انتقد تقرير طال انتظاره نظام الكفالة القطري مثار الجدل باعتباره "لم يعد وسيلة ملائمة لإحكام السيطرة على الهجرة بطريقة فعالة."
ويمكن التعويل كثيراً على هذا التقييمالسلبي لنظام الكفالة، الذي يربط العمال بصاحب عمل واحد، لأنه النتيجة الرئيسية لتقرير تم بتكليف من هذه الدولة الخليجية رداً على الغضب الدولي بسبب معاملتها للعمال الوافدين.
وفي مؤتمر صحفي في الدوحة يوم الأربعاء، أخفقت السلطات في توضيح الكيفية التي قد تستجيب بها إلى توصيات التقرير. إلا أننا نأمل أن تكون النتائج بداية النهاية لنظام الكفالة المُتداعي، وأن تمهد الطريق لمزيد من الإصلاحات الجذرية.
لقد قامت قطر بتكليف شركة دي إل إيه بايبر، وهي شركة محاماة عالمية رائدة، من أجل التحقق من المزاعم بشأن الانتهاكات التي تُرتكب بحق العمال الوافدين في قطاع الإنشاءات المعمارية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي- بعد أسبوعين فقط من الضجة الإعلامية التي لم تهدأ بعد، والتي أثارها تقرير صحيفة الغارديان حول القضية.
ويتوافق التقرير إلى حد كبير مع ما توصلت إليه الصحيفة، وما توصلت إليه الأبحاث التي أجرتها هيومن رايتس ووتش في يونيو/حزيران عام 2012، ومنظمة العفو الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني - وهي أن العمال، ومن بينهم هؤلاء الذين يُشاركون في إنشاء البنية التحتية لكأس العالم 2022، يتعرضون لاستغلال جسيم، يشمل العمل القسري.
ومن بين التوصيات العملية العديدة، توصية لقطر بإجراء بحث مستقل بشأن حالات الوفيات بين العمال الوافدين بسبب السكتة القلبية. وينتقد التقرير ما يرى أنه تقارير صحفية تهدف إلى الإثارة بشأن إحصائيات أعداد الوفيات، إلا أنه يعترف أن عدداً من العمال قد ماتوا وأسباب وفاتهم مازالت غير معلومة، ويقترح خطوات يجب اتخاذها للإجابة على تلك الأسئلة.
والأهم على الإطلاق، هو أن الانتقادات التي وجهتها شركة دي إل إيه بايبر لنظام الكفالة - الذي يسهل الانتهاكات والاستغلال - واضحة ولا لبس فيها، وتحذر من أن هذا النظام قد يؤدي إلى ظروف العمل القسري. كما أوصت الشركة بإجراء مراجعة شاملة وواسعة النطاق له.
إلا أن التقرير شابه التقصير في نقطتين. فلقد أخفق في التوصية بإلغاء نظام تأشيرة الخروج فوراً، وهو الذي يُجيز لأصحاب العمل منع العمال من المغادرة بشكل تعسفي. وأوصى بدلاً من ذلك أن يتم الإلغاء تدريجياً مع الوقت. كما أخفق التقرير حين لم يأخذ في الاعتبار ما نص عليه القانون الدولي بشأن حق مُغادرة أية دولة، وهو الحق الذي ينتهكه نظام تأشيرة الخروج بوضوح.
ولن تنهي التدابير الانتقالية المُقترحة لإلغاء هذا النظام تدريجياً موقفاً مثل الذي أدى إلى حصار لاعب كرة القدم الفرنسي زهير بلونيس في قطر لمدة تزيد على عامين.
لقد ألحق ذلك الحادث، والحملة من أجل الإفراج عنه، ضرراً بالغاً بسمعة قطر. ويعتبر عدم قيام شركة دي إل إيه بايبر بالتوصية بإلغاء نظام تأشيرة المغادرة مؤشراً على مقاومة قطر لإجراء إصلاحات هيكلية.
كما أن استخدام التقرير "ضوابط مُتهاونة" في تناول قضية حاسمة مثل إنفاذ معايير العمل هو أيضاً أمرٌ مُخيب للآمال. فالقوانين واللوائح ليس لها تأثير إلا حين يتم دعمها بعقوبات رادعة.
ولا يذكر التقرير سوى القليل عن آليات إنفاذ قوية. هل يُعتبر وضع وكلاء التوظيف القطريين في قائمة سوداء عقوبة مُلائمة حقاً؟ وهم من يحتالون على العمال الوافدين ويسلبونهم آلاف الدولارات، ويتركونهم غارقين في الديون وعُرضة للعمل القسري؟ وسوف يساهم نظام دفع الأجور إلكترونياً في الكشف عن من لم يصرفون أجورهم، إلا أن العقاب الصارم للجناة مُفتقد إلى حد بعيد.فكيف سيتم تطبيق دفع الأجور؟
ومع ذلك، يضع التقرير المشاكل القائمة والطرق التي يمكن، أو ينبغي، اتباعها لحل تلك المشاكل أمام الحكومة القطرية بوضوح تام. ويتعلق الأمر بمصداقية قطر التي ظلت تحدوها الرغبة في الانخراط في هذه القضية، رغم تعرضها لانتقادات غير مسبوقة. وكان وفد من هيومن رايتس ووتش قد زار قطر الشهر الماضي، وأجرى محادثات مع المسؤولين، من بينهم رئيس الوزراء.
يتناقض موقف قطر بشكل ملحوظ مع مواقف بلدان إخرى في المنطقة لها سجلات بغيضة بالقدر ذاته في هذه القضية. فعلى سبيل المثال، رفضت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية السماح بدخول منظمات حقوقية إلى أراضيها، ناهيك عن إجراء محادثات مع المسؤولين في الدولتين.
وقالت منظمات شبه حكومية مثل اللجنة العليا 2022 ومؤسسة قطر، أثناء اجتماع هيومن رايتس ووتش بهم في الدوحة، أنهم أدركوا أهمية الإصلاح، وأظهروا رغبة في دفع العملية قُدماً رغم المُعارضة القوية من جانب بعض من يرفضون الانتقادات ويعتبرونها مؤامرة لسحب تنظيم كأس العالم من قطر.
وينبغي على قطر العمل على التقرير على الفور. فلقد قمت هذا الشهر، مع أحد زملائي بزيارة إلى 12 من العمال النيباليين الوافدين الذين يعيشون في ظروف مزرية، لا يفصلهم عن فنادق الدوحة الخمس نجوم، سوى نصف ساعة بالسيارة فقط. لقد تخلى عنهم صاحب العمل ببساطة، وأصبحوا يعيشون على المساعدات الغذائية، وليس هناك من سبيل لكي يعودوا إلى وطنهم. كما أنهم عرضة لإلقاء القبض عليهم في كل مرة يتوجهون فيها إلى وزارة العمل في محاولة (تبوء بالفشل) للتقدم بشكوى بلغة لا يفهمونها.
سيتم الحكم على قطر من خلال الطريقة التي ستتعامل بها مع هؤلاء العمال، ومع آخرين لهم نفس الظروف في غضون الأشهر والسنوات القادمة. ورغم ما شاب التقرير من تقصير، فقد وجه السلطات في الاتجاه الصحيح، إلا أن الأمر الآن متروك لقطر كي تنفذ المطلوب منها.
نيكولاس مكجيهان، باحث البحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة في هيومن رايتس ووتش. على تويتر@Ncgeehan