Skip to main content

العراق: صلاحيات عرفية جديدة تهدد الحقوق الأساسية

قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن خطة بغداد الأمنية الجديدة التي طرحها رئيس الوزراء نوري المالكي تمنح القادة العسكريين سلطات واسعة جداً في اعتقال الأشخاص وتقييد حرياتهم الأساسية في التعبير والاجتماع.

ففي 13 فبراير/شباط، أعلن المالكي عن سلطاتٍ عرفيةً جديدة تخول القادة العسكريين صلاحية تنفيذ اعتقالات من غير مذكرات اعتقال، و مراقبة الاتصالات الخاصة، وصلاحية فرض قيود على جماعات المجتمع المدني ببغداد. وأعلن قائد عمليات بغداد الفريق الركن عبود قنبر هاشم أن ذلك المرسوم جزء من الخطة التي اعتمدتها الحكومة العراقية مؤخراً لكبح جماح تصاعد الحرب الأهلية في البلاد.

ويمنح المرسوم الفريق هاشم سلطات واسعة جداً في تنفيذ عمليات التفتيش والمصادرة من غير مذكرات قضائية؛ وكذلك في اعتقال الأشخاص واحتجازهم واستجوابهم؛ وفي مراقبة وتفتيش ومصادرة "جميع الطرود البريدية والرسائل والبرقيات وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية"؛ فضلاً عن فرض القيود على كافة التجمعات العامة، بما فيها ما يجري في "المراكز والنوادي والمنظمات والنقابات والشركات والمؤسسات والمكاتب".

وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لا ريب في أن الحالة الأمنية في بغداد صعبة جداً. لكن إطلاق يد الجيش في انتهاك حقوق العراقيين الأساسية ليس بالحل الصحيح". ومضت تقول: "يحدّ القانون الدولي بصرامة من القيود التي يمكن للحكومات فرضها على الحقوق الأساسية أثناء حالات الطوارئ العامة. وأما أحكام القانون العرفي العراقي الجديد فهي تفتح الباب واسعاً أمام الانتهاكات".

ولا يقدم المرسوم ذو الصياغة الغامضة إلا تفاصيل قليلة عن كيفية تطبيق هذه الأنظمة. وهو لا يضع حداً زمنياً لسريان الشطر الأكبر من أحكامه؛ كما لا يضع حدوداً بعينها على تفتيش الممتلكات الخاصة أو تفتيش المراسلات الخاصة ومصادرتها. ومع أنه يفرض على قوات الجيش والأمن التي تعمل تحت القيادة العسكرية أن "تتقيد بالقانون" عند قيامها بعمليات التفتيش واعتقال الاشخاص واستجوابهم، وكذلك أن "تلتزم حقوق الإنسان" عامةً عند تنفيذ المرسوم، فهو لا يورد تفصيلاتٍ عن أية حماية أو ضمانات.

إن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه العراق عام 1976 يسمح بفرض قيود محددة على حقوق بعينها أثناء حالات الطوارئ المعلنة رسمياً التي تهدد حياة الأمة. وترى لجنة حقوق الإنسان، وهي هيئة الخبراء الدولية التي تراقب التزام الدول بذلك العهد، أن أي انتقاص من الحقوق أثناء حالات الطوارئ العامة يجب أن يكون ذا طبيعة استثنائيةٍ مؤقتة، وأنه يجب أن يكون "محدداً بالحدود التي تفرضها مقتضيات الوضع". على أن ثمة حقوقاً بعينها لا بد من احترامها دائماً حتى خلال حالة الطوارئ العامة، وذلك من قبيل الحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وبموجب القانون الدولي ليس للدول أن تستعين بحالة الطوارئ للسماح بالحرمان التعسفي من الحرية أو بالاحتجاز غير المصرّح به، كما ليس لها أن تحيد عن المبادئ الأساسية الخاصة بالمحاكمة المنصفة، بما فيها قرينة البراءة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الأشخاص المحتجزين بصفة موقوفين إداريين بموجب حالة طوارئ قانونية يجب أن يتمتعوا كحد أدنى بالحق في المثول أمام القضاء سريعاً عقب اعتقالهم، وفي إحاطتهم علماً بأسباب تجريدهم من حريتهم، وفي الاتصال فوراً بمحاميهم وعائلاتهم. كما يجب السماح لهم بالاعتراض على قانونية احتجازهم من خلال جلساتٍ منصفة، وكذلك بالتماس الإنصاف من سوء المعاملة والاحتجاز التعسفي.

وبغية تنفيذ المرسوم الجديد، استعان المالكي بالمادة 58(تاسعاً)(ج) من الدستور العراقي التي تخوله سلطة سن قوانين طوارئ لا تخالف الدستور: "يخوَّل رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شؤون البلاد خلال مدة إعلان الحرب وقانون الطوارئ، وتنظم هذه الصلاحيات بقانون، بما لا يتعارض مع الدستور". كما استعان أيضاً بقانون حماية الأمن الوطني الصادر عام 2004.

وفضلاً عن تخويل الجيش صلاحيات واسعة لتجريد العراقيين من الحرية، يمنح المرسوم الفريق هاشم سلطة كاملة على قوات الدفاع وقوات وزارة الداخلية.والواضح أن الهدف هو ضبط قوات الأمن في البلاد بعد أن تشظت في العامين الماضيين إلى فرقٍ كثيرة ترتبط بالميليشيات الشيعية والسنية. وثمة أدلة متزايدة تشير إلى تورط قوات وزارة الداخلية في اختطاف وتعذيب وقتل أفراد من الطائفة السنية. (https://www.hrw.org/english/docs/2006/10/29/iraq14473.htm)

ويسمح المرسوم بالتوسع في فرض عقوبة الإعدام، وهي عقوبة تعارضها هيومن رايتس ووتش في جميع الأحوال كونها قاسية ولاإنسانية بطبيعتها. وتشير ثلاثة مواد في المرسوم الجديد إلى قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005، وهو يسمح بفرض "أقسى العقوبات" بحق من يدانون بمجموعة واسعة من الجرائم من بينها الاغتصاب والسرقة والقتل والخطف وتخريب الممتلكات الخاصة أو العامة، علاوة على ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المرسوم، أو المشاركة فيها، أو الحضّ عليها. ومما يزيد من دواعي القلق إلى حد كبير غياب حمايات المحاكمة المنصفة عن المرسوم الجديد.

وتتضمن أحكام أخرى في المرسوم تمديد العمل بحظر التجول اليومي في بغداد من الثامنة ليلاً إلى السادسة صباحاً؛ وكذلك تعليق تراخيص حيازة الأسلحة بحيث تقتصر ملكية السلاح على قوات الأمن وعلى الحرس الذين يرافقون المسئولين أو يحرسون منازلهم.

ويعتبر المرسوم خطوة إيجابية فيما يخص حماية منازل وممتلكات الأشخاص المشردين قسراً من غائلة الاحتلال غير القانوني لمنازلهم، وذلك كما تدعو مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية الخاصة بالمشردين داخلياً. وهو يعالج خاصةً قضية واضعي اليد الذين يشغلون منازل نحو 3.8 مليوناً من الأشخاص الذين نزحوا أو شرّدوا.

ويلزم المرسوم واضعي اليد بإخلاء المنازل التي استولوا عليها، أو بإثبات موافقة مالكيها على شغلهم إياها، وذلك خلال مهلة لا تزيد عن ستة شهور. ويعترف هذا الحكم من أحكام المرسوم اعترافاً واضحاً بضخامة عدد العراقيين، سنةً وشيعة، ممن أرغموا على هجر ديارهم بفعل العنف المتفشي في البلاد، وممن استولى غيرهم على منازلهم.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة