Skip to main content

فلسطين ـ عدم اتخاذ إجراءات ضد اعتداءات الشرطة

متظاهرون سلميون ومارة يتعرضون للضرب ثم يواجهون اتهامات

(القدس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن السلطات الفلسطينية لم تتخذ أي إجراءات للتحقيق في اعتداء شنته قوات الأمن التابعة لها في 12 أبريل/نيسان 2014، بل ووجهت تهمًا إلى أربعة أشخاص من ضحايا الاعتداء.

قدّم عديد الشهود روايات متسقة عن استخدام الشرطة للقوة غير الضرورية وغير المتناسبة ضدّ رجلين كانا يُشاركان في احتجاج سلمي في أحد مسارح مدينة رام الله في الضفة الغربية، ورجلان آخران وامرأة حاولوا تقديم المساعدة لهما. وقامت الشرطة باحتجاز الرجال تلك الليلة، وفي اليوم التالي وجهت لهم تهمة "الاعتداء على الأمن" و"إثارة الشغب"، وأمرت بعقد جلسة لهم في 28 مايو/أيار.

قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إنه لأمر سخيف أن يقوم النظام القضائي بمحاكمة ضحايا عنف الشرطة بدلا من الذين اعتدوا عليهم. يتعين على فلسطين أن تشرع في احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان وذلك بتبرئة الضحايا ومساءلة الشرطة".

وقالت هيومن رايتس ووتش إن اعتقال هؤلاء الأشخاص ومحاكمتهم انتهاك لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع.

وكانت فلسطين قد انضمت في 2 أبريل/نيسان إلى العديد من الاتفاقيات الدولية الأساسية في مجال حقوق الإنسان، وهذه الاتفاقيات تُلزم الحكومة باحترام وحماية الحق في حرية التعبير والتجمع، والتحقيق في انتهاكات قوات الأمن، ومعاقبتها  )على ذلك. وتستخدم قوات الشرطة المدنية الفلسطينية، التي تتلقى تدريبات وأشكال أخرى من الدعم من برنامج الاتحاد الأوروبي إيبول ـ كوبسEUPOL-COPPS، تستخدم القوة المفرطة بشكل متكرر ضدّ المتظاهرين في رام الله.(

وفي 12 أبريل/نيسان، قبيل انطلاق عرض لفرقة رقص من الهند في مسرح القصبة في رام الله، وقف الناشط السياسي زيد الشعيبي، وعمره 25 سنة، أمام الجمهور وانتقد الحدث. ويعمل زيد الشعيبي في اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وهي منظمة تدعو الفنانين الأجانب إلى مقاطعة إسرائيل ثقافيًا. وكان يوجد 15 محتجًا آخر في الجمهور. وقال العديد من الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إن زيد الشعيبي قال للجمهور إن اللجنة طلبت من وزارة الثقافة الفلسطينية إلغاء العرض لأن الفرقة كانت قدمت قبل ذلك عرضًا في تل أبيب، وانتقد وزارة الثقافة على السماح بتقديم العرض.

وقام العديد من المحتجين الآخرين بالتعبير عن انتقادات مماثلة لمدة تراوحت بين 10 و15 دقيقة، وقام بعض الحاضرين غير المشاركين في الاحتجاج بالتعبير عن موافقتهم، وغادر بعضهم قاعة المسرح. وقال شهود إن جزء آخر من الجمهور عارضوا ما قاله المحتجون، لكن دون أن يتوجهوا إليهم بأي إهانات، ودون لغة جارحة أو عنف.

وقال زيد الشعيبي إن أشخاصًا في لباس مدني أمروه بمغادرة القاعة، ثم التحق بهم شرطي وأمسك به بينما قاموا هم بضربه. وبحسب أصدقاء الشعيبي، حاول ثلاثة منهم كانوا حاضرين في الجمهور، وكان واحد فقط مشارك في الاحتجاج، مرافقته وطلبوا من أعوان الأمن الكف عن ضربه، فقاموا بالاعتداء عليهم أيضًا.

وقال هؤلاء الأشخاص إن الشرطة قامت بوضعهم في واحدة من سيارات الشرطة المتوقفة خارج المسرح، واعتدت على سيدة حاولت مرافقتهم لمركز الشرطة. وقالت الدكتورة ديما أمين، وهي طبيبة أمراض نساء، وعمرها 43 سنة، ولكنها ليست من نشطاء لجنة المقاطعة، إنها كانت تحضر العرض مع زوجها وابنتها البالغة من العمر ست سنوات، ولكن الشرطة اعتدت عليها لما حاولت التدخل.

واتهمت وزارة الثقافة المتظاهرين في بيان أصدرته في 13 أبريل/نيسان بارتكاب "العنف" واستخدام "التحريض والشتائم"، وقالت إن الشرطة قامت بإخراجهم حفاظا على "النظام وسلامة الجمهور". وأنكر المشاركون والشهود الآخرين الذين تقابلت معهم هيومن رايتس ووتش هذه المزاعم. واطلعت هيومن رايتس ووتش على مقطعي فيديو لا يوجد فيهما أي عنف أو لغة جارحة، ويظهر فيهما بعض الجمهور والمحتجين وهم يصورون الحادثة على هواتفهم الخلوية.

وقال الأشخاص الأربعة إن الشرطة اقتادتهم إلى مركز الشرطة الرئيسي في رام الله، وهناك شاهدوا عديد الأعوان في ملابس مدنية ممن قاموا بضربهم في قاعة المسرح. ورفضت الشرطة على امتداد ساعتين الإجابة عن أسئلة هؤلاء الأشخاص حول ما إذا كانوا رهن الاحتجاز أو خرقوا أي قانون. وقال الرجال إن نائب مدير وحدة مباحث الشرطة قال لهم بعد منتصف الليل إنه سيقوم بإطلاق سراحهم إذا وقعوا على تعهدات "بعدم انتهاك القوانين الفلسطينية أو المشاركة في العصيان"، ودفعوا غرامة مالية غير محددة. وقال الرجال إنهم رفضوا الاقتراح لأنه بمثابة الاعتراف بالذنب.

واستنادًا إلى هؤلاء الرجال وتقارير إخبارية محلية، قامت الشرطة باحتجازهم طوال الليل، وفي الصباح اقتادتهم إلى محكمة في رام الله، وهناك وجه لهم المدعي العام تهمًا بإخلال الطمأنينة وإثارة الشغب عملا بقانون الإجراءات الجنائية الأردني الذي هو ساري المفعول في الضفة الغربية.

تنصّ مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين على أن يستخدم هؤلاء الموظفون، قدر المستطاع أثناء أداءهم لمهامهم، وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى القوة. وعندما يستحيل تجنب استخدام القوة، يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التحلي بضبط النفس، والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم. ويجب تحقيق الهدف المشروع باستخدام الحد الأدنى من الضرر والأذى.

وقال جو ستورك: "يبدو أنه لم يكن هنالك مبرر واضح لقيام الشرطة بقمع الاحتجاج بشكل عنيف في مسرح القصبة. ويتعين على المانحين الأجانب أن يعبروا بوضوح عن أنهم لن يواصلوا دعم الشرطة الفلسطينية دون محاسبتها على هذه الاعتداءات".

للاطلاع على روايات الشهود، يُرجى مواصلة القراءة
 

شهادات حول أحداث المسرح

وصف زيد الشعيبي ما حدث بعد أن وقف وتحدث:

لم نكن نحمل أي صور أو لافتات. أنا فقط عبرت عن رأيي، فعبّر بعض النشطاء الآخرين عن معارضتهم للحدث أيضًا. وبعد ذلك جاءني ثلاثة أو أربعة رجال في لباس مدني وقالوا لي: "يجب أن تتوقف عن هذا، وتطلب من النشطاء مغادرة المكان"، فقلت لهم: "لا سلطة لي لأطلب منهم ذلك، ولكن أنا مستعد للتحدث معكم"، فردّ أحدهم "أنا لي رغبة بضربك منذ زمن طويل".

ثم شرعوا في دفعي، وجاء شرطي في لباس رسمي ووضع ذراعه حول عنقي، وأجبروني على النزول أسفل الدرج. قلت لهم إن ذلك لم يكن ضروريًا، وإني سأغادر دون أن يستخدموا القوة، فقام أحد الأعوان في لباس مدني بلكمي في الجزء الخلفي من رأسي، فصرخت قائلا: "توقف عن ضربي"، فأرغمني الشرطي على الانحناء بينما قام الأشخاص الذين يرتدون ملابس مدنية بضربي وركلي.

وقال فجر حرب، عمره 32 سنة، وهو ناشط مشارك في الاحتجاج وكان جالسًا بجانب زيد الشعيبي في الجمهور:

قال أحد الأعوان ممن كانوا في ملابس مدنية إنه سيقوم بضربه، فاتجهنا نحو الدرج، وحاولنا حمايته. وقبل أن نخرج من الباب، قام أحد أعوان الأمن بركله، وأسقط نظارته، وبدأ يضربه. وبعد ذلك، قاموا بإخراجنا، وواصلوا ضربنا. رأيت أحد أعوان الأمن يفتك بآلة تصوير من أحد الصحفيين، وعون آخر فتك بآلة تصوير شخص آخر، وأبعدها عنه.

وقال فادي قوران، عمره 26 سنة، وهو صديق زيد الشعيبي ولم يشارك في الاحتجاج، إنه سمع أعوان الأمن يهددون ويتوعدون عند دخولهم إلى قاعة المسرح، فتبعهم إلى الداخل. وقال فادي قوران لـ هيومن رايتس ووتش، وهو يعمل في مركز الحق، منظمة حقوقية فلسطينية، إنه كان واقفًا قرب باب القاعة عندما سمع شرطيًا يقول "سنقوم بضربهم".

أمسكت الشرطة بـ زياد وشرعوا في لكمه وركله، وقاموا بسحبه إلى البهو خارج قاعة المسرح. اتجه نحوهم صديقي عبود وطلب منهم الكف عن ذلك، فقاموا بدفعه بقوة إلى أسفل الدرج. كان يُعاني من إصابة بليغة في الساق، وخفت عليه من السقوط، فوقفت وقلت: "اهدؤوا، ما هذا الذي تفعلونه؟" فقاموا بضربي أيضا على الرأس، وركلوني على ظهري ورجلي من الخلف لمدة خمس دقائق تقريبًا. وفي البهو، قام شرطي بشدي، بينما قام شخص في ملابس مدنية بلكمي بشكل عنيف على الوجه. شاهدت شرطيًا في اللباس الرسمي يمسك بـ عبود، ويقول للأشخاص الذين يرتدون ملابس مدنية: "واصلوا ضربه".

وقال عبود حمايل، صديق فادي قوران، إنه لم يكن مشاركًا في الاحتجاج، وكان خارج قاعة المسرح يدخن سيجارة عندما بدأ زيد الشعيبي يتحدث:

وبعد ذلك رأيت قوات الأمن تدخل القاعة، وتوقعت أن يقوموا بعمل ما [عنيف]، فعدت إلى الداخل. وما أن رأيتهم يضربون زياد حتى بدأت أصرخ "لا تضربوه، لا داعي لذلك"، فاتجهوا نحوي. قاموا بلكمي على الرأس والجسم، ووجهوا لي الكثير من الركلات. حاولت أن أعلمهم أنني أعاني من جرح في رجلي، ولكنهم لم يسمعوني ولم يأبهوا، كانوا فقط يقومون بركلي ولكمي في كلّ مكان.

وقالت الدكتورة أمين:

قال النشطاء إنه لا يجب مواصلة العرض لأن هذه الفرقة قدمت عرضًا مماثلا في تل أبيب، ووافقنا على ذلك، أنا وعائلتي، وكنا بصدد المغادرة. وكان النشطاء أيضًا بصدد المغادرة، ولكن الشرطة بدأت بضربهم عند باب البهو، فلم أتحمل ذلك المشهد، وذهبت إلى سيارة الشرطة، وحاولت التحدث إليهم، وقلت لهم إن ما يحصل غير معقول.

قام شرطي بدفعي، فحاولت فتح باب السيارة للذهاب معهم وحمايتهم، فقام بدفعي مجددًا فنادى على شرطية وأمرها بـ "سحبي"، فأمسكت بذراعي اليُمنى وجذبتني نحوها وهي تمسكني بقوة حتى اعتقدت أنها ستكسر ذراعي. كنت أصرخ من الألم، ولكنها تجاهلتني، وضربتني في وجهي، ودفعتني بقوة على الأرض حتى سقطت نظاراتي وفقدت حذائي. وبعد ذلك، غادرت السيارة المكان، فقام الناس بمساعدتي. وفي ذلك الوقت، جاءتني مكالمة من المستشفى، حوالي الساعة العاشرة ليلا، وطلبوا مني الحضور على الفور في قسم العمليات القيصرية، وكنت أشعر بألم شديد في ذراعي ورجلي، ومصابة بخدوش كثيرة في رقبتي.

وقال فادي قوران:

[في مركز الشرطة] كنت اسألهم "هل أنا موقوف؟ هل انتهكت أي قانون؟" فكانوا يرفضون تقديم إجابات. ولكن كانوا في نفس الوقت يحاولون إقناعنا بالتوقيع على تعهد. لم يقدموه لنا في نسخة مكتوبة، ولكنهم وصفوا لنا محتواه. رفضنا ذلك لأنه سيكون بمثابة الإقرار بالذنب، وسيستخدمونه ضدنا في المستقبل.

وقال زيد الشعيبي إن نائب المدير قال إن التوقيع على التعهد لم يكن إجراء قانونيًا، "ولكن ذلك ما يقومون به في مراكز الشرطة".

وقال الرجال إن الشرطة قامت باحتجازهم طوال الليل دون طعام في زنزانة وصفها زيد الشعيبي "بالقذرة" مع 15 مشتبها فيهم في قضايا جنائية، وعلى الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم التالي تم نقلهم إلى زنزانة في محكمة الصلح في رام الله. ومع انتهاء الجلسة حوالي الساعة الثانية والنصف ظهرًا، وجه لهم المدعي العام تهم الإخلال بالطمأنينة وإثارة الشغب.

وقال محمد كراجة، محامي المتهمين، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه قال أثناء الدفاع إنهم لم ينتهكوا أي قوانين، وإن الاحتجاج شكل من أشكال التعبير المكفولة. ولكن القاضي أمر بإطلاق سراح المتهمين في انتظار جلسة 28 مايو/أيار، ومنعهم من المشاركة في مسيرات مماثلة، وفرض عليهم غرامة مالية قدرها خمسة آلاف دينار أردني (7050 دولاراً أمريكياً).           

 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.