Skip to main content
تبرعوا الآن

إيران: على أمريكا تخفيف عقوباتها في ظلّ أزمة فيروس "كورونا"

يجب ضمان توفر المواد الأساسية

مسعفون في مختبر يفحصون عيّنات أخذت من مرضى يشتبه بإصابتهم بفيروس "كورونا" الجديد في مدينة الأهواز في جنوب غرب إيران، 10 مارس/آذار 2020.   © 2020 أسوشيتد برس

(واشنطن) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ العقوبات الاقتصادية الواسعة التي تفرضها الولايات المتحدة تؤثر سلبا في قدرة الحكومة الإيرانية على الاستجابة الملائمة للتداعيات الصحية المتصاعدة لتفشي وباء "كوفيد-19" العالمي، الناتج عن فيروس "كورونا". على الولايات المتحدة التحرّك فورا لتخفيف عقوباتها على إيران وتوسيع نطاق ترخيص المواد المعفاة من العقوبات لتأمين حصول إيران على الموارد الإنسانية الأساسية في ظلّ الوباء.

وفق الإحصاءات الرسمية، حتى 3 أبريل/نيسان، أُصيب 53,183 شخصا في إيران بالفيروس، وتوفّي 3,294، علما أنّ الأعداد الفعلية أكثر ارتفاعا على الأرجح. في 19 مارس/آذار، غرّد وزير الصحة الإيراني أنّ حوالي 50 شخصا يُصابون بالفيروس كلّ ساعة، ويموت شخص كلّ عشر دقائق بسببه في مختلف أنحاء البلاد. مع تزايد العبء بشكل كبير على نظام الرعاية الصحية الواهن في البلاد، تستمرّ العقوبات الأمريكية الاقتصادية الواسعة، التي أدّت إلى ضوابط شديدة على العمليات المصرفية الدولية، في تقييد هائل لقدرة البلاد على تمويل واردتها الإنسانية، بما فيها الأدوية واللوازم الطبية.

قال المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش كينيث روث: "يكفي الإيرانيين سوءا أنهم يرزحون تحت حكومة قاسية تخدم مصالحها الخاصّة وترفض حتى إطلاق سراح المحتجزين ظلما في السجون المكتظة، على الرغم من تفشي فيروس كورونا. لكنّ إدارة ترامب تضاعف بؤس الإيرانيين عبر حرمانهم من الموارد الطبية الضرورية التي هم بأمسّ الحاجة إليها، وهذا تصرّف قاسٍ وخاطئ".

بعد إعلان إدارة ترامب نيّتها الخروج من الاتفاق النووي الذي جرى التفاوض عليه العام 2018، تراجعت قيمة الريال الإيراني بشكل ملحوظ. حدّت القيود على القطاع المالي، والانخفاض الكبير في قيمة الريال، بشدّة من قدرة الشركات والمستشفيات الإيرانية على شراء الأدوية واللوازم الطبية الأساسية، التي يعتمد عليها السكّان للرعاية الطبية الضرورية، من خارج إيران. أثّرت العقوبات الأمريكية المتجدّدة أيضا في القدرة الشرائية للأُسَر، وساهمت في بلوغ معدلات التضخّم 30% العام الماضي.

أخبر طبيب مطلّع جيدا على استجابة الحكومة لتفشي الفيروس هيومن رايتس ووتش أنّ الحصول على اللوازم الطبية الضرورية بات أصعب في ظلّ العقوبات، وقال: "في الواقع، تفاقم العقوبات الأزمة الناتجة عن قلّة كفاءة الحكومة الإيرانية. تحتاج الحكومة إلى ثقة الناس والموظفين الطبيين، وإلى الموارد الأساسية لإدارة وباء بهذا الحجم. لم تفلح الحكومة في اكتساب ثقة الناس، لكنّ العقوبات أثّرت في مواردها من ناحية توفّر اللوازم الطبية لرصد الفيروس ومعالجته، وقدرتها على تأمين حاجات الناس خلال الأزمة".

في حين وضعت الحكومة الأمريكية إعفاءات شملت الواردات الإنسانية في نظام عقوباتها، وجدت أبحاث هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأوّل 2019 أنّ هذه الإعفاءات لم تدفع الشركات والمصارف الأمريكية والأوروبية إلى الانخراط في تصدير أو تمويل السلع الإنسانية المعفاة، إذ تخشى التعرض لعقوبات وإجراءات قانونية. في 30 يناير/كانون الثاني، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية و"أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية السويسرية" عن إطلاق "التشغيل التجريبي" لقناة إنسانية أنشئت حديثا لنقل الأدوية. كانت الخزانة الأمريكية قد أعلنت عن إنشاء هذه القناة في 25 أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن أضافت سلطات مكافحة الإرهاب "البنك المركزي الإيراني" على لائحة العقوبات في 20 سبتمبر/أيلول، ما هدّد جديا تدفق السلع الإنسانية المعفاة إلى إيران.

في 6 مارس/آذار، أصدر "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية توجيهات بعدم تطبيق العقوبات الأمريكية على المعاملات التي تشمل أصول إيران بالعملات الأجنبية المحتجزة في الخارج، لدى استعمالها لشراء لوازم إنسانية. لكن، بما أنّ الإعفاءات لم تعُد متاحة لشراء النفط الإيراني، بالإضافة إلى العقوبات ضدّ "البنك المركزي الإيراني"، بات حصول إيران على العملة الأجنبية لشراء الإمدادات الطبية التي تحتاجها من السوق الدولية محدودا أكثر.

أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تراخيص عامة تسمح بتصدير "بعض السلع الغذائية، والأدوية، والمعدات الطبية الأساسية إلى إيران"، من دون الحاجة إلى ترخيص إضافي محدّد. تجيز هذه الأحكام أيضا معاملات مالية لدعم الواردات الإيرانية لهذه الفئات من السلع من الولايات المتحدة أو من بلد ثالث. أمّا التراخيص العامة، فحُدّد سقفها بـ 500 ألف دولار.

لكن قواعد التصدير الأمريكية في تعريفها للأدوية-  تشمل الأجهزة الطبية، والأدوية التي تستلزم وصفة طبية، وتلك التي تُباع من دون وصفة-  تستثني بعض اللقاحات، والمنتجات البيولوجية والكيميائية، والأجهزة الطبية. تضم اللوازم المستثناة تجهيزات وأدوات طبية، وسيارات الإسعاف المجهّزة، وغسالات التعقيم في المؤسسات، والمركبات التي تنقل أدوات الفحص الطبية. بالتالي، تتطلّب بعض اللوازم الضرورية لمحاربة الفيروس،  مثل معدّات التطهير وأجهزة التنفس ذات القناع الكامل، ترخيصا خاصّا.

أفادت صحيفة "واشنطن بوست" أنّ معدّل التراخيص الخاصّة التي أصدرها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لتصدير أدوية وأجهزة طبية محدّدة إلى إيران انخفض بشكل ملحوظ في ظلّ إدارة ترامب، من أكثر من 50% من الطلبات خلال الربع الأول من 2016 إلى 10% خلال الفترة نفسها من 2019. قالت هيومن رايتس ووتش إنّه في غياب تراخيص إضافية، أو تغيير القواعد لتشمل ترخيصا عاما لهذه الأجهزة، قد لا يتمكّن الإيرانيون من الحصول على الأجهزة الطبية والأدوية التي يحتاجون إليها لمكافحة فيروس كورونا في الوقت المناسب.

في رسالة بتاريخ 26 مارس/آذار، دعا 11 عضوا من "مجلس الشيوخ" الأمريكي إدارة ترامب إلى إصدار "ترخيص عام وواضح يسمح بتأمين لوازم وأجهزة طبية محدّدة لتسهيل جهود الإغاثة الدولية، وإلى رفع العقوبات القطاعية التي تعرقل الاستجابة الإنسانية السريعة لفترة 90 يوما"، بالإضافة إلى جهود أخرى. في رسالة من مجلسَي الشيوخ والنواب، اللذين يشكلان "الكونغرس"، بتاريخ 31 مارس/آذار، دعا 34 عضوا إلى تعليق واسع النطاق للعقوبات على إيران في "لفتة إنسانية".

صرّحت "منظمة الإغاثة الدولية"، وهي منظمة غير حكومية تعمل في إيران بترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي، أنّ المساعدة الدولية — بالتالي الاستجابة الملائمة خلال الأسابيع الأولى من الأزمة — واجهت العراقيل بسبب الحاجة إلى توضيح المسائل القانونية المتعلّقة بالعقوبات للحرص على إيصال الإمدادات الطبية والأدوية إلى إيران.

في 24 مارس/آذار، دعت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه في بيان لدواعي الصحة العامة العالمية، ولدعم حقوق وحياة ملايين الناس الذين يعيشون في بلدان تخضع لعقوبات اقتصادية وتجابه تفشي فيروس كورونا، إلى "تخفيف العقوبات القطاعية أو تعليقها لأسباب تتعلّق بالصحة العامة العالمية، ولتعزيز حقوق الملايين من الناس في هذه البلدان وحماية حياتهم. وفي ظلّ تفشّي وباء عالمي، يؤدّي تقويض الجهود الطبية المبذولة في بلد واحد إلى تفاقم المخاطر بالنسبة إلى البلدان كافة."

قالت هيومن رايتس ووتش إنّه على السلطات الإيرانية أن تستفيد من جميع الموارد المتوفّرة للاستجابة للتفشي بطريقة تحترم حقوق الإنسان وتقلّص الضرر على صحة ورفاه جميع السكّان في البلاد.

بينما ستقلّل العقوبات حتما من قدرة البلدان المتضرّرة على تمويل بعض التدابير الضرورية أو دعمها، تظلّ إيران مُلزمة باتخاذ خطوات "إلى أقصى حدّ من مواردها المتاحة" لـ "تأمين أكبر حماية ممكنة" للحقّ في الصحة للأفراد الخاضعين لسلطتها.  

قالت هيومن رايتس ووتش إن أهمية هذا الالتزام تبرز أكثر في أوقات الأزمة، وعلى الحكومة استعمال جميع الوسائل الممكنة، من موارد محلية إلى مفاوضات مع دول أخرى، للحرص على تأمين حصول جميع السكّان على الرعاية الطبية الطارئة. لا يزال الغموض وقلّة الشفافية يحيطان باقتصاد إيران، في حين تتحكّم مؤسسات اقتصادية تُعرف بـ "مؤسسات المستضعفين"، التي يخضع بعضها للإشراف المباشر للمرشد الأعلى آية الله الخامنئي، بجزء كبير من الموارد المالية في ظلّ رقابة محدودة.

حثّت هيومن رايتس ووتش سابقا السلطات الإيرانية على تسهيل الإفراج المؤقت عن جميع السجناء المؤهلين والإفراج غير المشروط عن الأشخاص المحتجزين لمعارضتهم السلمية، وذلك بسبب تفشي فيروس كورونا.

على الحكومة الإيرانية أيضا أن تؤمّن حقّ الجميع في مستوى معيشة ملائم، ما يعني في سياق الاستجابة لتفشي فيروس كورونا اتخاذ تدابير للتخفيف من الآثار الاقتصادية للفيروس التي تطال بعض الفئات أولا وبشكل أقسى، مثل العمّال ذوي الأجر المنخفض. ستكون العواقب الاقتصادية هائلة على الأرجح نتيجة توصيات الخبراء للحدّ من احتمال انتقال الفيروس، مثل التباعد الاجتماعي، والحجر الصحي، وإغلاق المؤسسات.

يحدق الخطر الأكبر بالأفراد المهمّشين أصلا في المجتمع، مثل المهاجرين الأفغان، واللاجئين، والأشخاص ذوي الإعاقة، وذوي الأجور المنخفضة في الأُسر المحدودة الدخل. على الحكومة الإيرانية خلق برامج لحماية هؤلاء العمّال المتأثرين بفيروس كورونا من انخفاض إضافي في دخلهم، إذ قد يمنعهم ذلك من عزل أنفسهم لاحتواء تفشي الفيروس. من دون مساعدة، قد يواجه هؤلاء العمّال صعوبات اقتصادية شديدة وخطر الطرد من بيوتهم. على الحكومة اتخاذ الحدّ الأدنى من التدابير لتأمين استمرار حصول الجميع على مستوى ملائم للغذاء والمياه، وعناصر أخرى لمستوى معيشة كريم، وقدرتهم على تحمّل كلفتها.

بموجب القانون الدولي، على أي دولة أو تحالف دول تنفّذ عقوبات اقتصادية أن تأخذ في الاعتبار تأثير عقوباتها على الحقوق الإنسانية للسكّان المتضرّرين، خصوصا لناحية حصولهم على السلع الأساسية للحياة، بما فيها الأدوية والغذاء.

قال روث: "على الحكومة الأمريكية الحرص على تفسير العقوبات المالية المفروضة على إيران بوضوح وعلانية للسماح بشحن أي لوازم يحتاج إليها الشعب الإيراني لحماية نفسه من فيروس كورونا".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة