(جنيف) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن "حكومة الوفاق الوطني" الليبية قد صادقت على اتفاق يسمح بعودة نازحي مدينة تاورغاء للمدينة وعليها تنفيذه بسرعة. تعتزم بعض عائلات مدينة تاورغاء العودة إلى منازلها ابتداءً من 22 يونيو/حزيران، بحسب نشطاء شاركوا في الجهود.
في عام 2011، نهبت ميليشيات، معظمها من مصراتة، تاورغاء الواقعة على بعد 50 كيلومتر جنوب مصراتة، وهدمت وأحرقت عدة مبانٍ فيها. مُنع السكان، الذين فروا جماعيا قبل وصول الميليشيات، من العودة إلى المدينة. يأتي نزوحهم انتقاما لدعم تاورغاء للرئيس – آنذاك – معمر القذافي خلال نزاع 2011، ولجرائم يُزعم ارتكابها في مصراتة.
قال إريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "عانى سكان تاورغاء من التشرد طوال 6 سنوات بعيدا عن منازلهم، وعاشوا ظروفا قاسية. بعد اعتماد حكومة الوفاق الوطني الليبية أخيرا الاتفاق بين الفصائل، عليها الإسراع في اتخاذ ترتيبات ملموسة لإعادة سكان تاورغاء إلى ديارهم لاستئناف حياتهم بسلام".
في 19 يونيو/حزيران، أعلن "المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني" مصادقته على اتفاق تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة بين ممثلي مدينتي مصراتة وتاورغاء لتسوية نزاعهم والسماح بعودة سكان تاورغاء إلى منازلهم. قال عميد بلدية مصراتة محمد اشتيوي إنه ستجرى جلسة مباحثات أخرى "خلال الأيام القادمة مع إخواننا في تاورغاء سيتم خلالها وضع الترتيبات الأخيرة قبل عودتهم إلى مدينتهم.".
في 2016، ساعدت "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" (بعثة الأمم المتحدة) على بدء مصالحة بين أهالي تاورغاء ومصراتة بهدف إنهاء نزوح السكان وتعويضهم. وقّع الجانبان اتفاقا في 31 أغسطس/آب يقضي بأن تنشئ حكومة الوفاق الوطني، التي تدعمها الأمم المتحدة، صندوقا يعوض ضحايا انتفاضة عام 2011 كشرط أساسي لعودة سكان تاورغاء إلى المدينة.
في أبريل/نيسان 2017، طلب ممثلو مصراتة إجراء تعديلات لزيادة تعويضات ضحايا مصراتة بشكل أكبر. كما طلبوا منع تعويض أي مقاتل أو متعاطف مع القذافي، مما سيؤثر غالبا على سكان تاورغاء.
يتضمن الاتفاق نصا واحدا عن العدالة والذي يتضمن أن "على الدولة الليبية إتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لتقديم المتهمين للعدالة.".
لا يزال يتعين على المحاكم الليبية اتخاذ إجراءات المساءلة، إذ لم تحاكم إلا الجرائم المنسوبة إلى أهالي تاورغاء؛ أدانت المحاكم معظمهم بتهم القتل وحيازة الأسلحة بصورة غير مشروعة، وأصدرت أحكاما بالسجن وحتى بالإعدام. لم تحاكم أي محكمة ليبية حتى الآن أي شخص على التهجير القسري لسكان تاورغاء أو لأفعال الميليشيات، معظمها من مصراتة، ضد تاورغاء، بما فيها الاعتقال التعسفي الطويل الأجل والتعذيب والإخفاء القسري.
يعيش حوالي 40 ألف شخص من تاورغاء كنازحين في المناطق الليبية المختلفة، أغلبهم في مساكن مؤقتة أو مخيمات أو مدارس، وتمنعهم السلطات المدنية والعسكرية في مصراتة من الوصول إلى منازلهم وأراضيهم.
