(القدس، 12 سبتمبر/أيلول 2012) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه ينبغي على المجموعات المسلحة في غزة وقوات الجيش الاسرائيلي أن تكفّ عن الهجمات التي لا تفرق بين المدنيين والأهداف العسكرية وأن تضع حدّا للإضرار بالمدنيين.
منذ 18 أغسطس/آب 2011، أطلقت مجموعات فلسطينية مسلحة أعدادا كبيرة من الصواريخ بشكل عشوائي على تجمعات سكنية إسرائيلية؛ مما أسفر عن مقتل رجل مدني وجرح آخرين. وخلال هذه المدة، شنّت إسرائيل هجمات على غزة فيما بدا أنه استهداف لأهداف عسكرية؛ فقتلت تسعة رجال، قالت منظمات حقوقية فلسطينية إنهم عناصر في مجموعات مسلحة، وستة مدنيين. ولكن هيومن رايتس ووتش وثّقت هجوما إسرائيليا على مركز رياضي، تسبب في مقتل مدنيين اثنين وألحق دمارا كبيرا بمنطقة سكنية مدنية، ولم تجد أية أدلة تشير إلى أن الهجوم كان يستهدف هدفا عسكريا مشروعا.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تعلم جميع الأطراف أنه ينبغي عليها اتخاذ جميع الخطوات الممكنة للتقليل من تعريض المدنيين للخطر. قامت المجموعات الفلسطينية المسلحة مرارا وتكرارا بإطلاق صواريخ على تجمعات سكنية، فتسببت في مقتل مدنيين عشوائيا، وقامت باستهداف المدنيين بشكل متعمد. وبينما استهدفت هجمات إسرائيلية عديدة أهدافا عسكرية، فهناك هجمات أخرى أصابت منشآت مدنية."
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب عل حركة حماس، السلطة الحاكمة في غزة بحكم الأمر الواقع، أن تتحمل مسؤولية هجماتها وأن تمنع الهجمات غير القانونية التي يشنها آخرون انطلاقا من غزة. ويجب على إسرائيل أن تفتح تحقيقا في الهجمات التي يبدو أنها نتجت عن فشل القوات الإسرائيلية غير القانوني في التفريق بين المدنيين والأهداف العسكرية. كما قالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب على المجموعات الفلسطينية المسلحة والجيش الإسرائيلي اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب تعريض المدنيين للخطر.
وبدأت أعمال العنف الجديدة بسلسلة هجمات في 18 أغسطس/آب عندما قتل مسلحون مجهولون ستة مدنيين إسرائيليين وجنديين قرب مدينة إيلات الجنوبية، وتسلل المسلحون في ما يبدو عبر الحدود المصرية. وأدانت هيومن رايتس ووتش الهجمات على المدنيين. وألمح الجيش الإسرائيلي إلى أن المسلحين جاؤوا من غزة ولكن المجموعات الفلسطينية المسلحة في غزة نفت ذلك.
وبعد هجمات مدينة إيلات، استهدفت غارة إسرائيلية في 18 أغسطس منزلا في مدينة رفح الجنوبية فقتلت خمسة عناصر من لجان المقاومة الشعبية، وهو فصيل فلسطيني مسلح اتهمته إسرائيل بمسؤوليته عن الهجمات ولكنه أنكر. كما أودت الغارة بحياة طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات أثناء تواجده في المنزل، وهو ابن لأحد أعضاء المجموعة.
وكردّ على ذلك، أعلنت المجموعات الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك لجان المقاومة الشعبية وكتائب القسّام (الجناح العسكري لحماس) وسرايا القدس (الجناح العسكري للجهاد الإسلامي)، نهاية التزامها غير الرسمي أحادي الجانب بعدم إطلاق النار على إسرائيل، وهو التزام انضمت إليه الفصائل الفلسطينية دون أن تراعيه جيداً، منذ أبريل/نيسان. واستنادا إلى مصادر إسرائيلية، أطلقت الفصائل الفلسطينية، منذ 18 أغسطس/آب، ما يقارب 149 صاروخا على القرى والمدن الإسرائيلية مثل عسقلان وأشدود وبئر السبع. وقال متحدث باسم مايغن ديفد أدوم لـ هيومن رايتس ووتش، وهو جهاز الخدمات الطبية الطارئة في إسرائيل، إن الهجمات تسببت في مقتل مدني واحد وإصابة ما لا يقل على أربعة مدنيين إسرائيليين آخرين بجروح بليغة.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الصواريخ المستعملة، مثل صواريخ "غراد" سوفيتية الصنع، هي بطبيعتها عشوائية عندما يتم إطلاقها على مناطق سكنية. ولا يبدو أن أيّا من هذه الصواريخ أصابت هدفا عسكريا. على سبيل المثال، أعلنت سرايا القدس مسؤوليتها عن إطلاق ثلاثة صواريخ على "مدينة بئر السبع" يوم 24 أغسطس/آب، دون أن تحدد هدفا عسكريا، "انتقاما" من الغارة الإسرائيلية التي قتلت أحد عناصر الفصيل المسلح. وقالت هيومن ريتس ووتش إن المسؤولين عن شن هجمات متعمدة وعشوائية على المدنيين إنما يرتكبون جرائم حرب.
وتسببت الهجمات الصاروخية في مقتل وجرح المدنيين وتدمير ممتلكات مدنية. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن صاروخا فلسطينيا من طراز غراد تسبب مساء 20 أغسطس/آب في مقتل يوسي شوشان، من أوفاكيم و يبلغ من العمر 38 سنة ويعمل مفتش بلدية، عندما خرج ليصطحب زوجته الحامل من منزل أخيها في بئر السبع، 40 كيلومترا شرق غزة. وقال دودو كادوش، وهو أحد السكان وقام بإسعاف أحد المصابين في الهجوم، لموقع Ynetالإخباري إنه بعد سماع صفارة الإنذار وانفجارين، شاهد "شخصين ممددين في الطريق وكانت رجل أحدهما تكاد تنقطع لا يربطها إلا العظام، بعد أن انكشف اللحم الذي يغطيها". وقال ساكن آخر إن الصاروخ أصاب رجلين بقيا في الخارج بعد صفارة الإنذار وكانا "يجريان لدخول المنازل والاحتماء بداخلها"، حسب ما قال الموقع.
وتسببت العديد من الهجمات الصاروخية في وقوع إصابات بليغة. وفي 19 أغسطس/آب،أصابت صواريخ غراد مدرسة دينية وكنيس في مدينة أشدود، 35 كيلومترا شمال غزة، وألحقت جروحا بليغة باثنين من الطلبة. وقال أحدهم لموقع Ynetالاخباري أنه كان يصلي عندما سمع صفارات الإنذار. وأضاف: "أسرعنا إلى بنايةمجاورة وانتظرنا هناك بعض الدقائق ثم خرجنا منها لمواصلة صلواتنا، وفجأة سمعنا انفجارا قويا. لم نتمكن من رؤية أي شيء وكان الناس يسقطون على الأرض."
وقالت الإذاعة الإسرائيلية إن شظايا أخرى سقطت قرب مدينة أشدود جنوب إسرائيل في نفس اليوم وتسببت في جرح ثلاثة عمال فلسطينيين كانوا نائمين في الخارج غير بعيد عن مكان سقوط الصاروخ. كما قالت مصادر إعلامية إسرائيلية إن صاروخا ألحق أضرارا بليغة بمنزل في كيبوتز تابعة لأوفاكيم قرب غزة، وتسبب في جرح طفل يبلغ من العمر أربعة أشهر وطفلة عمرها ثماني سنوات وشاب. وقامت السلطات الإسرائيلية بإلغاء جميع التظاهرات العامة في الأماكن التي تقع في مدى سقوط الصواريخ التي يقع إطلاقها من غزة، ويعيش في هذه المنطقة ما لا يقل عن 800 ألف إسرائيلي.
وقالت سارة ليا ويتسن: "إن هجمات الجماعات الفلسطينية المسلحة ليست مخزية فقط، وإنما هي أيضا غير مشروعة".
تم إطلاق ما لا يقل عن أربعة صواريخ من غزة منذ 18 أغسطس/آب، سقطت في مدى أقصر من الأهداف المحددة لها في إسرائيل وتسببت في جرح فلسطينيين في غزة. وأفاد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أنه في 21 أغسطس/آب، تسببت شظية من صاروخ محلي الصنع أطلقته إحدى المجموعات المسلحة في إصابة سمر مسعود الشيخ على مستوى الحوض والظهر عندما سقط الصاروخ على حي التفاح شرق مدينة غزة. كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن الصاروخ الذي سقط قبل أن يبلغ هدفه ألحق أضرارا بمدرسة القطنة شمال مدينة غزة.
أما الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد استهدفت في مناسبتين اثنتين مناطق مدنية لم تتمكن هيومن رايتس ووتش أن تعثر فيها على أدلة على أن الأهداف كانت لها غايات عسكرية أو أن أيًا من عناصر التنظيمات المسلحة كان متواجدا هناك.
وأدت غارة إسرائيلية، حوالي الساعة الواحدة والنصف صباح 25 أغسطس/آب، الى تدمير ناد رياضي، وهو نادي السلامة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة وعلى مسافة خمس كيلومترات من الحدود مع إسرائيل. لم يُصب أحد بأذى في النادي الرياضي، لكن الغارة قتلت مدنيين اثنين في منزل مجاور يملكه عبد الرحمن المصري، وأصابت أشخاصا آخرين بجروح. ولاحظت هيومن رايتس ووتش وجود حفرة كبيرة في أرض النادي الرياضي وهو ما بدا مؤشرا على الإصابة بقذيفة جوية، ولكن المبنى كان خاليا من الناس أثناء الغارة.
وقال سكان مجاورون أن النادي، الذي يضم قاعة رياضية ومكاتب إدارية وملعبا لكرة القدم، هو مملوك لحركة الجهاد الإسلامي، ولكنهم لم يشاهدوا يوما أن المكان يُستعمل لأغراض عسكرية مثل التدريب أو كثكنة لسرايا القدس أو لتخزين الأسلحة. وقامت سرايا القدس بإطلاق صواريخ على إسرائيل منذ 18 أغسطس/آب ولكن السكان قالوا إن لا علم لهم بأية صواريخ أو قذائف تم إطلاقها من النادي الرياضي أو الأماكن المجاورة له. ولا توجد أي تقارير تشير إلى أن عناصر من التنظيمات المسلحة كانت هناك أثناء الهجوم أو أية انفجارات ثانوية وقعت في المكان قد تدل على أنه كان يُستعمل لتخزين الأسلحة.
وقال بعض السكان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن الغارة تسببت على الفور في مقتل سلامة المصري، ابن عبد الرحمن المصري، وعمره 18 سنة، وجرحت صديقه علاء جكبير، وعمره 22 سنة، الذي توفي لاحقا بسبب نزيف داخلي.
وقال عبد الرحمن المصري لـ هيومن رايتس ووتش إن ابنه وخمسة من أصدقائه "كانوا جالسين يتحدثون في الحديقة قرب الباب الأمامي عند وقوع الغارة. وارتجّ المنزل وانقطعت الكهرباء فجأة وبدأت النساء في الصراخ". كما قال عبد الرحمن المصري إن سلامة المصري أُصيب إصابة قاتلة في الرأس وأُصيب ثلاثة رجال آخرين بجروح، بما في ذلك علاء جكبير. وقال أحد الجيران لـ هيومن رايتس ووتش إن علاء جكبير توفي لاحقا بسبب نزيف داخلي، وقال السكان إن جميع المصابين كانوا من المدنيين. ولم يعلن أي فصيل مسلّح عن وقوع مصابين من صفوفه ضمن هؤلاء المصابين. ولم يذكر موقع كتائب القسام على الإنترنت، الجناح العسكري لحركة حماس، علاء جكبير، ولكنه وصف سلامة المصري بأنه "أحد السكان" ولم يوصف بالمقاتل.
وكان يسكن المنزل الذي تضرر كثيرا 14 شخصا من نفس العائلة. وقال السكان ومسعفو الطوارئ في غزة إن الغارة تسببت في جرح ما يتراوح بين 20 و25 شخصا وكان 13 منهم نساءً وأطفالا.
وقال سكان آخرون في الجوار لـ هيومن رايتس ووتش إن الغارة ألحقت أضرارا جسيمة بممتلكاتهم. وقال منذر عزاز لـ هيومن رايتس ووتش، وهو صاحب منزل لم يكتمل بناؤه، إنه كان ينوي الانتقال إليه من مخيم للاجئين في الجوار بعد رمضان. وأضاف "لقد بعت كل ما أملك لبناء هذا المنزل، أما الآن وقد تهدّم فلست أعلم ماذا أنا فاعل".
كما قال عماد عبد النبي وشقيقه فتحي لـ هيومن رايتس ووتش إن الغارة ألحقت أضرارًا بليغة بمنزلهم ذو الطابقين القريب من النادي الرياضي. وأضاف عماد عبد النبي "لم يعد لنا مكان نلجأ إليه". كما تسببت الغارة في مقتل الماشية التي يملكها الأخوان والتي كانت تمثل دخلهم الرئيسي.
وتحدث بيان للجيش الاسرائيلي صدر ذلك اليوم عن مبنى لتخزين الأسلحة شمال غزة وخلايا تُطلق الصوريخ ولكنه لم يتحدث عن الهجوم على النادي الرياضي.
وقالت سارة ليا ويتسن: "إن ملكية الجهاد الإسلامي للنادي الرياضي لا تجعل منه هدفًا عسكريًا. إضافة إلى ذلك، لماذا استعملت إسرائيل أسلحة في منطقة سكنية، فتسببت في ذلك الدمار الذي لحق بمنازل المدنيين قرب أهدافها؟"