(نيويورك) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على الحكومات اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع انتشار وباء "كوفيد -19" العالمي، ورعاية الفئات الأكثر تأثرا دون التضحية بحقوق الإنسان. تسعى هيومن رايتس ووتش في الإرشادات الجديدة التي أصدرتها، وتضم 40 سؤالا حول أزمة فيروس كورونا، إلى توجيه الحكومات خلال استجابتها للتحديات التي تفرضها هذه الجائحة.
انتشار الفيروس، الذي حُدِّد للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2019 في ووهان في الصين، أثّر على صحة الناس وحرياتهم وسبل عيشهم، وتسبب بأزمة حقوقية عالمية. توفر الإرشادات الجديدة إطارا لسياسات الاستجابة التي تُقِرّ بالحاجة إلى التخفيف من ضرر الإغلاق وتدابير "التباعد الاجتماعي" الأخرى، ومعالجة التداعيات الاقتصادية للوباء على الأشخاص الأكثر حاجة.
قالت أكشايا كومار، مديرة شؤون المناصرة في سياق الأزمات في هيومن رايتس ووتش: "يمثل فيروس كورونا المستجد تحديا كبيرا للصحة العامة، لكنه يوفّر فرصة لمعالجة المخاوف الحقوقية التي طال أمدها. ينبغي أن تعترف سياسات الاستجابة للأزمة بأن صحة مجتمعاتنا مرهونة بصحة الفئات الأكثر ضعفا بيننا".
تحدد الإرشادات التي تستند إلى أبحاث هيومن رايتس ووتش حول العالم، ملامح استجابة متقاطعة عمدا وتعالج احتياجات الفئات الأكثر عرضة للخطر، بمن فيهم الفقراء، والأقليات العرقية والدينية، والنساء وذوو الإعاقة، وكبار السن، والمثليون/ات، مزدوجو/ات التوجه الجنسي، ومتغيرو/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم)، والمهاجرون، واللاجئون، والأطفال.
حتى 13 أبريل/نيسان 2020، سجّلت 210 دول وأقاليم إصابات بالفيروس، مع وجود 2 مليون حالة مؤكدة و119 ألف وفاة بسبب المرض حول العالم.
تضمنت استجابة الحكومات للأزمة قيودا شاملة على الحقوق، بما فيها حرية الحركة والتعبير والتجمع. يعترف القانون الدولي لحقوق الإنسان أنه خلال التهديدات الخطيرة للصحة العامة وحالات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة، يمكن تبرير القيود المفروضة على بعض الحقوق. لكن ينبغي أن يكون لها أساس قانوني، وأن تكون ضرورية للغاية، وأن تستند إلى أدلة علمية، وألا تكون تعسفية أو تمييزية في التطبيق، وأن تكون محدودة المدة، وتحترم الكرامة الإنسانية، وتخضع للمراجعة، ومتناسبة لتحقيق الهدف.
منع انتشار الفيروس بشكل فعال يتطلب من الحكومات إبقاء الناس على اطلاع، وتقليل العقبات أمام الاختبار والعلاج والرعاية. بينما أنكرت بعض الحكومات وجود أزمة، وسّعت حكومات أخرى نطاق الوصول إلى المعلومات والرعاية الصحية.
بعد توجيه انتقادات إلى إثيوبيا بأن قيودها ستعيق الاستجابة للفيروس، رفعت الأخيرة المنع الشامل لخدمات الهاتف والإنترنت في منطقة أوروميا غربي البلاد، لتُنهي حظرا دام ثلاثة أشهر، ما منح تلك المجتمعات إمكانية الوصول إلى المعلومات المنقذة للحياة. في البرتغال، أعلنت الحكومة أنها ستعامل الأشخاص الذين لديهم طلبات إقامة ولجوء مؤقتة معلقة كما لو كانوا مقيمين دائمين حتى 30 يونيو/حزيران، ما يمنحهم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية التي يقدمها النظام الصحي الوطني. لإزالة العقبات التي تعترض الحصول على الرعاية، تعهد مسؤول حكومي علنا في باكستان بمساعدة متغيري/ات النوع الاجتماعي (الأشخاص الترانس) خلال هذه الجائحة.
إدارة الأزمات التي تحترم الحقوق ينبغي أن تعالج التداعيات الاقتصادية للوباء، واتخاذ الإجراءات اللازمة بما يتوافق مع المعايير الحقوقية الدولية. مع أن العديد من البرامج الاقتصادية المعتمدة لمواجهة الوباء أهملت العاملين في القطاع غير الرسمي، اتخذت بعض الدول خطوات هامة لتوفير الغذاء والمياه والسكن للناس المعرضين للخطر.
في جنوب إفريقيا، ناشدت الحكومة الوطنية البلديات التوقف عن قطع المياه بسبب عدم دفع الفواتير، وهي توزّع المياه بواسطة الصهاريج على المساكن العشوائية والمجتمعات الأخرى المحتاجة. إقرارا بدور السكن في الاستجابة للأزمة، أعلنت الأرجنتين وأستراليا وأيرلندا وعديد من الحكومات الأخرى تدابير لوقف الإخلاءات.
بينما فرضت بعض الحكومات سياسات تعسفية، سعت حكومات أخرى إلى تصميم استجابة متناسبة ومتوازنة للأزمة. بسبب قيود الحركة، سمحت السلطات الصحية في إنغلترا واسكتلندا باستخدام أقراص الإجهاض المبكر في المنزل.
في حين سمحت بعض الحكومات بانتهاكات قوات الأمن التي تفرض الحجر الصحي أو الإغلاق دون رادع، ردّت حكومات أخرى باتخاذ إجراءات مناسبة ضد المسؤولين عن الانتهاكات. في أوغندا، أجبرت الشرطة نساء على خلع ملابسهن بدعوى خرقهن حظر التجوّل. في جنوب إفريقيا، أصيب أطفال عندما أطلقت الشرطة المكلفة بإنفاذ الإغلاق النار على رجل أمام منزله. في كلتا الحالتين، وعدت السلطات بملاحقة ومعاقبة الضباط المسؤولين.
اعتُبِر التباعد الاجتماعي على نطاق واسع أساسيا في مكافحة الانتشار السريع للفيروس. لكن الحكومات تحتاج إلى سياسات لمعالجة الضرر الذي يصاحب أوامر الإغلاق والبقاء في المنزل، بما فيها توسيع نطاق الدعم النفسي والاجتماعي - الصحة العقلية - وضمان استمرار تعلم الأطفال رغم إغلاق المدارس، والتصدي للعنف المتزايد في المنزل وضد الأقليات.
تقدم فرنسا 20 ألف ليلة إقامة مجانية لضحايا العنف الأسري، وتشجع الناس على طلب المساعدة بحذر عبر الاستعانة بكلمة سر معينة في الصيدليات. في إيطاليا، بؤرة تفشي المرض في أوروبا، أنشأت الحكومة برنامج دعم نفسي على الصعيد الوطني. أعلنت أستراليا عن تخصيص "خط دعم للصحة النفسية في التعامل مع فيروس كورونا". بعد تصاعد الخطاب المعادي للأجانب بشأن نقل العدوى، أفادت تقارير أن قوات الشرطة البريطانية بدأت تحقيقات في الجهود الرامية إلى تشويه سمعة المسلمين بدعوى أنهم نشروا الفيروس عمدا.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الأمثلة عن السياسات الإيجابية في الإرشادات ليست ملزمة، لكن الغرض منها توضيح الخيارات التي لا تزال مفتوحة ومتاحة للحكومات أثناء مواجهة الجائحة.
قالت كومار: "رغم عدم وجود استجابة مثالية، من المهم الاعتراف بأن الحكومات في أنحاء العالم تتخذ إجراءات تحمي الصحة العامة وتحترم الحقوق. مع ذلك، من دون جهد حثيث لتحسين أوضاع الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، ستجد المجتمعات صعوبة في التعافي بعد احتواء المرض".