"سيقتلونا جميعا"، قال لي أحمد، أحد عمال الإغاثة السوريين، الشهر الماضي، مشيرا إلى الأطراف المسلحة العديدة في النزاع السوري.
كنا نتحدث عن محافظة إدلب شمال غرب سوريا، التي يسكنها حوالي 2 مليون شخص، نصفهم تقريبا من النازحين، ومعظمهم تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام"، المعروفة على نطاق واسع بارتباطها بـ "تنظيم القاعدة". أحمد من إدلب رأى المحافظة تتعرض لكل شيء، بما فيه الضربات الجوية والهجمات الكيميائية والهجمات الانتحارية، وهي صورة مصغرة لعنف الصراع السوري. مع ذلك يعتقد أحمد أن الأسوأ لم يأت بعد.
صدرت تصريحات بأن روسيا وإيران وتركيا ستحرز تقدما بشأن إنشاء منطقة لخفض التصعيد في إدلب، كجزء من المفاوضات السورية التي تجري في أستانة بكازاخستان هذا الأسبوع. لكن مخاوف أحمد حول المنطقة التي يعمل فيها، تسلط الضوء على الخوف من أن الحاجة الملحة إلى حماية المدنيين في السنوات الست الماضية من الصراع السوري، كانت ثانوية في معظم المفاوضات الدولية. للأسف، لم تشكل سلسلة اتفاقات خفض التصعيد الرامية إلى ضمان السلام استثناء.
تُعتبر "محادثات أستانة" الأكثر طموحا حتى الآن. ضمت روسيا 2 من الأطراف الخارجية الرئيسية في سوريا - تركيا وإيران - للمشاركة.
أسفرت محادثات أستانة في مايو/أيار عن اتفاق لإنشاء 4 مناطق لخفض التصعيد في الجزء الشمالي من حمص، إدلب، الغوطة الشرقية، وجنوب سوريا. لا يزال العمل جاريا للتوصل إلى صيغته النهائية، لكنه قد يكون نجح جزئيا في خفض حدة القتال في سوريا.
أخبر الجنرال الروسي سيرغي رودسكي الصحفيين أن هذه الجولة من المحادثات في أستانة ستحرز تقدما بشأن "منطقة خفض التصعيد" الأخيرة في إدلب، ويرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن مفاوضات أستانة ستمهد للمحادثات السياسية في جنيف.
قُدمت وعود مماثلة في الجولات السابقة، ولكن لم يُحرز سوى قليل من التقدم في حماية المدنيين بإدلب. لم ترتبط مناطق خفض التصعيد هذه بأي تقدم في الأولويات الرئيسية لحقوق الإنسان، مثل قضية المعتقلين والمختفين. أفادت تقارير أن جولات سابقة من المحادثات ناقشت مجموعة عمل محتملة لتبادل المعتقلين والسجناء، لكن لم يُحرز تقدم ملموس في النهاية. يرتبط تشاؤم أحمد بالوضع المعقد في إدلب، حيث يعلق المدنيون بين رغبة الحكومة السورية في استعادة المحافظة وصعود الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي لديها الآن السيطرة الأكبر على المحافظة. هذا ما يجعلها خطرا بحاجة إلى التحييد في نظر كثيرين، بمن فيهم الولايات المتحدة وتركيا. أشار المشاركون في اجتماع أستانة في مايو/أيار الماضي صراحة إلى أن الهجمات على الجماعات الإرهابية، بما فيها هيئة تحرير الشام، ستستبعد من وقف إطلاق النار.
في الوقت ذاته، يستمر عدد المدنيين في المنطقة بالارتفاع. أدت سلسلة من الاتفاقات المبرمة محليا والمعارك الشديدة في أماكن أخرى في سوريا إلى نزوح أعداد كبيرة من المدنيين إلى إدلب. وصل في يوليو/تموز 2017 وحده نحو 24 ألف نازح من مواقع عديدة.
حذر عمال الإغاثة الذين تحدثنا إليهم، من أن إدلب على وشك الوصول إلى الحد الأقصى لاستيعاب موجات النازحين القادمة. عززت هيئة تحرير الشام السيطرة على المنطقة، وعبر مصدر عن قلقه من أن مقاتلي تحرير الشام تدخلوا بتسليم المساعدات.
تزداد المخاطر تعقيدا بسبب إغلاق تركيا الحدود وزيادة انتشار الجيش التركي على الحدود، وهي إشارة محتملة من تركيا بأنها غير راغبة في استقبال مزيد من السوريين.
قال لي أحمد: "مهما حدث، لن يتمكن أحد من مغادرة إدلب"، واصفا خيارات الفرار المحدودة للناس.
على المشاركين في أستانة أن يأخذوا هذا التعقيد في الحسبان وهم يتفاوضون حول مصير إدلب ويعقدون اتفاق خفض التصعيد المحتمل. على تركيا وجميع أطراف النزاع السماح للمدنيين الخائفين على حياتهم في إدلب بالفرار من القتال، ودخول تركيا، إن أرادوا ذلك. لا ينبغي أن يكون أي اتفاق من هذا القبيل غطاء لإعادة اللاجئين قسرا إلى سوريا.
لكي تحرز محادثات أستانة تقدما حقيقيا في حماية المدنيين، يجب أن تعالج المفاوضات قضايا حقوق الإنسان الأساسية الكامنة وراء النزاع، بما فيها المعتقلين والمختفين على يد الحكومة السورية. على الدول المؤيدة لأستانة - روسيا وتركيا وإيران - وغيرها ممن لديها مصلحة خاصة في إنهاء الصراع السوري، أن يتحث المجموعات التي تدعمها على الكشف عن مصير الأشخاص الذين تحتجزهم، والسماح للمراقبين المستقلين بدخول مرافق احتجازهم. لكي تنجح جهود أستانة، يجب أن تمهد الطريق أمام مؤسسة مستقلة تتولى التحقيق في مصير المختفين ومكان وجودهم، فضلا عن البقايا البشرية مجهولة الهوية والمقابر الجماعية في سوريا.
ليس هناك شك في أن معظم الناس يرغبون بإنهاء الصراع السوري، الذي أودى بحياة كثيرين. مع ذلك، فإن أي حل لا يعالج القضايا الجوهرية الكامنة وراء الصراع، يُعتبر ضمادة لجرح لا بد أن ينزف مرة أخرى.