أعربت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، في خطاب أرسلته الليلة الماضية إلى رئيس السلطة القضائية في إيران، عن استنكارها لتصاعد أساليب المضايقة والتخويف والمعاقبة التي يتعرض لها الصحفيون والناشرون المستقلون في إيران.
وقال هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة: " لقد عمدت السلطات الإيرانية خلال الأيام القليلة الماضية فقط إلى إغلاق اثنتي عشرة صحيفة إصلاحية أخرى، وزجت بالمزيد من الكتاب والناشرين في السجون لانتقادهم الحكومة".
فخلال شهر إبريل/نيسان الجاري، سُجن الكاتب أكبر غنجي والناشران ما شاءالله شمس الواعظين ولطيف صفري بسبب مقالات كتبوها أو نشروها. وقد أوردت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في خطابها الموجه لرئيس السلطة القضائية في إيران أسماء آخرين كثيرين ممن استُدعوا للمثول أمام المحكمة الخاصة بالصحافة والمطبوعات وغيرها من الهيئات الرسمية، بدءاً بمحمد رضا خاتمي، شقيق الرئيس الإيراني، الذي تم استدعاؤه في 30 مارس/آذار.
وأشار مجلي إلى أن اتخاذ هذه الإجراءات الصارمة ضد الصحف الإصلاحية ربما يكون ذا صلة بالدورة القادمة الفاصلة من الانتخابات التشريعية التي يجري فيها التنافس على المقاعد المتبقية في مجلس الشورى التي لم تُحسم في الدورة الأولى في فبراير/شباط الماضي؛ وأضاف مجلي قائلاً: "إن هذا التضييق على الصحافة يبدو وكأنه محاولة لمعاقبة الأغلبية الساحقة التي صوتت في فبراير/شباط الماضي لصالح الإصلاح السياسي".
وقد وجهت المنظمة خطابها إلى رئيس السلطة القضائية في إيران آية الله سيد محمود هاشمي شهرودي، وهو الذي تخضع لسلطته المحاكم والجهات الرسمية المسؤولة عن إصدار الأوامر بوقف صدور الصحف وسجن الصحفيين.
مرفق بهذا البيان نسخة من الخطاب.
سماحة آية الله سيد محمود هاشمي شهرودي
رئيس السلطة القضائية
طهران
جمهورية إيران الإسلامية
24 إبريل/نيسان 2000
سماحة رئيس السلطة القضائية
إن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تكتب إليكم معربةً عن بالغ قلقها بشأن تصاعد المضايقة والتخويف اللذين يتعرض لهما الصحفيون والناشرون المستقلون في إيران؛ ومما يثير قلقنا بوجه خاص تزايد عدد الملاحقات القضائية لهؤلاء منذ مطلع العام الجديد في إيران قبل شهر واحد. وقد وجه المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي، في خطاب علني ألقاه يوم الخميس الماضي، الموافق 20 إبريل/نيسان الجاري، انتقاداً شديداً لبعض المطبوعات، دون أن يسمي أياً منها، وإن كان قد أعرب عن تأييده "لحرية تداول المعلومات"، ومبدأ تعدد الصحف وتنوعها. بيد أن الأحداث التي شهدتها الأيام الأخيرة، إذ أغلقت السلطات 12 صحيفة أخرى، وزجت بصحفي آخر بارز في السجن، أدت إلى تفاقم وضعٍ هو أصلاً بالغ السوء.
ويبدو أن هذه الإجراءات المتمثلة في إغلاق الصحف وملاحقة الصحفيين، التي اتخذها مسؤولون وجهات رسمية خاضعة لسلطتكم، كانت تحركها دوافع سياسية ولم تصدر بدافع الحرص المشروع على تنفيذ القانون بصورة محايدة نزيهة. ومن الجلي أنها تخلُّ بالالتزام القانوني الواقع على عاتق إيران، والذي يستوجب منها إعلاء شأن المعايير الدولية الخاصة بحرية التعبير والمحاكمة العدالة؛ بل يبدو أن هذه الإجراءات قد خالفت في بعض الحالات أيضاً قوانين جمهورية إيران الإسلامية.
ومن بين التطورات الأخيرة في هذا الصدد مثول الصحفي أكبر غنجي، الذي يكتب في صحيفة "فتح" اليومية، أمام محكمة المطبوعات بطهران يوم السبت الماضي الموافق 22 إبريل/نيسان. وفي جلسة المحاكمة، أماط رئيس المحكمة سعيد مرتضوي اللثام عن عشر تهم موجهة إلى أكبر غنجي، معظمها يستند إلى شكاوى مقدمة من رؤساء هيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري الإسلامي، وغيره من أجهزة الأمن، وذلك في أعقاب نشر مقالات له ألمح فيها إلى احتمال تورط مسؤولين رسميين في قتل العديد من أبرز المعارضين والكتاب في أواخر عام 1998، وفي محاولة الاغتيال التي تعرض لها سعيد حاجريان، الكاتب والمستشار السياسي للرئيس محمد خاتمي، في 12 مارس/آذار الماضي. وبعد التحقيق معه لعدة ساعات، أمرت المحكمة بحبسه "مؤقتاً"، ومن المعتقد أنه محتجز الآن في سجن إيوين.
وفي اليوم التالي، أي في 23 إبريل/نيسان، بدأ لطيف صفري، ناشر صحيفة "نشاط" اليومية المحظورة، تنفيذ حكم بالحبس لمدة سنتين ونصف سنة، أصدرته ضده محكمة المطبوعات بعد إدانته في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، رغم طعنه في هذا الحكم أمام المحكمة الاستئنافية العليا. وفي 10 إبريل/نيسان، بدأ ما شاءالله شمس الواعظين، رئيس التحرير السابق لصحيفة "نشاط"، في تنفيذ حكم بالحبس لمدة سنتين ونصف سنة أيضاً لنشره مقالاً ينتقد عقوبة الإعدام. وقد اعتُقل شمس الواعظين دون إبلاغه برفض المحكمة العليا دعوى الاستئناف التي رفعها للطعن في حكم الحبس الصادر ضده.
واليوم، 24 إبريل/نيسان، أمرت هيئة العدل في طهران، التي تخضع لسلطتكم، بإغلاق صحيفة "أخبار الاقتصاد" اليومية التي تصدر في طهران؛ ويأتي هذا غداة صدور أوامر بإغلاق ثماني صحف يومية وثلاث صحف أسبوعية، ودورية شهرية هي "إيران فردا". والصحف اليومية التي تم حظرها هي: "عصر أزاديغان"، و"بامداد نو"، و"أفتاب إمروز"، و"بيام أزادي"، و"فتح"، و"أريا"، و"أزاد"، وغزارش روز". أما الصحف الأسبوعية المحظورة فهي: "بيام هاجر"، و"آبان"، و"أرزش".
ومما يزيد من خطورة هذه التطورات وما تثيره من القلق أن السلطات اتخذت في وقت سابق خطوات ترمي إلى تخويف النقاد والمعارضين وتكميم أفواههم. ففي 11 إبريل/نيسان، وُجِّهت إلى عماد الدين باقي، وهو أيضاً من كتاب صحيفة "فتح"، تهم مماثلة لما اتُّهم به أكبر غنجي، وذلك في أعقاب الشكاوى التي قدمتها ضده وزارة الاستخبارات والحرس الثوري وهيئة الإذاعة الرسمية. وكان باقي، مثل غنجي، قد انتقد وضع آية الله حسين علي منتظري، الذي يُعد أبرز رجال الدين المنشقين، قيد الإقامة الجبرية في منزله، وسجن عدد من أتباعه.
سماحة رئيس السلطة القضائية
لقد ذكرتم في ثنايا حديث لكم أمام لفيف من كبار رجال القضاء في الأسبوع الماضي، أن ثمة مسؤولية خطيرة تقع على عاتق القضاء، ألا وهي "حماية وتنفيذ القانون"؛ وقلتم "إن واجبنا القانوني يحتم علينا أن نفعل ذلك"؛ ونحن نهيب بكم، بوحي من هذه الكلمات، أن تتخذوا كافة الإجراءات التي تسمح بها سلطتكم لوضع حد للاعتقال الجائر لكل من أكبر غنجي ولطيف صفري وما شاءالله شمس الواعظين، وغيرهم من الكتاب المسجونين دون وجه حق، وإلغاء جميع الأوامر الصادرة بإغلاق الصحف التي تم حظرها، والتحقق من إقلاع جميع الهيئات الخاضعة لسلطتكم عن استخدام أساليب المضايقة والتخويف والعقاب ضد الأفراد الذين يحاولون استخدام حقهم في حرية التعبير.
