(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على سلطات الإمارات تحرير ابنتَي حاكم دبي، اللتين وجدت محكمة بريطانيا أنهما محتجزتان رغم إرادتهما.
في 5 مارس/آذار 2020، نشرت محكمة بريطانية مختصة بشؤون الأسرة حكمها الذي خلُصت فيه إلى أن حاكم دبي الشيخ محمد آل مكتوم رتّب عملية اختطاف ابنتيه، الشيخة شمسة بنت محمد آل مكتوم (38 عاما)، والشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم (35 عاما)، وإعادتهما قسرا إلى الإمارات.
قالت روثنا بيغم، باحثة أولى في حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: "يُظهر اختطاف اثنتين من أفراد الأسرة في الخارج والاستمرار في احتجازهما إلى أي مدى يتصرف حكام الإمارات كما لو أن أفعالهم غير خاضعة للمساءلة أو القانون. على سلطات الإمارات الإفراج فورا عن الشيخة شمسة والشيخة لطيفة، والسماح لهما بمغادرة الإمارات إذا رغبتا في ذلك، والتحقيق في اختطافهما ومزاعم تعذيبهما، ومحاكمة المسؤولين عن ذلك".
تذكر حيثيات حُكم قسم شؤون الأسرة في المحكمة العليا في المملكة المتحدة الصادر في 34 صفحة، القرارات المتصلة بوضع إقامة وترتيبات التواصل الخاصة بطفلَي الشيخ محمد وزوجته السابقة، الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين. في أبريل/نيسان 2019، فرّت الأميرة هيا مع طفليها إلى بريطانيا، وقدم الشيخ محمد ادعاء أمام المحكمة العليا في المملكة في مايو/أيار يطلب فيه عودة الطفلين.
خلصت المحكمة إلى أن الشيخ محمد، وهو أيضا رئيس الوزراء في الإمارات، سبق له وأن نظّم عمليتي اختطاف دوليتين منفصلتين لابنتيه الراشدتين من زواج آخر –الشيخة شمسة والشيخة لطيفة. قالت المحكمة إنه أعادهما قسرا إلى الإمارات، "ويواصل اعتماد تدابير تحرم الشابتين من حريتهما".
ردا على التماس الشيخ محمد أمام المحكمة العليا في المملكة المتحدة لعودة ولديه، صرحت الأميرة هيا بأنها تعرضت للمضايقة والترهيب من قبله، مما أثر على رفاهها وطفليها، عمرهما الآن 7 و12 سنة. قبِل القاضي ادعاءات الأميرة هيا حول حملة المضايقة والترهيب ضدها من الشيخ محمد.
أشارت المحكمة إلى أن الشيخ محمد طلّق الأميرة هيا من دون إبلاغها في فبراير/شباط 2019، وأن طيار مروحية لديه تعليمات منه، حاول على "الأقل ترهيبها بنقلها، إن لم يحاول نقلها فعليا" إلى سجن في العوير بالمروحية في مارس/آذار 2019، وأنه رتّب ترك أسلحة في غرفة نومها، وهددها بحرمانها من أطفالها، ونشر قصائد تُرهبها على الإنترنت. ذكرت أيضا أن انتهاكات الشيخ محمد ضد الشيخة شمسة والشيخة لطيفة ذات صلة بأي ترتيبات تسمح له بالتواصل مع طفلي الأميرة هيا، بما في ذلك خطر اختطافهما.
ذكرت المحكمة أن الشيخة شمسة فرت عام 2000 من عقار تملكه العائلة في ساري بالمملكة المتحدة، وأن رجالا يعملون لصالح الشيخ محمد، أو يعاونونه، أمسكوا بها لاحقا في كامبريدج وأعادوها قسرا إلى دبي، حيث لا تزال أسيرة. يفصّل الحكم ما خلصت إليه تحقيقات شرطة كمبريدجشاير في المملكة المتحدة حول تلك الأحداث، وذكر أن دائرة الادعاء الملكية في المملكة رفضت طلب كبير المفتشين بمقابلة شهود محتملين في دبي.
ذكرت المحكمة أن لدى وزارة الخارجية والكومنولث في المملكة المتحدة معلومات متصلة بالطلب لكنها رفضت الكشف عنها للمحكمة العليا، بدعوى إضرارها بعلاقة المملكة بالإمارات.
ذكر الحكم بالتفصيل محاولتين فاشلتين للشيخة لطيفة للفرار من الإمارات. بعد المحاولة الأولى عام 2002، حين أوقفت خلال محاولتها عبور الحدود إلى عُمان، سجنها والدها في دبي لأكثر من ثلاث سنوات. في أواخر فبراير/شباط 2018، حاولت الفرار بقارب، لكن في 4 مارس/آذار 2018، قبضت القوات الهندية التي تعمل بالتنسيق مع الإمارات قعليها في البحر قبالة سواحل الهند، وأعادتها قسرا ومن معها إلى الإمارات. قالت المحكمة إنها لا تزال محتجزة في دبي في مقر للعائلة.
بعد وقت قصير من احتجازها، ظهر شريط فيديو مسجّل للطيفة على وسائل التواصل الاجتماعي مدته 40 دقيقة تذكر فيه أنه إذا كان الناس يشاهدون الفيديو، "إما أنا ميتة، أو في وضع سيئ جدا جدا جدا". تروي لطيفة في الفيديو محاولتها السابقة للفرار، والحبس المستمر لأختها شمسة، وأسباب رغبتها في الفرار. أعرب القاضي أيضا عن ثقته بصحة شهادة لطيفة حول احتجازها بعد محاولتها الأولى للفرار. تقول لطيفة في الفيديو إنها خلال سجنها: "... تعرضتُ لتعذيب مستمر، وتعذيب متواصل، كانوا يعذبونني حتى من دون ضربي".
في مايو/أيار 2018، وثقت هيومن رايتس ووتش محاولة فرار لطيفة وقالت إن على السلطات الكشف عن مكان وجودها. قبل ساعات من نشر "بي بي سي" في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018 للفيلم الوثائقي "الهروب من دبي" الذي يتحدث عن محاولة فرار لطيفة، أصدر ديوان حاكم دبي بيانا قال إن لطيفة آمنة مع عائلتها ولمّح إلى أنها اختطفت ولم تحاول الفرار.
في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018، نشرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانا آخر مع صور تُظهر لطيفة وذكر أن الصور تهدف إلى دحض "المزاعم الكاذبة" وتقدم دليلا على أن لطيفة تعيش مع أسرتها في المنزل. قدّمت المحكمة العليا تفاصيل عن تواصل الأميرة هيا مع لطيفة في أواخر 2019 وأوائل 2020، بما في ذلك شهادة الأميرة هيا بأنها رأت لطيفة محتجزة في منزل مغلق ومحروس. رفض القاضي ادعاء السلطات الإماراتية بأن لطيفة اختطفت على يد أفراد إماراتيين ولم تحاول الهرب.
قالت بيغم: "نظرا إلى هذه النتائج، على المملكة المتحدة والهند اتخاذ خطوات للتحقيق حول كيف يمكن أن تشكل هذه الأفعال جرائم في ولاياتهما القضائية، وينبغي للمجتمع الدولي الأوسع الدعوة إلى إطلاق سراح الشقيقتين".
ينص "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" على أن لكل شخص الحق في الحرية؛ وعدم التعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ والحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده. إذا سمحت الإمارات باستمرار حبس المرأتين قسرا ولم تُجرِ تحقيق في الاختطاف ومزاعم التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، فستكون قد انتهكت التزاماتها الدولية بموجب اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" ("سيداو") و"اتفاقية مناهضة التعذيب".
تواجه النساء في الإمارات تمييزا شديدا في القانون والممارسة. يشترط قانون الأسرة الإماراتي وجوب حصول المرأة على موافقة ولي أمرها للزواج، ويُلزِم المرأة المتزوجة بـ"طاعة" زوجها. يمكن اعتبار المرأة ناشزة إذا عملت دون موافقة زوجها. يمكن أن تفقد حقها في النفقة المالية إذا لم يكن لديها "عذر شرعي" لرفض العلاقة الجنسية مع زوجها، أو رفضها للسفر معه إلى الخارج، أو إذا "هجرت" بيت الزوجية، أو منعت زوجها من دخوله.
يمكن للرجال تطليق زوجاتهم من طرف واحد، بينما على النساء الراغبات في الطلاق تقديم طلب أمام المحكمة. وثقت هيومن رايتس ووتش عدم إجراء الشرطة لتحقيقات ملائمة في مزاعم العنف الأسري في الإمارات.
قالت بيغم: "حظيت محنة لطيفة وشمسة باهتمام وتغطية إعلامية دوليا، لكن تواجه نساء كثيرات في الإمارات العنف الأسري والحبس القسري والتمييز الشديد دون أي مكان يلجأن إليه. يتعين على الإمارات اتخاذ خطوات لإنهاء التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة، وسن تدابير تحمي المرأة من العنف".