قالت هيومن رايتس ووتش اليوم أن الاقتراح الذي طرحه بعض المسؤولين الإسرائيليين بقطع الكهرباء عن قطاع غزة انتقاماً من الهجمات الصاروخية التي تشنها الجماعات المقاتلة الفلسطينية ضد إسرائيل يمثل عقاباً جماعياً غير مشروعا بحق السكان المدنيين في غزة.
وقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرا يوم الأربعاء قال بأن مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية ناقشوا خططاً لقطع الكهرباء عن قطاع غزة إذا واصلت الجماعات الفلسطينية المقاتلة إطلاق صواريخ القسام إلى داخل إسرائيل.
و تدين هيومن رايتس ووتش استخدام صواريخ القسام كون تلك أسلحة لا تميز بين مدني وعسكري ويتم إطلاقها ضد المناطق المدنية الإسرائيلية غالباً، وهو ما يعتبر انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. وتدعو هيومن رايتس ووتش الجماعات المقاتلة إلى وقف تلك الهجمات. وبالمقابل فلا بد أن تكون جميع التدابير التي تتخذها إسرائيل لحماية مواطنيها من هذه الهجمات منسجمةً مع التزاماتها حيال القانون الإنساني الدولي.
ويعد قطع الكهرباء عن جميع سكان غزة انتهاك للمبدأ الأساسي في القانون الإنساني الدولي والذي يمنع الدولة التي تمارس السيطرة الفعلية على الأرض من مهاجمة السكان المدنيين أو حرمانهم من المستلزمات الأساسية للبقاء. كما أن اللجوء لهذه الممارسة من شأنه خرق لواجبات إسرائيل، بصفتها قوةً محتلة، في الحفاظ على صحة السكان الواقعين تحت الاحتلال وعلى أسباب معاشهم.
وقد قالت النسخة الإلكترونية من صحيفة ييدعوت أحرونوت، وهي أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، أن ضباطاً كباراً في قيادة المنطقة الجنوبية المسئولة عن العمليات في شمال غزة وحوله قد عبروا عن معارضتهم الشديدة لتلك الخطة عند لقائهم وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز لمناقشة الردود الممكنة على هجمات صواريخ القسام.
وقالت سارة ليا ويتسون، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إن من شأن قطع التيار الكهربائي عن السكان الفقراء أصلاً، أن ينتج عواقب كارثية من الناحية الإنسانية. فهو يخلق صعوبات حادة لأنه يعطل الخدمات الحكومية الأساسية ويرغم الشركات والمصانع على الإقفال ويؤدي إلى فساد الأغذية والدواء ويعطل عمل المستشفيات".
لقد سحبت إسرائيل قواتها العسكرية ومستوطنيها من قطاع غزة في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، لكنها لا تزال مسؤولة عن ضمان معيشة سكانها طالما تحتفظ بسيطرتها الفعلية على تلك المنطقة. فهي لا تزال تمارس السيطرة الفعلية على حدود غزة وعلى مجالها الجوي والبحري، إضافة إلى سيطرتها على الكهرباء والماء والصرف الصحي والاتصالات وسجلات النفوس. وبموجب خطة فك الارتباط، تحتفظ إسرائيل لنفسها بحق العودة عسكرياً إلى قطاع غزة في أي وقت تشاء.
وقد صرحت إسرائيل أنها يمكن أن تتخذ تدابير من هذا النوع لمعاقبة سكان غزة المدنيين بسبب مساندتهم للجماعات المقاتلة التي تنفذ هجمات صاروخية وانتحارية. وذكرت هآرتس أنه، وأثناء جدل حكومي بشأن قطع الكهرباء عن غزة، "كان الرأي السائد هو أن بمقدور الرأي العام الفلسطيني الضغط على المنظمات الإرهابية لإيقاف هجماتها إذا أصبح كثير من الفلسطينيين يرى بأن الثمن الذي يدفعونه بسبب تلك الهجمات قد صار باهظاً جداً".
ويرقى قطع الكهرباء عن غزة إلى مرتبة العقاب الجماعي وهو ما يحرمه القانون الإنساني الدولي بكل وضوح. وطبقاً لهذا المبدأ لا تجوز معاقبة شخص على جريمة لم يرتكبها شخصياً. وقد أوضحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تعليقها الرسمي على المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة أن "مفهوم العقوبات الجماعية يجب أن يؤخذ بأوسع معانيه: فهو لا يشمل الأحكام القانونية فقط، بل المضايقات والعقوبات من أي نوع كانت...".
وقالت ويتسون: "من المثير للقلق أن تختار الحكومة الإسرائيلية التنكر الصريح لالتزاماتها القانونية، بالنظر للعواقب القاسية لهذه التدابير على المدنيين الفلسطينيين".
وتلك ليست المرة الأولى التي تسعى فيها إسرائيل، منذ انسحابها من قطاع غزة، إلى معاقبة السكان عقاباً جماعياً بسبب أعمال الجماعات المقاتلة. فقد منعت جميع العمال الفلسطينيين من قطاع غزة من دخول إسرائيل من 14 سبتمبر/أيلول إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك في أعقاب هجوم صاروخي فلسطيني أدى إلى إصابة ستة إسرائيليين. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، منعت العمال الفلسطينيين في غزة (والضفة الغربية) من دخول إسرائيل لمدة ستة أيام بعد أن قتل انتحاري فلسطيني من شمال الضفة الغربية خمسة إسرائيليين من ناتانيا.
وخلال الفترات المذكورة لم يتمكن 5000 عامل فلسطيني، ممن يحملون تصاريح سارية المفعول لدخول إسرائيل، من الوصول إلى عملهم. ولفقدان أيام العمل هذه تأثيرشديد الوطأة في غزة على وجه خاص حيث تواصل معدلات الفقر ارتفاعها. وطبقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن 68% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر.