المصطلحات
تُستَخدَم عبارة "الإجلاء القسري" في هذا التقرير، وفي القانون الدولي، للدلالة على إبعاد الأفراد أو الأسر عن المنازل أو الأراضي التي يقطنون ضد إرادتهم وبدون تأمين الحماية القانونية اللازمة أو غيرها. لا ترقى أي حالة إجلاء موثّقة في هذا التقرير إلى الإجلاء القانوني كما تعرّفه المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي صادق عليها لبنان. نستخدم مصطلح "طرد" للدلالة بشكل عام على التدابير القاسية لإجبار الأشخاص على مغادرة البلدة أو مناطق أخرى ضد إرادتهم.
يسمّي هذا التقرير السوريين الذين يعيشون في لبنان "لاجئين". تعلم هيومن رايتس ووتش أن سوريين كثيرين جاؤوا إلى لبنان كعمّال مهاجرين وأن العديد منهم لديهم كفلاء لبنانيون وأنهم لا زالوا يسجّلون إقاماتهم، يعود ذلك جزئيا إلى أن لبنان لا يعترف بالسوريين كلاجئين. نسمي السوريين لاجئين بغض النظر عن أسباب مجيئهم بالأصل لأن الشخص يصبح لاجئا بمجرد أن يكون لديه خوف مبرَّر من الملاحقة في حال عودته إلى بلده حتى لو لم يحصل على صفة لاجئ رسميا. يستمر المفوض السامي لشؤون اللاجئين، في تحديث التقييم الأخير، بوصف فرار المدنيين من سوريا "بحركة اللاجئين بينما يظل غالبية السوريين طالبي اللجوء ما يتوافق مع تعريف اللاجئ في المادة 1A(2) من معاهدة 1951".[1]
ملخص
بعد 7 سنوات من استقبال مليون لاجئ سوري أو أكثر على مضض، بدأ بعض السياسيين اللبنانيين يرفعون الصوت منذ 2017 بالدعوة إلى عودة اللاجئين إلى بلدهم، كما أن بعض البلديات بدأت بإجلاء اللاجئين قسرا من منازلهم وطردهم من بلداتها. حسب "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (مفوضية اللاجئين)، تم إجلاء 3,664 سوريا على أقل تقدير، من 13 بلدة ومدينة على الأقل منذ بداية 2016 حتى الربع الأول من 2018. وفي 2017، أجلى الجيش اللبناني 7,524 آخرين من محيط مطار رياق العسكري في البقاع، وينتظر 15,126 آخرين تنفيذ أوامر الإخلاء، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية. تقدر مفوضية اللاجئين أن أكثر من 42 ألف لاجئ سوري يواجهون خطر الإخلاء في مختلف أنحاء لبنان.
بينما يتجه لبنان إلى إجراء أول انتخابات نيابية منذ عقد تقريبا في مايو/أيار 2018، زادت الدعوات من قبل بعض السياسيين وشرائح المجتمع المنادية بعودة السوريين إلى سوريا. وسارع بعض السياسيين إلى لوم اللاجئين على عدد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، مع أن معظمها موجود منذ ما قبل مجيء اللاجئين السوريين. قال رئيس الجمهورية، وآخرون، إن لبنان لم يعد يحتمل الكلفة الاجتماعية والمالية لأزمة اللاجئين. أدى النقصُ في الدعم الدولي إلى تفاقم إرهاق لبنان بسبب استقبال اللاجئين. فدعوة الأمم المتحدة للحصول على مساعدات دولية بقيمة 2.035 مليار دولار أمريكي لتلبية الاحتياجات الإنسانية للاجئين السوريين في لبنان لعام 2017 مُوِّلت بنسبة 54 بالمئة فقط حتى ديسمبر/كانون الأول 2017. ويستضيف لبنان أيضا نحو 175 ألف لاجئ فلسطيني.
يتم إجلاء اللاجئين السوريين جماعيا من البلدات والمدن في أجواء من التمييز والمضايقات. قال لاجئون سوريون إن العدائية والضغط عليهم لمغادرة لبنان تتصاعد. قال بعضهم إن المضايقات أتت من بعض السياسيين، الشرطة البلدية، وبعض المجموعات السياسية ذات التوجهات العنصرية، وليس من أصحاب منازلهم أو أصحاب عملهم أو الجيران اللبنانيين. بينما قال آخرون إن المضايقات من قبل الجيران وفي الشارع تتصاعد أيضا.
قال محمود (56 عاما) الذي يعيش في زحلة منذ 2012، إن عناصر من شرطة البلدية تقودهم شرطية ركلوا باب منزل أسرته وقرعوه بعنف في أغسطس/آب 2017 طالبين رؤية أوراقهم، بما في ذلك أوراق الإقامة القانونية في لبنان وعقد إيجار المنزل وأوراق الأمم المتحدة. قال محمود إن الشرطية قالت له إن أوراقه ليست صحيحة، وإن على الأسرة مغادرة المنزل في غضون 4 أيام. وأضاف: "كانت فظة جدا معنا. جعلتنا نوقّع ورقة تجبرنا على مغادرة المنزل، ولكن ما قالته هو أنه كان علينا مغادرة زحلة والعودة إلى سوريا. فأجبتها أنني أتمنى العودة إلى سوريا ولكنني لا أستطيع".
اعتمدت البلديات أساليب مختلفة في الإجلاءات القسرية. فقد كتب مسؤولون في بعض البلديات، مثل زحلة في البقاع، إشعارات إخلاء وعلّقوها على أبواب منازل الناس؛ بينما قامت بلديات أخرى، مثل بلدية مزيارة في الشمال، بالطلب شفهيا من السوريين أن يغادروا. في الحدث على أطراف بيروت، وبعكس ما حصل في زحلة ومزيارة حيث كانت الشرطة البلدية عدائية جدا في ظل تهليل السكان اللبنانيين، قال اللاجئون السوريون بشكل متسق لـ "هيومن رايتس ووتش" إن عناصر الشرطة البلدية الذين جاؤوا لإجلائهم كانوا مهذبين، وحتى كانوا يعتذرون، قائلين إنهم ينفذون أوامر رئيس البلدية.
حتى أسباب الإخلاء لم تكن متناسقة، إن كان لجهة الأوراق التي تطلبها الشرطة البلدية أو المدة الممنوحة للسوريين للمغادرة. في حين ادّعت السلطات البلدية أنها تجلي اللاجئين السوريين بسبب عدم احترام قوانين السكن، مثل عدم تسجيل عقد الإيجار – وهي مخالفة واسعة الانتشار حتى بين المستأجرين اللبنانيين – استهدفت الإجراءات السوريين حصرا دون المواطنين اللبنانيين.
الأدلة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش توضح أن استهداف السوريين في هذه البلدات كان بسبب جنسيتهم، وتدعم تصريحات السلطات المحلية والسياسيين ووجهاء المجتمعات المحلية حول الإخلاءات هذا الاستنتاج. كما يدعمه عدم الاتساق في الأسباب التي قدمتها البلديات للإجلاء، مثل عدم احترام قوانين العمل أو الإقامة، والتي لا تشكل قاعدة قانونية لإجلاء المستأجرين من منازلهم.
وقد يكون السوريون يتعرضون للإجلاء أيضا بسبب انتماءاتهم الدينية. حتى يومنا هذا، وجدت مفوضية اللاجئين أن أغلب البلديات التي أجلت السوريين قسرا وطردتهم هي في بلدات ذات غالبية مسيحية، باستثناء تمنين التحتا في قضاء بعلبك-الهرمل. جميع السوريين الذين تم إجلاؤهم والذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش مسلمون، مع العلم أن منظمات إنسانية سجّلت إجلاء سوريين مسيحيين أيضا. ردّ معظم الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات إجلاءهم جزئيا إلى انتمائهم الديني. فمثلا، قال بعض اللاجئين الذين تم إجلاؤهم لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة البلدية كانت تتبع نساء سوريات محجبات إلى منازلهن لتحديد مكانهن وإجلائهن هن وأُسَرِهن. وقال آخرون إن الشرطة البلدية قالت لهم إن الأسرة قد تتجنب الإجلاء إذا ما توقفت النساء عن ارتداء الحجاب. بينما قال آخرون إن البلديات سمحت للاجئين المسيحيين بالبقاء. قال إيهاب (30 عاما)، وهو لاجئ من إدلب أُجلي من منزله في الحدث أوائل ديسمبر/كانون الأول 2017: "حتى أنهم لم يقرعوا باب أسرة مسيحية تعيش بقربي. إنهم سوريون لكنهم لم يُطرَدوا". قال مسؤول في بلدية بشري، بالقرب من مزيارة، لـ هيومن رايتس ووتش: "هذه بلدة مسيحية، لا يوجد جامع هنا".
قال معظم اللاجئين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم إنه لم يكن لديهم أي مشاكل مع الجيران وأصحاب المنازل قبل قرار البلدية بإجلائهم. تغيرت الأمور في مزيارة عندما اتُّهم لاجئ سوري، في سبتمبر/أيلول 2017، باغتصاب وقتل اللبنانية ريا شدياق (26 عاما) داخل منزلها. في الأيام اللاحقة للجريمة، بدأت مجموعات مختلفة من شرطة البلدية، قوى الأمن الداخلي، والرجال المسلحين تجوب شوارع مزيارة، وتدق أبواب اللاجئين السوريين وتقول لهم أن يغادروا البلدة.
في بعض الحالات، دققت السلطات بطريقة سريعة وروتينية بأوراق الإقامة والإيجار، لكن اللاجئين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن الطرد لم يكن بسبب أي خرق لقوانين السكن أو الهجرة. قال سامح، اللاجئ السوري من حماة والذي يعيش بتقطّع في لبنان منذ أكثر من 13 سنة: "شتمونا وقالوا لنا ’عليكم مغادرة مزيارة، لا نريدكم هنا‘. بدأوا فورا بضربنا. لكموني في وجهي وعلى رأسي وظهري". استمر الضرب لربع ساعة تقريبا. وقال إنهم جاؤوا إلى منزله مجددا في الليل وضربوه، وإن أحدهم هدده ووضع مسدسا على رأسه ولقّمه. غادر سامح وأسرته في الصباح التالي.
في الأيام التالية لموت شدياق، نشرت بلدية بشري المجاورة منشورا يقول "منازلنا ليست للغرباء"، ومنعت أصحاب المنازل اللبنانيين من تأجير منازلهم لسوريين، كما طالبت السوريين بإخلاء أماكن سكنهم. طردت سلطات بلدية أخرى السوريين من بلداتها؛ كانت زحلة وبشري والحدث لا تزال تطردهم وقت إجراء هيومن رايتس ووتش تحقيقاتها في يناير/كانون الثاني 2018.
قد ينتهي الأمر بالبلديات التي تطرد السوريين بإيذاء مجتمعاتها المحلية اقتصاديا. قال عدد من اللاجئين المطرودين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن شققهم لا تزال خالية، ما يحرم أصحابها من مصدر دخل مهم. وبعد إخلاء منازلهم توقف العديد منهم عن العمل في البلدات التي عملوا فيها لسنوات. وقال بعضهم إنهم يعتقدون أن رحيلهم سيترك فراغا في سوق العمل، لأنهم كانوا يكنسون الشوارع، يقطفون التفاح، ويؤدون أعمالا يدوية أخرى متدنية الدخل لا يتشجع الآخرون على تأديتها.
في حين أنه توجَد أسس قانونية لإخلاء البيوت من سكانها، فإن الإخلاء على أساس الجنسية أو الانتماء الديني، كالذي تقوم به البلديات المذكورة في هذا التقرير، ليس مسموحا بأي شكل من الأشكال. وحتى في الحالات التي قد تكون قانونية، لأسباب أمنية أو غيرها، كما هو محتمل في الإخلاءات بجوار مطار رياق العسكري، يجب اتباع الإجراءات الواجبة والالتزام بالمعايير الدولية. لم يتم الالتزام بهذه المعايير في أي من الحالات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش. بموجب القوانين اللبنانية، لا يشكل خرق قانون الإقامة أو قانون العمل أساسا قانونيا لإجبار شخص على إخلاء المنزل الذي يسكنه.
حتى لو لم تشكّل حالات الطرد الموثقة في هذا التقرير قضايا تمييز، فهي لا تلتزم بالمعايير الإجرائية الدولية للإخلاء القانوني. بشكل خاص، لم تؤمن السلطات للمتضررين أي فرصة حقيقية للتشاور، أو تقدم لهم إشعارا ملائما ومعقولا، أو أي فرصة للاستئناف. كما لم تقدم السلطات أي أساس قانوني لطرد اللاجئين من البلدات بأكملها. باستثناء الإخلاءات من محيط مطار رياق العسكري، لم تقدم السلطات للمطرودين أي شرح حول هدف استخدام الأرض أو المنزل بعد إجلائهم. ولم يكن لأي شخص فُرض عليه الإخلاء من محيط مطار رياق، أو أي مكان آخر، مدخل إلى سبل قانونية للاعتراض على الإخلاء. ولم يقل السوريون الذين تم إجلاؤهم وقابلتهم هيومن رايتس ووتش إن أي سلطة حكومية لبنانية، مدنية أو عسكرية، قدمت لهم بدائل للسكن أو عوضتهم عن خسارة ممتلكاتهم. في بعض الحالات، قال اللاجئون السوريون إن المسؤولين البلديين قالوا لهم أن يعودوا إلى سوريا، وقال بعض اللاجئين الذي قابلتهم هيومن رايتس ووتش مقابلات إنهم يعرفون بعض الأشخاص الذين عادوا إلى سوريا بعد إجلائهم.
قال حافظ (57 عاما)، والذي كان يعيش منذ زمن طويل في الحدث، "لم يكن هناك لا محكمة، لا قاضٍ، لا إجراءات قانونية". أضاف أن أوراقه كانت قانونية عند طرده من منزله في يناير/كانون الثاني 2018. وقال إن "الشرطة [البلدية] لم تتهمني بالإقامة غير القانونية لأنني مقيم بشكل قانوني. قالوا لي فقط ’عليك المغادرة وإلا رمينا أغراضك في الطريق‘. كانوا يأتون أسبوعيا ثم يوميا ثم مرتين في اليوم".
العديد من اللاجئين السوريين الذين تم إجلاؤهم قالوا إنهم اضطروا إلى ترك ممتلكاتهم وراءهم، بينما قال آخرون إنهم كانوا قد دفعوا إيجار المنازل التي طُردوا منها بالإضافة إلى إيجار ومبالغ تأمينية للمنازل الجديدة. كما أن الإخلاءات أثّرت على معيشتهم، فقد خسر العديد منهم مصادر دخل، في وقت كانوا بأمس الحاجة إليها لنقل ممتلكاتهم أو إرسال أولادهم إلى المدارس أو الذهاب إلى العمل في البلدات التي طُردوا منها. كذلك عطّلت الإخلاءات تعليم الأطفال، حيث اضطر العديد منهم إلى الانقطاع عن الدراسة لأشهر وفي بعض الحالات التوقف عن الدراسة نهائيا.
كانت هناك أيضا آثار نفسية للإخلاءات القسرية، تحديدا على أشخاص مثل رياض (25 عاما)، الذي عاش لسنوات في الحدث ونسج صداقات. منذ إجلائه، لم يتمكن رياض من العمل وتأمين معيشة أطفاله. قال إن العودة إلى سوريا ليست واردة، "إذا عدت إلى سوريا سيعتقلني الجيش". يعيش رياض الآن في بلدة مجاورة في منزل تتسرب من سقفه المياه وبدون تدفئة. قال: "لم نقدر على كلفة نقل ممتلكاتنا من الحدث. ولكن الخسارة العاطفية كانت أكبر من المادية. اضطررت إلى ترك طيوري التي كنت أربيها منذ 5 سنوات، وعندما عدت لجلبها لاحقا كانت قد ماتت جميعا".
يدعو هذا التقرير السلطات البلدية في لبنان ألا تجلي أو تطرد السوريين بناء على الجنسية أو الدين أو لكونهم لاجئين. يمكن إخضاع الأفراد والأُسر لإخلاءات فقط طبقا لأسباب واضحة، قانونية ومتناسبة مع إشعار ملائم، باستخدام الحد الأدنى من القوة الضرورية، مع إتاحة فرصة للاعتراض القانوني وتأمين بدائل سكنية وتعويضات.
على السلطات الحكومية اللبنانية المعنية، ومنها وزارة الداخلية والبلديات، أن تتدخل لمنع سوء معاملة البلديات للاجئين السوريين وضمان عدم بقائهم بلا مأوى ومعوزين بسبب أفعال غير قانونية. بما أن لبنان يستقبل أعلى عدد في العالم للاجئين السوريين بالنسبة إلى عدد سكانه، على المجتمع الدولي زيادة الدعم للبنان لتمكينه من القيام بواجباته القانونية والإنسانية مع اللاجئين. أما الزعماء اللبنانيون، فعليهم أن يخففوا من الخطابات التي تشجع أو تتغاضى عن الإخلاء القسري، الطرد، والأفعال التمييزية الأخرى والتعرّض للاجئين السوريين في لبنان.
توصيات
للسلطات البلدية اللبنانية
- ·وقف إجلاء وطرد السوريين على أساس جنسيتهم أو دينهم أو فقط لأنهم لاجئون.
- وقف إجلاء وطرد السوريين من البلدات بسبب خرقهم قوانين الهجرة أو قوانين العمل.
- عندما يكون الإخلاء قانونيا، يجب أن يتم تبعا لمبادئ المعقولية والتناسب، التي تتضمن إبلاغ المتضررين بالأسباب القانونية للإخلاء والبحث عن بدائل له، وتقليص أثره على المتضررين. وعندما لا يكون هناك بديل عن الإخلاء، يجب ضمان ألا يصبح الأشخاص بلا مأوى.
- إتاحة الفرصة لأي شخص سيخضع للإجلاء ومالك العقار للتشاور مع السلطات البلدية.
- إعطاء إشعار مناسب ومعقول لجميع المتضررين بشأن أي إخلاء وشيك.
- ضمان وجود بدائل قانونية للأشخاص المتضررين الذين يريدون الاعتراض على الإخلاء وإعلامهم بحقهم بالاعتراض على الإخلاء في المحاكم.
- ضمان أن يكون عناصر الشرطة البلدية أو أي مسؤول آخر يأمر القاطنين بالمغادرة أو يكون موجودا وقت الإجلاء معرَّفين بوضوح.
- ضمان ألا يتم الإخلاء ليلا أو في طقس سيئ.
- مساعدة الأشخاص الذين يتم إجلاؤهم عبر تأمين بدائل سكنية وتعويضات لخسائرهم.
لوزارة الداخلية والبلديات
- الإعلان أنه من غير القانوني للبلديات أن تجلي أو تطرد اللاجئين السوريين على أساس إقامتهم بموجب قوانين الهجرة اللبنانية، أو وضعهم كلاجئين، أو خرق قانون العمل أو على أساس جنسيتهم أو دينهم.
- تأمين المساعدة القانونية لتمكين أصحاب العقارات وقاطنيها من تجنب الإخلاء والطرد غير القانونيَّين للاجئين السوريين من البلدات، ومساعدة الخاضعين للإجلاء القسري على الحصول على تعويضات على إجلائهم أو طردهم غير القانوني.
- توجيه عناصر قوى الأمن الداخلي بعدم تسهيل الإجلاء والطرد قسرا غير القانونيَّين.
- التحقيق في تقارير استخدام قوى الأمن الداخلي العنف الجسدي غير المبرر وغير القانوني خلال الإجلاء القسري ومحاسبة أي عنصر يثبت قيامه بذلك.
- توجيه البلديات بالتوقف عن الإصدار الاعتباطي لبطاقات تعريفية خاصة بها للسوريين.
- إنشاء برنامج وطني لمراقبة الإجلاء بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لتحديد الأسر المعرضة للإجلاء، منع الإجلاء غير القانوني، تأمين بدائل للإجلاء، وعند الضرورة، ضمان أن يجد الخاضعون للإجلاء سكنا ملائما.
لوزارة الدفاع
توجيه عناصر الجيش، ومخابرات الجيش ضمنا، بعدم فرض أو تسهيل إجلاء وطرد السوريين قسرا من البلدات.
- في حال كان الإجلاء ضروريا لأسباب أمنية، ضمان منح المتضررين الإجراءات اللازمة حسب المعايير الدولية، بما في ذلك مشاورتهم وإبلاغهم هذه الأسباب ووقت الإجلاء خطيا؛ منحهم الفرصة للاعتراض قانونيا على الإجلاء؛ وتأمين بدائل سكنية والمساعدة والتعويض لخسائرهم.
