يغدو رجال الميليشيات ويروحون بدون منازع على امتداد شوارع بغداد وقاذفات القنابل الصاروخية تتدلى على أكتافهم. يتحول حي بعد حي إلى جيتوهات مغلقة من قبل نقاط تفتيش يحرسها مقاتلون في ملابس مدنية يحملون الرشاشات. على قناة العراقية، وهي قناة تلفزيونية تابعة للدولة، تبدو الدعاية للحرب غريبة بحيث تبدو هزلية: صور لرجال أشداء يرقصون جنبا إلى جنب بينما هم مزينون بالزي العسكري والدروع، وهم يلوحون بأسلحة AK-47 كما لو أنها هراوات.
ليس جديدا أن العراق خرج عن السيطرة. ولكن وسط طوفان التقارير عن فظائع داعش والجهود المتعثرة لقوات الأمن، فالآثار اليومية لدوامة الفوضى المتصاعدة على العراقيين البسطاء تمر دون الالتفات إليها في الغالب.
وفي الوقت نفسه، يواجه سكان العاصمة الأهوال اليومية المستوحاة ليس فقط من شائعات عن هجمة وشيكة لداعش على بغداد، ولكن من التهديد الأكثر إلحاحا الذي تشكله قوات الأمن الحكومية والميليشيات - في كثير من الأحيان، لا يعرف السكان على وجه اليقين أيهما هو التهديد الأكثر خطورة - التي تجري عمليات تفتيش عشوائية لمنازل الناس واعتقال الناس من دون مذكرات أو أي أساس قانوني واضح. هذه الانتهاكات هي مجرد جزء واحد من لغز كبير: ثقب في عالم العراقيين المأساوي، والفوضوي المقلوب رأسا على عقب.
تلقيت مكالمة مؤخرا من صديق في اليرموك، وهو حي ذو أغلبية سنية راقية نسبيا. قال لي إن مكالمة هاتفية محمومة من جار له أيقظته على الساعة 5:30 صباحا. وقال له الجار: "هناك العشرات منهم. إنهم يسجلون أسمائنا ويبحثون عن شخص ما - إنهم يبدون مثل الجيش ولكنهم كثر، أخشى أن يكونوا من العصائب". وكان المتصل يشير إلى حركة عصائب أهل الحق، وهي ميليشيا شيعية قوية مدعومة من الحكومة والتي تسيطر على مناطق واسعة من بغداد.
لم يتمكن صديقي من مغادرة الحي على الرغم من التحذير. كانت قوات الأمن والميليشيات، التي لا يمكن التمييز بينها تقريبا وهم في قمصان مدنية وسراويل مموهة، قد أغلقت المنطقة. وصلوا إلى منزله بعد بضع ساعات، وفتشوه، ثم سجلوا اسمه وأسماء كل أفراد أسرته، وسألوه عن أناس آخرين يعيشون أو يختبئون في منزله.
رأيته بعد ذلك بساعات، بعد أن أنهت قوات الأمن تفتيش كل بيت في الحي، على ما يبدو دون عرض ولو أمر تفتيش واحد، وسمحت أخيرا للناس بالتحرك داخل وخارج المنطقة مرة أخرى. كان لا يزال مرعوبا بشكل واضح. قال لي: "الشيء الوحيد الذي كان في ذهني هو إن كانوا حقا قوات الأمن أم ميليشيات. لقد تعودنا الخوف من الجيش، والقوات الخاصة، والشرطة الاتحادية. والآن، نشعر تقريبا بالراحة إن كانوا هم - على الأقل نعرف أنهم لن يقتلونا في عين المكان".
أصبح العراق بلدا شبه منقسم. وقد علق الوزراء الأكراد مشاركتهم في الحكومة، ويؤجل البرلمان تشكيل حكومة جديدة، وقوات الأمن من قبل الميليشيات الشيعية والجماعات المسلحة السنية على حد سواء. ويوشك العراقيون أن يفقدوا الأمل في أصلاح بلادهم مرة أخرى: قال لي تقريبا كل من تحدثت إليهم إن تفكيك الدولة "لا مفر منه".
بطبيعة الحال، هكذا تبدو الأمور بالنسبة للناس الذين عايشوا بالفعل عدة حروب، وتتم مضايقتهم على نحو عشوائي إلى ما لا نهاية من قبل رجال مسلحين لا يمكنهم التأكد مما إذا كانوا فعلا من قوات الأمن، على الرغم من أنهم يرتدون الزي العسكري، وتعودوا على العيش تحت التهديد اليومي بالموت. مازال البعض الآخر متشبثا بالأمل. ويقول البعض إن كل ما هو مطلوب أن تستعيد الحكومة بعض السيطرة وتبدأ في الحكم، للعودة مرة أخرى من انعدام القانون إلى سيادة قانون. وهم يتساءلون، لماذا يبدو ذلك مستحيلا؟
إن لدى زعماء العراق طريقا طويلا عليهم أن يقطعوه، ولم يتبق من الوقت سوى القليل، لإجراء الإصلاحات اللازمة لاستعادة سيادة القانون، بدلا من الحكم بالقوة الغاشمة. ومن أجل بقاء العراق، فإن قادته بحاجة ماسة لاستعادة السيطرة على مقاليد السلطة من الميليشيات وغيرها من الجماعات المسلحة. إن هذه المجموعات، التي تستلهم القيادة المسيئة من جانب الزعماء العراقيين، تمزق البلاد - ليس فقط في معاركها ضد داعش في الأنبار، والموصل، وتكريت، ولكن من خلال دوسهم يوميا على الحريات الأساسية لمواطنيهم.
إيرين إيفرز هي باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش. على تويتر @ErinHRW