Skip to main content

كنت أرقب الحشود في شوارع الإسكندرية يوم 30 يونيو/حزيران تنساب عبر شارع أبو قير، وهو أحد الطرق الرئيسية بالمدينة، وهي تهتف: "الشرطة والشعب .. يد واحدة". كان الضباط يتخذون أوضاعاً كي تلتقط لهم الصور، ملوحين بالأعلام المصرية من شاحنات صغيرة اكتظت بالمحتجين المناوئين لمرسي فيما علا صخبهم في جادات الإسكندرية الفسيحة من فوق دراجاتهم البخارية استجابة للهتاف والتلويح.

أحجم بعض من كانوا ضمن الحشد عن المشاركة ولكن ذلك لم يقلل من كون هذا المشهد واحدا من المشاهد التي لم أكن أتخيل مطلقاً أن أراها، بعد ما يربو على العامين من الإعتصامات  التي كانت الشرطة فيها هي عدو المحتجين البين.

ومنذ بداية انتفاضة مصر  في يناير/ كانون الثاني 2011 كان من بين المطالب الرئيسية للمحتجين إصلاح جهاز الشرطة المصري، الذي اشتهر بتعذيبه للمحتجزين، وبفضه للمظاهرات السلمية بطريقة وحشية. غير أنه لم يتم منذ ذلك الحين إجراء ولا حتي الأولي جداً من الإصلاحات، إذ لم يقم لا المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر خلال الفترة الانتقالية ولا محمد مرسي خلال العام الذي قضاه كرئيس للجمهورية، بأية محاولة أياً كانت للتصدي لوحشية الشرطة أوللتعذيب. بل لقد كان الجيش نفسه مسئولاً عن ارتكاب انتهاكات مماثلة أثناء الفترة الانتقالية.

لم يتعرض ضباط الشرطة بعد للمساءلة عن الاستخدام المفرط للقوة على مدى عامين ونصف مضت. لقد قتلت الشرطة في يناير/ كانون الثاني 2011 ما لا يقل عن 846 من المحتجين. غير أن 38 ضابطاً فقط قدموا للمحاكمة لقيامهم بعمليات القتل وصدرت أحكام بحق اثنين فقط منهم وأودعا السجن.   

لقد انحدرت مصر الآن مرة أخرى باتجاه نوبات جديدة من العنف. فعلى امتداد الأسبوعين الماضيين فتح مؤيدو الإخوان المسلمين في كل من الإسكندرية والقاهرة نيران الأسلحة الآلية على المتظاهرين المناوئين لمرسي الذين تسلحوا بالأحجار وعبوات المولوتوف في حين وقف كل من الشرطة والجيش موقف المتفرج.

اشتبكت جماعات حماية الأحياء في كلتا المدينتين في معارك دامت لساعات مع مؤيدي مرسي الذين قاموا بمسيرات اخترقت مجتمعاتهم أتلفوا خلالها الممتلكات وتحرشوا بالمارة.

وصف الأقارب والأصدقاء المحزونن في الممررات الكالحة بمستشفيات القاهرة العامة وفي الساحة المتربة لمشرحة المدينة مشاهداتهم لضباط  الجيش والشرطة وهم يستخدمون القوة المميتة ضد المتظاهرين أمام مقر قيادة الحرس الجمهوري الذي زعم أن الرئيس المعزول قد احتجز به. وكان 51 شخصاً قد قتلوا صباح يوم 8 يوليو/تموز.

تبدو للعيان الحالة النمطية التالية: في كافة الوقائع تصرفت قوات الشرطة وأحياناً قوات الجيش بصورة متحزبة مستخدمة القوة بصورة بدت إلى حد بعيد غير مبررة ضد مؤيدي الإخوان المسلمين المعتصمين العزل في غالبيتهم، إلا أنها لا تفعل الشيء الكثير للتدخل حين يتصادم المعسكران المتعارضان على نحو عنيف.

أخبرتني مجموعة من النسوة الغاضبات في حي المنيل، وهو جزيرة نيلية ذات سياج من الخضرة، أنهن اتصلن مرارا، حين احتدمت معركة شوارع دامت لعشرة ساعات، بالشرطة والجيش أو أياً من كان بمقدوره توفير الحماية، بينما كان أبناؤهن وأزواجهن يتعاركون مع مؤيدي الإخوان مستخدمين أحجار الأرصفة وعبوات المولوتوف.

أخبرني أحمد البالغ من العمر 27 عاماً، وكان يرتدي بنطالاً من الجينز ملطخاً لم يزل بالدماء منذ الليلة السابقة، بأن "الإخوان أقبلوا بصورة عدوانية مستهدفين الناس والسيارات والمحال بالضربات بحيث لا يقوى أحد على اعتراض سبيلهم." وأضاف أنهم قد دلفوا إلى الحي في الثامنة مساءً تقريباً، إلا أن الشرطة لم تحضر إلا عند منتصف الليل، ومكثت لقرابة نصف الساعة، ثم انسحبت في حين استمر العراك حتى السادسة صباحاً.

عرض لي صلاح حجاج، وهو صحفي مرئيات مستقل، من على فراش علاجه بإحدى مستشفيات الإسكندرية، لقطات بالفيديو تتبع فيها أحد قادة ضباط الشرطة من الرتب العالية في محطة قطار سيدي جابر في الوقت الذي كانت أصداء نيران أسلحة أنصار الإخوان الآلية تتردد خارجها ، وقد أخذ في مطالبة القائد بالقيام بعمله، واستدعاء تعزيزات. عندها لوح القائد له بأن ينتحي جانباً بينما كان يتحدث بشكل محموم عبر هاتفه المحمول. وقد بدا أن الشرطة قد حضرت ثم غادرت بعد ذلك بدقائق قلائل. وقد انتهت لقطة الفيديو عندما أطلق مؤيدو الإخوان النار على ساق حجاج.

مررت عبر ميدان التحرير صباح يوم 8 يوليو/تموز حيث كان منظمو حملة "تمرد"، التي قامت بالتعبئة للاحتجاجات الأولية يوم 30 يونيو/حزيران والتي أخرجت الملايين إلى الشوارع، قد دعوا لاعتصام. رأيت ضباط الشرطة يوزعون علب العصائر والوجبات الخفيفة على المارة بجانب مركبة مزركشة بشعار "شرطة الشعب".

وصلت إلى مقر الحرس الجمهوري بعد ذلك بفترة وجيزة لأجد لسعة الغاز المسيل للدموع لم تزل في الهواء إلى جانب أصوات إطلاق نار متقطعة. الشهود قالوا أن ضباط الجيش وقوات الأمن المركزي (شرطة مكافحة الشغب) قاموا بفتح النار على الحشد عقب محاولة فض الاعتصام. كان بعض المحتجين يحملون أسلحة نارية وقد أدى ذلك لوفاة ثلاثة من ضباط الأمن، إلا أن المحتجين في معظمهم كانوا يردون بالأحجار وعبوات المولوتوف.  وبوفاة 51 وإصابة ما يربو على 400 من المحتجين، فإن ذلك اليوم يعد واحداً من أشد أيام  العنف الأمني دموية منذ أن تنحي حسني مبارك.

تتصاعد بنبرة محمومة النداءات المطالبة بوضع الإخوان موضع المساءلة، وقد أصدرت الحكومة التي نصبتها المؤسسة العسكرية عدداً من أوامر التوقيف لأكثر من 300 من أعضاء جماعة الإخوان. إلا أن شهية سلطات مصر الانتقالية تبدو محدودة تجاه مهمة أساسية هي فتح تحقيق يتناول مسئولية الشرطة والجيش عن الوفيات التي تسببا فيها، وكذلك تجاه القيام بإصلاحات في قطاع الأمن هو في مسيس الحاجة إليها.

وبينما تكتفي الحكومات الأجنبية بفرك أيديها، يتزود المواطنون الأفراد على امتداد الطيف السياسي بالسلاح بما يحمله ذلك من أثر خطير، فمرة أخرى يلقى أناس في شوارع مصر وميادينها حتفهم.     تلك الحكومات بحاجة لاستخدام ما لديها من قدرة على الفعل للدفع بصورة عاجلة باتجاه إجراء تحقيقات تتمتع بالحيادية والمصداقية، وباتجاه المحاسبة عن الجرائم المرتكبة من قبل كافة الأطراف سواء أكانت الشرطة أو الجيش فضلاً عن المحتجين.

تلك الخطوات هي السبيل الأوحد لجذب مصر إلى الوراء بعيداً عن حافة الهاوية، ولإعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة البالية، فاقدة المصداقية. 

بريانكا موتابارثي -  باحثة بمنظمة هيومن رايتس ووتش في القاهرة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة