(بيروت) - تنظيم "الدولة الإسلامية" حكم منطقة مخمور بالعراق لمدة 21 شهرا، ونفذ إعدامات بإجراءات موجزة، وعذب قرويين وعاقبهم بشكل جماعي. كما منع التنظيم المسلح المتطرف، المعروف أيضا باسم" داعش"، المدنيين من الفرار وجعلهم عُرضة للخطر.'
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط: "بعيدا عن التغطية الإعلامية، يعتدي داعش بشكل روتيني على حياة الناس وعائلاتهم في البلدات والقرى العراقية التي يحتلها. مجرد محاولة الهروب من حكم داعش الوحشي قد يعني عقوبة الإعدام."
في مايو/أيار 2016، قابلت هيومن رايتس ووتش 20 من سكان القرى في منطقة مخمور، شمال غرب العراق، بعد أن فرّوا لمخيم للنازحين في إقليم كردستان العراق. كان داعش قد سيطر على القيارة وخباطة ومكوك، وغيرها من البلدات والقرى في منتصف 2014.
أخبر القرويون هيومن رايتس ووتش أنه قبل استعادة القوات الحكومة العراقية للمنطقة في مارس/آذار 2016، أعدم داعش – و"أخفى" – أفرادا من قوات الأمن الحكومية، ومدنيين أثناء محاولتهم الفرار، ومخبرين حكوميين مشتبه بهم.
وصف القرويون سوء معاملة داعش للمتهمين بتجاوز التأويل المتشدد للدين الذي يفرضه. قال رجل إن قوات داعش اعتدت عليه بالضرب أثناء احتجازه لمدة 18 يوما لإجباره على الاعتراف ببيع السجائر، وهو عمل يحظره داعش. قال إنه رأى 15 حارسة من داعش تعضضن امرأة علنا لأنها لم تغطي وجهها.
قال سكان القرية أيضا إن داعش جعلهم عرضة للهجمات لأنه كان يطلق صواريخ مدفعية بالقرب من المنازل دون إبعاد المدنيين، ما جعلهم عرضة للنيران المرتدة. أضاف قرويون أن داعش نشر أسلحة ومقاتلين في المدارس أو بالقرب منها، ما أدى في إحدى الحالات لغارة جوية دمرت المبنى.
قالت هيومن رايتس ووتش إن داعش يبسط نفوذه عبر العقاب الجماعي الذي يحظره القانون الدولي. قال سكان القرية إن داعش فجر 6 منازل على الأقل كعقاب لساكنيها على فرار أقاربهم. كما زرع داعش ألغاما في مناطق لمنع الأشخاص من الفرار. عندما توفي ضابط شرطة في مايو/أيار 2015 بعد أن داس على عبوة ناسفة أثناء محاولته الفرار، أرسل داعش صورة رفاته لأسرته وأمرها بالمغادرة.
قال ستورك: "الإعدام، والعقاب الجماعي، وعدم احترام حياة المدنيين جزء لا يتجزأ من حكم داعش."
إعدامات بإجراءات موجزة
ذكر القرويون عدة حالات لأشخاص أُوقفوا وأُعدموا لمحاولتهم الفرار من القرى التي يسيطر عليها داعش. في مايو/أيار 2015، أوقف داعش محمد حسين الغضبان، عنصر أمن (20 عاما) لدى محاولته الفرار من خباطة. قال قرويان إن داعش قتله وأرسل صورة رفاته لعائلته.
أوقف داعش عبد العزيز محمد غريب، (20 عاما)، عنصر شرطة آخر، بينما كان يحاول الفرار من خباطة، وأعدمه في مكوك في 17 يوليو/تموز 2015. قال قروي إن غريب أُرغم على الركوع معصوب العينين في ميدان مكوك الرئيسي ويداه مقيدتان خلفه. أطلقت عليه قوات داعش النار في رأسه ووصفته بالخائن. قال قرويون من خباطة إن داعش لم يُعد رفاته لأسرته ولم يسمح لهم بتقبل العزاء.
في أغسطس/آب 2015، جمعت قوات داعش رجالا من قرية العيثة قرب الشرقاط، واتهمت 4 رجال تتراوح أعمارهم بين 19 و31 بنقل معلومات عبر الهاتف المحمول "للحشد الشعبي"، المكوّن أساسا من ميليشيات شيعية خاضعة لسيطرة الحكومة. قال أحد القرويين هناك إن قوات داعش وضع الرجال الأربعة في صف واحد وأعدم 3 منهم بإطلاق النار على رؤوسهم، وآخر بقطع رأسه.
في يناير/كانون الثاني 2016، أعدم داعش سيف الدين أحمد محمد (32 عاما)، راعي أغنام، بإجراءات موجزة، بينما كان يرعى غنمه في مكوك. قال معلم من خباطة، مسقط رأس الراعي، إن داعش زعم أن محمد نقل معلومات لقوى المعارضة. تلقت عائلة الراعي صورة من داعش لرفاة ابنها. قال المعلم إن داعش أعاد جثة محمد لاحقا، وسمح لعائلته بدفنها دون تقبل العزاء.
قال شاب قروي إن داعش أوقف في فبراير/شباط حسام جاسم، (20 عاما)، من قرية تل الشوك، وشاب آخر من قرية صفية شمالها. قرأ مقاتلو داعش أمر الإعدام الذي اتهم جاسم بالاسم باستخدام هاتفه المحمول لإرسال معلومات إلى قوات المعارضة. ثم أطلق مقاتل من داعش النار على رأس جاسم أمام مدرسة تل الشوك الابتدائية. قال الشاهد إنهم وضعوا جثة جاسم في سيارة مع رجل من صفية. قال سكان صفية إن داعش أعدم الرجل الثاني في وقت لاحق من ذلك اليوم في صفية، لاستخدام هاتفه المحمول أيضا.
أعدم داعش 3 نساء بعد أن قبض عليهن وهن يُحاولن الفرار يوم 22 أبريل/نيسان، وفقا لقرويبين. سبق لأزواج النساء الفرار بعد احتلال داعش لمنطقتهم في يونيو/حزيران 2014 تقريبا. دفعت النساء 100 ألف دينار عراقي (83 دولارا) عن كل منهما لمهرب، لكن داعش وجدهن في كوخ خارج القرية. اتصلت ابنة إحدى النساء (10 أعوام) بأبيها من الكوخ عندما شاهدت قوات داعش تقترب، حسبما قال الأب لاحقا لقريبه.
قال أحد الأقارب إن أبناء إحدى النساء أخبروه برؤية قوات داعش تضرب والدته بالعصي وأعقاب البنادق. ثم هاتفت القوات آباء النساء وطلبت منهم استلام الأبناء. ثم أخذت القوات النساء إلى قرية الحاج علي واتصلت بأزواجهن تلك الليلة وطلبت فدية بقيمة ألفي دولار عن كل منهن. لم يدفع الأزواج شيئا لاعتقادهم بأن نساءهم قُتلن. في اليوم التالي أحضر داعش جثث النساء الثلاث لمكوك وأعادها لذويها. قال قريب إحدى النساء إن جسدها كان مغطى بالحروق وجروح السكاكين ويحمل علامات لعدة أعيرة نارية.
"عمليات إخفاء"
اختطفت قوات داعش، وربما أعدمت، عدة أشخاص دون الكشف عن أي معلومات لأسرهم حول مصيرهم، ما يُعتبر "عمليات إخفاء" واضحة.
راجت مزاعم أن داعش اختطف في 3 يوليو/تموز 2014 ضابط استخبارات عسكرية من منزله في دور القاعدة بالقرب من جسر القيارة. لم يُعرف شيء عن الضابط منذ ذلك الوقت. قال أحد أقاربه إنه سأل عن الضابط عدة مرات لكن داعش لم يُجب. قال إن قوات داعش أجبرت زوجة الضابط وأمه على ترك منزلهم واستولى على سيارتهم.
طلبت قوات داعش في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2014 من 10 ضباط في خربردان "التوبة" لعملهم مع الدولة ودفع ألفي دولار عن كل منهم، وتسليم أسلحتهم، وفقا لقريب أحدهم. وأضاف أن داعش اعتقل الضابط بعد يومين، قبل أن يتمكن من الدفع، ولم يُعرف عنه شيء بعدها.
عقوبات أخرى
عاقب داعش أشخاصا في منطقة مخمور لأعمال يمنعها، كالتدخين وبيع السجائر. قال أحد سكان خباطة إن داعش اعتقل رجلا 3 مرات لبيعه السجائر. تجنب الرحل العقاب مرتين لكنه غُرّم 250 ألف دينار عراقي (211 دولار) في الثالثة.
في مارس/آذار 2015، بعد فترة قصيرة من سيطرة داعش على خربردان، ذهب 3 من قوات داعش إلى منزل ضابط عسكري الساعة 6 مساء، فعصبوا عينيه وربطوا يديه خلف ظهره، وحملوه في شاحنة تويوتا. قال: "كنت محظوظا لأنهم لم يعلموا أني من الجيش". قادوا المركبة لساعة دون أن يخبروه لماذا أو أين كانوا يأخذونه:
احتجزوني في سجن القيارة لمدة 18 يوما، في سلسلة من منازل ضباط الجيش التي استخدموها كسجون بعد تركيب أبواب سجن مناسبة في الغرف لجعلها كالزنازين. كان هناك العديد من السجناء، معظمنا متهمون ببيع السجائر والشيشة أو علينا ديون مستحقة.
قال الضابط إن الغرفة التي كان محتجزا فيها كانت مكتظة بحيث لم يتمكن أي شخص من الاستلقاء للنوم. كان السجناء يطرقون الباب ليطلبوا من الحراس أخذهم للمرحاض - حيث كانوا ينتظرون لساعات أحيانا لهروب حراس داعش من المبنى، خشية التعرض لهجوم من طائرات المعارضة التي تحلق فوقهم.
قال إن الحراس كانوا يستخدمون غرفة للتعذيب. كان الحراس يأخذونه يوميا للغرفة ويُجلسونه على أريكة. كان رجل يجلس على صدره، وآخر على ساقيه، بينما يضربه الثالث أسفل قدميه بالكابلات المعدنية لمدة 30 دقيقة على الأقل. قال إنهم كانوا يريدون إجباره على الاعتراف ببيع السجائر وإعطاء اسم مورده. دفع في النهاية غرامة قدرها 15 ألف دينار (13 دولار) إلى الحسبة، شرطة داعش الأخلاقية، وأفرج عنه الحراس.
قال إنه كان يسير يوم الإفراج عنه في الساحة الرئيسية بالقيارة ورأى مجموعة من أكثر من 15 حارسة يقفن حول امرأة. بدأت الحارسات بعض ذراعيها ورقبتها. قال أحد الحاضرين إنها تُعاقب لأنها لم تغطي وجهها. قال: "بقيتُ لمدة 10 دقائق فقط ثم غادرت، شعرت بالغثيان. لذا لا أدري ما حل بها."
قال رجل وزوجته من مهانة إنهما رأيا 5 حالات جلد على الأقل بسبب التدخين أو مخالفات للباس المحتشم عندما سيطر داعش على القرية، من يونيو/حزيران 2014 حتى مايو/أيار 2016.
فجر داعش منزلي ضابطي أمن فرّا من كبروك لدى سماعهما بقدوم داعش، وفقا لأقرباء الضابطين. كما فجر منزل أحد الأقرباء لأن عائلته رفضت تسليم والده، وهو أيضا ضابط عسكري.
فجر داعش منزلي عائلتين على الأقل في كوديلا كنوع من العقاب بعد فرارهما من المكان في أبريل/نيسان 2016. قال أحد السكان إنه فجر عدة منازل في خربردان للسبب ذاته.
تعريض المدنيين للخطر
تنطبق قوانين الحرب على المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، وتنص على أن تتخذ جميع أطراف النزاع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين تحت سيطرتهم من آثار الهجمات، وتجنب وضع القوات العسكرية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
قال العديد من المدنيين إن داعش عرّض المدنيين لخطر غير ضروري أثناء القتال في مخمور عن طريق نشر قواته بين السكان المدنيين. شنت قوات داعش هجمات صاروخية من بين المحلات التجارية على الطريق الرئيسي المؤدي لقرية خرباتا. قال أحد السكان:
أطلق داعش الصواريخ من بين المنازل 3 مرات. كان ينصب قاذفاته، ويُطلق قذيفتي صاروخ أو هاون، ثم ينسحب، فتضرب النيران المعاكسة المنازل. ولو كانت العائلة في المنزل، لتعرضت للقصف. كانت عائلات أخرى قريبة في منازلها. حدث ذلك آخر مرة في مارس/آذار 2016.
بدأ القتال لاستعادة مهانة في فبراير/شباط 2016. وضع داعش أسلحة بين المنازل دون تحذير السكان، وأطلق النيران وانسحب، وفقا للسكان. أضرت النيران المعاكسة بالعديد من المنازل.
قال ضابط عسكري من كوديلا وزوجته إنهما منعا أطفالهما من الذهاب للمدرسة في خربردان لأن داعش أقام مقره الرئيسي في المبنى المقابل للمدرسة، فخشيا من الضربات الجوية على المدرسة.
قال السكان إن داعش استولى على المدرسة في مهانة، واستخدمها كمستودع للأسلحة. وضع مركبتين مفخختين في طرفي المدرسة. ضربت غارة جوية في فبراير/شباط 2016 إحدى المركبتين فانفجرت وألحقت أضرارا بالمدرسة.
حجبت هيومن رايتس ووتش أسماء من قابلتهم بناء على طلب منهم ولحماية هويتهم.