(أربيل) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات موالية للحكومة العراقية اعتقلت ما لا يقل عن 100 رجل تعسفيا في أواخر أبريل/نيسان 2017، وفي بعض الحالات عذبتهم أثناء الاستجوابات.
قابلت هيومن رايتس ووتش 3 من الحضر، وهي قرية تقع على بعد 90 كيلومتر جنوب غرب الموصل، اعتقلتهم "قوات الحشد الشعبي" (الحشد الشعبي)، ومسؤولَين محليين كانا على معرفة بعمليات الاحتجاز في المنطقة. قال الرجال إن المقاتلين احتجزوهم أثناء فرارهم من منازلهم خلال المعارك، وتم احتجازهم لمدة تصل إلى 15 يوما في مبنى مدرسة وفي إحدى الحالات في منزل يقع في منطقة تقع تحت سيطرة الحشد الشعبي كليا. تم استجاوبهم حول صلات محتملة بتنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش")، وفي حالتين تم ضربهم بكابلات معدنية سميكة قبل إطلاق سراحهم مع عدد قليل من المحتجزين الآخرين. قال لهم محتجزون آخرون إنهم تعرضوا للضرب أيضا أثناء الاستجواب.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش:"نظرا إلى السجلات السابقة من انتهاكات قوات الحشد الشعبي في المنطقة من فحص أمني واحتجاز رجال محليين، على بغداد التعامل مع هذه النتائج بقلق بالغ. على السلطات أن تبذل كل ما في وسعها لضمان تمكن العائلات الهاربة من المعارك في الموصل الوصول إلى مكان آمن، بدلا من أن يتم تعذيبها في منشآت سرية".
استمعت هيومن رايتس ووتش إلى روايات مشابهة من رجال آخرين هربوا من المعارك في وقت سابق من عام 2017 وأثارت المسألة مع الحكومة، ولكن يبدو أن عمليات الاحتجاز والاعتداء ما زالت مستمرة. على رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يصدر مرسوما يحظر فيه قيام الحشد الشعبي بالفحص الأمني والاحتجاز، وإخضاع أولئك الذين ارتكبوا الانتهاكات للمساءلة.
قال رجل يدعى "حسن" إن عائلته ومجموعة أخرى فروا من الحضر، الخاضعة لسيطرة داعش، في 25 أبريل/نيسان، لمخيم للنازحين يديره الحشد الشعبي. بعد يومين، نُقل هو و10 من أقاربه إلى مبنى قالوا إنه مدرسة واحتُجزوا في غرفة مع حوالي 40 آخرين من قريتهم. تم استجواب مجموعة عائلته لأسبوع ثم أطلق سراحه.
قال حسن والرجلان الآخران اللذان تمت مقابلتهما إنهما تمكنا من تحديد أنهما محتجزان في مدرسة من خلال التحدث إلى زملائهم من السجناء والحراس ورفع عصبات أعينهم. قال مسؤول حكومي من تل عبطة لـ هيومن رايتس ووتش إن الحشد الشعبي احتجز الرجال في مدرسة تل عبطة الجنوبية الابتدائية، وقدم إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس). قال المسؤول إن مكتبه قد وثق أسماء 100 رجل من المنطقة احتجزهم الحشد الشعبي أثناء فرارهم، في نفس الفترة، بناء على اتصالات تلقاها من عائلاتهم.
قال علي الأحمدي، قائمقام الحضر، لوسائل الإعلام المحلية في 1 مايو/أيار إن الحشد الشعبي اعتقل 160 شخصا على الأقل لدى وصولهم إلى مخيمات النازحين بسبب المعارك. ذكرت التقارير نفسها أن محافظ الموصل عقد جلسة طارئة رفيعة المستوى لمناقشة هذه الاعتقالات.
في وقت سابق من عملية الموصل، وثقت هيومن رايتس حالات ارتكب فيها الحشد شعبي اعتقالات تعسفية وتعذيب وإعدام مدنيين. بعد صدور تقرير هيومن رايتس ووتش، أصدرت "هيئة الحشد الشعبي" بيانا في مطلع فبراير/شباط نفت فيه أن تكون قواتها قد دققت أمنيا في أي شخص أو احتجزته. قال البيان إن الحشد الشعبي يسلم أشخاصا مشتبه بانتمائهم إلى داعش إلى قوات الأمن التابعة للدولة المكلفة بفحص المشتبه بهم.
لكن في اجتماع عقد في 6 فبراير/شباط، قال ممثل عن هيئة الحشد الشعبي لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يقومون في ظروف محددة باعتقال الأشخاص الذين تم أسرهم في ساحة المعركة لفترات قصيرة قبل نقلهم إلى السلطات العراقية بتفويض اعتقال. أكد ذلك رجل احتجزه الحشد الشعبي لمدة 8 ايام، وأحد عمال الإغاثة.
على السلطات العراقية أن تسمح لمن يتمتعون بالسلطة القانونية اللازمة فقط بفحص الأشخاص أمنيا. على السلطات أن تكفل أن يكون المحتجز متواجدا في مراكز احتجاز معروفة ويمكن الوصول إليها من قبل مراقبين مستقلين، ومنحه حقوقه القانونية بموجب القانون الدولي والقانون العراقي. على الاحتجاز أن يكون مستندا إلى قانون داخلي واضح، ويجب تقديم كل محتجز فورا إلى قاض للنظر في قانونية احتجازه. يتطلب القانون العراقي أن تعرض السلطات المحتجزين أمام قاضي التحقيق في غضون 48 ساعة.
وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا أن القوات العراقية، بما في ذلك الحشد الشعبي، استخدمت المدارس لأغراض أمنية أو عسكرية مثل الفحص الأمني أو كمراكز احتجاز. يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام للمدارس إلى تأخير إعادة فتحها لتعليم الأطفال وتوفير خدمات أخرى لهم، وإلحاق الضرر بالصفوف والمعدات. على القوات العراقية تجنب استخدام المدارس إلا كملجأ أخير عندما لا تكون مرافق أخرى متوافرة.
اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي وقع عليها العراق العام 2011، تلزم الدول الأعضاء بالتحقيق في التعذيب ومقاضاة مرتكبيه وتقديم تعويضات للضحايا.
قالت فقيه: "في حين قد تكون هناك أسباب لاحتجاز بعض الأشخاص الفارين من المعارك الذين يشتبه في ارتكابهم أعمالا إجرامية تحت حكم داعش، إلا انه يجب منحهم حقوقهم بموجب القانون العراقي، وهذا يشمل الحق في عدم إساءة المعاملة".
روايات المعتقلين
"حسن"
قال "حسن" إنه في 25 أبريل/نيسان، تمكنت أسرته وحوالي 15 آخرين من الفرار في عدة سيارات عندما كانت قرية الحضر، التي عاش فيها، لا تزال تحت سيطرة داعش،. قضت القافلة ليلتين في الصحراء الواقعة شمال الحضر مباشرة، قبل وصول قوات أمنية مجهولة الهوية طلبت من العائلات الذهاب إلى جربوعة، وهو مخيم للنازحين يديره الحشد الشعبي، على بعد 30 كيلومتر شمال تل عبطة .
قال حسن إنه في حوالي الساعة 9 مساءً، بعد أن أمضوا ليلتين في المخيم، قامت مجموعة من المقاتلين يحملون شارات الحشد الشعبي باعتقاله، مع 10 من أقاربه، وعصّبوا أعينهم، ثم اقتادوهم إلى مكان آخر حيث احتُجزوا في غرفة في مبنى كبير. قال إنه عندما سنحت له الفرصة، أنزل عصابة عينيه بسرعة لأن يديه كانتا مقيّدة إلى الأمام، ورأى أنه كان في غرفة مع حوالي 40 معتقلا آخرين، جميعهم من الحضر.
قال إنه بعد 7 أيام، أطلق الحراس سراحه و10 رجال آخرين اعتُقلوا معه بدون مبرّر. قال إنه طوال فترة احتجازه، نقله نفس الحراس إلى داخل الغرفة وخارجها مع المحتجزين الآخرين للاستجواب، سائلين لماذا ظل يعيش في ظل داعش، وما إذا كان قد انضم إلى داعش، وأسماء مقاتلي داعش. قال حسن إنه كان معصوب العينين خلال فترة احتجازه لكنه قال إنه احتُجز واستُجوب من قبل مقاتلين ذوي لهجات جنوبية اعتقد أنهم من قوات الحشد الشعبي.
"أحمد"
قال "أحمد" إنه في صباح 26 أبريل/نيسان، فرت أكثر من 60 أسرة أخرى من المنطقة في السيارات، عندما بدأت القوات العراقية عملية إستعادة الحضر. كانت 6 عائلات من الحضر والبقية عائلات نازحة بسبب القتال، معظمها من قرى في منطقة تل عبطة، إلى الشمال مباشرة. وصلوا إلى قاعدة عسكرية، بعد أن كانوا على بعد حوالي 6 كيلومترات شمال المدينة، فيها عدد كبير من المقاتلين يحملون أعلاما تعرّف عنهم على أنهم ينتمون إلى "لواء علي الأكبر" في الحشد الشعبي، مع مقاتلين من جنوب العراق.
أجبرهم المقاتلون على الانتظار عدة ساعات، ثم تأكدوا من بطاقات الهوية. كان المساء قد حلّ بذلك الوقت، وقال لهم المقاتلون إن الوقت قد تأخر لنقلهم إلى أقرب معسكر، و قالوا إنه على بعد 40 كيلومتر على الأقل. قال إنهم طلبوا من العائلات البقاء في سياراتهم أو تشييد الخيام.
قال أحمد إنه، في منتصف الليل، كان يقف مع 5 من أقاربه، بما في ذلك شقيقه، بجانب سيارتهم عندما اقترب منهم 3 مقاتلين من لواء علي الأكبر يحملون شارات الحشد الشعبي وقالوا إنهم يحتاجون إلى الرجال ليأتوا معهم حتى يتمكنوا من إستجوابهم بشأن منطقتهم. قال أحمد إن مقاتلي الحشد الشعبي عصّبوا عينيه هو وأقاربه، واقتادوهم لمدّة 5 دقائق ثم احتجزوهم في مدرسة، حيث اعتقلوهم لمدة 10 أيام. كانت يداه مقيدتين إلى الأمام، فتمكن من نزع العصبة بين حين وآخر. قال علي إنه رأى حراسا يجلبون حوالي 90 رجلا، قالوا له إنهم من الحضر.
قال أحمد إنه لمدة 4 أيام، استجوبه حراس ذوو لهجات جنوبية، اعتقد أنهم من قوات الحشد الشعبي، وهو معصوب العينين في غرفة منفردة مرة واحدة كل يوم، وسألوه لماذا انضم إلى القاعدة وداعش، وضربوه لمدة 10 دقائق في كل مرة باستخدام سلك معدني سميك. قال أحمد إن الحراس وضعوا كيسا بلاستيكيا فوق رأسه حتى فقد وعيه. قال إنه أصرّ على أنه لم ينضم الى أي جماعة متطرفة. قال أحمد إنه بعد 4 ايام من التعنيف، سأل الرجال المحتجزين في الغرفة معه، وعددهم حولي 40، إذا ما اعترفوا وجميعهم قالوا إنهم فعلوا، لوقف الانتهاك. قال إن جميع أقاربه أخبروه أنّ الحراس ضربوهم أيضا بكابلات معدنية سميكة.
قال أحمد إنه في صباح اليوم التالي، إعترف بالانتماء إلى داعش. أُحضر مرة أخرى إلى غرفة منفردة في وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم، وسأله رجل يتكلم بطريقة مختلفة عن محققيه عمّا إذا كان اعترافه صحيحا، وأقر بأنه لم يكن.
قال إنه حينما احتجزتهم الحشد الشعبي، هو والمعتقلين الآخرين، لم يعطَوا كل يوم سوى كوب واحد من المياه وطعام محدود. نقل الحراس أحمد بين 3 غرف. يقدّر أنه في غرفتين كانت مجموعة من 40 محتجزا آخرين، واحدة مليئة بالرجال لم يتعرف عليهم من الحضر، وحوالي 50 من الحضر في الأخرى. قال أحمد إن الحراس حملوه مع 11 رجلا آخرين، من بينهم شقيقه وأقاربه الآخرون في سيارات، بعد أن استجوبه الرجل الآخر، واقتادوهم إلى منزل على بعد حوالي ساعتين، حيث احتجزوا في نفس الغرفة واستجوبوا بشكل منفصل ليومين آخرين. جلب حراس لديهم نفس اللهجات الجنوبية لمقاتلي لواء علي أكبر في تلك المرحلة، 20 إلى 30 رجلا من الحضر، تعرّف أحمد عليهم حيث أنهم احتجزوا أيضا في المدرسة. قال أحدهم إن مقاتلي الحشد الشعبي كانوا ينقلون كل 90 شخصا إلى المنزل معا.
أخذه حراس ذوو لهجات جنوبية في تلك الليلة، مع 10 رجال آخرين، من بينهم 4 من أقاربه، إلى قرية الحضر وسمحوا لهم بالرحيل. وصلوا في النهاية إلى مخيمات النازحين في جدعة، على بعد 54 كيلومتر إلى الشمال الغربي، حيث عادوا إلى أسرهم. قال إنه حتى 17 مايو/أيار، ظل شقيقه محتجزا.
أخبر مسؤول من المنطقة يعمل على إطلاق سراح المعتقلين هيومن رايتس ووتش إن المنزل الذي اعتقله فيه الحشد الشعبي كان يشار إليه ببيت ياسين.
"كريم"
قال "كريم" إنه فر من الحضرة في 26 أبريل/نيسان مع حوالي 10 أسر إلى قرية مجاورة. في اليوم التالي، قادوا السيارات مسافة 40 كيلومترا إلى نقطة تفتيش تابعة للحشد الشعبي. قام 4 مقاتلين من الحشد الشعبي يحملون شارات بتفحص بطاقات هوية الرجال. اختارهم المقاتلون مع 7 رجال آخرين وعصبوا أعينهم وربطوا أيديهم ثم اقتادوهم إلى مبنى كبير قريب. قال كريم إن المبنى احتجز العديد من السجناء الآخرين لكنه لم يتمكن من العد لأنه خشي أن يفضح أمره إذا رفع عصبة عينيه.
قال إنه احتجز لمدة 15 يوما وأن الحراس استجوبوه يوميا عن انتماءه إلى داعش وضربوه بكابلات معدنية سميكة. توفي رجل مسن من قريته معه بسبب مرض سبق احتجازه. قال كريم إنه لا يريد التكلم عما فعل الحراس به، ولكن كان لديه كدمات واضحة وندب حول معصميه وذراعه اليمنى عندما تحدث إلى هيومن رايتس ووتش بعد يومين من إطلاق سراحه.