اتصل بي مؤخرا رجل يمني بشأن قريبين له، محتجزين سرا لفترة زادت عن العام في جنوب اليمن. كان يأمل أن يساعده الاهتمام الدولي، خصوصا في الإمارات والولايات المتحدة، على معرفة مكان وسبب احتجاز أقاربه.
عندما التقينا في مدينة عدن الساحلية، كشف لي أن القوات اليمنية التي تدعمها الإمارات احتجزته أيضا. قال إنه سُجن لعدة أشهر دون معرفة سبب احتجازه، وضُرب مرارا وعُرّض لصدمات كهربائية. يتوزع قلقه بين قريبيه المفقودين والرجال والأولاد الذين اٌحتجزوا معه.
على مدى الأشهر الستة الماضية، وثقت "هيومن رايتس ووتش" عشرات الانتهاكات في مراكز وسجون غير رسمية وسرية، تقع في مناطق تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. يشمل ذلك الاحتجاز التعسفي المطول، التعذيب، والإخفاء القسري – قامت بمعظم هذه الأفعال قوات يمنية مدعومة من الإمارات بزعم مكافحة الإرهاب.
أوضح لي رجل شارك في احتجاجات ضد حالات الاختفاء في منطقته الخوف الذي شعرَت به أسر كثيرة بعد أخذ أشقائها أو أبنائها أو آبائها في منتصف الليل، ثم سعيها إلى، وعدم تمكنها من معرفة أماكن احتجازهم وما إن كان سيُفرج عنهم. أخبرني عن أحد الاحتجاجات قائلا: "كان هناك أطفال صغار يرددون 'أطلقوا سراح آبائنا'. كتبنا على اللافتات أننا ضد الإرهاب، لكن احتجاز الأشخاص بهذه الطريقة هو إرهاب أيضا".
في 22 يونيو/حزيران، اتخذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي خطوة أولية نحو تقديم الإجابات والمحاسبة اللتين يسعى إليهما اليمنيون ممن اختفى أحباؤهم قسرا أو احتجزوا تعسفا. أصدر المرسوم رقم 115 القاضي بإنشاء لجنة للتحقيق في انتهاكات نقلتها التقارير وتقديم التوصيات ووضع وسائل لمعالجة قضايا مماثلة في المستقبل.
يعاني اليمن من حرب مدمرة مستمرة منذ أكثر من عامين. في أواخر عام 2014، استولت على العاصمة صنعاء جماعة الحوثيين المسلحة والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي حكم لعهد طويل. فر الرئيس هادي لاحقا إلى السعودية.
في مارس/آذار 2015، بدأ التحالف، بقيادة السعودية وعضوية الإمارات ودعم عسكري أمريكي، حملة جوية وبرية دعما للرئيس هادي. نفذ الائتلاف عشرات الغارات الجوية غير القانونية، وقصف مدارس وأسواق ومنازل ومستشفيات مستخدما أسلحة أمريكية الصنع أغلب الوقت.
دفعت الحرب باليمن، والذي كان أصلا أفقر بلد في الشرق الأوسط، إلى حافة كارثة إنسانية مع منع كلا الطرفين مرور المساعدات. يعيش الملايين من الناس على شفا مجاعة، كما يدمر تفشي الكوليرا غير المسبوق البلاد.
تعرض المدنيون في هذه المناطق لأهوال عديدة، منها حالات اختفاء وتعذيب. وثقنا انتهاكات لقوات الحوثي-صالح التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال اليمن. قامت الإمارات، التي تقود جهود التحالف في جنوب وشرق اليمن، جنبا إلى جنب مع القوات التي تدعمها الإمارات وتلك المتحالفة مع حكومة هادي، بإخفاء العشرات، واستخدمت السجون السرية، كما أساءت معاملة الناس بمن فيهم الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها.
دعمت الولايات المتحدة عن كثب الجيش الإماراتي. وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن "أسوشيتد برس"، استجوبت الولايات المتحدة سجناء تحتجزهم الإمارات في اليمن، وتبادلت الأسئلة مع مسؤولين إماراتيين، وقرأت محاضر أقوال من تم استجوابهم. كان على الولايات المتحدة، باعتبارها حليفا لدولة الإمارات، دعوتها فورا إلى التعاون مع اللجنة اليمنية الجديدة ومنح حق الوصول إلى جميع مرافق الاحتجاز.
يمكن أن تكون اللجنة اليمنية نقطة انطلاق هامة للحد من الانتهاكات المتفشية التي ترتكبها القوات الإماراتية وتلك التي تدعمها الإمارات، فضلا عن القوات الموالية لحكومة هادي، أثناء العمليات الأمنية. كما يمكن أن تكون إشارة مهمة من حكومة هادي على أنها بدأت تأخذ مزاعم إساءة المعاملة ضد مواطنيها بجدية، حتى عندما ترتكب هذه الانتهاكات قواتها أو حلفاؤها في التحالف بقيادة السعودية.
لسوء الحظ، أعطت حكومة هادي اللجنة مهلة مدتها 15 يوما، كما أخفقت في ضم ممثلين عن المنظمات المحلية بين أعضائها. لم توضح الحكومة ما إذا كانت اللجنة ستُمنح المجال للعمل باستقلالية، أو ستصل إلى مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، أو ستوصي بملاحقات قضائية ضد أشخاص مسؤولين عن الانتهاكات.
خلاصة القول: ستكون اللجنة قادرة على تقديم إجابات مفيدة للأسر اليمنية القلقة فقط إذا تعاونت الإمارات والولايات المتحدة معها في التحقيق في الانتهاكات المزعومة.
لن يحدث هذا قريبا. نفت الإمارات بشدة مسؤوليتها عن أي انتهاكات، ملقيةً باللوم على الحكومة اليمنية لاحتجاز الأشخاص وإساءة معاملتهم. يتناقض هذا النفي مع أبحاثنا.
سمعنا مرارا أن مسؤولين إماراتيين أمروا باستمرار احتجاز أشخاص رغم وجود أوامر إفراج عنهم من جهات قضائية لا تزال فاعلة في البلاد؛ كانوا يديرون مرافق احتجاز زعم معتقلون سابقون فيها تعرضهم للتعذيب؛ قدموا معلومات، مثل قوائم بأسماء أشخاص لإلقاء القبض عليهم، إلى القوات اليمنية الضالعة في الانتهاكات؛ وقاموا بنقل مزعوم للمعتقلين المهمين إلى خارج البلاد.
المسؤولون الأمريكيون، بمن فيهم مايكل موريل، المدير السابق بالنيابة لـ "وكالة المخابرات المركزية"، وصفوا الإمارات بأنها شريك "نموذجي" في مكافحة الإرهاب. بما أن الأدلة على انتهاكات الإمارات والتواطؤ الأمريكي المحتمل قد ظهرت، لم توضح إدارة ترامب ما إذا كانت ستحقق في دور الموظفين الأمريكيين أم ستضغط على الإمارات وحلفائها للكف عن التعذيب.
كتب عضوان رفيعا المستوى في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ - جون ماكين من الحزب الجمهوري عن ولاية أريزونا، وجاك ريد من الحزب الديمقراطي عن ولاية رود آيلاند – إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس يدعوانه فيها إلى "مراجعة فورية للحقائق". ينبغي أن يعمل المشرعون أيضا على ممارسة رقابة أكثر فعالية على مشاركة الولايات المتحدة في النزاع اليمني (من خلال عقد جلسات استجواب مثلا). فهذا ما هو إلا حلقة من سلسلة حوادث انكشاف التواطؤ الأمريكي المحتمل في جرائم الحرب في اليمن.
من الصعب إقناع الحكومات بالتحقيق في انتهاكاتها. لكن يمكن للّجنة اليمنية بدء العملية الطويلة على الأقل بمحاسبة المسيئين، والمطالبة باتخاذ إجراءات ملموسة لتوفير الحرية والتعويض والعدالة للعديد من اليمنيين الذين تعرضوا لسوء المعاملة أثناء الاحتجاز. إخفاء عشرات الناس، تمزيق الأسر، وتعذيب المعتقلين ليست طريقة قانونية أو فعالة لمواجهة المعارضة المسلحة.