(نواكشوط) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صدر اليوم إن تجريم العلاقات الجنسية خارج الزواج في موريتانيا يُعرّض الناجيات من الاغتصاب للخطر. القانون يردعهن عن تقديم الشكاوى حتى لا يُعرضن أنفسهن للمحاكمة.
توصل تقرير "′قالوا لي اصمتي′: العقبات أمام العدالة وسبل الانتصاف للناجيات من الاعتداءات الجنسية"، الصادر في 80 صفحة، إلى أن الشرطة والمحققين القضائيين لا يحترمون حقوق الضحايا وكرامتهن حين يتقدمن بالشكاوى. وجدت هيومن رايتس ووتش أن إجراءات التحقيق لا تضمن الخصوصية أو السرية، ونادرا ما تتيح إمكانية التفاعل مع نساء مسؤولات، ويُمكن أن تتحول إلى تحقيق له بعد أخلاقي بحق الناجيات من الاغتصاب. تُمنح الناجيات إمكانية استفادة محدودة، إن وجدت، من المساعدة القانونية، أو الطبية، أو النفسية، أو الاجتماعية.
العقبات أمام العدالة والانتصاف للناجيات من الاعتداءات الجنسية في موريتانيا
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي ألا تتعرض النساء والفتيات لخطر السجن أو مزيد من الوصم بسبب إبلاغهن عن الاعتداء الجنسي. لمكافحة العنف الجنسي، على موريتانيا أن تُطالب موظفي الأمن والقضاء والصحة العامة بالتوقف عن مُعاملة الضحايا كمشتبه فيهن، وأن تدعمهن في سعيهن إلى العدالة والانتصاف ومحاسبة الجناة".
قابلت هيومن رايتس ووتش 33 فتاة وامرأة أبلغن عن تعرضهن للاغتصاب، بالإضافة إلى عضوات وأعضاء في منظمات غير حكومية، ومحامين، ومسؤولين حكوميين. في 12 يوليو/تموز، بعثت هيومن رايتس ووتش رسالة تتضمن النتائج الأولية وطلب الرد إلى عدة وزارات وهيئات حكومية موريتانية. نسقت "مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني" كتابة رد حكومي مشترك ومفصل تم تلقيه في 31 أغسطس/آب، بعد الانتهاء من إعداد التقرير.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن الناجيات يواجهن الوصم الاجتماعي والضغوط العائلية حتى لا يتم إبلاغ السلطات عن الاغتصاب. وصفت عاملة اجتماعية لدى منظمة محلية لحقوق المرأة، دعمت امرأة أبلغت عن تعرضها للاغتصاب من قبل أحد الجيران الذي هددها بالقتل، سلوك وكيل الجمهورية الذي استنطق المرأة؛ قالت: "سألها: 'إن لم توافقي، فلماذا لم تخبري والديك؟'" حينما قالت الناجية إنها تعرف الرجل الذي اغتصبها، أجاب وكيل الجمهورية: "كل ما تقولينه أكاذيب، أنت فعلتِ ذلك برضاك".
فتح وكيل الجمهورية تحقيقا ضد المرأة بتهمة إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، ما يعرف بالزنا، ووضعها قاضٍ تحت المراقبة القضائية خلال التحقيق الذي استغرق شهرين.
يُمكن لغياب خبرات الطب الشرعي وبروتوكولات جمع الأدلة من قبل موظفي إنفاذ القانون والصحة أن يُضعف قضية الناجيات أمام المحكمة. تقدم معظم المستشفيات العامة رعاية طارئة محدودة، وغالبا ما ترفض تقديم فحوص الطب الشرعي للناجيات من الاغتصاب دون إحالة من الشرطة. لا تستطيع العديد من الناجيات تحمل نفقات الرعاية الطبية الطارئة أو طويلة الأمد. لا يُسمح للحوامل الناجيات من الاغتصاب بالحصول على حق الإجهاض، لأن القانون الموريتاني يحظر الإجهاض إلا إذا كانت صحة الأم في خطر.
كما تفتقر موريتانيا إلى برامج ومراكز تمولها الحكومة لضمان ودعم سلامة الناجيات، ودعاواهن القانونية، وتعافيهن. لا تُسيّر الحكومة أي مأوى للناجيات اللواتي يردن، أو يجبرن على، مغادرة منازلهن بعد الاعتداء عليهن، أو للنساء المُغادرات للسجن بعد حكم بالزنا وليس لهن مكان يعُدن إليه. تُقدم المنظمات غير الحكومية فقط خدمات محدودة الأجل للناجيات، لكنها لا تشمل إمكانية الإقامة.
كما قد تتم مقاضاة الناجيات إن لم يتمكنّ من إثبات عدم الرضا، ويعود ذلك جزئيا إلى أن القانون الجنائي الحالي لا يُعرّف الاغتصاب أو مفهوم الرضا، ولم يُجرّم أشكالا أخرى من الاعتداء الجنسي. يُعاقب القانون الجنائي على الزنا بالجلد، والسجن، وإذا كان المدعى عليه متزوجا أو مطلقا، بالإعدام رجما. ولأن موريتانيا لا تنفذ العقوبات البدنية، يجد الأشخاص المحكومين بالجلد أو بالإعدام رجما أنفسهم مُعتقلين إلى أجل غير مسمى، حتى يقضي الفقهاء بتخفيف عقوبتهم.
رغم أن الحكومة تصرّ على أن أيا من حالات الاغتصاب المبلغ عنها للسلطات لم تؤدِ إلى مُقاضاة بالزنا في السنوات القليلة الماضية، إلا أن النساء والفتيات اللواتي تمت مُقابلتهن صرّحن عكس ذلك. في قضية من يوليو/تموز 2016، قالت فتاة عمرها 15 عاما اغتصبت مرارا وتكرارا من قبل 4 رجال، واحتُجزت أسبوعين، إنها أُحيلت على السجن بعد أن كشفت أنها تعرف أحد الرجال، الذي وعدها بالزواج ومساعدتها على الفرار من منزلها حيث كانت تتعرض للأذى.
انتقلت موريتانيا مؤخرا إلى تعزيز قوانين حماية حقوق النساء والفتيات. في مارس/آذار 2016، وافقت الحكومة على مشروع قانون بشأن العنف الجندري ينتظر موافقة البرلمان. من شأن القانون أن يُعرّف ويُعاقب الاغتصاب والتحرش الجنسي، وخلق غرفة خاصة في المحكمة الجنائية للنظر في قضايا العنف الجنسي، والسماح للمنظمات غير الحكومية برفع الشكاوى نيابة عن الناجيات. وبينما يشكل المشروع الحالي خطوة في الاتجاه الصحيح، فهو مقصِّر في كثير من النواحي، منها الاستمرار في توجيه تهم جنائية بسبب علاقات جنسية رضائية خارج الزواج، وفرض قيود على الإجهاض.
تنتهك سياسات الحكومة العديد من حقوق الإنسان المنصوص عليها في المعاهدات الدولية التي وقعت عليها موريتانيا. وتشمل هذه الحقوق حق الناجيات في عدم التمييز – بما أن العنف الجنسي يؤثر على النساء والفتيات بشكل غير متناسب – فضلا عن حقهن في السلامة والاستقلالية البدنية، وحقهن في الخصوصية، وحقهن في الانتصاف الفعال. علاوة على ذلك، لا يجوز احتجاز الأطفال إلا كملجأ أخير، ولأقصر فترة زمنية مناسبة، وعلى الحكومة إعطاء الأولوية لمصالحهن ومصالحهم الفضلى.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة أن تكف عن مقاضاة واحتجاز الأشخاص بسبب الزنا، والإفراج عن أي شخص مُحتجز بهذه الاتهامات. على الحكومة أيضا اعتماد قانون يُعرّف جريمة الاغتصاب، ويُجرّم جميع أشكال العنف الجنسي الأخرى، ويخلق وحدات جنائية متخصصة، وملاجئ قصيرة وطويلة الأمد، وتخصص التمويل لتنفيذ الإصلاحات.
كما ينبغي للحكومة توفير تدريب على إجراءات تلقي الشكاوى، وتفادي التحيز ضد المرأة، وإجراءات أدلة الطب الشرعي، واشتراط تدريب موظفي إنفاذ القانون والعاملين في المجال الطبي بشكل دوري. كما ينبغي لها أن تضمن الوصول إلى ما يكفي من رعاية الصحة البدنية والعقلية للناجيات.
قالت ويتسن: "يُمثل مشروع القانون المتعلق بالعنف الجندري فرصة لموريتانيا لإحداث تحوّل، وجعل قوانينها تتفق مع الحقوق الأساسية للنساء والفتيات".