Skip to main content
تبرعوا الآن

لبنان: ضمانات جديدة للعاملات المنزليات المهاجرات

خطوة إيجابية، لكن ينبغي تطبيقها وتعديل قانون العمل

متظاهرون يرفعون لافتات تطالب بإلغاء نظام الكفالة اللبناني. © 2019 Adib Chowdhury / SOPA Images/Sipa via AP Images

(بيروت)  –  قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ العقد المعياري الموحّد الجديد للعاملات المنزليات المهاجرات، والذي أصدرته وزارة العمل في لبنان في 4 سبتمبر/أيلول 2020، خطوة في الاتجاه الصحيح لحماية حقوق العاملات المنزليات وإلغاء نظام الكفالة التعسفي، شرط أن يترافق مع آلية تنفيذ صارمة.

يسمح العقد الجديد للعاملات بإنهاء عقدهنّ من دون موافقة صاحب العمل، ويمنحهنّ ضمانات عمل أساسية تُعطى أصلا لعمّال آخرين، مثل تحديد ساعات العمل الأسبوعية بـ 48 ساعة، ويوم عطلة أسبوعي، وأجر لساعات العمل الإضافية، وإجازات مَرَضية، وإجازة سنوية، ودفع الحدّ الأدنى الوطني للأجور، مع السماح ببعض الاقتطاعات من الراتب للمسكن والغذاء.

قالت آية مجذوب، باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: "إذا طُبّق العقد المعياري الموحّد الجديد، يشكّل بذلك انتصارا لتعزيز حقوق العاملات المنزليات المهاجرات إلى لبنان، إذ يتضمّن ضمانات مهمّة ضدّ العمل القسري. لكن تدابير الحماية الجديدة لا تعني الكثير إلّا إذا عمّمتها الدولة على نطاق واسع ووضعت وطبّقت بصرامة سُبُل إنفاذها".

يعمل في لبنان حوالي 250 ألف عامل منزلي مهاجر، وأغلبهم نساء قادمات من بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا، بما في ذلك إثيوبيا، والفليبين، وبنغلاديش، وسريلانكا. هؤلاء العمالّ مستبعدون من حماية قانون العمل في لبنان، وينظّم وضعهم في البلاد نظام الكفالة، وهو نظام هجرة مقيّد يضمّ قوانين، وقواعد، وممارسات عُرفية تربط الإقامة القانونية للعاملة الوافدة بصاحب العمل.

وثّقت هيومن رايتس ووتش والعديد من المنظمات الأخرى لسنوات كيف أنّ نظام الكفالة يمنح صاحب العمل قدرة تحكّم هائلة بحياة العاملات. أدّى ذلك إلى مجموعة من الانتهاكات، بما فيها عدم دفع الأجر، والاحتجاز القسري، وساعات عمل مفرطة من دون إعطاء وقت راحة أو استراحات قصيرة، ناهيك عن الانتهاكات اللفظية والبدنية والجنسية. واجهت العاملات اللواتي تركن أصحاب عملهنّ من دون "إذن" خطر فقدان الإقامة القانونية في البلاد، والاحتجاز، والترحيل. لم يستثنِ العقد السابق إلّا العاملات اللواتي واجهن حالات قصوى من الاعتداء، مع تحميل عبء الإثبات للعاملة، وترك العاملات فعليا أسيرات، بما في ذلك في ظروف العمل القسري.

بموجب عقد العمل المعياري الموحّد الجديد، يجوز للعاملات إنهاء خدمتهنّ من دون إشعار، إذا تعرّضن لأي شكل من أشكال الاعتداء، أو إذا لم يلتزم صاحب العمل بأي من أحكام العقد. يجوز لأيّ من الطرفين إنهاء العقد من دون إشعار في حال وقوع أحداث غير متوقّعة خارج السيطرة تحول دون إتمام مدّة العقد.

يجوز لأيّ طرف إنهاء العقد طوعا بعد منح إشعار مدّته شهر. لكن، إذا أنهى صاحب العمل أو العاملة العقد من دون منح إشعار، وفي غياب انتهاك لأحكام العقد، ينبغي أن يدفع تعويضا يساوي راتب شهر. يمكن لصاحب العمل أيضا أن يستعيد جزءا من تكاليف التوظيف إذا أنهت العاملة المنزلية العقد قبل إتمام السنتين بموجبه، ويحصّل هذا الجزء سواء من وكالة التوظيف وفق قرارات وزارة العمل، أو من صاحب العمل الجديد عبر قسمة إجمالي مبلغ تكاليف التوظيف على عدد أشهر العقد، ويدفع صاحب العمل الجديد راتب الأشهر المتبقية من العقد. لا يجوز أن تُرغم العاملات المنزليات على دفع أي تكاليف توظيف مهما كانت الظروف.

إذا نُفّذ العقد الجديد، سيؤمّن أخيرا للعاملات المنزليات المهاجرات في لبنان حماية جوهرية في العمل يتمتّع بها العمّال الآخرون بموجب قانون العمل. كذلك يعترف العقد الجديد بحقّ العاملات في الاحتفاظ بأوراقهنّ الثبوتية، وامتلاك هاتف والاتصال بحرية، وترك منازل أصحاب العمل والتحرّك بحرية خلال فترات الراحة. يحمي العقد الجديد أيضا حقّهنّ في بيئة عمل وسكن صحية وآمنة.

ينص العقد أيضا على أن العاملات المنزليات لهن الحق في الحصول على الحد الأدنى الرسمي للأجور في البلاد، ويسمح ببعض الاقتطاعات للطعام والمسكن. قالت وزيرة العمل في قرار لها إن الاقتطاعات يجب ألا تتخطى 30% من الراتب. على وزارة العمل أن تضمن أن يكون الاقتطاع للاستخدام الشخصي للعاملة وأسرتها، وأن يكون عادلا ومعقولا، بما يشمل التأكد من أن المواد المتصلة مباشرة بأداء العمل المنزلي لا تعتبر مدفوعات عينية يمكن اقتطاعها من راتب العاملات، حسبما تنص عليه معايير العمل الدولية.

قالت مجذوب: "في السابق، لم يكُن للعاملات المنزليات المهاجرات قاعدة قانونية واضحة للاشتكاء من ساعات العمل الطويلة، والأجر المتدنّي، وعدم دفع الساعات الإضافية وغياب أوقات الاستراحة، وكُنّ عرضة للأسر في أماكن عمل مسيئة، مع إمكانية ضئيلة للالتجاء إلى العدالة. قد يساعد هذا العقد، حصرا إذا نُفّذ بشكل صحيح، في مكافحة الظروف التي تؤدي إلى العمل القسري والاستعباد".

مع ذلك، لا يسمح العقد الجديد للعاملات بالانضمام إلى النقابات وتشكيلها. من الضروري تأمين الحقّ في حرية تكوين الجمعيات للعاملات المنزليات لترسيخ أنظمة الحماية القانونية ولمحاربة الانتهاكات المستشرية. ينبغي أن تعترف السلطات اللبنانية بنقابة العاملات المنزليات وتسمح للعاملات بالانضمام بحرية إلى أيّ نقابة تخترنها، من دون عواقب سلبية. ينبغي أن تعامل السلطات اللبنانية جميع العمّال وفق "القانون الدولي لحقوق الإنسان"، الذي يستوجب منها أن تحترم حقوق الجميع على أرضها في حرية تكوين الجمعيات، من دون تمييز.

قالت مجذوب: "أظهرت التجارب العالمية مرارا أنّ منظمات العمّال مهمة لنشر المعلومات حول حقوقهم ودعمهم للتقدّم بشكاوى للسلطات. من الضروري دعم حرية تكوين الجمعيات ليُرسي هذا العقد تغييرات فعلية في الحياة اليومية للعاملات المنزليات".

أعلنت وزيرة العمل لميا يمين أنّه سيتمّ العمل بالعقد الجديد بدءا من 21 سبتمبر/أيلول. لكنّ الوزارة لم تُفصح بعد عن خططها لبدء تنفيذ العقد الجديد، كما لم تعطِ تعليمات لأصحاب العمل والعاملات حول تدابير الانتقال إلى العقد الجديد. قالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي أن تجري الوزارة حملة عامة لنشر التوعية حول أحكام العقد الجديد وتعتبر البرامج التوجيهية حول الحقوق القانونية والواجبات إلزامية لأصحاب العمل والعاملات.

ينبغي أيضا أن تشكّل الوزارة بشكل طارئ نظام رقابة وإنفاذ للحرص على تقيّد أصحاب العمل بأحكام العقد ومحاسبة الذين ينتهكون هذه الأحكام. ينبغي أن تضع الوزارة أيضا جزاءات واضحة للانتهاكات الشائعة، مثل عدم دفع الأجر، والاحتجاز القسري، وساعات العمل المفرطة، والحرمان من الطعام، وفق نطاق متدرّج للعقوبات بما يتناسب مع خطورة الانتهاكات. ينبغي أن تلعب العقوبات دور الرادع الفعّال للانتهاكات وأن تمنح تعويضات للعاملات اللواتي تُنتهك حقوقهنّ.

يُفترض أيضا بالوزارة أن تنشئ نظام شكاوى، بما في ذلك تأمين مسار سريع لفضّ النزاعات، والحرص على امتلاك مفتّشي قطاع العمل السلطة والتدريب للتحقّق من ظروف العمل. ينبغي أن يتمكّنوا من دخول منازل أصحاب العمل، مع المراعاة الواجبة للخصوصية، ومقابلة العاملات المنزليات بعيدا عن أصحاب عملهنّ.

يرتكز العقد الجديد على توصيات مجموعة عمل أسّسها وزير العمل السابق كميل أبو سليمان في أبريل/نيسان 2019 وترأستها "منظمة العمل الدولية" لتفكيك نظام الكفالة في لبنان. هيومن رايتس ووتش عضو في هذه المجموعة. في يونيو/حزيران 2019، قدّمت مجموعة العمل خطّة عمل لوزير العمل تتضمّن خطوات لإلغاء نظام الكفالة وإرساء تدابير حماية للعاملات المنزليات المهاجرات.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ تطبيق عقد يحترم الحقوق هي الخطوة الأولى تجاه حماية حقوق العاملات المنزليات وإلغاء نظام الكفالة.

ينبغي أن تتّخذ السلطات اللبنانية بشكل عاجل خطوات أخرى لتفكيك نظام الكفالة عبر الحرص على عدم اعتماد العاملات المهاجرات على أصحاب عملهنّ لوضعهنّ القانوني في البلاد وتعديل قانون العمل ليشمل العاملات المنزليات المهاجرات. ينبغي أن تقوّي السلطات نظام وزارة العمل للشكاوى والإنفاذ، وتحظر احتجاز العاملات المنزليات المهاجرات بسبب غياب الإقامة القانونية، وتسوّي وضع العاملات المهاجرات من دون أوراق ثبوتية، وتدرّب قوى الأمن والقضاء على الاستجابة للانتهاكات ضدّ العاملات المنزليات المهاجرات والتحقيق فيها.

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لبنان مُلزم بالحرص على تقديم تدابير حماية متساوية بين العاملات المنزليات والعمّال المهاجرين وسائر العمّال بموجب القانون.

قالت مجذوب: "إذا كانت وزيرة العمل جدية بشأن إزالة نظام الكفالة المسيء، ينبغي أن تؤمّن حسن تطبيق العقد الجديد وإنفاذه بفعالية، وأن تتحرّك بسرعة لإزالة هذا النظام كليا لتفادي ترك العاملات المهاجرات تحت رحمة أصحاب عملهنّ. تترك العاملات المنزليات المهاجرات منازلهنّ للاهتمام بالآخرين في لبنان، وينبغي معاملتهنّ بالاحترام والكرامة اللتين يستحقانهما".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة