منحت هجمات باريس المروّعة بعض السياسيين الأوروبيين والأمريكيين فرصة لا تقاوم لإيصاد الباب أمام اللاجئين، مع السعي نحو توسيع الرقابة الحكومية الفضفاضة. من المهم، من حيث المبدأ وللسلامة الجماعية، رفض هذه النداءات الداعية للخوف والأحكام المسبقة، كما فعل بعض القادة السياسيين.
ما نقل عن أن أحد المنفّذين مجهولي الهوية والجنسية خلّف جواز سفر سوري مزوّر يفتح الاحتمال أنه دخل أوروبا مع موجة اللاجئين الأخيرة. قد يعكس وجود جواز السفر النية المتعمدة لما يسمى "الدولة الإسلامية" لوصم من تجرأ على الفرار من "خلافتها". وقد أدى ذلك إلى تعالي الأصوات المنادية بمنع دخول اللاجئين وطالبي اللجوء، رغم حقيقة أن المهاجمين المعرّفين حتى الآن مواطنون من بلجيكا وفرنسا.
التركيز على اللاجئين في أعقاب الهجمات الأخيرة تشتيت خطير عن تطرف العنف المتنامي داخليا بأوروبا. جذور المشكلة معقدة جدا لكنها تتعلق جزئيا بالتهميش الاجتماعي للأجيال السابقة من المهاجرين - استمرار التمييز واليأس الذي يعُمّ أحياء ضواحي بعض المدن.
يجب أن تشكّل طريقة معالجة هذه المظالم الاجتماعية الخطيرة جزءا كبيرا من المناقشات العامة اليوم، عوضا عن نداء الاستقطاب الذي مللنا سماعه – "هم ونحن". هذه المجتمعات – التي تحترم القانون كغيرها - يجب تبنيها ليس باعتبار أفرادها مواطنين ومقيمين على المدى الطويل فقط، بل كأشخاص سيُثنون الآخرين عن العنف ويُبلّغون عن أولئك الذين قد يلجأون إليه. وصم مجتمعات بأكملها يهدد بتقويض قدرتها على التعاون مع الشرطة ويمكن أن ينفّر الشباب الساخط أكثر.
أما اللاجئون، فإن هروبهم اليائس من العنف المستمر وسوء المعاملة في أماكن مثل سوريا والعراق وأفغانستان وإريتريا، وفرصتهم المحدودة للعيش بكرامة في البلدان المجاورة اعتمادا على المساعدة سيقود العديد منهم إلى أوروبا بطريقة أو بأخرى. أما السؤال فهو إذا ما سيصلون بطريقة منظمة تسمح بالفحص الامني، أو فوضوية تديرها شبكات المهربين.
دفع تأثير السياسة الأوروبية حتى الآن اللاجئين للمخاطرة بحياتهم في البحر وتعريض أنفسهم للتهلكة بُغية انتزاع فرصة اللجوء. ومع وصول القوارب الفوضوي عبر مختلف الجزر اليونانية، ثمة القليل لوقف إرهابيّي المستقبل من الدخول.
يمكن للاتحاد الأوروبي تقديم حل أكثر أمانا وإنسانية بمنح إعادة التوطين لللاجئين والتأشيرات الإنسانية من البلدان المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، فضلا عن غيرها من الدول التي يتجمع فيها اللاجئون بداية. مع الدعم الكافي، يمكن لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين أو الدول المستقبلة أن تخضع اللاجئين لفحص أمني، عندما توضّح أوروبا أنه بما أن أبوابها لن تغلق فجأة، لا حاجة للتكدس في القوارب الرديئة لعبور المتوسط.
إنشاء مراكز المعالجة في البلدان المجاورة سيسمح بإعادة التوطين خارج أوروبا - في البلدان المستقبلة التقليدية كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا ولكن أيضا في دول الخليج وروسيا، وكلاهما رفض حتى الآن إعادة توطين أي سوريين أو غيره من اللاجئين. لن ينحاز الجميع لهذه العملية الأكثر تنظيما – وليسوا مجبرين بذلك - ولكن الخيار يساعد على الحد من التدفق غير النظامي ويُصعّب على الإرهابيين الاختباء بين مئات الآلاف من طالبي اللجوء اللذين يغرِقون المدققين الأمنيين على شواطئ جنوب أوروبا.
يواجه طالبو اللجوء الذين يتمكنون من الدخول عبر اليونان أو إيطاليا فوضى مماثلة إذا استمروا في التقدم شمالا، كما يفعل معظمهم. التنفيذ البطيء لخطة الاتحاد الاوروبي للنقل المنظم إضافة لسياسة "أسوار إفقار الجار" تؤدي إلى تدفق هائل وغير منضبط للأشخاص وهو هدية لأولئك الذين يريدون التهرب من التدقيق القانوني. هنا أيضا، ستسمح عملية أكثر تنظيما بتدقيق أكثر فعالية.
أما في الولايات المتحدة، فما زال بعض السياسيين يعترض على قبول اللاجئين السوريين رغم أن المجموعة التي وصلت مرت بعملية تدقيق استمرت لعامين من المقابلات، والتحريات، والبيانات البيومترية – ليس هذا طريقا مغريا للإرهابيين المستقبليين، الذين يميلون لاستخدام تأشيرات الدراسة أو السياحة العادية.
بموجب برنامج الولايات المتحدة للإعفاء من التأشيرات، يمكن للمواطنين البلجيكيين أو الفرنسيين – الذين قد يشملون منفذي هجمات باريس - دخول الولايات المتحدة بتدقيق أقل بكثير. بين جميع الأشخاص الذين يدخلون الولايات المتحدة الآن، يتعرض اللاجئون لأكثر الفحوص والتدقيقات. ولكن الطلاب والسياح ليسوا بطبيعة الحال خارج حسابات سياسة الترويع والغوغائية.
علاوة على التضحية باللاجئين، يستغل صناع القرار في القارتين هجمات باريس لزيادة صلاحيات المراقبة الجماعية بما يتجاوز الصلاحيات الهائلة التي تمارسها بالفعل معظم الحكومات.
مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون برينان، انتقد القيود التقنية والقانونية على قدرة وكالات المخابرات الامريكية على الإحاطة بالاتصالات الخاصة بالجميع. ناهيك عن أن التقييد القانوني الجديد الوحيد الهام كان رمزيا لحد كبير، لأنه يرتكز على أساس قانوني واحد لجمع كميات كبيرة من بيانات الهاتف الوصفية.
ولكن 2 من هيئات الرقابة المستقلة، لديهما قدرة الوصول إلى معلومات سرية، خلصتا إلى أن هذه البيانات الوصفية لم تكن ضرورية لإحباط مؤامرة إرهابية واحدة، على الرغم من كلفتها الضخمة واقتحامها الهائل للخصوصية.
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، أحيا الجهود الرامية لفرض "الأبواب الخلفية" في أقوى أشكال التشفير، التي أصبحت سائدة عقب الاستياء الشعبي من الكشف عن المراقبة الجماعية بالولايات المتحدة. ولكن ليس هناك باب خلفي يمكن للأخيار فقط استغلاله. سينعم المجرمون بيوم مشهود لا محالة، ويعرّضون البنية التحتية الحيوية والاتصالات السرية للخطر.
يبدو بعض المسؤولين الأوروبيين أيضا معجبين بفكرة زيادة مراقبة البيانات. اتخذ قانون المخابرات مؤخرا في فرنسا هذا النهج من خلال تعزيز سلطات المراقبة الجماعية. ولكن في الهجوم اللاحق لهجمات أوروبا، كان من بين مرتكبي الجرائم أشخاص معروفون للشرطة ولكنهم لم يُتابَعوا لعدم توفر الموارد الأمنية. وعد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيادة 8500 عنصر أمن لمتابعة الخيوط. يبدو هذا مسارا أكثر حكمة من الاستثمار في تراكم المزيد من البيانات الهائلة دون وجود الوسائل اللازمة لمتابعة المعلومات الاستخبارية التي جُمعت.
عندما يستشعر الناس الخطر، يسعى بعض السياسيين لضرب عرض الحائط بالحقوق الفردية لقطع الوعود بحل سريع. علينا أن نتعلم من استجابة الولايات المتحدة الكارثية لهجمات 11 سبتمبر/أيلول. فالتغاضي عن الحقوق الأساسية أو التضحية بالمنتمين لفئة دينية أو اجتماعية معينة لا يضر بالمتورطين مباشرة فقط، بل يساعد على الاستجابة التي تسهم بالانقسام والتنفير الذي تبتغيه الجماعات الإرهابية للحصول على المزيد من المجندين. كما أظهرت التجربة المؤلمة، سياسة مكافحة الإرهاب الذكية هي تلك التي تحترم الحقوق.