Skip to main content

العراق: النزاعات على الأراضي تؤجج القلاقل في كردستان

الأكراد المرحلون قسراً ينتظرون العدالة والمستوطنون العرب معرضون للخطر أيضاً

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد لها اليوم إن تقاعس السلطات عن حل النزاعات على الملكية العقارية بين الأكراد العائدين والعرب المستوطنين في شمال العراق يهدد بتقويض أركان الأمن في المنطقة. وأضافت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان قائلة إن الحكومة العراقية المؤقتة أصبحت الآن في أمسّ الحاجة لتنفيذ السبل القضائية للفصل في هذه النزاعات الناجمة عن عقود من سياسات التعريب التي أدت إلى اجتثاث مئات الآلاف من الأكراد وغيرهم من المواطنين غير العرب

وفي تقريرها الذي يقع في 78 صفحة، والصادر تحت عنوان "نزاعات على الملكية: تصحيح آثار التطهير العرقي في شمال العراق"، توثق منظمة هيومن رايتس ووتش الإحباط المتزايد لدى الآلاف من الأكراد النازحين، فضلاً عن التركمان والآشوريين، الذين يعيشون الآن في أوضاع متردية على نحو يبعث على اليأس والقنوط، انتظاراً للبت في دعاواهم بشأن ملكية العقارات. وتوضح المنظمة بالتفصيل كيف تقاعست "سلطة الائتلاف المؤقتة"، التي كانت تقودها الولايات المتحدة، عن اتخاذ الإجراءات اللازمة بهذا الصدد حتى بعد أن تفاقمت الأوضاع وباتت تنذر بالانفجار.

وفضلاً عن تنفيذ الوسائل القضائية لحل هذه النزاعات، لا بد للحكومة العراقية المؤقتة من اتخاذ تدابير عاجلة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة للآلاف من النازحين داخل العراق من الأكراد وسواهم من غير العرب الذين يرزحون تحت وطأة أوضاع بالغة السوء في مدينة كركوك الشمالية وما حولها. كما يتوجب على الحكومة المؤقتة إيجاد حلول دائمة للعائلات العربية التي أُرغمت هي الأخرى على الرحيل عن ديارها إثر سقوط الحكومة العراقية السابقة في أبريل/نيسان 2003.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش
"ما لم تتم معالجة هذه النزاعات بشأن الملكية العقارية على وجه السرعة، فإن التوترات المتصاعدة بين الأكراد العائدين والعرب المستوطنين يمكن أن تنفجر عما قريب لتتحول إلى أعمال عنف علنية؛ لا بد من إنصاف الأشخاص الذين وقعوا ضحايا لما كان في واقع الأمر بمثابة حملة تطهير عرقية استهدفت إحداث تغيير دائم في التركيبة العرقية لشمال العراق".
ويوثق التقرير تصاعد غضب واستياء العائدين من الأكراد المهجرين وغيرهم من أبناء الأقليات العرقية الأخرى، الذين باتوا يشعرون بأن الحل الوحيد للمشكلة ربما يتأتّى عن طريق الانتصاف لأنفسهم بأيديهم.

ومنذ أبريل/نيسان 2003، عاد الآلاف من المهجرين داخل العراق من الأكراد والتركمان وغيرهم إلى كركوك، وغيرها من المناطق التي تم تعريبها، لاسترداد منازلهم وأراضيهم التي أقام فيها منذ ذلك الحين عربٌ من وسط العراق وجنوبه. وكان هؤلاء العائدون قد طردوا قسراً من ديارهم على يد حكومة صدام حسين خلال الثمانينيات والتسعينيات.
وقالت ويتسن
"إن الأكراد يعودون أفواجاً إلى كركوك، ولكن المدينة ليست من السعة بحيث يمكنها استيعاب العائدين؛ ويعيش هؤلاء في مبانٍ مهجورة ومخيمات تخلو من إمدادات الماء الجاري أو الكهرباء، ويواجهون أوضاعاً أمنية متقلبة".
وفي الوقت ذاته، لم يُبذل أي جهد يُذكر لإيجاد حلول عادلة ودائمة لما يعرف باسم "عرب التعريب" الذين أصبحوا بدورهم آخر ضحايا للنزوح والتهجير الداخلي؛ فقد فر الكثير من مثل هذه العائلات من ديارهم إبان الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، أو أرغموا على ذلك فيما بعد، ولا سيما في المناطق الريفية، ولكنهم ظلوا يقيمون في ملاجئ مؤقتة بالقرب من ديارهم، بدون المرافق الأساسية. أما الآخرون الذين يعيشون في مناطق حضرية، ولا سيما كركوك، فلم يغادروا هذه المناطق قط، ولا يزالون في انتظار البت في المنازعات والادعاءات المتعلقة بملكية عقاراتهم.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن "سلطة الائتلاف المؤقتة" قد تقاعست عن معالجة التوترات المتصاعدة في شمال العراق، وتنفيذ استراتيجية للبت في ادعاءات ملكية العقارات، وتلبية احتياجات مختلف الطوائف هناك؛ وعندما حُلَّت "سلطة الائتلاف المؤقتة" رسمياً في 28 يونيو/حزيران، بعد أكثر من سنة من سقوط صدام حسين، لم تكن قد نفذت بعد آلية للبت في الادعاءات المتضاربة بشأن ملكية العقارات.

ورغم صدور قانون رسمي في يناير/كانون الثاني الماضي بتأسيس "الهيئة العليا المختصة بحل منازعات الملكية العقارية في العراق"، فحتى يونيو/حزيران الماضي، لم يكن تأسيسها قد اكتمل بعد، ولم تنته السلطات من وضع تعليماتها التنفيذية. وقد ورد أن الهيئة تلقت أكثر من 6000 طلب للبت في منازعات عقارية في 10 من لجانها في المحافظات البالغ مجموعها 18، ولكن لم يتم بعد تنفيذ الآلية القضائية التي أنشئت للفصل في هذه النزاعات على الملكية العقارية. وثمة قضية أخرى لم يعالجها قانون تأسيس الهيئة بصورة وافية، وهي أين يتم إعادة توطين عائلات المستوطنين العرب بعد إخلائهم للعقارات المتنازع عليها؛ فقد ظل الكثيرون منهم يعيشون في كركوك وغيرها من المناطق المعرَّبة منذ السبعينيات، وانقطع اتصالهم بمواطنهم الأصلية منذ ذلك الحين.
وقالت ويتسن
"إن السعي لإنصاف المهجَّرين من الأكراد وغيرهم لا يجوز أن يفضي لمظالم جديدة ضد المستوطنين العرب".
وحثت هيومن رايتس ووتش الزعماء السياسيين الأكراد على تنسيق جهودهم لتقديم المساعدة الإنسانية لعائلات المهجرين داخل العراق ممن عادوا للمطالبة بممتلكاتهم، وثني الآخرين عن العودة إلى محلات إقامتهم السابقة إلى حين البت في النزاعات على ملكية عقاراتهم.
خلفية
بدأت سياسة التعريب على نطاق هائل في النصف الثاني من السبعينيات، إذ حاولت الحكومة العراقية تغيير التركيبة السكانية لمنطقة شمال العراق بهدف تقليص وجود الأقليات العرقية ونفوذها السياسي، وتعزيز السيطرة الحكومية على هذه المنطقة الغنية بالنفط. وطُرد ما يقدَّر على الأرجح بنحو 250 ألفاً من الأكراد وغيرهم من المواطنين غير العرب من ديارهم قسراً في شمال العراق، بما في ذلك ما يقدر بنحو 120 ألفاً تم تهجيرهم خلال التسعينيات.

وفي الوقت ذاته، أحضرت الحكومة العراقية العرب الذين لا يملكون أرضاً من صحراء الجزيرة القريبة، وغيرهم من وسط العراق وجنوبه، ليحلوا محل المهجرين ويقيموا في أراضيهم. وألغيت سندات ملكية الأراضي الزراعية الغنية التي تمت مصادرتها من الأكراد وغيرهم من المواطنين غير العرب، فور طردهم منها؛ وبعد ذلك تم تأجير هذه الأراضي لمزارعين عرب بموجب عقود سنوية؛ ومنذ ذلك الحين، يقيم الكثيرون من أولئك المهجّرين داخل العراق في مخيمات أقيمت لهم في المحافظات الشمالية الخاضعة للسيطرة الكردية طيلة أكثر من عقد.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة