(نيويورك) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على الولايات المتحدة ضمان عدم نقل أي أشخاص يشتبه في أنهم من تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف (المعروف أيضا بـ "داعش") الذين يحتجزهم حلفاء محليون في سوريا إلى لبنان، حيث قد يتعرضون للتعذيب أو المحاكمة الجائرة.
سلمت الولايات المتحدة 8 معتقلين لبنانيين من شمال سوريا إلى مخابرات الجيش اللبناني، حسبما أفادت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في 2 أغسطس/آب 2018. قالت إن المخابرات احتجزتهم لأكثر من شهر دون أي اتصال مع عائلاتهم أو مع السلطات القضائية. أكد الجيش اللبناني في 1 أغسطس/آب أن المخابرات تحتجز الرجال وأنهم أحيلوا على السلطات القضائية. وهذا أول بيان علني عن نقل واضح للمحتجزين من شمال سوريا إلى بلدانهم الأصلية من قبل الولايات المتحدة.
قال نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش: "على الولايات المتحدة أن تُنشئ آلية شفافة بضمانات قوية لعدم نقل أي مشتبه فيه من داعش إلى بلد يتعرض فيه لخطر التعذيب أو المحاكمة الجائرة. نقل المعتقلين بسرية تامة دون الحماية القانونية الأساسية يؤدي إلى سوء المعاملة".
ليس لدى هيومن رايتس ووتش أي معلومات عن معاملة الرجال الثمانية المحتجزين في لبنان. ومع ذلك، سبق لـ هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوق الإنسان اللبنانية أن وثقت تقارير ذات مصداقية عن التعذيب في لبنان بشكل روتيني. شمل ذلك مخابرات الجيش، ما أدى في بعض الحالات إلى وفاة المعتقلين. تقاعست السلطات عن التحقيق كما يجب في مزاعم التعذيب والمعاملة السيئة من قبل أجهزة الأمن، ولا تزال المساءلة عن التعذيب أثناء الاحتجاز بعيدة المنال.
ساعدت الولايات المتحدة "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال سوريا على اعتقال مئات المشتبه فيهم الأجانب من داعش. لم تسعَ أي دولة لاستعادة مواطنيها، وبدأت الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق من عدم الاستقرار في شمال سوريا، في إعادة المقاتلين المشتبه فيهم إلى بلدانهم الأصلية، وفق ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" في 19 يوليو/تموز عن أحد مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية البارزين. أضافت الصحيفة على لسان المسؤول إنه قد أعيد نحو 20 رجلا بينما "كان حوالي 100 رجل في طريقهم إلى بلدانهم". لم يذكر المسؤول تفاصيل عن الدول المعنية.
نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" أن قوات سوريا الديمقراطية تحتجز ما يقدر بـ 593 رجلا من 47 دولة بمساعدة الولايات المتحدة، بتهمة أنهم من مقاتلي داعش أو أعضائها – وكثير منهم من مصر والمغرب والسعودية وتونس وتركيا وروسيا. وأفادت التقارير أن حوالي 80 منهم من أوروبا، بما في ذلك حوالي 10 إلى 15 من فرنسا وألمانيا. وأفادت صحيفة الأخبار أنه قبل نقلهم، كان 13 لبنانيا على الأقل لا يزالون محتجزين في شمال سوريا.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الولايات المتحدة تلعب دورا رئيسيا في احتجاز هؤلاء الرجال من خلال مساعدة قوات سوريا الديموقراطية في إدارة مراكز الاحتجاز وتأمينها. وذكرت الصحيفة أن قوات العمليات الخاصة الأمريكية تزور السجون عدة مرات في الأسبوع لتقديم الخبرة في تشغيلها وتدريب الحراس، والمساعدة في معالجة المحتجزين الجدد باستخدام القياسات الحيوية والاستجواب. وأفاد صحفي من نيويورك تايمز زار أحد مراكز الاحتجاز بأن مسؤولا عسكريا أمريكيا رفض طلبه بالتحدث إلى أحد المحتجزين.
تحظر اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والولايات المتحدة طرف فيها، وكذلك القانون الإنساني الدولي، نقل المعتقلين إلى بلد حيث توجد "أسباب حقيقية للاعتقاد" بأنهم سيتعرضون للتعذيب أو أي نوع آخر من سوء المعاملة. يجب أن تتاح لأي شخص يحتجز في سوريا على الأقل فرصة الاعتراض على أساس احتجازه أمام قاض مستقل، والحصول على مساعدة محام. كما يجب أن يكون قادرا على الطعن في نقله إلى بلد آخر بسبب خطر التعذيب أو المحاكمة الجائرة.
