قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الفصائل الفلسطينية المسلحة ترتكب أثناء القتال الدائر في قطاع غزة انتهاكاتٍ جسيمة للقانون الإنساني الدولي ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب في بعض الحالات.
وخلال الاقتتال الداخلي الفلسطيني في الأيام الثلاثة الماضية، أقدمت القوات العسكرية التابعة لكلٍّ من فتح وحماس على إعدام الأسرى من غير محاكمة، وقتلت أشخاصاً لا علاقة لهم بالأعمال العدائية، وتحاربت فيما بينها داخل المستشفيات الفلسطينية وفي جوارها. وفي يوم السبت، أقدم فلسطينيون مسلحون ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي وإلى كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، على استخدام سيارةٍ عليها إشارة التلفزيون (TV) لمهاجمة موقع عسكري إسرائيلي عند حدود غزة.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تشكل هذه الهجمات التي تشنها فتح وحماس اعتداءات وحشية على أهم المبادئ الإنسانية. يعتبر قتل المدنيين غير المشاركين في الأعمال العدائية، وكذلك قتل الأسرى عمداً، جريمة حربٍ ببساطة ووضوح".
وفي يوم الأحد، أسرت قوات حماس محمد سويركي البالغ 28 عاماً، والذي يعمل طباخاً لدى حرس الرئيس محمود عباس، ثم أعدمته بإلقائه من بناءٍ يبلغ ارتفاعه 15 طابقاً بعد أن أوثقت يديه وساقيه. وفي وقتٍ لاحق من تلك الليلة، أطلقت قوات فتح النار على خطيب الجامع الموالي لحماس محمد الرفاتي، ثم ألقت القبض عليه وألقته من قمة أحد الأبنية المرتفعة في غزة. وفي يوم الاثنين، هاجمت قوات حماس في بيت لاهية منزل أحد كبار مسؤولي فتح، جمال أبو الجديان، وألقت القبض عليه ثم أعدمته في الشارع بأعيرة نارية كثيرة. وفي يوم الثلاثاء، تحدثت الأنباء عن مقتل عددٍ آخر من الأشخاص غير المشاركين في الأعمال العدائية.
وفضلاً عما تقدم، دارت يوم الاثنين معارك بين فتح وحماس داخل اثنين من مستشفيات قطاع غزة وحولهما. فبعد قيام مقاتلي حماس بقتل ضابط الاستخبارات في فتح ياسر بكر، شرع مقاتلو فتح بإطلاق قذائف الهاون والرمانات ذات الدفع الصاروخي باتجاه مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وردت عليهم حماس بإطلاق النار من داخل المبنى، فقتل مقاتلٌ من حماس وآخر من فتح. وفي أحد المستشفيات ببيت حانون، قُتل ثلاثةٌ من أفراد أسرةٍ لها صلةٌ بفتح، وهم عيد المصري وولداه فرج وإبراهيم؛ كما جُرح عددٌ من الأشخاص. وقال موظفو المستشفى إن الثلاثة كانوا يخضعون للعلاج من جروحٍ لحقت بهم في وقتٍ سابق. ويقال إن أحدهم تعرض لإطلاق النار من مسافةٍ قصيرة.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن جميع الأطراف المشاركة في نزاعٍ مسلح تخضع إلى القانون الإنساني الدولي العرفي الذي يحظر إنزال أذى متعمد بالمدنيين وبغير المشاركين في الأعمال العدائية المسلحة في اللحظة المعنية. كما أن القانون الإنساني الدولي يمنح حمايةً خاصة للعاملين الطبيين وللمستشفيات، ويجب حماية واحترام المستشفيات المدنية والعسكرية والوحدات الطبية مهما تكن الظروف.
وفي حادثةٍ جرت يوم 9 يونيو/حزيران، قاد أربعة فلسطينيين مسلحين سيارة جيب بيضاء تحمل علامة (TV) باتجاه سياجٍ مقام على الحدود بين إسرائيل وغزة وأطلقوا النار على الجنود الإسرائيليين. رد الإسرائيليون على النار بالمثل فقتلوا فلسطينياً واحداً. وقد ادعى متحدثون باسم الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى المنبثقة عن فتح المسؤولية عن هذا الهجوم، لكن متحدثاً باسم الجهاد الإسلامي أنكر قيام فلسطينيين بوضع شارات صحفية على السيارة المستخدمة في هذا الهجوم واتهم الجيش الإسرائيلي بفعل ذلك بعد الهجوم. على أن الصور التي التقطتها أسوشييتد برس أثناء الهجوم تظهر إشارة (TV) مكتوبةً بالأحمر على مقدمة السيارة.
وقالت سارة ليا ويتسن: "يعد استخدام سيارة تحمل شاراتٍ صحفية في تنفيذ هجومٍ عسكري خرقاً خطيراً لقوانين الحرب؛ وهو ما يعرض الصحفيين للخطر".
وينص القانون الإنساني الدولي العرفي على أن الصحفيين غير المشاركين مباشرةً في الأعمال العدائية في مناطق النزاعات المسلحة "يجب اعتبارهم كالمدنيين". أما إساءة الاستخدام المتعمدة لوضع الحماية هذا بغية خداع الخصوم في محاولةٍ لقتلهم أو جرحهم أو أسرهم فهي ترقى إلى مرتبة الغدر، وهي خرقٌ جسيم للقانون الإنساني الدولي.
وفي يوم الأحد انتقد اتحاد الصحفيين الفلسطينيين إقدام الفصائل المسلحة على استخدام شارات صحفية، وذلك في بيانٍ جاء فيه: "إن استخدام سيارات تحمل إشارة ’Press‘ أو ’TV‘، أو غيرها... يعرض أرواح الصحفيين للخطر ويمنح الاحتلال الإسرائيلي ذريعةً لاستهداف الصحفيين وقتلهم، كما يحد من قدرة الصحفيين على أداء واجبهم المهني والوطني.... ونحن نطالب جميع الأطراف بالكف عن استخدام هذا الأسلوب".