ذكرت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" اليوم أن التحقيق الذي وعد بإجرائه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بشأن المواجهات الدامية التي شهدتها منطقة القبائل مؤخراً، لن يكون ذا مصداقية إلا إذا اتسم بالحيدة والاستقلال الحقيقي.
وكان الرئيس بوتفليقة قد صرح يوم 30 إبريل/نيسان الماضي بأن الحكومة الجزائرية سوف تقوم بتحقيق مستقل في المواجهات التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 42 شخصاً، وإصابة مئات آخرين بجروح منذ 18 إبريل/نيسان. غير أن التحقيقات السابقة التي تمت تحت رعاية الحكومة لم تخلُ من تدخل الدولة.
ويقول هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان": "
لا بد أن يكون التحقيق مستقلاً حقاً، وإلا فلن يثق أحد بنتائجه؛ إن مصداقية الرئيس بوتفليقة تتوقف عليه
".
وقد وردت أنباء عديدة تفيد بأن قوات الأمن الجزائرية عمدت إلى استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك الضرب واستخدام الذخيرة الحية بلا مبرر. وفي بعض الحالات، شن المتظاهرون هجمات على المباني الحكومية وقوات الأمن باستخدام الزجاجات الحارقة وغيرها من الأسلحة المحلية الصنع؛ وقدرت الصحف الجزائرية حصيلة القتلى الذي سقطوا في المواجهات بنحو ثمانين قتيلاً.
مرفقة بهذا البيان نسخة من الخطاب الموجه إلى الرئيس بوتفليقة.
--------------------------------------------------------------------------------
4 مايو/أيار 2001
فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
رئيس جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية
فخامة الرئيس:
لقد أعلنتم في خطابكم للأمة في الثلاثين من إبريل/نيسان أنكم تعتزمون إنشاء لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أسباب أحداث العنف التي وقعت أخيراً في منطقة القبائل؛ وذكرتم أن اللجنة سوف تُكلَّف باستقصاء كافة الحقائق "بحرية كاملة وشفافية تامة".
ونحن نرى أن ثمة حاجة ماسة لمثل هذه المبادرة، ونثني عليكم لاتخاذها؛ بيد أننا نلاحظ في الوقت ذاته أن الكثيرين من المواطنين ا لجزائريين ينظرون بارتياب شديد إلى قدرة مثل هذه اللجنة على استجلاء الحقيقة أو التصدي للأزمة الكامنة وراء هذه الاضطرابات.ذلك أن تقارير لجان التحقيق في اغتيال الرئيس بوضياف عام 1992، ومذبحة سجن سركاجي عام 1995، كانت، كما تعلمون، موضع انتقادات من الكثيرين بسبب إخفاقها في تحديد المسؤولين عن أعمال القتل هذه، بينما لم تُنشر قط نتائج اللجنة التي تولت التحقيق في ادعاءات تزوير نتائج الانتخابات البلدية عام 1997.
ومن ثم فإن مصداقية حكومتكم، في تصديها لهذه الأزمة، تعتمد اعتماداً شديداً على ما تتخذونه من خطوات لضمان تمتع هذه اللجنة بالصلاحيات اللازمة للوقوف على الحقائق، ونشرها على الملأ، وتحديد الأشخاص المسؤولين عن اقتراف أفعال جنائية، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون. ويجب أن يتضمن عمل اللجنة عقد اجتماعات يُدعى إليها عامة الناس للإدلاء بأقوالهم فيما يتعلق بما زُعم وقوعه من الاعتداءات.
وتفيد التقارير الإخبارية بأن أستاذ القانون محند أسعد سوف يتولى رئاسة اللجنة؛ غير أن التصريحات التي أدليت بهم يوم 30 إبريل/نيسان لم توضح تشكيل اللجنة المزمع إنشاؤها، خلافاً لما ذكرتموه من أنها سوف تشمل "ممثلين عن المجتمع المدني". ونحن نحثكم على التحقق من أن الأشخاص المعينين في اللجنة الخاصة هم جميعاً من المشهود لهم بالاستقلال والكفاءة والنزاهة والحيدة؛ ويجب أن يكون من بينهم أيضاً أشخاصٌ من ذوي الدراية والخبرة المؤكدة في مجال قانون حقوق الإنسان فضلاً عن القانون الجزائري، والمعايير الدولية لتنفيذ القانون.
وينبغي تزويد اللجنة بالموارد الكافية ومنحها الصلاحيات اللازمة للقيام بتحقيقات محايدة وفعالة، بما في ذلك صلاحية استدعاء من تشاء من الأفراد لاستجوابهم.ومن الأهمية بمكان أن تسارع الحكومة بإنشاء اللجنة كي تشرع في تحقيقاتها على الفور. ونحن نحثكم على تحديد نطاق هذا التحقيق بصورة أكثر وضوحاً مما يضمن أن تضع اللجنة على رأس أولوياتها انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن، إلى جانب المخالفات القانونية التي ارتكبها المشاركون في أعمال الشغب.
ومن ثم فلا بد أن تشمل صلاحيات اللجنة الملابسات التي اكتنفت وفاة الطالب مسينسه قرمة في الحجز يوم 18 إبريل/نيسان، ولجوء قوات الأمن إلى استخدام القوة المفضية للموت في مواجهة المظاهرات وإخماد أعمال الشغب التي أعقبتها. وتنص المعايير الدولية لتنفيذ القانون نصاً واضحاً على عدم جواز استخدام القوة المميتة إلا عندما يتعذر تماماً تجنبها من أجل حماية الأرواح؛ ونحن نوصي بشدة بأن تتضمن صلاحيات اللجنة "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين"، إلى جانب "مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة". وتنص هذه المبادئ على أن تُتاح خلال التحقيقات المستقلة في حالات الوفاة المريبة فرص الاستماع إلى شهادات الشهود من عامة الناس، وأن تشمل إجراء تشريح لتحديد أسباب الوفاة يضطلع به أطباء من ذوي الخبرة في مجال الطب الشرعي، وأن تُعلن نتائج التحقيق على الملأ.
وقد ذكرتم في ثنايا خطابكم يوم 30 إبريل/نيسان أن أنشطة اللجنة لن تكون لها أي صلة أو تأثير مطلقاً على نتائج التحقيق القضائي الذي قد تقرر النيابة العامة إجراءه. والضروري في هذا الصدد هو أن تضطلع اللجنة الخاصة ومكتب المدعي العام، فيما بينهما، بالمسؤولية الواقعة على عاتق الحكومة والمتمثلة في تحديد هوية الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب مخالفات خطيرة للقانون ، بما في ذلك انتهاكات قانون المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي تُعدُّ الجزائر من الدول الأطراف فيها، وتقديمهم إلى ساحة العدالة، واتخاذ إجراءات قضائية ضدهم بحيث تتمشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
ونحن ندرك أن المجلس الوطني قد أصدر أخيراً قراراً بإنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في نفس الأحداث. وإلى جانب هذا، فإننا نوصي بأن تيسر الحكومة السبل أمام منظمات حقوق الإنسان الجزائرية والدولية الراغبة في التحقيق في هذه الوقائع كي تجري تحقيقاتها في حرية؛ ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز مصداقية اللجنة الوطنية إلى حد بعيد.
وفي هذا الصدد، نود أن نشير إلى أن "منظمة مراقبة حقوق الإنسان" لم تتلقَّ حتى الآن أي رد على طلبها زيارة الجزائر، الذي قدمته لفخامتكم أول مرة في خطاب مؤرخ في ديسمبر/كانون الأول 2000. وسوف يسرنا أن نتلقى مثل هذه الدعوة، ونتطلع لرد إيجابي من حكومتكم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير