(تورنتو) – قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن شركات التعدين الدولية التي تسارع بالاستثمار في قطاع التعدين الإريتري الذي بدأ يزدهر مؤخراً، تخاطر بالتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إن لم تتخذ إجراءات وقائية حازمة. إخفاق شركة نيفسون ريسورسز من فانكوفر بكندا في ضمان عدم استخدام العمل الجبري أثناء إنشاءات منجمها في إريتريا، وقدرتها المحدودة على التعامل مع ادعاءات وجود وقائع عمل جبري، هي عوامل تلقي الضوء على الخطر القائم.
تقرير "لا أسمع لا أرى لا أتكلم: العمل الجبري ومسؤولية الشركات في قطاع التعدين في إريتريا" الصادر في 29 صفحة، يصف كيف تخاطر شركات التعدين التي لها نشاط في إريتريا بالتورط في استغلال الحكومة المتفشي للعمل الجبري. كما يوثق كيف أن شركة نيفسون – أول شركة تبدأ مشاريع تعدين في إريتريا – أخفقت في البداية في التعامل مع هذه الأخطار بجدية، ثم بعد ذلك تحركت بصعوبة للتصدي لادعاءات وجود انتهاكات على صلة بنشاطها في إريتريا. رغم أن الشركة حسّنت فيما بعد من سياساتها، فهي ما زالت غير قادرة على التحقيق في مزاعم العمل الجبري المتعلقة بشركة المقاولات التي تملكها الدولة وتعاقدت معها الشركة الكندية.
وقال كريس ألبين لاكي باحث أول في قسم الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش: "إذا كانت شركات التعدين تريد العمل في إريتريا، فعليها أن تتأكد بشكل قاطع من أن مشروعاتها لن تعتمد على العمل الجبري. إن لم تتمكن من منع هذه الممارسات، فعليها ألا تمضي قدماً في هذه المشروعات".
تعتبر إريتريا من أفقر دول العالم ومن بين الأكثر معاناة من القمع السياسي. في السنوات الأخيرة وفرت الثروة المعدنية الكبيرة التي لم يسبق استخراجها دفعة مطلوبة بشدة لاقتصادها. يعد مشروع بيشا – تملك أغلبه شركة نيفسون ريسورسز الكندية الصغيرة – هو المنجم الأول والوحيد الجاري العمل به حالياً. بدأ المنجم في إنتاج الذهب في عام 2011 وأنتج ما قيمته 614 مليون دولار من خام الذهب خلال عام العمل الأول.
هناك مشروعات كبيرة أخرى تقودها شركات كندية وأسترالية وصينية جاري التحضير لها، حيث تسعى شركات الاستكشاف الكبرى إلى عقود جديدة بحثاً عن المعادن.
تستعين الحكومة الإريترية ببرنامج "خدمة وطنية" تقوم بموجبه بتجنيد الإريتريين لمدد مطولة وغير محددة الأجل، من العمل الجبري، وذلك في ظروف تنطوي على انتهاكات. من خلال برنامج العمل الجبري هذا تتعرض شركات التعدين لخطر التورط في انتهاكات الحكومة الإريترية لحقوق الإنسان. وثقت هيومن رايتس ووتش كيف يتعرض المجندون بشكل منتظم للتعذيب والانتهاكات الجسيمة الأخرى، وكيف تنتقم الحكومة من أسر المجندين إذا هربوا من الخدمة. أُجبر الكثير من الإريتريين على العمل كعمال مجندين لأكثر من عشرة أعوام.
يُعهد بأغلب المجندين إلى الخدمة العسكرية، لكن هناك من يُجبرون على العمل في شركات تملكها الدولة. بعض هذه الشركات تعمل بمجال الإنشاءات، وهي الشركات التي تضغط الحكومة على الشركات الدولية كي تتعاقد معها في تنفيذ المشاريع.
تعمل شركة نيفسون في منجم بيشا بالشراكة مع شركة تعدين تملكها الحكومة الإريترية، هي شركة التعدين الوطنية الإريترية. أقرت نيفسون لـ هيومن رايتس ووتش بأنها أخفقت في البداية في تنفيذ أي نوع من أنواع المراقبة اللازمة لمخاطر حقوق الإنسان المرتبطة في المشروع. وبناء على مطالبات حكومية، وظفت شركة إنشاءات مملوكة للدولة، هي شركة سيجين للإنشاءات، لكي تبني لها البنية التحتية المرتبطة بموقع المنجم. لشركة سيجين سجل طويل من استخدام العمل الجبري على صلة بمشروعاتها.
قابلت هيومن رايتس ووتش عدة إريتريين عملوا في بيشا أثناء مرحلة الإنشاءات الأولى. قال البعض إنهم وظفوا هناك كعمال مجندين طرف شركة سيجين. ووصفوا الظروف المعيشية المزرية والعمل الجبري بأجور قليلة للغاية. قال أحد المجندين السابقين إنه تعرض للاعتقال والحبس عدة شهور بعد أن غادر موقع العمل لحضور جنازة لأحد الأقارب.
وقال كريس ألبين لاكي: "استخدمت نيفسون مقاول له تاريخ طويل من الاعتماد على العمل الجبري، دون فرض ضمانات كافية". وأضاف: "والأسوأ أن نيفسون استمرت في العمل وفي استخدام هذا المقاول رغم أنه لم يُسمح لها بمراقبة ممارسات العمل التي ينتهجها".
أثناء مراحل المشروع الأولى، لم تطبق نيفسون إجراءات كافية لضمان عدم استخدام العمل الجبري في بناء مشروعها. بعد ذلك بدأت الشركة تطبق سياسات قوية في هذا الاتجاه، منها تحسين إجراءات الفحص التي يُراجع بموجبها جميع العمال في المنجم لضمان أنهم يعملون بشكل طوعي. تقول نيفسون إن هذه السياسات تكفي حالياً لكي لا يستخدم مشروعها العمل الجبري.
لم تتوصل هيومن رايتس ووتش إلى مزاعم باستخدام العمل الجبري حالياً في منجم بيشا، لكن المراقبة صعبة للغاية بسبب محدودية القدرة على دخول محققين مستقلين لحقوق الإنسان إلى إريتريا. لكن حتى نيفسون لا يمكنها أن تتيقن بشكل نهائي من عدم استخدام العمل الجبري، بما أن المقاول يرفض التعاون مع جهودها لمراقبة حقوق الإنسان.
تقول شركة نيفسون إن شركة سيجين الإريترية وعدت بعدم استخدام العمل الجبري في بيشا. لكن سيجين رفضت طلبات نيفسون بمقابلة موظفي سيجين للتأكد من أنهم يعملون في بيشا بشكل طوعي. كما رفضت سيجين السماح لنيفسون بزيارة الموقع الذي يقيم فيه موظفي الشركة الإريترية للاطلاع على الأحوال هناك. في عام 2010 بدأت نيفسون في توفير الطعام لعمال سيجين بعد أن تلقت تقارير بأنهم يعيشون في أوضاع صعبة ويعانون من عدم كفاية الطعام.
في عام 2012 حاولت نيفسون توسيع عملها بالتعدين دون استمرار الارتباط بسيجين. اعترضت الحكومة الإريترية فأعادت نيفسون شركة سيجين إلى العمل. ما زال عمال سيجين يعملون في موقع بيشا.
وقال كريس ألبين لاكي: "سمحت نيفسون لنفسها بأن يتحداها المقاول المدعوم من الحكومة الإريترية، ويجب ألا تقبل بهذا الأسلوب مرة أخرى". وتابع: "لابد أن يكون هذا درساً تتعلمه شركات التعدين الأخرى التي تعمل في إريتريا: إذا انتظرت حتى تظهر مشكلة متعلقة بحقوق الإنسان الخاصة بعمالها هناك، فربما يكون الأوان قد فات".
للأسف يبدو أن شركات التعدين الأخرى تمضي قدماً في مشروعات تعدين دون التصدي لهذه المخاطر. قابلت هيومن رايتس ووتش رئيس شركة ساوث بولدر الأسترالية للتعدين، وهي على وشك إبرام صفقة بقيمة 1 مليار دولار لمنجم بوتاس في إريتريا. أقر رئيس الشركة بأن الشركة لم تجر عملية تقييم لمخاطر حقوق الإنسان المحتملة المرتبطة بالمشروع، بما في ذلك خطر استخدام العمل الجبري في المشروع.
لم ترد شركة سنريدج غولد الكندية – وتخطط أيضاً لعمل مشاريع تعدين في إريتريا – على طلبات لمناقشة قضية العمل الجبري وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى. أحدث شركة بدأت العمل بمجال التعدين في إريتريا هي شركة "سفيكو" الصينية، وهي شركة متعددة الاهتمامات مقرها شنغهاي اشترت مؤخراً عقد إدارة مشروع تعدين آخر من شركة شاليس غولد الأسترالية للتعدين.
بناء على تجربة بيشا، فإن أكبر خطر للانتهاكات قد يكون ما يحدث أثناء مرحلة الإنشاءات الخاصة بالمشاريع. كما حصلت نيفسون على حقوق موقع آخر قريب من موقع بيشا، والذي إن تبين أن له قيمة تجارية، فقد يشهد أعمال إنشاءات جديدة أو أعمال بنية تحتية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على شركات التعدين التي تريد العمل في إريتريا أن ترفض العمل مع أي مقاول متورط في استخدام العمل الجبري، وأن تصر على حقها في التحقيق في أي وكل مزاعم الانتهاكات المرتبطة بأعمالها.
ينبغي أن تولي جميع شركات التعدين التي تعمل في إريتريا الانتباه الكافي لتتعرف على وتخفف من المخاطر المرتبطة بمشروعاتها التي تعتزم الشروع فيها. أهمية إيلاء الانتباه الكافي لحقوق الإنسان وارد بقوة في المبادئ التوجيهية للأعمال التجاري وحقوق الإنسان التي صدقت عليها الأمم المتحدة، وهي مقبولة بشكل واسع كمرجعية للسلوك المسؤول من قبل الشركات.
ما إن تبدأ المشروعات حتى يتعين على الشركات أن تتابع عن كثب الأنشطة الميدانية لضمان ألا تتم مشروعاتها بالعمل الجبري أو غيرها من الانتهاكات. يجب أن تصر الشركات على الوصول لجميع العمال دون إعاقة أو تأخير وبشكل مستقل في مواقع التعدين الخاصة بها، وحقها في إنهاء التعاقد مع المقاولين المحليين المتورطين في الانتهاكات.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على حكومات شركات التعدين متعددة الجنسيات أن تنظم وتراقب ممارسات حقوق الإنسان للشركات التي تتبع أراضيها، عندما تعمل في أماكن من العالم فيها مخاطر انتهاك حقوق الإنسان، مثل إريتريا. ينبغي أن تضغط الحكومات على هذه الشركات كي تحمي المعايير الخاصة بحقوق الإنسان ولكي تحقق في الانتهاكات المزعوم ارتكاب الشركاء الأجانب لها. لا توجد في الوقت الحالي دولة تراقب أداء شركاتها بمجال حقوق الإنسان خارج أراضيها، باستثناء بعض السياقات الضيقة، مثل الاستثمار في بورما.
وقال كريس ألبين لاكي: "لا ترى شركات التعدين في تجاهل مخاطر العمل الجبري المتواجدة في إريتريا بكل تأكيد مشكلة كبيرة". وأضاف: "حان الوقت أن تهتم حكومات هذه الشركات بمكون حقوق الإنسان ضمن مشروعات هذه الشركات خارج أراضيها".