وقد تناولت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" خلفية هذه التطورات بالتفصيل في تقريرها الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 1999 تحت عنوان: هشة كالزجاج: حرية الصحافة في إيران. وقد بدأت هذه الحملة الأخيرة من الإجراءات الصارمة ضد الكتاب والمحررين والناشرين الإيرانيين في 30 مارس/آذار الماضي، حينما استُدعي محمد رضا خاتمي، رئيس تحرير صحيفة "مشاركت" الذي فاز بأكبر عدد من أصوات الناخبين في طهران في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية التي جرت في فبراير/شباط الماضي، للمثول أمام محكمة المطبوعات لاستجوابه. ولا يزال خاتمي حتى الآن في انتظار المثول أمام محكمة سرية لمحاكمته بتهم لم يُكشف النقاب عنها بعد. وفي 9 إبريل/نيسان، تم استدعاء فريدون فردينيجاد، المدير العام لوكالة الأنباء الرسمية للجمهورية الإسلامية (إيرنا)، للمثول أمام محكمة المطبوعات للمرة الثانية استناداً إلى شكاوى وردت من قوات الأمن وغيرها بشأن التغطية الإخبارية التي تقوم بها الوكالة.
ولقد استُدعي كثيرون آخرون من الكتاب والمحررين والناشرين مؤخراً للمثول أمام محكمة المطبوعات أو غيرها من الهيئات الرسمية، ولم يكن لذلك سبب سوى محاولتهم ممارسة حقهم في حرية التعبير. ومن بين هؤلاء: رضا أنصارراد، وهو رجل دين في مقتبل العمر كتب عن آية الله منتظري في صحيفة "أفتاب إمروز"؛ ونيكياهنغ كوسر، وهو رسام كاريكاتير يعمل في صحيفة "أزاد"؛ وفاطمة غوارايي، وهي كاتبة استدعيت للمثول أمام القضاء بعد أن حضرت اجتماعاً شارك فيه إبراهيم يزدي؛ ومجتبى بديعي ، وهو كاتب وأستاذ جامعي؛ ووزير الداخلية السابق حجة الإسلام علي أكبر محتشمي، وهو الآن ناشر صحيفة "أيام"؛ وحجة الإسلام هادي خامنئي، ناشر صحيفة "حياة نو"، وشقيق مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي؛ ومرتضى ألويري، ناشر صحيفة "همشهري"، ورئيس مجلس بلدية طهران؛ ويد الله إسلامي، ناشر صحيفة "فتح"؛ ومحمد رضى يزدان بناه، ناشر صحيفة "أزاد". كما استُدعي محمد غوشاني إلى وزارة الإعلام بعد أن كتب مقالاً عن حادث الاعتداء على حاجريان في صحيفة "عصر أزاديغان"؛ وتلقى مهدوي خرمي، ناشر صحيفة "غزارش روز"، تحذيراً من وزارة الثقافة.
إن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تحتج بشدة على الإجراءات التي اتُّخذت ضد هؤلاء الأفراد الذين كانت جريرتهم الوحيدة هي ممارسة حقهم في حرية التعبير؛ ونحن نحث سماحتكم على استخدام السلطات التي يخولها لكم منصب رئيس السلطة القضائية للتحقق من أن الهيئات القضائية، مثل محكمة المطبوعات وغيرها من المحاكم، لم تعد متواطئة في هذه العملية، وأن القضاة وغيرهم من المسؤولين الخاضعين لسلطتكم يتلقون تعليمات تلزمهم بممارسة مسؤولياتهم على نحو لا يخل بالالتزامات الواقعة على عاتق إيران باعتبارها من الدول الأطراف في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذين يكفل حق كل إنسان في حرية التعبير وفي تلقي محاكمة عادلة نزيهة.
وفي الختام، نشكركم على الاهتمام بهذا الأمر الملح، ونتطلع إلى تلقي رد منكم في أقرب وقت ممكن.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
هاني مجلي
المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"