تسيطر الفصائل في مصراتة، بما فيها الإدارة المدنية والجماعات المسلحة المتحالفة معها، على المنطقة الواقعة بين مصراتة وتاورغاء، وتمنع سكان تاورغاء من العودة إلى مدينتهم. تصر الفصائل على وجوب موافقة حكومة الوفاق الوطني وسلطات مصراتة على تقديم تعويضات للقتلى والمحتجزين والمتضررين والمفقودين خلال انتفاضة عام 2011.
في أعقاب انتفاضة عام 2011، كانت الميليشيات التي شردت سكان تاورغاء تنتمي في الغالب إلى مصراتة. اعتقلت الميليشيات سكان تاورغاء تعسفا وعرّضتهم للتعذيب والإخفاء والمضايقة دون عقاب. قال محمد رضوان، رئيس "رابطة مفقودي وجرحى تاورغاء"، إنه أُطلق سراح نحو 350 معتقلا منذ 2016، في حين لا يزال هناك 160 آخرين، بعضهم بلا تهمة، و300 مفقود.
التقى مفتاح المبروك، الذي يمثل أسر محتجزي تاورغاء في سجون مصراتة ويتواصل مع سلطات السجن نيابة عن العائلات، هيومن رايتس ووتش في طرابلس. قال إن بعض المحتجزين الـ160 المتبقين من تاورغاء مدانون من محاكم مدنية وعسكرية في مصراتة، في حين يُحتجز العديد منهم بلا تهم. وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات خطيرة مسّت سلامة الإجراءات بحق المحتجزين في مصراتة، منهم رجال من تاورغاء.
رغم انخفاض عدد الهجمات على أهالي تاورغاء في مخيمات للنازحين في طرابلس في السنوات الأخيرة، فإن وضعهم غير مستقر. أطلقت الميليشيات التي تحرس مخيم جنزور للنازحين في طرابلس طلقات نارية في 31 مايو/أيار بعد خلافات مع السكان، ولم تقع إصابات. في 26 مايو/أيار، أصابت المواجهات بين الميليشيات أحد سكان مخيم الفلاح الثاني في طرابلس، وفقا لبعثة الأمم المتحدة.
تنص "المبادئ التوجيهية بشأن التشرد الداخلي" على أن فترة تهجير الناس يجب أن تكون محدودة، وألا تدوم "أطول مما تقتضيه الظروف". ينص القانون الدولي أيضا على السماح للمدنيين الذين شُردوا قسرا من ديارهم خلال نزاعٍ ما العودة إليها في أقرب وقت ممكن دون شروط.
في يونيو/حزيران 2013، حاول السكان العودة إلى تاورغاء دون الاتفاق مع جماعات مصراتة. حذرت الجهات الفاعلة المحلية والدولية، بما فيها بعثة الأمم المتحدة، من العودة بعد إصدار الجماعات المسلحة في مصراتة تهديدات ضد من يخطط للعودة. أعادت السلطات في مدينة أجدابيا الشرقية قافلة كانت تحاول الانطلاق من بنغازي إلى تاورغاء.
تشكل بعض الانتهاكات المرتكبة كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين، بما في ذلك التعذيب والاحتجاز التعسفي والتشريد القسري، جرائم ضد الإنسانية. خلصت "لجنة الأمم المتحدة الدولية لتقصي الحقائق حول ليبيا " في تقريرها الصادر في مارس/آذار 2012 إلى أن ميليشيات مصراتة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية ضد سكان تاورغاء وأن التدمير المتعمد لتاورغاء "كان لجعلها غير صالحة للسكن".
تملك المحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. لم تبدأ المدعية العامة لـ "المحكمة الجنائية الدولية" تحقيقا ولم تعلن عن نية التحقيق في الجرائم ضد تاورغاء.
قال غولدستين: "بينما الأولوية هي لإنهاء العقاب الجماعي الذي دام 6 سنوات ضد سكان تاورغاء، يجب أن يتم إنصاف الضحايا من الجانبين على الجرائم التي عانوا منها".