Skip to main content

الحرمان من) السعادة حتى آخر العمر)

تعدد قوانين الأحوال الشخصية في لبنان يخذل المرأة

نُشر في: "إكزيكيوتيف"

يتمنى جميع الأزواج أن تنجح زيجاتهم وأن يكتب لهم العيش في سعادة حتى آخر العمر. لكن الواقع هو أن الكثير من العلاقات ينتهي بالطلاق، والأزواج في لبنان ليسوا استثناء من تلك القاعدة. وبحسب دراسة أصدرتها الإدارة المركزية للإحصاء في لبنان في 2012 فقد وقع ما يقرب من 6000 حالة طلاق في 2010. وقضية هؤلاء الأزواج والمجتمع ككل هو كيفية ضمان انفصال عادل، يكفل حقوق كل من الزوجين ويحمي أطفالهما.

وعلى ذلك الصعيد أخفق لبنان إخفاقاً ذريعاً في أن يضمن معاملة عادلة للمرأة. ومن المعروف أن لبنان لا يتمتع بقانون مدني ينظم شؤون الأحوال الشخصية، بل هناك بدلاً منه 15 قانوناً منفصلاً لمختلف الطوائف الدينية المعترف بها، والتي تديرها محاكم دينية منفصلة. وقد قامت هيومن رايتس ووتش مؤخراً بمراجعة 447 حكماً قضائياً أصدرتها تلك المحاكم الدينية، لفحص كيفية تعاملها مع الطلاق وحضانة الأطفال والقضايا المالية المترتبة على الانفصال أو الطلاق. وخضعت القضايا التي تعود إلى فترة 2009-2012 للاختيار العشوائي.

وكانت نتائج الفحص مثيرة للانزعاج، فقوانين لبنان المستندة إلى الدين تميز ضد المرأة عبر كافة الطوائف الدينية. لقد حصلت المرأة على حقوق أقل من الرجل في طلب الطلاق، فبموجب قوانين لبنان الشيعيّة والسنيّة والدرزيّة يجوز للرجل طلب الطلاق في أي وقت ـ من جانبه وحده، وبدون سبب ـ بينما تتسم قدرة المرأة على التوصّل إلى الطلاق بالمحدودية، وفي أغلب الأحيان بتكلفة كبيرة وإجراءات قضائية مطوّلة. ومن حيث المبدأ، تسمح القوانين الإسلامية للمرأة بإدراج شرط في عقد الزواج ينص على حق الزوجة المتساوي في تطليق نفسها، لكن هذا الحق نادراً ما يمارس بسبب الأعراف الاجتماعية. ومن بين 150 حكماً بالطلاق أصدرتها محاكم إسلامية وراجعتها هيومن رايتس ووتش، كانت 3 فقط تنطوي على هذا الشرط. ورغم صعوبة الطلاق على الرجل والمرأة معاً بموجب القوانين المسيحية، إلا أن الرجال المسيحيين يسهل عليهم الالتفاف حول تلك القيود بما في ذلك من خلال اعتناق الإسلام والزواج مجدداً بدون تطليق [الزوجة المسيحية].

أما على الصعيد العملي فقد قالت سيدات كثيرات من اللواتي تحدثن مع هيومن رايتس ووتش إن محصلة تلك القيود كانت بقاؤهن في زيجات مسيئة ـ مع ما في ذلك من خطر على أنفسهن وعلى أطفالهن، وإنهن اضطررن في بعض الحالات إلى التنازل عن حقوقهن المالية أو حق الحضانة مقابل الطلاق. بل إن بعض السيدات اضطررن لدفع المال للزوج حتى يتم الطلاق.

كما تواجه المرأة التمييز في تقسيم الملكية الزوجية بعد انتهاء الزيجة، فالقوانين اللبنانية لا تعترف بالمساهمات غير الاقتصادية في الزواج ولا بمفهوم الملكية الزوجية، ومن ثَم فإن الملكية ترتد بعد الانفصال إلى الطرف الذي سُجلت باسمه ـ وعادة ما يكون الرجل ـ بغض النظر عن هوية الطرف الذي ساهم فيها أو الدور الذي أدته الزوجة في إعالة زوجها طوال الزيجة.

علاوة على هذا، ورغم أن الطوائف الدرزية والمسيحية تشترط قيام الطرف المسؤول عن إنهاء الزيجة بتعويض الطرف الآخر، إلا أن مبالغ التعويض في الواقع العملي لا تكفي الزوجة حتى تعول نفسها. أما في المحاكم الإسلامية في لبنان فإن المرأة بعد الطلاق لا تنال سوى مؤخر الصداق المنصوص عليه في عقد الزواج، والذي عادة ما يكون مبلغاً رمزياً قدره ليرة واحدة أو جنيهاً ذهبياً واحداً.

ويمتد التمييز أيضاً إلى واحد من أصعب جوانب الطلاق، ألا وهو حضانة الأطفال. لقد وجدت مراجعة المنظمة لقضايا المحاكم أن القضاة قاموا في أحيان عديدة بنزع أطفال من أمهاتهم، ولكن ليس من آبائهم، على أساس الأهلية بسبب سلوكيات اجتماعية "مشبوهة" أو انتماء الأم الديني المفترض، أو لأنها تزوجت مجدداً، وهذا بدلاً من اتخاذ تلك القرارات بناءً على المصالح الفضلى للطفل.

وقد تعاظم خوف بعض السيدات اللواتي أجرت معهن هيومن رايتس ووتش المقابلات من فقدان أطفالهن لدرجة أنهن بقين في زيجات مسيئة وتنازلن عن حقوقهن المالية أو امتنعن عن الزواج مجدداً بغية الاحتفاظ بالحضانة. وقالت سيدة مارونية تحملت سنوات من الإساءة ولم تطلب الطلاق إلا بعد بلوغ بناتها سن الرشد، لأنها كانت تخشى فقدانهن: "لقد تحملت ما لا يطيقه بشر، كل الظلم والعنف".

وإذن فإن النظام الحالي ليس ظالماً فقط، بل إنه فاسد. إن بعض الأزواج يغيرون ديانتهم أو مذهبهم للتمكن من الزواج، بينما يغيرها آخرون للطلاق. ويدلي كثير من الأزواج برأيهم عن طريق السفر بالطائرة للحصول على زواج مدني خارج البلاد. إن قرار إنهاء زيجة أو تحديد الطرف الذي سيقيم معه الطفل بعد الطلاق صعب بما يكفي، وأقل ما يجب على لبنان هو ضمان العدل في القوانين. لكن الوقت قد حان أيضاً لحمل الدولة اللبنانية على ممارسة الرقابة على المحاكم الدينية. فليس من المقدر لجميع الزيجات أن تدوم، لكن واجبنا على الأقل هو أن نشرع قوانين تساعد على منحها نهاية سعيدة. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع