(تونس) – على السلطات المصرية إلغاء التحقيق مع الشبان الستة الذين نشروا مقاطع فيديو ساخرة، على موقع "يوتيوب" تعليقا على السياسة في مصر، وإطلاق سراح الأربعة المحتجزين منهم، منذ 10 مايو/أيار 2016. يبدو أن التحقيق يستند كلّيا على مقاطع فيديو ساخرة نشروها وينتهك الحق في حرية التعبير.
تُحقق النيابة مع الرجال الأعضاء بمجموعة تسمى "أطفال شوارع"، بعد مزاعم جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية أنهم "عناصر إثارية مناهضة للنظام الحاكم"، خططوا لاستخدام "الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب" لنشر مقاطع فيديو من شأنها تقويض الاستقرار في البلاد، من خلال تحريض المواطنين على التظاهر. حققت النيابة العامة مع الرجال الأربعة المحتجزين بشأن اتهامات تتعلق بالإرهاب أيضا. أرسلت نيابة شرق القاهرة القضية إلى نيابة أمن الدولة العليا في 20 يونيو/حزيران، وقالت إن القضية خارج نطاق اختصاصها.
قال نديم حوري، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "تحت حكم السيسي، تفقد مصر روح النكتة الأسطورية التي تتمتع بها، عندما يُسجَن الشباب بسبب مقاطع فيديو ساخرة. يترك هذا النوع من القمع الشامل للشباب وسائل قليلة للتعبير عن أنفسهم، أو السخرية من معاناتهم اليومية".
اعتقلت قوات الأمن عز الدين خالد (19 عاما) أصغر عضو في المجموعة، في 8 مايو/أيار. وأفرج عنه القاضي بكفالة 10 آلاف جنيه (1125 دولار أمريكي) في 10 مايو/أيار، بعد أن وجّهت النيابة العامة له تهمة التحريض على التظاهر واستخدام المنصات الإلكترونية لإهانة مؤسسات الدولة. ألقت قوات الأمن القبض على محمد دسوقي ومحمد عادل ومحمد جبر ومحمد يحيى في 10 مايو/أيار، وتحتجزهم في قسم شرطة مصر الجديدة بالقاهرة للاشتباه بهم بنفس التهم. جددت النيابة العامة مؤخرا أمر اعتقالهم على ذمة التحقيق 15 يوما، في 18 يونيو/حزيران.
بموجب القانون الدولي، على القاضي، وليس عضو النيابة العامة، مراجعة أي اعتقال فورا. مع ذلك، يسمح القانون المصري بفترات مطوّلة للاحتجاز السابق للمحاكمة دون أوامر من القضاة. أما مصطفى زين، العضو السادس في المجموعة، فهو قيد التحقيق ولكن لم يقبض عليه حتى الآن..
أصدرت فرقة "أطفال شوارع" قبل الاعتقالات بأسبوع، فيديو هزلي موسيقي، سخر من الرئيس عبد الفتاح السيسي ودعاه إلى ترك منصبه.
محاميهم محمود عثمان، من المجموعة الحقوقية المصرية "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن النيابة العامة في منطقة شرق القاهرة استجوبت الرجال الأربعة المحتجزين بشأن اتهامات إضافية. تشمل إنشاء جماعة تدعو إلى مقاومة السلطات، ونشر أخبار كاذبة لتقويض النظام العام، والتحريض على قلب "النظام الحاكم".
تحمل هذه الاتهامات عقوبة قد تصل إلى السجن 5 سنوات بموجب المادتين 171 و174 من قانون العقوبات. قال المحامي إن النيابة هددت أيضا باستخدام تهم الإرهاب، بما في ذلك المادتين 86 و86 مكرّر، والتي قد تؤدي إلى أحكام أطول من ذلك بكثير.
تكشف تقارير النيابة التي استعرضتها هيومن رايتس ووتش أن النيابة تعتمد بشكل كبير على تقرير من صفحتين لجهاز الأمن الوطني عن "أطفال شوارع"، كتبه الرائد أحمد عبد الرحمن في 6 مايو/أيار. يتضمن التقرير الذي استعرضته هيومن رايتس ووتش، عبارة: "مصادر سرية موثوق بها" وصفت المجموعة أنها "عناصر إثارية" يقومون "بتحريف كلمات بعض الأغاني الوطنية واستبدالها بألفاظ نابية مسيئة للدولة".
قال المحامي عثمان إن الرائد عبد الرحمن لم يصف المصادر، كما هو الحال في تقارير الأمن الوطني في كثير من الأحيان، وإن النيابة العامة لم تسأل الضابط أبعد من ذلك. منحت نيابة أمن الدولة العليا، حسب التقرير، ضباط الأمن الوطني مذكرة لمداهمة وتفتيش منازل الرجال والقبض عليهم.
تكشف التقارير أيضا أن النيابة استجوبت الرجال الأربعة حول التحريض "غير المباشر" على جرائم إرهابية ونشر أفكار إرهابية بشكل غير مباشر، من خلال المشاركة في مقاطع فيديو حملت أفكارا إرهابية.
قال أحد منسّقي مشروع "أطفال شوارع" لـ هيومن رايتس ووتش إن الرجال الستة، ومعظمهم في العشرينات من العمر، التقوا في ورشة عمل مسرحية، وقرروا نقل أدائهم إلى الشارع لجعله في متناول الناس الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف حضور المسرح. شرعوا بنشر مقاطع الفيديو بطريقة الـ "سيلفي" أو تصوير أنفسهم وهم يتكلمون في يناير/كانون الثاني. في هذه المقاطع، غنوا حول موضوعات تشمل جماعة "الإخوان المسلمون" والدعاة الدينيين وقيمة الجنيه المصري وقرار التخلي عن 2 من جزر البحر الأحمر للسعودية، وجذبوا أكثر من 1.1 مليون مشاهدة لقناتهم على "يوتيوب".
تواجه المجموعة أيضا اتهامات محتملة بازدراء الدين، والتي استخدمتها النيابة العامة في كثير من الأحيان في الأشهر الأخيرة. أدت هذه الاتهامات إلى الحكم بالسجن 5 سنوات غيابيا على 4 أطفال في فبراير/شباط بسبب مشاركتهم في مقطع فيديو "يوتيوب" قصير سخر من جماعة "الدولة الإسلامية" المتطرفة. أفادت تقارير صحف محلية أن نيابة جنح الإسكندرية بدأت تحقيقات منفصلة في "أطفال شوارع" على أساس تقرير رفعه المحامي طارق محمود، اتهم فيه المجموعة بالإساءة للإسلام في مقاطع فيديو خاصة بهم. قال عثمان، محامي المجموعة، إن أحدا لم يستجوبهم بشأن هذا الاتهام بعد.
نشر صحفيون وأساتذة جامعيون وغيرهم من الشخصيات العامة، بعد إلقاء القبض على الأعضاء الأربعة، التماسا على الانترنت يدعو إلى الإفراج غير المشروط عن الرجال الأربعة و"إطلاق حرية الرأي والخيال والسخرية."
تُقيّد حكومة السيسي التعبير بشدة. اعتقلت السلطات عشرات الصحفيين وحاكمتهم وصادرت مواد صحفية، وفقا لتقرير لـ "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" نشر في 2015. اعتقل مسؤولو الأمن في أواخر يناير/كانون الثاني إسلام جاويش، رسام الكاريكاتير، لفترة وجيزة بسبب رسوماته الساخرة التي انتقدت الرئاسة وسياسات الحكومة.
اعترف السيسي في مقابلة تلفزيونية في 3 يونيو/حزيران، ردا على سؤال حول علاقة الحكومة المضطربة مع الناشطين الشباب، أن مؤسسات الدولة بما فيها الرئاسة، فشلت في خلق آليات تواصل فعال مع الشباب.
تنتهك التحقيقات ضد "أطفال شوارع" القوانين الدولية لحقوق الإنسان. يحظر قرار "إعلان مبادئ حرية التعبير" الذي اعتمدته "اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" في 2002، تدخّل الحكومات التعسفي في حرية التعبير.
تكفل المادة 19 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، ومصر طرفا فيها، حرية التعبير والرأي، وتنص على أنه "يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
أكّدت "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، وهي الهيئة المسؤولة عن مراقبة تنفيذ "العهد"، أن "مجرد اعتبار أن أشكال التعبير مهينة للشخصية العامة لا يكفي لتبرير فرض عقوبات" وأن "جميع الشخصيات العامة، بمن فيها التي تمارس أعلى السلطات السياسية مثل رؤساء الدول والحكومات، تخضع بشكل مشروع للنقد والمعارضة السياسية".
قال حوري: "كان شباب مصر قوة دافعة للتغيير منذ انتفاضة 2011. أفضل طريقة لشروع السيسي في إصلاح علاقة الحكومة معهم، هي احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير".