في مارس/آذار الماضي، قال وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني توباياس إلوود إن مصر "تخطو نحو ديمقراطية أكثر قوة"، وإن العلاقات البريطانية/المصرية في "وضع إيجابي للغاية". الزعم الأول سخيف في ضوء القمع الجماعي، في حين أن الثاني يعكس جيدا نهج بريطانيا الحالي في سياستها الخارجية.
تشهد مصر السيسي حملة قمعية غير مسبوقة تستهدف المنتقدين والمعارضين، وتعصف بالحقوق والحريات الأساسية، وترسخ دولة الاستبداد التي ثار عليها بشجاعة كثير من المصريين في 2011. يتعين على ديفيد كاميرون، الذي يحل الرئيس السيسي ضيفا عليه في داوننغ ستريت الأسبوع الحالي، أن لا تجاهل هذه القضايا.
في الشهور التي تلت انقلاب يوليو/تموز 2013، الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، والذي كان السيسي وزير الدفاع في حكومته، قتلت قوات الأمن المصرية نحو 1150 متظاهرا في 5 حوادث. في أسوأ هذه الحوادث، في 14 أغسطس/آب، سحقت قوات الأمن أنصار مرسي المعتصمين في ميدان رابعة العدوية في القاهرة. مستعينة بحاملات الجند المدرعة، والبلدوزرات والقوات البرية والقناصة، هاجمت قوات الشرطة والجيش خيام المعتصمين وفتحت النار على المتظاهرين، فقتلت ما لا يقل عن 817 شخصا، في ما قد يكون أكبر عملية قتل جماعي لمتظاهرين خلال يوم واحد في التاريخ الحديث، أسوأ حتى مما حدث في ميدان تيانانمين في الصين. رغم مرور عامين على هذه المذبحة، لم تُوجه تهم بالمسؤولية عنها إلى أي مسؤول في الحكومة أو قوات الأمن المصرية.
وفقا لمصادر محلية ذات مصداقية، فإن قوات الأمن المصرية اعتقلت أو وجهت الاتهام أو سجنت ما لا يقل عن 41 ألف شخص في الفترة ما بين يوليو/تموز 2013 وأبريل/نيسان 2014 في قضايا على صلة بالفوضى السياسية، غالبيتهم بسبب مزاعم تتعلق بتأييدهم أو ارتباطهم بالإخوان المسلمين. في هذا السياق، عزز قرار الحكومة البريطانية في أوائل 2014 ببدء مراجعة لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين (التي لم تنشر حتى الآن) رواية الحكومة المصرية أن هؤلاء الناس كلهم إرهابيون ومجرمون، لا أنهم جزء لا يتجزأ في المجتمع المصري. الكثير من هؤلاء المعتقلين في معاناة مستمرة في مراكز الاعتقال المكتظة غير الصحية، حيث مات أكثر من 100 لافتقارهم للرعاية الطبية الملائمة.
كما حُكم على مئات المصريين بالإعدام، معظمهم بعد محاكمات جماعية غير عادلة. ومنها حكم الإعدام على مرسي وعدد من مساعديه، بالإضافة إلى مرشد الإخوان، وتستند إدانتهم بشكل تام تقريبا إلى "شهادة" مسؤولين أمنيين، من دون تقديم دليل يثبت صحة التهم الموجهة لهم. كما أدين آخرون في محاكمات جماعية، أبرزها في فبراير/شباط العام الحالي، إذ أصدر قاض أحكاما بالسجن المؤبد على الناشط أحمد دومة، والناشطة المدافعة عن حقوق المرأة هند نافع، و228 آخرين لمجرد مشاركتهم في تظاهرات سلمية.
كثفت الحكومة المصرية قمع المجتمع المدني والصحافة المستقلة، واضطر العديد من منظمات حقوق الإنسان بما فيها هيومن رايتس ووتش لإغلاق مكاتبها، وسجنت صحفيين مصريين ودوليين.
كما تواصل مصر حملة شرسة لمكافحة المسلحين في شمال سيناء. وفي حين تواجه الدولة المصرية جماعة متطرفة خطيرة هناك موالية للدولة الإسلامية، فإن عملياتها لمكافحة المسلحين عشوائية وتعسفية. في محاولة لفرض منطقة عازلة مع قطاع غزة، محا الجيش المصري أحياء بكاملها من الخريطة، مهجرا آلاف الأسر، في شمال سيناء، خلال العامين المنصرمين.
بعيدا عن المزاعم غير المنطقية المتعلقة بالتحول الديمقراطي، هذا هو واقع مصر اليوم، ما يحب أن يدفع إلى إعادة تقييم عاجلة وعميقة للسياسة البريطانية. إن أقل ما ينبغي أن يفعله ديفيد كاميرون، خلال زيارة السيسي، هو تأييد إجراء تحقيق دولي في الجرائم الخطيرة التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية. كما ينبغي أن يدعو علنا للإفراج الفوري عن جميع المحبوسين ظلما، وأن يحث مصر على إنهاء سياساتها التعسفية، في مكافحة التمرد في سيناء وغيرها، التي تغذي التطرف ولا تحتويه.
أي شئ أقل من ذلك، سيكون خيانة للعديد من المصريين، الذين لا يزالون يناضلون لإنهاء القمع، ولأولئك الذين فقدوا حياتهم أو حريتهم سعيا لديمقراطية حقيقية.