمتار، فيها 25 شخصا مثليين وترانس. رفضوا السماح لي بالاتصال بأي شخص أو توكيل محام. لم أستطع النوم، كنت أهذي، مصدومة، شعرت أنني يجب أن أكون في حالة تأهب أو سيقتلونني. قصصت شعري بالمقص حتى أبدو طبيعية عندما يتم استجوابي مرة أخرى.

قالت حنان إنه تم نقلها بعد ثلاثة أيام إلى زنزانة مع رجال:

تعرضت للتحرش والاعتداء الجنسي والإساءة اللفظية والسخرية. كانوا يلمسوني أثناء نومي. توقفت عن النوم. ضربني رجال الأمن وقالوا: "سنعلمك كيف تكون رجلا". قاموا برشي بالماء عندما قاومت الانتهاكات.

"استمر ]وكيل النيابة[ بتأجيل محاكمتي، 15 يوما، ثم شهرين. قالت حنان: "شعرت أنني لن أغادر أبدا". احتُجزت حنان على ذمة التحقيق لمدة شهرين و15 يوما.

حكمت عليها محكمة بالسجن لمدة شهر آخر بتهمة "الحض على الفسق والفجور". على الرغم من إطلاق سراحها بسبب الوقت الذي أمضته، إلا أن التهمة بقيت في سجل حنان لمدة ثلاث سنوات:

عند إطلاق سراحي، سألني رجل أمن، "انت بتنيك ولا بتتناك؟" لم أفهم ما قصده، فاحتجزني ليلة أخرى رغم صدور الأمر بإطلاق سراحي. في اليوم التالي سألني مرة أخرى. قلت: "بنيك". أجاب: "شاطر يا واد".

التزامات مصر القانونية

الانتهاكات التي ترتكبها السلطات المصرية ضد أفراد مجتمع الميم الموثقة هنا تنتهك العديد من الحقوق الأساسية، منها حقوقهم في الخصوصية، والسلامة البدنية والحماية من المعاملة اللاإنسانية والمهينة والتعذيب، وحرية الحركة، وحرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، وكذلك حقهم في عدم التمييز والحماية بموجب القانون.

لا تنتهك الانتهاكات التزامات مصر بموجب المعاهدات الدولية التي هي طرف فيها فحسب، بل تنتهك أيضا الحقوق التي يكفلها الدستور المصري.

ينص الدستور المصري على عدد من الحقوق الأساسية المتعلقة بإجراءات التقاضي السليمة. يحظر الاعتقال بدون إذن قضائي ما لم يتم القبض على الشخص متلبسا بجريمة، ويطلب حضور محام أثناء الاستجواب، ويضمن للمشتبه بهم الحق في التزام الصمت، وإبلاغه كتابيا بسبب اعتقاله في غضون 12 ساعة، والمثول أمام النيابة العامة في غضون 24 ساعة، والاتصال بمحام وأفراد الأسرة.

يحظر الدستور التعذيب، والترهيب، والإكراه، والأذى البدني أو المعنوي بحق المحتجزين، كما ينص على عدم وجود قانون تقادم على جريمة التعذيب. وينص على أن المحكمة يجب أن تتجاهل أي أقوال يتم الإدلاء بها تحت التعذيب أو التهديد بالتعذيب.

مصر طرف في العديد من معاهدات حقوق الإنسان الدولية بما في ذلك "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب". كل هذه المعاهدات تحظر التعذيب بشكل صارم ومطلق، بما في ذلك حظر استخدام الأدلة المنتزعة تحت التعذيب. كما نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي على الحقوق الأساسية لإجراءات التقاضي السليمة لأي شخص محتجز أو يواجه اتهامات جنائية، على غرار تلك المنصوص عليها في الدستور.

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن السلطات المصرية مطالبة بحماية المرأة من جميع أشكال العنف، ولديها التزامات محددة بموجب المعاهدات في هذا الصدد باعتبارها طرفا في "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو). ينص الدستور المصري أيضا على حماية المرأة من العنف.

تتضمن "مبادئ يوغياكارتا حول تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتوجه الجنسي وهوية النوع" الالتزام الذي ينص على أن على جميع الأطراف:

اتخاذ الإجراءات التشريعية والإدارية وغيرها من منع وتوفير الحماية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الوحشية أو المهينة التي ترتكب لأسباب تتصل بالتوجه الجنسي أو هوية النوع للضحية، إضافة إلى منع التحريض على هذه الأفعال.

تنتهك الملاحقات القضائية لممارسة الجنس بالتراضي بين البالغين الحق في الخصوصية وعدم التمييز المكفولين بموجب القانون الدولي، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. أوضحت "لجنة حقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة، التي تراقب الامتثال للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أنه يحظر التمييز على أساس التوجه الجنسي للالتزام بأي من الحقوق التي تحميها المعاهدة. وجد "فريق الأمم المتحدة العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي" أن الاعتقالات بسبب السلوك المثلي بالتراضي بين البالغين هي، بطبيعة الحال، تعسفية. تدعو اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب صراحة الدول الأعضاء، بما في ذلك مصر، إلى حماية الأقليات الجنسية والجندرية بما يتفق مع الميثاق الأفريقي.

 



 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة