Skip to main content
تبرعوا الآن
Protesters read copies of newspapers in front of graffiti in Tahrir Square, Baghdad, Iraq, November 20, 2019.

مقابلة: الصحفيون والمنتقدون عبر الإنترنت يتعرضون للتهديد والمضايقة في العراق

الحكومة الجديدة تقدم بارقة أمل بينما يستمر قمع السلطات للنشطاء

محتجون يقرأون الصحف أمام كتابات ورسوم على الجدار في ساحة التحرير في بغداد، العراق، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. © 2020 أسوشيتد برس/هادي ميزبان

مع انتهاء عقود من الحرب والاحتلال، يجد العراقيون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع مرحلة جديدة. أدّت موجة هائلة من المظاهرات التي عمّت البلاد وطالبت بإنهاء الفساد واحترام حقوق الإنسان، إلى إسقاط الحكومة في 2019. الآن، مع وصول رئيس وزراء جديد يتعاطى بشكل مباشر مع الكثير من بواعث القلق لدى المتظاهرين، ظهرت بارقة أمل بأن الحكومة الجديدة قد تتصدى أخيرا لبعض تلك القضايا. لكن مع انفتاح مساحة لهذا الحوار، ليس من الواضح بعد إن كانت الحكومة الجديدة ستتمكن من التصدي لحملة مستمرة تشنها بعض السلطات لإسكات المنتقدين، حيث يواجه الصحفيون والنشطاء للعنف والمضايقة والملاحقة القضائية لمجرد مجاهرتهم بالانتقاد. بول أوفيرو يتحدّث إلى الباحثة الأولى بلقيس والي، حول تقريرها الجديد بشأن تهديدات حرية التعبير في العراق، وما تعنيه هذه اللحظة المهمة للبلاد.

ما المختلف في هذه المرحلة في العراق؟

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، اندلعت حركة احتجاجية ضخمة في شتى أنحاء البلاد، وخرج ملايين الناس إلى الشوارع. تجمّع الشباب في وسط وجنوب البلاد واتفقوا على رؤية غير طائفية للمطالبة بحقوق الإنسان الأساسية لجميع العراقيين، بغضّ النظر عن عرقهم أو لغتهم أو معتقدهم. مطالباتهم وموجة الاحتجاجات التي أشعلوها أجبرت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على التنحّي في نوفمبر/تشرين الثاني، لتكون بذلك المرة الأولى التي تؤدّي فيها احتجاجات شعبية في العراق إلى تغيير في السلطة.

في مايو/أيار، تولى رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي مقاليد الحكم. الكاظمي صحفي سابق وقد تعرّض للنفي في عهد صدام حسين. عندما عاد إلى العراق، أصبح رئيسا لـ"جهاز المخابرات الوطني العراقي". منذ أن أصبح رئيسا للوزراء، جاهر بتناول بعض أصعب القضايا الحقوقية وأكثرها حساسية في العراق، وهو أمر رائع. لذا، مع هذه القيادة الجديدة، ثمة فرصة لتحقيق أحد أبرز مطالب المتظاهرين: أن تعود السلطات إلى التواصل مع الجمهور.

هي أيضا واحدة من المرات الأولى منذ 2003 التي يتضاءل فيها العنف إلى درجة أن يبدأ العراقيون في الحديث عن أمور لا تتصل بالحرب. عانى العراق من سنوات من النزاع، مرورا بغزو واحتلال بقيادة الولايات المتحدة، وحرب أهلية، والنزاع ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش"). ها هم العراقيون أخيرا يطالبون بانخراط الساسة في العمل على القضايا التي تمس حقوق الإنسان الخاصة بهم، وليس عبر "عدسة" الأمن الوطني.

لكن هناك قصة أخرى تتشكل بالتوازي مع هذه. ما الذي يصفه تقريرك؟

منذ سقوط صدام حسين في 2003، بدأ الذين قمعهم يهتمون بفتح البلاد، من حيث عقد انتخابات وتوفّر حرية التعبير. لكن الأمور اتخذت مسارا معاكسا خلال العقد الأخير. السلطات تعاملت مع المنتقدين ليس فقط من خلال العنف، الذي رأيناه عند ضرب المتظاهرين وقتلهم، إنما أيضا عبر حملات باستخدام القوانين لملاحقة من يعبرون عن آراء لا تعجب السلطات، مع تهديد الناس لإسكاتهم.

من المستهدف في هذه الحملة؟ ولماذا؟

في إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي في الشمال، كما في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد، تكاد لا تتوفر أي أموال للإعلام المستقل، لذا يتم تمويل أغلب المنافذ الإعلامية عبر حزب من الحزبَيْن السياسيَيْن الكرديَيْن الرئيسيين، أو من جماعات أصغر. الصحفيون الذين يعملون في الوسيلة الإعلامية التابعة لأحد الأحزاب يُرسَلون عادة لتغطية المظاهرات التي يدعو إليها ذلك الحزب في منطقة يسيطر عليها الحزب الآخر، ويتعرّضون أحيانا للتوقيف أو الضرب، بل وحتى القتل، على يد قوات الأمن الكردية. الملاحقات القضائية ضد الصحفيين تحدث أيضا في إقليم كردستان ولأسباب سياسية.

لكن هذا الأمر يتكرر في أنحاء العراق، في بغداد وأيضا في الجنوب. تستخدم السلطات نصوصا قانونية مبهمة لاستهداف الصحفيين والنشطاء، وبصراحة استهداف أي شخص ينشر انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يشمل من يكتبون على صفحاتهم الشخصية على فيسبوك. ينبغي أن يكون هذا الاستهداف ذلك غير قانوني.

في بغداد، يتضمن قانون العقوبات مواد تتناول التشهير بشكل عام. يمكن أن يُحاكم شخص إذا قال أي شيء "مهين" لدولة عربية أو لصاحب منصب سلطة مثلا. لكن لا يوجد تعريف لما يُعتبر إهانة، لذا هذه النصوص القانونية فضفاضة للغاية. هناك مجموعة نصوص قانونية أخرى تتناول التحريض، والتي تستخدمها السلطات ضد من تزعم أنهم ينشرون محتوى على الإنترنت قد يُحرِّض شخص على تنفيذ عمل إجرامي، أو يُهدد الأمن الوطني. لكن لا توجد معايير لما يعنيه هذا من حيث الممارسة.

إضافة إلى الاعتقال، يتلقى الكثير من هؤلاء الناس يتلقون تهديدات عبر الرسائل النصية على هواتفهم، منها مثلا: "أنت التالي. سوف نقتلك إذا كتبت عن هذا [الموضوع]". هناك مشكلة بنيوية في العراق، وهي إن ذهب من يتلقون رسائل التهديد إلى الشرطة، لا تفعل هذه الأخيرة شيئا لحمايتهم.

ما العقوبات التي يتعرض لها الناس إذا تبين أنهم مذنبون بهذه الاتهامات الفضفاضة؟

بحسب النص القانوني المُتَهم بموجبه الشخص، قد يواجه السجن 10 أعوام، أو غرامة بحد أقصى 800 دولار أمريكي، أو العقوبتين معا. يقول البعض إن قوات الأمن تضربهم أثناء الاستجواب. لكن المدهش أننا لم نوثّق سوى بضع حالات أُجبِر فيها شخص فعلا على قضاء عقوبة سجنية فعلية. السلطات – وبوضوح – غير مهتمة بتعبئة السجون بهؤلاء الأشخاص. أظنّ أن الغرض من هذه الملاحقات القضائية هو تخويف الناس حتى لو أرادوا نشر انتقادات للحكومة على فيسبوك، سيفكّرون مليّا وسيمتنعون عن نشرها. المسألة مسألة ترهيب وإسكات.

أثناء إجراء البحوث، هل صادفت حالات استثنائية أو مختلفة؟

هناك رجل يُدعى هيثم سليمان (48 عاما) ينظّم المظاهرات، يقيم قرب بغداد، والذي شارك في محاربة الفساد في العراق. في مطلع أبريل/نيسان، بعد علمه أن إدارة الصحة المحلية ربما تجني أرباحا هائلة من الكمامات الورقية وسط تفشي فيروس "كورونا"، نشر هذا الزعم على فيسبوك وطالب السلطات بالتحقيق. في اليوم التالي، أتى إلى بيته عناصر من المخابرات بوزارة الداخلية وتركوا له تحذيرا بأن عليه التوقّف عن الكتابة عن الفساد. بعد أيام، قبض عليه رجال في ثياب مدنية ونقلوه إلى مكتب الاستخبارات، حيث تعرّض للضرب وأجبروه على توقيع وثيقة تفيد بأن حركة الاحتجاج العراقية في 2019 كانت مموّلة من الولايات المتحدة. ثم اتهموه بموجب قانون العقوبات بنشر معلومات كاذبة أو متحيزة "تكدّر الأمن العام" عمدا.

هناك امرأة تُدعى "أمل" (ليس اسمها الحقيقي)، احتجت على الفساد في البصرة لسنوات، وكانت تنتقد صراحة مختلف الأحزاب السياسية على الإنترنت، ونشرت مقاطع فيديو وهي تتظاهر في 2018، عند اندلاع مظاهرات كبيرة جنوب العراق. في تلك الفترة، وفيما كانت في منزلها ذات ليلة، رأت ثلاثة رجال مقنعون يطلقون النار على المنزل. هربت من المدينة مع أطفالها، لكن عادت بعد ثلاثة أسابيع. بعد أيام من عودتها، حضر إلى منزلها رجل مسلح وهدّدها بأن تغادر مع أسرتها وإلا قتلها. هربت من العراق بعد ذلك.

ما الأمل القادم مع الحكومة الجديدة فيما يخص التصدي لهذه القضايا؟

أول ما ينبغي للحكومة أن تفعله هو أن تطرح إصلاحات قانونية وتعدّل قانون العقوبات والقوانين الإشكالية الأخرى للحد من الأثر المؤذي لتلك النصوص القانونية الفضفاضة. ينبغي أن تُحقق قوات الأمن في التهديدات وأعمال العنف بحق الصحفيين والنشطاء والمنتقدين للسلطات على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن على رئيس الوزراء، بعدما رأى قوة المظاهرات بعينيه، أن يوجّه رسالة عبر أروقة السلطة في العراق، مفادها أنه لن يتسامح مع أي شخص يسيء استخدام سلطاته ليهدد وينكّل بمن يقول شيئا لا يعجبه، مع توضيح أنه [رئيس الوزراء] سيُخضع هؤلاء للعقاب. ربما كانت هذه أول مرة في تاريخ العراق يصبح فيها ممكنا.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.