(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" إن قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان اعتقلت مشاركين في احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017 في مختلف أنحاء السليمانية، وأجبرتهم على توقيع تعهدات بعدم انتقاد الحكومة.
احتُجز المحتجون حتى 8 أيام دون عرضهم على قاضٍ، وأُجبروا قبل الإفراج عنهم على توقيع تعهدات بعدم الاحتجاج أو انتقاد الحكومة على وسائل الإعلام الاجتماعي. كما احتجزت قوات "الأسايش" في كردستان العراق 3 صحفيين كانوا يغطون الاحتجاجات، بسبب عملهم على ما يبدو.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "رد حكومة إقليم كردستان على الاحتجاجات يتجاوز بكثير حقها في اعتقال ومحاكمة المسؤولين عن العنف. يبدو أن التكتيكات القاسية التي تنتهجها القوات المسلحة في الإقليم هي محاولة لإسكات النقد، رغم الرواية الرسمية بأن السلطات تحترم حقوق المواطنين في حرية التعبير والتجمع".
في 18 ديسمبر/كانون الأول، احتج موظفو الخدمة المدنية وحشود من أنصارهم في 9 مدن وبلدات على الأقل في منطقة السليمانية بسبب عدم دفع أجور موظفي الخدمة المدنية. على مدى السنوات الثلاث الماضية، دفعت حكومة الإقليم أجورا جزئية فقط كل بضعة أشهر بدلا من الرواتب الكاملة كل شهر، وفقا لمجموعة من المعلمين الذين ساعدوا في تنظيم الاحتجاجات.
استمرت الاحتجاجات 5 أيام. كان بعض المتظاهرين عنيفين، وشنوا هجمات متعمدة على مبان تابعة لـ "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الحزب السياسي الرئيسي في منطقة السليمانية، وبعض مرافق الأسايش.
في أواخر يناير/كانون الثاني وأوائل فبراير/شباط 2018، قابلت هيومن رايتس ووتش 11 رجلا شاركوا في الاحتجاجات. نفى الجميع أنهم كانوا عنيفين، وهو ما لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق منه. احتجزتهم قوات الأسايش بعد الاحتجاجات، واعتقلتهم من منازلهم، أو أماكن عملهم، أو في الشارع، ولكن ليس بالقرب من الاحتجاجات.
ينص "قانون أصول المحاكمات الجزائية" العراقي (رقم 23 لسنة 1971) على وجوب تقديم جميع المعتقلين إلى قاضي التحقيق في غضون 24 ساعة، لكن الذين قوبلوا قالوا إن قوات الأسايش احتجزتهم لمدد تتراوح بين يوم و8 أيام دون توجيه تهم إليهم أو تقديمهم إلى قاض. لم يُسمح لهم الاتصال بأسرهم أو بمحامين. أجبِر9 رجال على توقيع تعهد بعدم المشاركة في أي احتجاجات في المستقبل، واضطر 6 إلى التعهد بعدم نشر أي شيء ينتقد حكومة الإقليم أو يشجع الاحتجاجات على وسائل الإعلام الاجتماعي.
اعتقلت الأسايش 7 منهم في بلدة رانية على بعد 90 كيلومتر شمال غرب السليمانية بعد ظهر يوم 21 ديسمبر/كانون الأول. قالوا إنهم من بين 32 شخصا اعتقلتهم الأسايش هناك، وأُخبروا أن ذلك بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات. قالوا إنهم نُقلوا إلى مكتب الأسايش المحلي حيث أجبروا على توقيع بيان لم يسمح لهم قراءته. احتُجزوا ليلة في سيارات مزدحمة ونقلوا صباح اليوم التالي إلى قاعدة فرمندي العسكرية في السليمانية.
احتُجز الرجال بين يوم واحد و4 أيام. قال 6 منهم إن ضابطا من الأسايش قابلهم وكتب تصريحا يتضمن معلوماتهم الشخصية والتزامهم بعدم المشاركة في أي احتجاجات في المستقبل، أو نشر أي بيانات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد حكومة إقليم كردستان أو تشجع الاحتجاجات. قالوا إن الضابط جعلهم يوقعون ويبصمون.
قال رجل احتُجز 3 أيام إنه بينما ضغط الضابط عليه للتوقيع على التعهد، أصر على قراءته أولا وسأل عما إذا كان يمكن أن يرفض التوقيع. قال إن الضابط أخبره والمحتجزين الـ 17 الآخرين في القاعة: "إذا لم توقعوا، فلن نطلق سراحكم".
قال رجل آخر إنه عندما استُجوب طلب منه الضابط الحصول على معلوماته على "فيسبوك"، وفتح صفحته لمراجعة محتوياتها قبل توقيعه على التعهد والإفراج عنه.
قال الرجال إنهم أُعيدوا إلى مركز الأسايش المحلي في رانية وأُمروا بالتوقيع على نفس البيان مرة أخرى قبل أن يعيد العناصر إليهم ممتلكاتهم الشخصية وإطلاق سراحهم في 24 و25 ديسمبر/كانون الأول.
قال أحد الرجال: "بالطبع سوف نواجه المزيد من المتاعب إذا قبض علينا في احتجاج آخر بعد أن وقّعنا على هذه الوثيقة. لكن حتى لو كنت أخاطر بأن أُقتل، سأخرج للاحتجاج - أنا ببساطة أطلب احترام حقوقي ولن أتمكن من العيش إذا لم يتغير الوضع".
كما قابلت هيومن رايتس ووتش صحفيَّين احتُجزا لتغطيتهما احتجاجات مماثلة في مدينتي كويسنجق وحلبجة. قال صحفي في إحدى وسائل الإعلام المعارضة البارزة، والذي عرض وثائقه القضائية على هيومن رايتس ووتش، إنه اعتقل في 19 ديسمبر/كانون الأول في كويسنجق.
قال إنه بينما كان يقف في الشارع لتصوير الاحتجاجات في الظهيرة "أتت قوات الأسايش، وأخذت الميكروفون والكاميرا والهاتف الخليوي واحتجزتني هناك 30 دقيقة، رغم أني أريتهم بطاقتي الصحفية. ثم أعطوني معداتي مرة أخرى وواصلتُ العمل". قال إنه غادر البلدة الساعة 3 مساء، وعندها اتصل به صديق مرتبط بالأسايش وقال له إنه سيقبض عليه.
قال: "بعد 15 يوما عدت إلى بيتي وسلمت نفسي في مركز الأسايش، حيث احتجزوني 3 أيام قبل أن يعرضوني على قاض بتهمة تشجيع الناس على المشاركة في المظاهرات والتحريض على العنف. أنا حاليا في البيت بكفالة، ولكنني خائف جدا من العودة إلى العمل، وخائف جدا من مغادرة المنزل لأنني قلق على عائلتي وأمني".
قال صحفي ثالث يعمل لنفس وسيلة الإعلام إن الأسايش اعتقلته في 22 ديسمبر/كانون الأول في السليمانية، وأجبره مركز أسايش مجاور على توقيع وثيقة تفيد بأنه سيترك وظيفته، ثم أطلِق سراحه دون تهمة في وقت لاحق من ذلك اليوم. قال: "ما زلت أعمل، لكنني قلق كل يوم من أن يأتوا ورائي".
طلبت هيومن رايتس ووتش تعليقا من حكومة إقليم كردستان على النتائج التي توصلت إليها، وفي رسالة إلكترونية إلى هيومن رايتس ووتش في 25 فبراير/شباط، صرّح الدكتور ديندار زيباري، منسق حكومة إقليم كردستان للدفاع الدولي:
التزمت قوات أمن السليمانية ضبط النفس والتسامح لدرجة كبيرة أثناء المظاهرات. تم القبض على عدد من الناس مؤقتا لمنع انتشار العنف فيما ساعدت القوات أيضا في حماية آخرين، وما إن أصبح الوضع مستقرا تم إخلاء سبيلهم دون تحقيق أو اتهامات.
كانت قوات الأسايش مراعية للغاية لظروف المقبوض عليهم، ورغم أنهم تجاوزوا عدة قوانين، فقد كان هدف القوات استعادة السلم ومنع انتشار العنف وضمان سلامة الجميع خلال عملية التظاهر. نظرا للأعمال العنيفة أعلاه، كان من الممكن محاكمة الموقوفين والحكم عليهم بالسجن من عام إلى عامين.
لكنه لم يرد على استفساراتنا حول ما فعله أفراد الأسايش، حيث أجبروا الأشخاص على التنازل عن حقوقهم في التظاهر والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو على أنهم أوقفوا لأيام بعد انتهاء التظاهرات دون السماح لهم بالتواصل مع محامٍ، المثول أمام قاضٍ، أو التواصل مع عائلاتهم.
قالت فقيه: "للناس في إقليم كردستان نفس الحقوق التي يتمتع بها أي شخص في أي مكان للتعبير سلميا عن إحباطهم إزاء الأزمة الاقتصادية والسياسية. من مؤشرات الاضطهاد أن تحاول السلطات إجبار الناس على التوقيع على التخلي عن حقوقهم الأساسية في الاحتجاج والانتقاد".