أنشأت الإدارة الذاتية في شمال سوريا، وهي ليست حكومة ذات سيادة، محاكم محلية خاصة لمكافحة الإرهاب، ولكنها حاكمت مواطنين سوريين وعراقيين فقط. وقال مسؤولون محليون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم فضلوا عدم مقاضاة الأجانب، وأعربوا عن أملهم في أن تستعيد الدول مواطنيها و"تخفف العبء عنهم". لكن الحكومات الأجنبية أعربت عن ترددها في استعادة أشخاص يشتبه في أنهم من داعش على أنهم يمثلون تهديدا للأمن. كما أشارت بعض الدول إلى قلقها بشأن التحديات القانونية والأدلة التي تمنعها من ملاحقة هؤلاء المشتبه في أنهم من داعش.
تمت مناقشة مستقبل أعضاء داعش الأجانب المحتجزين في شمال سوريا في اجتماع لوزراء الدفاع الرئيسيين في "التحالف الدولي لهزيمة داعش" في روما في فبراير/شباط، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق. وبالإضافة إلى حوالي 600 رجل أجنبي، تحتفظ قوات سوريا الديمقراطية بحوالي 2,000 امرأة وطفل مرتبطين بداعش في 3 مخيمات للنازحين. وهؤلاء النساء والأطفال من أكثر من 40 دولة. وتقول قوات سوريا الديموقراطية إنها تحتجزهم مؤقتا حتى تستردَّهم بلدانُهم، ولكن حتى الآن، كانت روسيا وإندونيسيا، ومؤخرا الولايات المتحدة، الوحيدة التي عُرف عنها أنها استردت بعض مواطنيها من هذه المخيمات.
دعت هيومن رايتس ووتش مرارا وتكرارا إلى المزيد من التعاون الدولي لضمان العدالة لضحايا جرائم داعش المروعة. وبالنظر إلى حالة عدم اليقين في شمال سوريا وفي غياب الخيارات الموثوقة لمقاضاة متهمي داعش بشكل عادل في المحاكمات المحلية، دعمت هيومن رايتس ووتش الدعوات إلى محاكمات من دول أخرى تتمتع بالولاية القضائية، ويمكنها تقديم محاكمات عادلة. وهذا يعني معارضة أي نقل إلى مركز الاحتجاز الأمريكي في غوانتانامو، حيث يمثُل المتهمون أمام لجان عسكرية لا تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، أو إلى الدول التي تمارس التعذيب أو لا يمكنها توفير محاكمات عادلة.
لم تكشف الولايات المتحدة علنا عن البلدان التي نُقل إليها الرعايا الأجانب، ما يجعل من المستحيل تحديد المخاطر التي قد يواجهونها. وذكرت وول ستريت جورنال أن مسؤولا عسكريا أمريكيا قال إن الولايات المتحدة تراقب اتفاقيات نقل المحتجزين للتأكد من أن المعتقلين سيتم احتجازهم بشكل آمن "وأن يعاملوا بطريقة إنسانية". ولم يعرف شيء عن محتوى هذه الاتفاقيات، لذلك لم يمكن تقييم فعاليتها، وما إذا كانت الولايات المتحدة قد سعت إلى التوصل إلى اتفاقيات مع دول معروفة بتعذيب المعتقلين.
قالت هيومن رايتس ووتش إن عملية النقل الأخيرة إلى لبنان تثير مخاوف حقوقية. وجاءت عملية التسليم فقط من خلال التنسيق مع المخابرات العسكرية اللبنانية، وطوال أسابيع، لم يتمكن المعتقلون من الوصول إلى السلطات القضائية أو عائلاتهم، بحسب صحيفة الأخبار. أصدر الجيش اللبناني بيانا بعد النقل المزعوم بعدة أسابيع، مشيرا إلى أن المخابرات العسكرية سلمت السلطات القضائية 8 لبنانيين متهمين بالانتماء إلى "داعش" حاربوا في سوريا والعراق، و"سُلّموا إلى مديرية المخابرات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الصديقة... وبالتنسيق مع السلطات القضائية اللبنانية المختصة". لم يحدد الجيش متى احتجزهم.
كما سبق لـ هيومن رايتس ووتش أن أعربت عن مخاوفها بشأن استقلالية المحكمة العسكرية اللبنانية وحيادها واختصاصها، حيث لا يتمتع القضاة في كثير من الأحيان بتدريب قانوني، ويخضعون لسلطة وزير الدفاع، وحيث تجري المحاكمات خلف أبواب مغلقة.
قال حوري: "خرجت عمليات نقل عناصر داعش المشتبه فيهم من قبل الولايات المتحدة إلى لبنان إلى العلن بفضل الصحافة اللبنانية النابضة. لا يوجد حل سهل للتعامل مع هذه القضايا وفظائع داعش، ولكن من دون إجراءات شفافة تسمح للمشتبه فيهم بإثارة المخاوف حول التعذيب، ومن دون الوضوح بشأن سياسة الاعتقال الأمريكية في شمال سوريا، هناك خطر من أن تضاف جرائم جديدة إلى تلك القديمة".