قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الجزائرية قد تسببت في "اختفاء" ما لا يقل عن 7000 شخص، وهو ما يفوق عدد حالات "الاختفاء" التي سُجِّلت في أي بلد آخر خلال العقد الماضي، فيما عدا البوسنة إبان الحرب؛ جاء ذلك في تقرير جديد أصدرته المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان اليوم.
وحتى اليوم تقاعست السلطات الجزائرية تقاعساً تاماً عن التحقيق في حالات "الاختفاء" هذه، وعن تقديم إجابات شافية للأقارب عن مصير أحبائهم المفقودين، الذين لم يعد منهم أحد، ولم يُعثر له على أثر؛ ولم يُحاسب أحد من المسؤولين عن "اختفائهم".
ومن المقرر أن يبدأ الرئيس الفرنسي جاك شيراك في 2 مارس/آذار القادم أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس فرنسي للجزائر منذ استقلالها. وقد بعثت منظمة هيومن رايتس ووتش رسالة لشيراك في 21 فبراير/شباط حثته فيها على الضغط على الحكومة الجزائرية لحملها على إنشاء لجنة تحقيق مستقلة قادرة على استجلاء مصير هؤلاء الضحايا بصورة حاسمة.
وقال هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
"إن جميع المكاتب الخاصة بالمفقودين وآليات الشكاوى التابعة للحكومة، وردودها على الاستفسارات الأجنبية، تمثل في مجملها عملية قاسية من المواربة والمراوغة؛ وقد أظهرت أبحاثنا وتحرياتنا أن الحكومة لم تقدم ذرة من المعلومات، حتى في الحالات التي يستطيع أقارب الضحايا فيها تقديم تفاصيل بشأن قوات الأمن التي رأوها تختطف أبناءهم أو أزواجهم".
وفي تقريرها المعنون: "ساعة الحساب: حالات "الاختفاء" القسري في الجزائر"، تتهم المنظمة أيضاً الجماعات المسلحة، التي تصف نفسها بـ"الإسلامية"، باختطاف ما يُقدَّر بالآلاف من الجزائريين، أثناء الصراع المسلح الذي مزق البلاد منذ أوائل التسعينيات، وأودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص. وقالت المنظمة إن هذه الجماعات المسلحة، إلى جانب أجهزة أمن الدولة المسؤولة عن أعداد هائلة من حالات "الاختفاء"، قد اقترفت جرائم ضد الإنسانية، ويجب ألا تنتفع من قوانين العفو أو من سقوط الجريمة بالتقادم.
وفي الوقت الذي تسعي فيه السلطات الجزائرية لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تلوح مؤشرات على رغبتها في "طي صفحة الماضي" فيما يتعلق بهذه المشكلة؛ وبوجه خاص، تحدث المفوض الجديد لشؤون حقوق الإنسان، الذي عينه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عن احتمال إصدار اعتذار رسمي وتقديم تعويضات لعائلات الضحايا، ولكن إصدار عفو عن الجناة أيضاً.
ويقول مجلي
"لا يمكن طي هذه الصفحة حتى تعلم العائلات الحقيقة بشأن مصير أقاربها، ويُحاسب الجناة على أفعالهم؛ وأي حل يفتقر إلى الحقيقة والعدالة إنما يبذر بذور تكرار مثل هذه الفظائع".
وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أنه لم تكد تقع أي حالات "اختفاء" جديدة بإيعاز من الدولة، أو تحت إشرافها، منذ عام 2000، ورغم ذلك فلم توضع أي ضمانات واقية للحيلولة دون تكرارها؛ فقد درجت قوات الأمن، ولاسيما جهاز الأمن العسكري المرهوب الجانب، على منع المعتقلين من الاتصال بالمحامين، كما أنها لا تسارع بإبلاغ عائلات المعتقلين بمكان اعتقالهم ووضعهم القانوني.
وقد حثت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات الجزائرية على إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في حالات "الاختفاء"، تخول السلطة اللازمة لإجبار العاملين لحساب الدولة على الإدلاء بالشهادة وإماطة اللثام عن الوثائق الحكومية.
وقال مجلي
"لقد دفع الشعب الجزائري ثمناً باهظاً يفوق الوصف، من خلال ما تعرض له من المجازر والاغتيالات السياسية وصنوف التعذيب و"الإخفاء"؛ وإرساء جذور مستقبل مأمون هو أمر مرهون بوضع حد للحصانة التي ينعم بها الجناة من جميع الأطراف مما يجعلهم بمنجاة من أي حساب أو عقاب".
كما حثت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة على وضع الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأدلة في المقابر العديدة التي لا تحمل أي علامات، والتي يُعتقد أنها تحوي رفات ضحايا العنف السياسي. ويجب إحاطة عائلات المختفين علماً بالإجراءات الخاصة بإخراج أي رفات بشري من القبور وتحديد هوية أصحابه.
وفي رسالتها للرئيس شيراك، أشادت منظمة هيومن رايتس ووتش بالدور الريادي الذي تنهض به فرنسا في وضع المعايير الدولية لمنع حالات "الاختفاء"؛ غير أن المنظمة أعربت عن أسفها لأن المساعي الدبلوماسية التي قامت بها فرنسا لدى الجزائر فيما مضى بشأن حالات "الاختفاء" لم تثمر عن أي نتائج ملموسة. وقالت المنظمة في رسالتها إنه يجدر بالرئيس الفرنسي الآن أن يحث الرئيس بوتفليقة على اتخاذ خطوات محددة، من قبيل تلك المذكورة آنفاً، "لمساعدة السلطات الجزائرية على الوفاء بالتزامها المعلن بمعالجة تلك القضية على نحو جدي".