(بيروت) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الهجمات الحدودية التي تشنها كل من إيران وتركيا على منطقة كردستان العراقأسفرت عن مقتل 10 مدنيين على الأقل وأدت لنزوح المئات منذ أواسط يوليو/تموز 2011. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ربما شنتبعض الهجمات دون بذل محاولات كافية لضمان تقليص الضرر اللاحق بالمدنيين لأقصى حد.
وتقول إيران وتركيا إن العمليات العسكرية – وتشمل هجمات بالمدفعية والقصف الجوي – موجهة إلى جماعات مسلحة ناشطة في كردستان العراق على امتداد الحدود الشمالية والشرقية للعراق. عندما زارت هيومن رايتس ووتش هذه المناطق في أغسطس/آب، قال سكان ومسؤولون عراقيون إن العديد من المناطق المستهدفة مدنية تماماً ولا تستخدمها جماعات مسلحة.
ويظهر من الأدلة والقرائن أن القصف الإيراني المنظم ربما كان محاولة لإجبار المدنيين العراقيين على الابتعاد عن بعض المناطق القريبة من الحدود الإيرانية.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "المدنيون في شمال العراق يعانون عاماً بعد عام من الهجمات على الحدود، لكن الوضع الآن في غاية السوء. على كل من إيران وتركيا بذل كل المستطاع لحماية المدنيين وأملاكهم من الضرر، مهما كانت أسباب هجماتهماعلى كردستان العراق".
بدأت إيران هجماتها الحدودية في شمال العراق أواسط يونيو/حزيران، زاعمة أنها تستهدف جماعة مسلحة تابعة لحزب حياة كردستان الحرة الكردي الإيراني، الذي يتحرك ويعمل من منطقة جبلية حدودية. وبداية من 18 أغسطس/آب شنتتركيا في هجمات عبر حدودها مع العراق، فاستهدفت عناصر حزب العمال الكردستاني، وهو جماعة مسلحة تنتمي لحزب حياة كردستان الحرة، يقاتل منذ عشرات السنين في نزاع ممتد مع تركيا.
القصف الإيراني
أدت العمليات العسكرية الإيرانيةضد حزب حياة كردستان الحرةمنذ أواسط يوليو/تموز داخل القرى القريبة من الحدود الإيرانية وبالقرب منها، إلى نزوح مئات الأسر، ووفاة 3 على الأقل من السكان، مع إصابة عدد غير معلوم من الأفراد، بحسب تقديرات منظمات إنسانية دولية ومسؤولي حكومة إقليم كردستان وتقارير إعلامية. وقال قرويون من المناطق الحدودية لـ هيومن رايتس ووتش مطلع أغسطس/آب إن القصف أضر ببيوتهم، وأنهم رأوا جنوداً إيرانيين يعبرون الحدود إلى العراق ويقتلون ماشية المزارعين. كانت الهجمات على المدنيين وممتلكاتهم التي وصفوها مشابهة لهجمات وثقتها هيومن رايتس ووتشفي يونيو/حزيران 2010.
وقد زارت هيومن رايتس ووتش قضاء شومان وقلط ديزا ومناطق قاسرية وسنجسار وذراوة، في الفترة من 26 يوليو/تموز إلى 6 أغسطس/آب، وقابلت أكثر من 12 شخصاً من سكان القرى النازحين وكذلك آخرين في قرى ما زالت تتعرض للقصف. وقال جميع من أجريت المقابلات معهم إن الجماعات الكردية المسلحة لم تنشط مطلقاً في مناطقهم وأنه لم تكن هناك أي أهداف عسكرية أخرى في المنطقة في أي وقت قبل القصف أو خلاله. تقع المناطق المتأثرة بالقصف في منطقة جبل قنديل، على امتداد الحدود الشرقية لأربيل والسليمانية، وهي مناطق تديرها حكومة إقليم كردستان.
في مخيم جوجر المزدحم للاجئين في السليمانية، قالت فاطمة محمود (70 عاماً) لـ هيومن رايتس ووتش إنها فرت من هناك مع 11 شخصاً من عائلتها أواخر يوليو/تموز، بعد أن أصابت قذيفتان إيرانيتان بيتها في قرية سونى، على مسافة 30 كيلومتراً غربي قلط ديزا. وقالت إن مسجد ومدرسة القرية قد تضررا أيضاً بسبب القصف.
وقالت: "إيران تقصف منطقتنا منذ أكثر من ست سنوات، لكن القصف هذا العام لا يُصدق". وتابعت: "لا أعرف لماذا تقصف إيران قريتنا، فلم نر أي من عناصر حزب كردستان الحرة هنا بالمرة. لم أرى أي أعضاء [من الحزب] في قريتنا مطلقاً".
الهجمات التركية
بدأت تركيا في 18 أغسطس/آب حملة قصف مدفعي وجوي على حزب العمال الكردستاني، الذي اتهمته قبل ذلك بهجمات قاتلة وقعت في تركيا. ووفقا لمسؤولين عراقيين هاجمت طائرات مقاتلة تركية في 21 أغسطس/آب عربة تحمل مدنيين. أسفر الهجوم عن مقتل سبعة من أفرادعائلة واحدة، وفقا لما أفاد بهأقارب القتلى، ومسؤولونمحليونوإعلاميون. وقد نفت تركيا مسؤولية طائراتها عن الحادث.
كانت العائلة – ومعهاأربعة أطفال – في سيارة على طريق رئيسية يرتادها الناس كثيراً، في شاحنة نيسان 2011 بيضاء، وكانوا قادمين من قرية بولى إلى قرية رانيا لزيارة أقارب. قال شمال حسن لـ هيومن رايتس ووتش في 29 أغسطس/آب إن الهجوم أسفر عن مصرع زوجته على الفور، وتُدعى ريزان، وابنتيهما، سولين – البالغةمن العمر شهرين – وسونيا –18 شهراً. كما أودى الهجوم بحياة والديزوجته وطفلين آخرين.
وقال حسن لـ هيومن رايتس ووتش وهو يحاول حبس دموعه: "كان الهجوم مدمراً لدرجة أننا لم نتعرف على جثامينهم. أريد أن يُحمل المجتمع الدولي المسؤولية لتركيا. لقد دمرواحياتي".
وجاءت الصور الإعلامية التي أصدرتها عدة منظمات إخبارية من كردستان العراق للحادث متفقة مع وصف حسن، وتظهرفيها جثث لأطفال وبالغين مبتورة الأطراف ومتفحمة، مبعثرة على الأرض قرب بقايا عربة محطمة. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من جانبها من التأكد من صحة الصور. ولا توجد أدلة على وجود أي هدف عسكري في المنطقة التي شهدها الهجوم.
وفيما قال الجيش التركي إنه قتل أكثر من 145 شخصاً يُشتبه بانتمائهم إلى مسلحي حزب العمال الكردستاني بالقصف المدفعي والجوي شمالي العراق منذ 17 أغسطس/آب، فقد أنكر قتل طائراته لأفراد الأسرة، وقال إن التغطية الإخبارية للعربة المحطمة لا تستقيم مع نمط التدمير الذي يحدثه القصف الجوي التركي. إلا أن مسؤولين أتراك قالوا إن الطائرات التركية كانت تقصف عدة أهداف عسكرية في ذلك التوقيت في تلك المنطقة، مثل مدافع مضادة للطائرات ومستودعات ذخيرة.
إلا أنالمسؤولين السياسيين والعسكريين العراقيين أنحوا بالمسؤولية عن الهجوم مرارا على الطائرات التركية. وصدر بيان في 28 أغسطس/آب من حكومة إقليم كردستان ورد فيه: "رئيس الحكومة برزاني يدين بشدة الهجمات العسكرية التركية" التي ذكر البيان أنها مسؤولة عن وفاة سبعة أشخاص.
نزوح المدنيين
قال عبد الواحد جواني، عمدة قضاء شومان – المنطقة التي تعرضت لضرر بالغ من القصف الإيراني – إن هجوم إيران وتركيا أدى لمقتل 9 مدنيين ونزوح 325 أسرة من شومان و 500 أسرة من منطقة سيدكان.
وقال جواني: "إنهم [إيران وتركيا] لا يميزون بين المدنيين والجماعات المسلحة، والقصف أكثر كثافةمقارنة بالعام الماضي. لقد لاحظنا أن القصف التركي أكثر عشوائية هذا العام، فقد كانوا يستهدفون مواقع محددة خلال السنوات الماضية، لكن أكثر عشوائية هذه المرة".
في وقت مبكر من أغسطس/آب، قال جواني وعدد من سكان القرى النازحين لـ هيومن رايتس ووتش إن الهجمات أجبرت المئات من فقراء المزارعين على ترك محاصيلهم دون رعاية، مما أدى لتدمير الكثير من محصول هذا العام. وقال عدد من المزارعين لـ هيومن رايتس ووتش إن القصف الذييتكرر عاما بعد عامأثناء موسم الزراعة والحصاد القصير، هومتعمد لإبعاد المدنيين عن المنطقة عن طريق الإضرار بسبل عيشهم.
وخلال السنوات الماضية، دأبت منظمات الإغاثة والبلديات المحلية على الوفاء باحتياجات الأسر النازحة الأساسية. ولا يوجد لدى حكومة إقليم كردستان سجل رسمي بالسكان النازحين.
وقال ممثل منظمة إنسانية دولية تعمل في المناطق المتضررة لـ هيومن رايتس ووتش في 30 أغسطس/آب إن الهجمات أدت إلى نزوح 450 أسرة، لكن هذا العدد هو تحديداً عدد عائلات كانت قد استوطنت مخيمات، وليس العائلات التي ما زالت لم تستقر بعد أو العائلات المقيمة مع أقارب أو في أماكن أخرى. وقام وفد من منظمات المجتمع المدني العراقية من بغداد بزيارة المناطق المتأثرة في 3 أغسطس/آب وأفاد بنزوح ما يصل إلى "750 أسرة من مناطق شومان وسيدي خان وحاج عمران".
وقالت المنظمة الدولية للهجرة لـ هيومن رايتس ووتش في 26 أغسطس/آب إنها قامت إلى الآن بتوزيع المساعدات على نحو 295 أسرة في المخيمات –275 أسرة في السليمانية و20 أسرة في إربيل – لكن هناك 300 أسرة أخرى من إربيل نزحت وربما تحتاج للمساعدة في المستقبل.
ردود الفعل الحكومية
قامت حكومة العراق في أغسطس/آب باستدعاء سفيري إيران وتركيا في بغداد بسبب القلق من العمليات العسكرية، وأدان البرلمان العراقي وبرلمان إقليم كردستان الهجمات بشدة.
وفي 27 يوليو/تموز أفادهيومن رايتس ووتش مسؤول برلماني عراقي طلب عدم ذكر اسمه إنهأثناء اجتماع مع دبلوماسي إيراني رفيع المستوى ذلك اليوم، شدد الدبلوماسي على أن خلق منطقة عازلة على امتداد الحدود الإيرانية "أمر مهم لإيران"، على أن تكون هذه المنطقة العازلة "خالية من السكان". وقال المسؤول إن الدبلوماسي اقترح نشر قوات من الجيش العراقي في المنطقة، بدلاً من قوات إقليم كردستان التي تقوم بدوريات حالياً على الحدود، لأن العراقيين "ليسوا قريبين" مقارنةبالسكان الأكراد.
وقال مسؤولون من حكومة إقليم كردستان ومن الحكومة المركزية في بغداد لـ هيومن رايتس ووتش خلال الأسابيع الماضية إن إيران وتركيا كانت ردودهما غير العلنية تتسم بالتحدي واللامبالاة. وتقول الدولتان علناً بأن لهما الحق في مهاجمة الجماعات المسلحة في شمال العراق، ونفت الدولتان استهداف المدنيين.
وفي مؤتمر صحفي بتاريخ 21 أغسطس/آب في تركيا، قال نائب رئيس الوزراء بكير بوزداغ إن العمليات العسكرية "سوف تستمر دون تردد كلما كانت لها ضرورة". وقال حاكم منطقة غرب أذربيجان الإيرانية، وحيد جلال زادة للتلفزيون الإيراني الرسمي في 6 أغسطس/آب: "سوف تستمر العملية القائمة ضد التنظيم [حزب كردستان الحرة] إلى أن يُقتل جميع أفراده" لكنه وصف التقارير المتداولة عن عبور الجنود الإيرانيين الحدود معالعراق بأنها "شائعات".
وأقر حزب العمال الكردستاني وحزب كردستان الحرة بشن هجمات مسلحة على جنود أتراك وإيرانيين في إطار ما يقولان إنهنضال من أجل المساواة العرقية للأكراد في تركيا وإيران.
وقال جو ستورك: "يبدومن الأدلة أن تركيا وإيران لا تبذلان الجهد المطلوب لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين جراءهجماتهما، وبالنسبةلإيرانعلى الأقل، فمن الوارد جداً أنها تستهدف المدنيينعمداً". وتابع: "بغض النظر عن دوافعالهجمات، فلابد من احترام القانون الدولي الإنساني".