لوزارة الشؤون الاجتماعية
- إنشاء برنامج وطني لمراقبة الإجلاء بالتعاون مع وزارة الداخلية لتحديد الأسر المعرضة للإجلاء وتجنب الإجلاء غير القانوني وتأمين بدائل للإجلاء، وعند الضرورة، ضمان أن يجد الخاضعون للإجلاء سكنا مناسبا.
لوزارة التربية
- التحقيق في رفض بلدية بشري تسجيل الأطفال السوريين في المدارس الرسمية في بداية العام 2017-2018 الدراسي، ومحاسبة المسؤولين عن منع الأطفال السوريين من التسجيل في المدرسة.
- ضمان إمكانية الأطفال السوريين الخاضعين للإجلاء القسري الحصول على التعليم في أماكن سكنهم الجديدة.
للدول المانحة ودول إعادة التوطين
- تمويل دعوات الأمم المتحدة بالكامل لتلبية احتياجات جميع اللاجئين السوريين في لبنان بغض النظر عن قانونية إقامتهم.
- المساعدة على تخفيف الضغط عن البلديات عبر زيادة الأماكن المخصصة لإعادة توطين اللاجئين السوريين ذوي الوضع الهش في لبنان.
- إبلاغ البلديات والمدارس التي تقبل التمويل الإنساني الدولي الناتج عن أزمة اللاجئين السوريين لتحسين البنى التحتية الاجتماعية، أنه من غير المقبول طرد أو إجلاء أو رفض اللاجئين السوريين بعد قبولها التمويل.
للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
- دعم التقاضي الاستراتيجي في المحاكم اللبنانية للاعتراض على قانونية الإجلاء القسري من قبل البلديات.
- تنظيم حملات إعلامية لمجابهة الخطاب السياسي المتصاعد بأن عودة السوريين إلى بلدهم آمنة. نشر نتائج المفوضية التي تنص على أن ظروف حقوق الإنسان في سوريا لا تسمح بعد بعودة اللاجئين. تطمين الشعب اللبناني إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان سيعودون طوعا إلى سوريا عندما تصبح عودتهم آمنة، وأن المفوضية ستسهّل العودة بأمان وكرامة عندما يصبح الوقت ملائما للعودة الطوعية.
- تحديد اللاجئين السوريين الخاضعين للإجلاء وتأمين مساعدة إنسانية طارئة وفورية لهم، تحديدا لتجنب أن يبقوا بلا مأوى أو مفاقمة عوزهم.
- مضاعفة الجهود لتذكير المانحين ودول إعادة التوطين بضرورة تأمين مساعدة إنسانية ملائمة وأماكن لإعادة توطين اللاجئين السوريين في لبنان.
إلى المنظمات غير الحكومية اللبنانية والدولية
- السعي إلى ممارسة التقاضي الاستراتيجي للاعتراض على قانونية الإخلاءات وعمليات الطرد التي تنفذها البلديات.
- مواجهة الخطاب القائل إن السوريين يستنزفون الاقتصاد اللبناني ويشكلون خطرا أمنيا وديمغرافيا. تقديم دلائل على أن السوريين في الواقع يساهمون في شتى الطرق بدعم الاقتصاد اللبناني، بما في ذلك القيام بوظائف لا يقبل بها إلا القليل من اللبنانيين، ودفع إيجارات، والإنفاق على السلع الاستهلاكية. والقول إنه يجب عدم معاقبة اللاجئين السوريين جماعيا بسبب جرائم يرتكبها أفراد.
منهجية التقرير
في يناير/كانون الثاني 2018، قابلت "هيومن رايتس ووتش" 57 لاجئا سوريا تأثروا بشكل مباشر أو غير مباشر بالإجلاءات التي نفذتها البلديات اللبنانية في بلداتها. أجرت هيومن رايتس ووتش المقابلات في أماكن خاصة – بانفراد أو بوجود أفراد من الأسرة المباشرة – مؤكدةً على السرية. أبلغت هيومن رايتس ووتش الأشخاص الذين أُجريت معهم المقابلات أنهم لن يحصلوا على أي مكافأة أو خدمة أو أي فائدة شخصية بدل المقابلة. كما أبلغتهم جميعا أن بإمكانهم عدم الإجابة على أي سؤال أو إنهاء المقابلة في أي لحظة. أجرى باحثان المقابلات بالإنغليزية بوجود مترجمة إلى العربية. أُجريت مقابلات أخرى ومحادثات مع أصحاب منازل وأصحاب عمل لبنانيين. أجرينا أيضا مقابلات مع مسؤولين في بشرّي وزحلة. استخدمنا أسماء مستعارة لجميع السوريين الذين أجريت معهم المقابلات لحماية السرية. والتقت هيومن رايتس ووتش 9 ممثلين عن منظمات غير حكومية وهيئات الأمم المتحدة الإنسانية في لبنان. في 21 فبراير/شباط 2018، بعثت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى وزارات الداخلية والبلديات، الشؤون الاجتماعية، التربية والتعليم العالي ووزارة المهجرين، وضمّنتها أسئلة حول نتائج هذا التقرير. في 12 أبريل/نيسان 2018 أجابت وزارة الشؤون الاجتماعية في رسالة. حتى 13 أبريل/نيسان، لم تكن قد أجابت أي وزارة أخرى.
I. خلفية
بعد 7 سنوات من استقبال أكثر من مليون لاجئ سوري على مضض، بدأ بعض السياسيين اللبنانيين في 2017 يرفعون الصوت مطالبين بعودة السوريين إلى سوريا. وبالرغم من تسجيل حالات إجلاء بعض البلديات للسوريين منذ يوليو/تموز 2014 والتي استمرت خلال 2016، ارتفع عدد البلديات التي تجلي السوريين قسرا وتطردهم من منازلهم في 2017 والربع الأول من 2018.[2]
ربع سكان لبنان اليوم هم لاجئون، حيث نسبة اللاجئين إلى عدد السكان هي الأعلى في العالم. [3] لم يعترف لبنان بالسوريين في لبنان كلاجئين ولم يسمح لمفوضية اللاجئين بإنشاء مخيمات رسمية في البلاد. [4]وفي نفس الوقت، وضع شروط إقامة قاسية، صعبت على السوريين الحفاظ على وضع قانوني وحدّت من قدرتهم على العمل. [5] بحسب المفوضية، 74 بالمئة من السوريين في لبنان لا يملكون إقامات قانونية ويقبع 76 بالمئة منهم تحت خط الفقر، ما يصعّب عليهم الحصول على العمل والتعليم والرعاية الصحية، ويساهم في عمالة الأطفال والزواج المبكر، ويجعلهم أكثر عرضة للاستغلال وسوء المعاملة. [6]
وثّقت هيومن رايتس ووتش العديد من الانتهاكات ضد السوريين في لبنان، بما في ذلك تقارير عن التعذيب والموت في عهدة الجيش واعتداءات جسدية وترحيل إلى سوريا، بالإضافة إلى انتشار حالات حظر التجوّل التمييزية. [7]أكثر من 250 ألف طفل سوري لاجئ لا يذهبون إلى المدرسة، غالبا بسبب عدم قدرة الأهل على تحمّل تكاليف المواصلات وعمالة الأطفال وفرض شروط تسجيل اعتباطية من قبل المدراء وغياب الدعم اللغوي. [8]
يوجد اليوم أقل من مليون سوري بقليل مسجلين على لوائح المفوضية غير أن لبنان طلب من المفوضية التوقف عن تسجيل اللاجئين في مايو/أيار 2015. [9]تقدّر السلطات اللبنانية وجود نحو 1.5 مليون سوري في بلد يعاني من البطالة المزمنة وقلة المنازل ذات الكلفة المعقولة، ومدارس رسمية تعاني من نقص الموارد. بالإضافة إلى ذلك، يعاني لبنان من تراجع مستوى السياحة ونقص الاستثمارات الخارجية، التلوث المستمر، وضعف البنى التحتية.[10]
يلوم سياسيون ومواطنون لبنانيون السوريين على هذه المشاكل وغيرها، في ظل مخاوف سياسية ودينية من أن يغير الوجود السوري التوزيع الديمغرافي الهش الذي يسود لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990. [11]في حين يطرح اللاجئون تحديات حقيقية أمام المجتمع اللبناني، فإن السياسيين قد استخدموهم ككبش فداء لتحويل الأنظار عن الاقتصاد الضعيف وثلة من المشاكل الاجتماعية الموجودة منذ ما قبل وصول اللاجئين السوريين.[12]
ارتفعت حدة الخطاب المعادي للسوريين في 2017، ومنها المطالبة بعودتهم إلى سوريا. فقد قال وزير الخارجية جبران باسيل في أكتوبر/تشرين الأول: "كل أجنبي قابع على أرضنا من غير ارادتنا هو محتل من أي جهة أتى"؛ و"أمام المواطن السوري الشقيق طريق واحدة هي طريق العودة الى وطنه".[13] ولاحقا في الشهر نفسه، قال رئيس الجمهورية ميشال عون إن البلد لم يعد يحتمل وجود اللاجئين السوريين والتمس مساعدة المجتمع الدولي في تنظيم عودتهم.[14] بعد أقل من أسبوعين من دعوة عون إلى عودة السوريين، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إن مشكلة اللاجئين السوريين أصبحت ملحة في لبنان وإن أجزاء كبيرة من سوريا أصبحت آمنة وهادئة.[15] واقترح نصرالله أن ينسق لبنان مع حكومة الأسد من أجل عودة اللاجئين.
تردد صدى هذه التصريحات على مستوى البلديات، إذ ارتفعت الأصوات المطالبة بمغادرة السوريين. قال أنطوان أبو يونس، نائب رئيس بلدية زحلة، لـ هيومن رايتس ووتش إن السوريين في لبنان ليسوا لاجئين بل مهاجرون، وإنه من الآمن لهم العودة إلى سوريا: "تغيّر الوضع تماما في سوريا. لا نريد أن يحدث مع السوريين ما حدث الفلسطينيين".[16]
أدى النقصُ في الدعم الدولي إلى تفاقم إرهاق لبنان بسبب استقبال اللاجئين. حتى ديسمبر/كانون الأول، لم يؤمَّن إلا 54 بالمئة من المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2017، والتي تبلغ قيمتها 2 مليار دولار أمريكي.[17] حذّر تقرير مشترك لهيئات الأمم المتحدة الإنسانية من أن "التمويل غير الكافي يهدد الدعم الغذائي والعناية الصحية وإمكانية الوصول لمياه شرب آمنة، كما يقيّد القدرة على دعم البلدات الضعيفة للوقاية من وإدارة التوتر بين المجتمعات المضيفة واللاجئين".[18]
البلديات التي تطرد اللاجئين السوريين قد تتضرر اقتصاديا. قال عدد من اللاجئين المطرودين إن الشقق التي كانوا يسكنون لا تزال فارغة، ما يحرم أصحابها من مصدر دخل مهم. وبعدما تركوا منازلهم، توقف العديد منهم عن العمل في البلدات حيث عمل بعضهم لسنوات. قال لنا بعضهم إنهم يعتقدون أن رحيلهم سيترك فراغا كبيرا في سوق العمل، بما أنهم كانوا ينظفون الشوارع ويقطفون التفاح ويقومون بأعمال أخرى متدنية الأجر وأعمال يدوية يتردد الآخرون بالقيام بها.
كما قال أحد أصحاب العمل والمنازل اللبنانيين لـ هيومن رايتس ووتش، "منذ غادر السوريون توقف اللبنانيون عن ربح الأموال".[19] ما بدأ أصحاب المحال التجارية والمنازل باكتشافه بدأ يلاحظه الاقتصاديون أيضا. أحد مؤشرات تنشيط اللاجئين للاقتصاد اللبناني هو تدفق التمويل الإنساني والتنموي الدولي الذي يأتي مع اللاجئين. فمثلا، منذ 2013، صرف اللاجئون 900 مليون دولار أمريكي في المحلات اللبنانية مستخدمين بطاقات اعتماد وزّعها عليهم برنامج الغذاء العالمي.[20]
.IIإجلاء جماعي قسري يستهدف اللاجئين السوريين
بحسب مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة، حصلت عدة حالات إجلاء جماعي في عدة بلدات في البقاع الشمالي في 2016،[21] ولكن في 2017 سجّلت المفوضية إجلاءات جماعية للاجئين السوريين في 6 بلدات في الشمال، 4 في البقاع، و3 في جبل لبنان، بالإضافة إلى إجلاء جماعي من مطار رياق العسكري في البقاع.[22] استطاعت المفوضية أن تؤكد إجلاء 3664 لاجئا سوريا في 2017 والربع الأول من 2018، وهذا أفضل تقدير توصّلوا إليه انطلاقا من الحالات التي وصلتهم. ويتضمن هذا العدد، 849 في زحلة، 822 في مزيارة، 750 في تمنين التحتا، 488 في بشرّي، 261 في دير الأحمر، 150 في رحبة، 120 في القاع، و67 في الحدث.[23] بالإضافة إلى هذا العدد، سجّلت المفوضية نحو 10 آلاف حالة إجلاء سوريين لأسباب مختلفة؛ منها عدم دفع إيجار المنزل وخلافات أخرى مع أصحاب المنازل، رغبة أصحاب المنازل باستخدامها لأغراض أخرى ولأسباب "السلامة والأمن".[24] وتقدّر المفوضية أن 42 ألف لاجئ سوري آخرين كانوا معرّضين للطرد في 2017.[25] أبلغت وزارة الشؤون الاجتماعية هيومن رايتس ووتش أنه تم إجلاء 7,524 سوريا من مطار رياق في 2017 وأن 15,126 آخرين لا زالوا ينتظرون أوامر إجلاء معلّقة.[26]
الإجلاءات الجماعية التي طالت اللاجئين السوريين بشكل متزايد في الربع الأخير من 2017 لا تظهر أي دليل على أنها جزء من خطة وطنية متناسقة، بل هي ردة فعل خاصة من بعض البلديات التي – باستثناء بلدية تمنين التحتا – تدير بلدات ذات غالبية مسيحية. يبحث هذا الفصل في إجلاءات 4 بلديات: مزيارة، بشري، الحدث، وزحلة، ومن محيط مطار رياق العسكري.
الإجلاء القسري: عقاب جماعي للاجئين السوريين في مزيارة
الانتقام الجماعي غالبا ما يبدأ بجريمة، وما حصل في لبنان في 2017 ليس استثناء. في 22 سبتمبر/أيلول 2017، زُعم أن ريا الشدياق (26 عاما) اغتُصبت وقُتلت في منزلها في قرية مزيارة الشمالية.[27] وبعد اتهام سوريٍّ بالجريمة، عمّت القرية موجة غضب وطالب سكان مزيارة السلطات بطرد جميع اللاجئين السوريين من لبنان.[28]
حسب روايات اللاجئين السوريين الذين كانوا يعيشون في مزيارة حينها، والذين قال العديد منهم إنهم كانوا يعيشون بوفاق مع الجيران لسنوات، شكّل الغضب الجامح صدمة لهم. إياد (23 عاما) الذي كان يعيش في مزيارة بدون أي مشكال منذ 2012، قال إنه في اليوم الرابع على الحادث وبعد اتهام سوري بالجريمة تلقى اتصالا من أحد العاملين في بلدية مزيارة. حذّره المتصل من أن بعض الأشخاص يجولون على منازل السوريين منزلا منزلا ويضربونهم:
كانت السيارات تجول الطرقات ليلا والناس يشتمون السوريين عبر مكبر الصوت. كان معهم أسلحة وعصي وكانوا يخرجون من النوافذ. جاء 9 منهم إلى خارج منزلي. منزلنا نحن فقط لأنه لم يكن هناك سوريون غيرنا في الحي. لم يكونوا من سكان مزيارة المحليين. بقوا حتى الساعة 4 صباحا ونحن بقينا في الداخل. لم نستطع أن ننام خوفا من أن يقتحموا المنزل.[29]
كان الوضع أسوأ بالنسبة لأشقائه، الذين يسكنون في مزيارة أيضا:
كان عندي شقيقان، أحدهما عمره 13 فقط، وأبناء عمي؛ ضُربوا جميعهم. صعدت لرؤية شقيقيّ ورأيت أن أحدا ما قد أتى وضربهما وكسّر منزلهما وقال لهما أن يغادروا بحلول 6 صباحا. قالوا لي إن شرطة البلدية أتت في 3 سيارات.[30]
قال إبراهيم (38 عاما) وهو لاجئ سوري آخر، إن الشرطة البلدية جاءت مع "تحري" إلى منزله عند 7 صباحا بعد الحادث بثلاثة أيام وقالوا له "عليك الرحيل". في الليلة التالية، جاء 7 أو 8 رجال وطرقوا على بابه عند الساعة الواحدة ليلا. كانوا يشهرون العصي وقالوا له إن عليه الرحيل قبل 7 صباحا وإلا "سترى ما لن يعجبك". قال إبراهيم: "بغضون 24 ساعة لم يبقَ أي سوري في مزيارة".[31]
تكلم إبراهيم وإياد عن تآمر بين الشرطة البلدية و"الزعران" ونسبوا العنف المباشر إلى غرباء بملابس مدنية. غير أن مروان (48 عاما) وسامح (37 عاما)، اللاجئين اللذين سكنا وعملا في مزيارة لسنوات، قالا إن عناصر الشرطة البلدية جاؤوا بالزي الأخضر وقوى الأمن الداخلي بالزي المرقط الرمادي والأزرق وضربوهما. قال مروان، بعد 4 أيام من الحادث، جاء صاحب المنزل، وهو موظف في البلدية، الساعة 7 مساء إلى منزله حيث يسكن مع زوجته وولديه وقريبَين آخرَين وقال لهم إن عليهم المغادرة قبل السابعة صباحا. وقال إن الشرطة البلدية كانوا مسلّحين بالمسدسات والبنادق بينما حمل عناصر قوى الأمن رشاشات الكلاشنيكوف:
كسر 4 عناصر من قوى الأمن الباب. طلبوا رؤية أوراقي. قلت لهم إذا أرادوا أن أرحل سأرحل الليلة، لكنهم ضربوني. ضربوني بكعب المسدس وبأيديهم وركلوني وضربوني بالطنجرة. استمر 3 منهم بضربي على رجليّ وظهري لمدة ربع ساعة. لم أتمكن من الوقوف على مدى أسبوع.[32]
قال مروان إن الشرطة البلدية وقوى الأمن و"الزعران" عادوا مرتين خلال الليل، في المرة الأولى شتموهم ونعتوهم بـ "الكلاب" وقالوا إن عليهم الرحيل قبل الصباح وضربوا ولديه، أحدهما طفل، في المرة الثانية ضربوهم بقسوة أكبر حتى أنهم ركلوا مروان في وجهه. "أخذ عناصر قوى الأمن أحد أقاربي إلى الشرفة وهددوه برميه من الطابق الثاني. ركلونا مجددا وصرخ أحدهم من الشرفة ’أعتقد أنني كسرت رجله‘".[33]
قال مروان إنه رحل الساعة 5 صباحا: "لم آخذ أيا من أغراضي معي. رحلت كما أنا". وقال إنه أرسل أحدهم لاحقا ليأتيه بأغراضه لكن صاحب المنزل رفض إعطاءه ممتلكاته.
روى سامح، في مقابلة خاصة منفصلة، تفاصيل مشابهة لما حصل معه في الشقة في تلك الليلة. وقال إن أحدا لم يُظهر أي ورقة أو أمر بالإخلاء. ولكن أحد المسؤولين البلديين جاء وقال له إن عليهم المغادرة قبل الصباح التالي. ثم جاء العديد من المسلحين، شرطة بلدية وقوى أمن و"زعران" إلى المبنى. قال إن قوى الأمن الداخلي جاؤوا إلى شقته ودققوا في أوراقه واتهموه بالبقاء في لبنان بعد انقضاء مدة إقامته القانونية. قال: "[قوى الأمن] بدأوا بضربنا مباشرة. لكموني على وجهي ورأسي وظهري. وركلوني. استمر الأمر ربع ساعة تقريبا". أضاف أنهم شتموه وأسرته وقالوا "عليكم مغادرة مزيارة، لا نريدكم هنا". وقال إن [قوى الأمن] عادوا لاحقا وضربوه مجددا، هذه المرة ضربوه على أنفه وإن أحدهم هدده بوضع المسدس الملقّم على رأسه، وقال له "هذا يجعلك تتمنى أن تموت" مشيرا إلى الضرب. غادر سامح وأسرته صباحا بعدما استأجر سيارة بـ 200 دولار.[34]
حالات إجلاء قسري بسبب العداء للأجانب في بشري
حسب روايات اللاجئين ومقابلتنا مع مسؤول بلدي، تأتي الإجلاءات القسرية الجماعية للسوريين من بشري بأغلبها كرد فعل على اغتصاب وقتل ريا الشدياق في مزيارة المجاورة. شرح طوني سكر، رئيس القسم الإداري في بلدية بشري، لـ هيومن رايتس ووتش لماذا قررت البلدية طرد السوريين:
بعد حادثة مزيارة انتشر الأهالي في الطرقات مطالبين السوريين بالرحيل. فقمنا بهذا الإجراء تجنبا للمشاكل قبل حصولها. أصدرنا قرار حظر تجول بعد 7 مساء لنحمي المجموعتين من بعضهما. لم يحصل أي عراك أو حادثة هنا ولكن لو حصل ما حصل في مزيارة لاندلعت الحرب. كان هذا قرارا وقائيا. نبلغ الأشخاص عبر رسالة مكتوبة أن عليهم الرحيل بعد 15 يوما ثم نمدد 15 يوما آخرين... هذا قرار شعبيّ، نحن ننفذ إرادة الشعب.[35]
في الأيام التي تلت اغتصاب ريا الشدياق مقتلها، صدر بيان "عن بلدية بشري وكهنتها ومخاتيرها" يعلن أن "منازلنا ليست للغرباء". ويكمل "ليس لأحد أن يفرض علينا حلول توطين او أماكن لجدد طارئين على حساب شعبنا. يرد البيان "الجريمة المنظمة" بما في ذلك "جريمة مزيارة المروعة" إلى وجود اللاجئين السوريين ويقول: "مجتمعنا وديموغرافيتنا تنهار من جراء هذا النزوح المنظم والمخطط له". وينتهي بدعوة أهالي بشري "لإنهاض مجتمعنا المنهار تحت وقع المال الآني، فمنازلنا لم تعد لنا" والتعاون حول النقاط التالية:
- عدم تجمع السوريين في الساحات العامة.
- عدم تجوّل السوريين بعد 6 مساء.
- عدم تأجير العائلات السورية اعتبارا من 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 والطلب منهم إخلاء المنازل المقيمين فيها بعد تحسن الوضع في الداخل السوري، "وليذهب المجتمع الدولي إلى التفتيش عن حلول لن نقبل بأن تكون على حساب أهلنا وشعبنا"؛ اتخاذ البلدية التدابير القانونية كافة بحق المخالفين الذين لم يبادروا إلى تسجيل عقود إيجاراتهم في البلدية.
- الأجهزة الأمنية المختصة والشرطة البلدية ستقوم بتفتيش دوري لمنازل سكن السوريين.[36]
قالت شام (34 عاما) من إدلب إن الشرطة البلدية أتت إلى منزلها في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وقالت لها إن لديها 20 يوما لمغادرة بشري. وقالت إنهم عادوا 3 مرات:
أروني ورقة مكتوب عليها أن البلدية متحدة مع الكنيسة بسبب [جريمة] مزيارة وأن على جميع السوريين الرحيل. قالوا لي "هذه أرضنا ولن نسمح بقتل أي شخص آخر مثل ريا". خلال هذه الفترة زرت جيراني اللبنانيين. وقالوا لي، لأول مرة: "على السوريين أن يرحلوا. منذ مقتل ريا لا نثق بالسوريين في منازلنا".[37]
قالت شام إن في المرة الثالثة والأخيرة عندما جاءت الشرطة البلدية إلى منزلها قالوا لها "إذا أتينا مرة أخرى سنقوم بأمور أخرى" وأضافت "فهمت أنهم سيضربونني".[38]
بالرغم من أن المسؤول البلدي طوني سكر كرر أنه لم يكن هناك أي عمل إجرامي أو أمني، قال إن السوريين، الذين يرفض اعتبارهم لاجئين، يشكلون تهديدا أمنيا محتملا:
لا تملك الأجهزة الأمنية في لبنان معلومات كاملة حول اللاجئين. إنهم أناس لا نعرف شيئا عنهم. السكان المحليون يخافون من عقلية اللاجئين. يعتقدون وبسبب أن هذه ليست أرضهم ولا بلدتهم قد يرمون النفايات ويرتكبون الجرائم. [39]
حسب سكر، كان يوجد بين 1,500 و1,700 سوري في بشري قبل 15 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن عددهم انخفض إلى 700 -800 بعد يناير/كانون الثاني 2018.
إجلاءات قاسية في زحلة
في زحلة، قال لاجئون إن الشرطة البلدية دارت على جميع الأحياء بين أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2017 للطلب من اللاجئين المغادرة وأجبرتهم على التوقيع على إشعار إخلاء، ثم لصقته على الأبواب. جميع اللاجئين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم قالوا إن الشرطة كانت قاسية وعدائية، خاصة العناصر الإناث اللواتي أشرفن على الزيارات. يتعارض هذا مع روايات اللاجئين في الحدث، حيث قال أغلبهم لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر الشرطة كانوا مهذبين، وفي بعض الأحيان اعتذروا منهم بسبب إبلاغهم بضرورة الرحيل.
قال "محمود" (56 عاما)، الذي كان يعيش في زحلة منذ 2012، إن عناصر الشرطة البلدية، تقودهم شرطية، ركلوا باب منزل أسرته وقرعوه بعنف في أغسطس/آب 2017 طالبين رؤية أوراقهم، بما في ذلك أوراق الإقامة القانونية في لبنان وعقد إيجار المنزل وأوراق الأمم المتحدة. وقال محمود إن الشرطية قالت له إن أوراقه غير صحيحة:
كانت فظة جدا معنا. جعلتنا نوقع ورقة تجبرنا على مغادرة المنزل، لكن ما قالته هو أنه كان علينا مغادرة زحلة والعودة إلى سوریا. فأجبتھا أنني أتمنى العودة إلى سوریا ولكنني لا أستطیع".[40]
رشا (28 عاما) هي أم لطفلة بسن الخامسة سببت لها الحرب صدمة نفسية. كانت رشا حامل في شهرها الثامن عندما اقتحم 9 عناصر من الشرطة البلدية منزلها بعد ظهر أحد أيام سبتمبر/أيلول 2017 في غياب زوجها أو أي رجل سوري في المبنى:
جاءت ابنتي وهي تصرخ. كنت وحماتي نائمتين بدون حجابنا. قلت لهم أن ينتظروا كي نضع الحجاب. لم ينتظروا. اقتحموا المنزل وطلبوا رؤية أوراق الأمم المتحدة. وكان بعضهم يحمل عصيّ كهربائية. خافت طفلتي، فهي حساسة جدا على الضجيج المرتفع وبدأت تنتابها نوبة هلع. لم يُبدوا أي تعاطف بل زادوا من مضايقتنا وأصبحوا أكثر عدائية وهم يصرخون بوجهي كي أجلب أوراق الأمم المتحدة. سألوني عن زوجي وأجبروني على التوقيع على ورقة تقول إنني سأغادر المنزل بغضون أسبوع وعلّقوها على الباب.[41]
قالت رشا إن صاحبة المنزل تدخلت مع البلدية وقالت لهم إن رشا لا تستطيع الانتقال بسبب حملها، فمددوا الإشعار 3 أشهر. انتهت مهلة الأشهر الثلاثة قبل إجراء هيومن رايتس ووتش مقابلة مع رشا بأسبوعين، وقالت لنا إن الشرطة البلدية جاءت قبل أسبوعين وطلبت منها مغادرة زحلة.[42]
أكدت حماة رشا، هند (57 عاما) في مقابلة منفصلة وخاصة، رواية رشا حول اللقاء مع الشرطة البلدية لكنها أضافت وجهة نظرها حول قساوة المعاملة، خاصة من قبل الشرطية. قالت هند إن الشرطية لم تسمح لها أن تضع الحجاب خلال الاستجواب حتى في حضور 4 رجال شرطة. "أول ما قالته لكنّتي كان ’آه أنت حامل. هذا ما تجيدونه أنتم السوريون‘. في هذا الوقت كانت حفيدتي جاثمة في الزاوية تبكي، لكن الشرطة لم تُعِر ذلك أي اهتمام".[43]
قال لاجئان إن الشرطة كبلتهما وهددتهما لأنهما رفضا توقيع الإشعار في زحلة. قال محمد، زوج رشا وابن هند، إن عناصر الشرطة جاؤوا مباشرة من منزل والدته إلى مكان عمله وطلبوا منه التوقيع على ورقة تقول إنه موافق على مغادرة البلدة. رفض التوقيع فكبلوه وأخذوه إلى البلدية. رغم قوله إن بعض أصدقائه اللبنانيين تشاجروا بقوة مع الشرطة، قال إنه وقف جانبا ولم يقاومهم.
قال محمد إنه عندما وصل إلى البلدية أوقفوه في مواجهة الحائط لأكثر من ساعتين، ثم اقتادوه إلى مكتب أحد مسؤولي البلدية حيث دفعه شرطيان آخران بينهما وهدداه بالضرب:
سألت [المسؤول] ما الخطأ الذي اقترفت. فقال إنني رفضت توقيع الورقة الي تقول إن عليّ مغادرة البلدة. وقال، "نحن نلاعبك الآن ولكن إذا رأيناك هنا بعد أسبوع من الآن سيختلف الوضع تماما". وقعت في نفس اليوم على الورقة التي تقول إنني سأغادر بغضون أسبوع. [44]
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع نائب رئيس مجلس زحلة البلدي، أنطوان أبو يونس، الذي قال إن زحلة ببساطة "تطبق القانون المتعلق بالشقق السكنية". وقال إن القوانين نفسها تُطبَّق على المستأجرين اللبنانيين، ولكن "80 بالمئة من المشاكل الأمنية سببها السوريون، بالإضافة إلى مشاكل التلوث، المياه، النفايات". عندما سُئل إذا كان السوريون مستهدفين وإذا كانوا يُطردون من زحلة أو من منازلهم فقط، أجاب: "نحن نطلب منهم مغادرة شققهم فقط بسبب بعض المشاكل القانونية، ولكننا نطلب من نسبة قليلة منهم مغادرة زحلة بسبب الضجيج ومشاكل مشابهة".[45]
في الحقيقة، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع لاجئين طُردوا من مكان سكنهم في زحلة وحاولوا لاحقا استئجار منزل آخر في البلدة، فقيل لهم في حينها إن عليهم مغادرة المنطقة كليا. شرح مرزوق (24 عاما) والذي يصف زحلة بأنها مدينته، إذ عاش فيها 6 سنوات، أن الإجلاء في زحلة هو فعليا طرد من المدينة:
في أبريل/نيسان 2017، قالت لنا الشرطة البلدية أن نغادر زحلة، لكننا لم نُرد خسارة وظائفنا ومدارس أطفالنا، فحاولنا حظنا باستئجار منزل آخر في زحلة على أمل ألا يجدونا. بعد أسبوع من انتقالنا سمعنا قرعا على الباب. كانا شرطيين بلديين وكانا قاسيين جدا معنا. قال أحدهما بطريقة فجّة "لماذا لم تغادر زحلة؟" وأعطاني ورقة تقول إن عليّ المغادرة بغضون 7 أيام لأوقعها، لكنني رفضت. فكبّلاني واقتاداني إلى البلدية. في النهاية وقعت الورقة وعلقوها على باب منزلنا.[46]
"أوامر رئيس البلدية" في الحدث
اللاجئون السوريون الذين أُجلوا من منازلهم قالوا جميعا إنه لم يكن لديهم أي مشاكل مع الجيران أو أصحاب المنازل. كذلك قالوا إن عناصر الشرطة البلدية الذين جاؤوا إلى منزلهم كانوا مهذبين في البداية وحتى متأسفين، قالوا لهم إنهم ينفذون أوامر رئيس البلدية فحسب، لكنهم بدأوا بتهديدهم عندما تباطؤوا بالمغادرة. قالت لنا فاطمة (24 عاما) من إدلب، إن 3 رجال يرتدون زي الشرطة البلدية جاؤوا إلى منزلها في غياب زوجها الساعة 10 صباحا قبل رأس السنة في 2017 بأيام:
أول ما سألوني "لماذا لا زلتم هنا؟" لم يكونوا قد أبلغونا مباشرة بوجوب مغادرتنا ولكن عبر الناطور فقط. وقالوا إن عليّ المغادرة قبل السبت، أي بعد 3 أو 4 أيام. [47]
قالت فاطمة إن عناصر الشرطة البلدية كانوا مهذبين وتكلموا معها بصوت عاديّ. وقالت إنهم لم يسألوا عن إقامتها ولا عن زوجها، كما لم يعطوها أي إشعار مكتوب ولم يطلبوا منها توقيع أي ورقة. "سألتهم لماذا علينا المغادرة، وقالوا فقط إنها أوامر رئيس البلدية. انتقلنا في 5 [يناير/]كانون الثاني".[48]
قال مصطفى (23 عاما) من دير الزور إن مشاكل اللاجئين السوريين في الحدث بدأت في 2015، عندما بدأت البلدية بالضغط على الرجال العازبين للمغادرة، ما دفعه إلى الزواج. لكنه قال إن البلدية بدأت منذ سنة بالضغط على الأسر السورية كي تغادر أيضا. قال مصطفى إن الشرطة جاءت إلى منزله في سبتمبر/أيلول، وقالوا له إن عليه مغادرة الحدث بغضون أسبوع. قال إن الأمر كان شفهيا ولم يكن هناك أي ورقة مكتوبة. قال لهم إنه بحاجة إلى وقت أطول. عادوا بعد أسبوع، في أوائل أكتوبر/تشرين الأول في الصباح الباكر:
جاء شرطيان [بلديان] يرتديان الزي الرسمي. خافت زوجتي وطفلتي البالغة من العمر سنة. قالا إن لدينا 4 ساعات كي نغادر المنزل وهددا بضربي. قلت لهما إنه من غير الممكن أن نغادر بهذه السرعة. فجعلاني أوقع ورقة تقول إنني سأغادر بغضون أسبوع وعلقاها على باب المنزل. وقالا في حال لم أغادر سيكون عليّ أن أدفع 6 آلاف دولار أمريكي. غادرت قبل انقضاء الأسبوع. يوم غادرنا كان هناك 6 أو 7 عناصر شرطة يشاهدوننا نرحل. لم يساعدونا بأي شكل من الأشكال. صوّرونا ونحن نغادر فقط.[49]
فايز (35 عاما) من دير الزور أيضا، يعمل في بوتيرة متقطعة في لبنان منذ 2004، لكنه جلب أسرته في 2011 بعد اندلاع الحرب في سوريا. قال إنه لم تكن لديه أي مشاكل مع السلطات أو جيرانه اللبنانيين وإنه دخل إلى البلد بطريقة قانونية ولديه كفيل لبناني وإن أسرته مسجلة لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. قال إن الشرطة بدأت تسأله عن أوراق إقامته، وبدأوا بالمجيء إلى منزله كل شهرين ليقولوا له إن عليه مغادرة الحدث. وقال إنه لم يكن هناك أي ورقة أو أمر قضائي في أي وقت من الأوقات، بل مجرد أوامر شفهية. ولكن عندما جاءت الشرطة البلدية إلى منزله أوائل أكتوبر/تشرين الأول صاروا يهددونه أكثر:
قالوا لي إن لدي 3 أيام كي أغادر. كان بعض جيراني اللبنانيين موجودين وتوسلوا إليهم كي يسمحوا لنا بالبقاء، فقالوا إن علينا المغادرة بعد 10 أيام. وهددونا بأنه في حال لم نغادر بعد 10 أيام سيأتي الجيش، فغادرنا في 12 أو 13 [أكتوبر/]تشرين الأول قبل مجيء الجيش لطردنا.[50]
تكلمت هيومن رايتس ووتش مع صاحب منزل وصاحب عمل مسيحي يوظّف لاجئين سوريين في الحدث قاوم طرد أحد اللاجئين، فتعرّض لأعمال انتقامية على يد السلطات البلدية، لكنه لم يشأ نشر روايته خوفا من المزيد من الأعمال الانتقامية.
إجلاء عيد الميلاد من مطار رياق العسكري
إجلاء 7,524 لاجئا سوريا من محيط مطار رياق العسكري لم يكن على أساس قرار بلدي، إنما قام به الجيش اللبناني لأسباب أمنية وبالتالي هو خارج نطاق هذا التقرير.[51] ولكن عدم اتباع الإجراءات اللازمة وعدم مشاورة الذين تم إجلاؤهم وغياب التعويض عليهم أو دعمهم من قبل الحكومة وهي التي أجلتهم يجعل هذه الإجلاءات، مثل إجلاءات البلديات، تتعارض مع معايير الإجلاء المشروع. بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية، يوجد 15,126 آخرين في محيط المطار "معرضين للإخلاء في أي وقت".[52]
آلاف اللاجئين السوريين يعيشون في مخيمات غير رسمية بالقرب من مطار رياق. بدأ الجنود في أواخر مارس/آذار 2017 يبلغونهم شفهيا بضرورة المغادرة، لكن اللاجئين قالوا إن الجنود لم يعطوهم أي وثيقة مكتوبة وكانت مواعيد الإجلاء متضاربة.[53] أبلغت وزارة الشؤون هيومن رايتس ووتش أن نحو 12,665، من أصل الـ22,650 الذين تم إجلاؤهم، قد تلقوا إنذارا من مخابرات الجيش.[54]
بحسب المنظمات غير الحكومية التي ساعدت اللاجئين في رياق، تم الإجلاء على عدة مراحل. في أواخر مارس/آذار، أبلغ الجيش اللاجئين أن عليهم مغادرة المكان، تقدر المفوضية أن هذا الأمر يؤثر على 10 آلاف شخص تقريبا.[55] قالت منظمات محلية إن الجيش عاد في يونيو/حزيران أو يوليو/تموز ليقول للاجئين، ومن ضمنهم الذين انتقلوا بعد تحذير مارس/آذار، إن لديهم 9 أيام للابتعاد أكثر. وبعد مفاوضات أجليت مجموعة أخرى في سبتمبر/أيلول 2017، حسب مسؤول في منظمة غير حكومية محلية كانت تساعد اللاجئين الذين تم إجلاؤهم.[56]
تعرّض اللاجئون والمنظمات غير الحكومية لضغوطات متزايدة من مخابرات الجيش للمغادرة، ولكن السلطات لم توفر أي مكان آخر للمجليين أو أي دعم لتسهيل إجلائهم.[57] قال مسؤول المنظمة "كانت مخابرات الجيش تضايقنا يوميا". بدأ الجيش بعملية إجلاء أخرى في أواخر ديسمبر/كانون الأول، وأدى الطقس القاسي في الشتاء وغياب التحضيرات لمكان بديل إلى معاناة لا ضرورة لها. يتذكر مسؤول المنظمة ما حصل معهم:
كان إيجاد مكان آخر للاجئين صعبا جدا؛ لم نتمكن من إيجاد مخيم آخر حتى حصلنا على رخصة للأرض التي بنيناه عليها. بالانتظار، استخدمنا مزرعة تبعد 300 متر من المطار. ظلّ الناس هناك 17 يوما حتى جهزنا المخيم. كانوا يعيشون في حظيرة بدون تدفئة، مرض الكثر منهم. لم يساعد الجيش بشيء، لا في نقل الأشخاص ولا ممتلكاتهم ولم يؤمن الطعام أو المياه أو حتى التدفئة أو في بناء المخيم الجديد أو دفع إيجار المزرعة أو المخيم الجديد.[58]
لم يكن اللاجئون وحدهم الذين تكبدوا الخسائر. فصاحب الأرض خسر مستأجريه والمنظمة غير الحكومية التي كانت قد بنت مدرسة في المخيم غير الرسمي الذي غادروه عانت لتجد موارد جديدة لمساعدة من تم إجلاؤهم. لا الجيش اللبناني ولا الحكومة ساعدت في التعويض على أي من المجموعات أو الأفراد المتضررين.
قال مدير مخيم اللاجئين السوريين في بر الياس، الذي بُني لاستقبال 350 لاجئا تم إجلاؤهم من مطار رياق قبل 13 يوما فقط من زيارة هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2018، إن السلطات لم تؤمن أي مساعدة للاجئين للاستقرار في مكانهم الجديد. يوم زيارتنا كان مدير المخيم مشغولا باستلام أول دفعة مازوت لتدفئة المخيم حيث كان الناس (ومن ضمنهم باحثو هيومن رايتس ووتش) يرجفون من الصقيع:
لم نحصل على شيء من الحكومة اللبنانية، لا من البلديات ولا الوزارات ولا الجيش. طلبنا الكهرباء، لكننا لا نزال بدون كهرباء. وما زلنا نحاول بناء حمامات. [59]
قالت وزارة الشؤون الاجتماعية في رسالة لـ هيومن رايتس ووتش في 12 أبريل/نيسان إنها هي "الجهة المخولة إدارة حالات الإخلاء"، لكنها "لا تقدم المساعدات النقدية بل يقتضي تدخلها على تأمين الموافقة على الأماكن البديلة وتأمين أرض لإنشاء المخيمات البديلة". بالنسبة لمطار رياق، قالت الوزارة إنه تم "إنشاء مخيم في بلدة بر الياس بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية، وبالتالي تم نقل 74 أسرة من محيط منطقة رياق". يبدو أن هذا هو نفس المخيم الذي زارته هيومن رايتس ووتش في 30 يناير/كانون الثاني 2018. لم تذكر الرسالة أي "أماكن بديلة" أخرى أمنت لها الموافقة.[60]
قالت وزارة الشؤون إنها وضعت الخطة التالية بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين:
1. تحديد المنطقة حيث تحصل الإخلاءات (البلدية المعنية).
2. أسباب الإخلاء (البلدية – القوى الأمنية – أصحاب العقار). تُعالَج كل حالة حسب سبب الإخلاء. إذا كان السبب أمنيا لا يمكن لوزارة الشؤون أن تتدخل على الأرض وينحصر دورها في التنسيق مع القوى الأمنية لوضع خطة لنقل اللاجئين. في حال كان السبب غير ذلك، تعالَج الأمور بطريقة مختلفة حيث أن هناك قرار صادر عن وزارة الشؤون ومحافظ البقاع بعدم نقل الخيم أو بناء مخيم جديد.
3. إيجاد أراضٍ بديلة من قبل الوزارة مع المساعدة التقنية من قبل المفوضية وتأمين جميع الموافقات الضرورية لبناء مخيم جديد للاجئين: موافقة المحافظ ووزارة الداخلية والبلديات المعنية والقوى الأمنية.
4. تحضير وتجهيز مخيم اللاجئين من قبل الوزارة ونقل الأسر.
5. تأمين قطعتيّ أرض احتياطيتين، حيث يجب أن تكون مساحة الأرض 40 ألف متر مربع في حال إجلاء عدد كبير من اللاجئين.
6. دراسة الاستقرار المجتمعي في البلدة التي تعبر عن استعدادها لاستقبال اللاجئين.
يبدو أن هذه الخطة لتأمين "أراض بديلة" لمخيمات جديدة تسري فقط على "إخلاء عدد كبير من النازحين" من المخيمات غير الرسمية، دون اللاجئين الذين يسكنون في شقق وأنواع سكن أخرى في البلدات. في جوابها لـ هيومن رايتس ووتش، لم توضح الوزارة الخطوات لنقل اللاجئين الذين يعيشون في هكذا مساكن.[61]
حتى في حالة مطار رياق، حيث قابلت هيومن رايتس ووتش لاجئين تم نقلهم إلى المكان الجديد، أكد اللاجئون أنه لم يكن هناك أي إجراء ولا إشعار مكتوب ولا فرصة لمناقشة نقلهم أو الاعتراض عليه، كما أن الإجلاء كان في ظروف قاسية. رزعان (42 عاما) والد لخمسة أطفال يعيش في المخيم الجديد، تكلم مع هيومن رايتس ووتش في خيمة غير مدفأة في يناير/كانون الثاني وأطفاله حوله:
منذ شهر تقريبا، جاءت مخابرات الجيش إلى المخيم وقالت إن علينا المغادرة في غضون أسبوع. قالوا "بعد أسبوع، لا نريد رؤية أي خيمة هنا". يوم مغادرتنا كان الطقس باردا وماطرا. ومرض بعضنا كثيرا. كان طبيب من إحدى المنظمات يزورنا في المخيم القديم ويعتني بالأطفال المرضى، ولكن منذ الإجلاء لم يأت أي طبيب. لم يكن في المزرعة التي ذهبنا إليها بعد إجلائنا أي حمامات وأشعلنا الحطب للتدفئة، لكن البرد كان قارسا، قضينا 20 يوما صعبة جدا. [62]
.III الإجلاء والطرد القسريان قد يشكلان تمييزا على أساس الجنسية والدين
لبنان دولة طرف في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري. [63] تؤكد الاتفاقية أن أي استثناء أو تقييد يفرض على المواطنين وغير المواطنين مسموح فقط في حال "خلو هذه الأحكام من أي تمييز ضد أي جنسية معينة".[64] هذا يعني، حسب تفسير لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، أن "لا تقوّض الحظر الأساسي للتمييز؛ ومن ثمّ يجب ألا تُفسّر على نحو ينتقص بأي شكل من الأشكال من الحقوق والحريات المعترف بها والمنصوص عليها على وجه التحديد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".[65]
مع أن مقدمة الدستور اللبناني، مع تعديلات 1990، تتضمن مادة تمنع "توطين" غير اللبنانيين في لبنان،[66] فإن مصطلح التوطين يفسَّر بالاستقرار الدائم.[67] يلتزم لبنان أيضا في مقدمة دستوره بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أنه "تجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء".[68] ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان "دونما تمييز من أي نوع" على أساس الأصل القومي أو الدين أو غيرها.[69] لبنان طرف أيضا في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.[70] تلحظ لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن "أحكام عدم التمييز التي تتضمنها المادتان 2-2 و3 من العهد تفرض على الحكومات التزاما إضافيا بأن تكفل، في حال حدوث عمليات إخلاء، اتخاذ تدابير مناسبة لضمان عدم انطواء ذلك على أي شكل من أشكال التمييز".[71]
احتمال التمييز على أساس الجنسية
في حين تدعي السلطات البلدية في لبنان أن إجلاء اللاجئين السوريين كان على أساس انتهاك قانون الإيجارات، مثل عدم تسجيل الإيجار في البلدية وانتهاكات لقوانين أخرى تنتشر بين اللبنانيين أيضا، فإن التدابير التي اعتمدتها استهدفت السوريين حصرا دون اللبنانيين.
العديد من السوريين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم كانوا يعيشون في مبان أو أحياء تضم لبنانيين وسوريين، لكن السلطات البلدية استهدفتهم وحدهم. الإجلاءات التي استهدفت السوريين دون غيرهم والخطاب المرافق لها، بالإضافة إلى عدم الاتساق بين البلديات التي تعلل الإجلاءات بانتهاك قوانين العمل والإيجارات، تؤكد أن السوريين استُهدفوا بسبب جنسيتهم.
قال رياض (25 عاما) والذي طُرد من الحدث في أوائل يناير/كانون الثاني 2018، إن مبناه كان يضم لبنانيين وسوريين، وإن الجميع كانوا يعيشون بوفاق. قال إنه قبل شهرين من مجيء عناصر الشرطة البلدية إلى منزله، جاؤوا وتكلموا مع الناطور، وهو أيضا عم رياض. قال له عمه إن الشرطة طلبت منه أسماء وأرقام شقق السوريين وأن يبلغهم بأن عليهم المغادرة. قال رياض إن الشرطة جاءت بعد شهرين، "داروا على جميع الطوابق وقرعوا على أبواب شقق السوريين فقط".[72]
احتمال التمييز الديني
دعا بعض الزعماء المسيحيين في لبنان إلى عودة السوريين إلى بلدهم. بعد أيام من مقتل ريا الشدياق، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي إن الوضع لم يعد الوضع يطاق، ودعا إلى عودة السوريين إلى بلدهم. وإنه آن الأوان أن يأخذ اللبنانيون بزمام الأمور، مضيفا، "لا يمكننا انتظار همة الدول لحل هذه المشكلة، فهذه الدول لا تهتم إلا بمشاريعها السياسية".[73]
حتى اليوم، جميع البلديات قالت مفوضية اللاجئين إنها تجلي اللاجئين قسرا، باستثناء تمنين التحتا، تدير بلدات ذات أغلبية مسيحية.[74] أغلب اللاجئين السوريين الذين تم إجلاؤهم والذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش ردوا الإجلاء، جزئيا، إلى انتمائهم الديني، وقالوا إن مسؤولي البلديات أنفسهم سمحوا للاجئين المسيحيين بالبقاء. مع العلم أن المفوضية سجّلت إجلاءات بحق لاجئين سوريين في القاع في 2016 وفي زحلة في 2017.[75] عمر (29 عاما) من دير الزور، أُجلي من الحدث وعندما أجرينا معه مقابلة كان يعيش في مبنى مهجور نصف مكتمل في مزرعة يشوع، قضاء المتن في جبل لبنان، وقال إن السبب الوحيد الذي أعطوه لإجلائه كان انتمائه الديني:
قرعت الشرطة البلدية على باب منزلي. سألتهم "هل قمنا بأي خطأ" أجابوا "كلا، فقط ارحلوا". في بادئ الأمر قالوا إن لدي 3 أيام للمغادرة. لم أتمكن من إيجاد مكان فأعطوني 3 أيام أخرى. وقالوا إنهم سيقفلون الباب علينا. سألت جيراني عن السبب وقالوا "على المسلمين المغادرة فقط". المسيحيون السوريون والعراقيون لم يغادروا. في النهاية طلبوا فقط من السوريين المسلمين المغادرة. لي قريب يعيش هنا منذ 15 عاما وطردوه، ثم انتقلت أسرة مسيحية... إلى شقته.[76]
قال إيهاب (30 عاما)، وهو من إدلب وطُرد من منزله في الحدث أوائل ديسمبر/كانون الأول 2017: "حتى أنهم لم يقرعوا باب أسرة مسيحية تعيش بقربي. إنهم سوريون لم يُطردوا".[77]
بعض الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن الشرطة البلدية وسلطات بلدية أخرى أخبرتهم تحديدا أن ارتداء النساء الحجاب كان أحد أسباب إجلائهم. قال فايز (35 عاما)، وهو من دير الزور وطُرد من الحدث أواسط أكتوبر/تشرين الأول 2017 ويعيش اليوم في بيروت، إن المسؤولين البلديين بدأوا أولا بالسؤال عن أوراق الإقامة خلال الصيف، ثم بدأوا بطلب المغادرة في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول:
في الصيف تكلمت مع شخص في البلدية. قال لي إن عليّ إقناع زوجتي بخلع الحجاب. سألته إن كنا ارتكبنا خطأ. أنا مسلم سني. عندما طلب مني المسؤول أن أقنع زوجتي بخلع الحجاب أجبته بأنني أفضل العودة إلى سوريا على ذلك.[78]
سألنا لبنانيا مسيحيا من سكان الحدث وهو كفيل لاجئ سوري وصاحب شقة أحدهم قبل طرده، إن كان يعتقد أن التمييز الديني لعب دورا في الإجلاءات من الحدث:
في السابق كان هنا العديد من المسلمين لكن مؤخرا ارتفع عددهم كثيرا. جاؤوا واشتروا الأراضي والشقق وهذا ما دفع البلدية إلى الاستجابة. قال رئيس البلدية، جورج حداد، يجب ألا نبيع منازلنا وأراضينا للمسلمين الشيعة وإنه لن يوافق على أي عملية بيع لهم. وقال إن هذه أرض مسيحية. إذا جاء آشوريون مسيحيون أو مواطنون لبنانيون سيستأجرون المنازل التي كان يقطنها للاجئون السوريون ولكن لن يتمكن أحد من تأجير منزله قبل موافقة رئيس البلدية.[79]
شرح المسؤول الإداري في بلدية بشري لنا سبب قرار البلدية طرد اللاجئين السوريين:
نحن خائفون من التغيير الديمغرافي في بشري. الناس هنا يحبون أرضهم ولا يريدون أن يغيروها. هذه بلدة مسيحية. لا يوجد جامع هنا. لا نريد جلب اللاجئين. لا يوجد لاجئون مسيحيون بين السوريين. نحن لا نحب الغرباء.[80]
قال زياد (36 عاما)، وهو لاجئ مسلم هُدد بالطرد من زحلة، إنه يعمل مع لاجئ سوري مسيحي لم يتأثر بالإخلاءات. "أنا المسلم الوحيد في محطة الوقود التي أعمل فيها. الموظفون الأربعة الباقون هم [سوريون] مسيحيون. استطاع مديري ترتيب وضع المسيحيين مع البلدية. لم يحصلوا على إشعار إجلاء، بعكسي أنا". [81]
IV.عدم شرعية إجلاء اللاجئين من البلديات
شروط الإخلاء القانوني بموجب القانون اللبناني
إذا لم يدفع المستأجر الإيجار لصاحب الشقة أو كان هناك ضرورة لإخلاء منطقة لأسباب أمنية، قد تتفق أسباب الطرد مع المعايير القانونية اللبنانية، ولكن بموجب القانون اللبناني يجب احترام المعايير الإجرائية.[82] الشرط الإجرائي الأساس – والغائب في الحالات المذكورة في هذه الدراسة – هو أنه يجب أن يصدر قرار الإخلاء عن محكمة. لم يكن سبب الإخلاء، في أي من الحالات في هذا التقرير، عدم دفع الإيجار ولم يقم صاحب الشقة بطلب الإخلاء. معظم الأحكام ذات الصلة في القانون اللبناني تتعلق بإجراءات يتبعها مواطنون عاديون لطرد المستأجرين.
فسّرت المحاكم اللبنانية المادة 429 من قانون العقوبات بأن أصحاب الشقق لا يحق لهم طرد المستأجرين بدون حكم قضائي، عملا بالمبدأ القاضي بعدم تنصيب المواطنين أنفسهم منفذين للقانون.[83] في دراستهما حول قضايا الإسكان والأرض والملكية في أغسطس/آب 2014، في وقت كان سبب الطرد الرئيسي عدم دفع الإيجار، لخص "برنامج الموئل" ومفوضية اللاجئين التابعَين للأمم المتحدة عدم احترام الإخلاءات في لبنان الحد الأدنى من الإجراءات اللازمة:
في حين يعتبر عدم دفع الإيجار سببا مشروعا للإخلاء، وجدت الدراسة أن الإخلاءات حصلت بأغلبها خارج الأطر القانونية، مُشكِّلةً انتهاكا للقانون اللبناني والمعايير الدولية. لم تجد الدراسة أي دليل على إجراء الإخلاءات عبر حكم قضائي كما يشترط القانون اللبناني أو أنها اتّبعت الإجراءات اللازمة. لحظت الدراسة أيضا أن العديد من الإخلاءات انطوت على تهديدات ومضايقات متكررة، وفي بعض الأحيان كانت مدعومة بتهديد علني أو مبطن باستخدام القوة، إن كان عبر ميليشيا مسلحة أو عناصر من الشرطة.[84]
لم يحاول أي من اللاجئين المجليين الاعتراض على القرار في المحاكم، كما لم يتلق أي منهم قرارا قضائيا، ولم يبلّغوا أن بإمكانهم الاعتراض على شرعية الإخلاء. هيومن رايتس ووتش ليست على علم بأي صاحب شقة اعترض على عدم قانونية الإخلاء في المحكمة. قال صاحب شقة وحيد، طلب عدم ذكر اسمه، إنه كان يود أن يعترض على إجلاء اللاجئين السوريين الذين خسر مال إيجارهم، لكنه خاف من انتقام رئيس البلدية إذا أثار الموضع.[85] قال آخرون قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن العديد من أصحاب المنازل لم يعترضوا على شرعية الإخلاءات لأنهم لم يكونوا قد سجّلوا الإيجار في البلدية تفاديا للضريبة على مدخولهم من الإيجار.[86]
هل للبلديات سلطة قانونية لإجلاء السوريين من بيوتهم أو طردهم من البلدات والمدن؟
بعيدا عن مسألة ما إذا كانت بعض البلديات اللبنانية قد أجلت أو طردت مقيمين سوريين لأسباب غير مشروعة وما إذا كانت قد اتبعت الإجراءات السليمة، فهذا سؤال أصله إن كان لها السلطة القانونية لإجلاء المقيمين السوريين من بيوتهم أو طردهم من البلدات، وإن كان لهم الحق، فعلى أي أساس يُصرح لهم بهذا.
لا توجد قوانين أو سوابق قضائية واضحة تؤكد أن الإخلاء أو الطرد عمل قانوني ضمن صلاحيات البلديات.[87] كثيرا ما يذكر مسؤولو البلديات المادة 74 من قانون البلديات كسند قانوني للإخلاءات وحظر التجول وغيرها من التدابير المتخذة ضد اللاجئين السوريين. تصرّح الفقرة 19 من المادة المذكورة لمسؤولي البلديات باتخاذ تدابير "للمحافظة على الراحة والسلامة والصحة العامة بشرط أن لا يتعرض للصلاحيات التي تمنحها القوانين والأنظمة لدوائر الأمن في الدولة".[88] تصرح المادة نفسها لمسؤولي البلدية بفرض أحكام القانون "المتعلقة بتسوية مخالفات البناء".[89] وفي حين أن الفقرات الـ 40 في المادة 74 تحدد عدة صلاحيات لرئيس السلطة التنفيذية للبلدية، بما يشمل إصدار تصاريح بناء "لتسوية مخالفات البناء"، فلا يوجد ما ينص على التصريح له أو لها بإخلاء أو طرد الناس لأي سبب.[90]
قدمت البلديات أسبابا عديدة متعارضة أحيانا لإخلاء وطرد السوريين. شرح رئيس الدائرة التنفيذية في بلدية بشري كيف تستخدم بلدته عدة قوانين لتقييد إقامة اللاجئين السوريين، دون إبداء سند قانوني واضح:
عندنا قوانين. نعيد تسجيل الناس كل شهرين إلى 3 أشهر. عندنا طبيب يرافق الشرطة لفحص حالتهم الصحية. لا يُسمح بوجود أكثر من 5 أو 6 أشخاص في مأوى واحد. لا يُسمح للاجئين بالتواجد بالخارج بعد الساعة 7 مساءً. يجب أن يكفلهم شخص من السكان هنا. واللاجئون دون كفلاء لبنانيين محليين مقيمين في بشري لا يُسمح لهم بالعيش هنا.[91]
إضافة إلى ذكر مخالفات البناء، مثل أن يعيش الكثير من الأشخاص في شقة واحدة أو عدم تسجيل عقد الإيجار لدى البلدية، ذكرت البلديات أيضا مخالفات قانون العمل، مثل العمل بمهنة محظورة أو دون تصريح عمل، أو عدم توفر إقامة سارية في لبنان، كأساس للإخلاء القسري. لكن العقوبة الصحيحة لهذه المخالفات ليست الإخلاء، فلا يوجد في القانون بلبنان ما ينص على معاقبة مخالفات العمل بالإخلاء من السكن، وليس للبلديات الصلاحيات القانونية للتدخل فيما يخص مخالفات قانون العمل.[92]
تسجيل عقود الإيجار لدى البلديات هو مسؤولية مالك الشقة والمستأجر معا، لكن في واقع الحال، فالممارسة السائدة هي عدم مراعاة الطرفين لمطلب تسجيل العقود. توصل استبيان أجراه برنامج الموئل ومفوضية اللاجئين إلى أن 75 بالمئة من المستأجرين المشمولين بالاستبيان ليست لهم عقود مكتوبة مع أصحاب الشقق، وأنه "يكاد لا يوجد أي عقد مسجل لدى البلدية".[93] عقوبة هذه المخالفة الشائعة التي يجري في الغالب تجاهلها هي الغرامة أو مصادرة الأمتعة من داخل الشقة وبيعها بالمزاد لقاء التخلف عن سداد الغرامة، لكن ليس الإخلاء.[94]
رغم غياب أي صلة قانونية بين إقامة اللاجئين في لبنان وحقهم في العيش في بيوتهم ومجتمعاتهم المحلية، فقد توصلت هيومن رايتس ووتش إلى استخدام الشرطة البلدية أحيانا حجة عدم توفر إقامة قانونية لدى السوريين في لبنان كأساس لإجلائهم قسرا عن بيوتهم وطردهم من البلدات التي يعيشون فيها. لكن لم نجد اتساقا؛ ففي حالات أخرى بلغنا اللاجئون بأن الشرطة البلدية أجلتهم دون أن تسأل عما إذا كان لديهم إقامة قانونية سارية في لبنان.
الإقامة القانونية شأن يخص قوانين الهجرة في لبنان، ويتصل بحق البقاء في لبنان بالكامل، وليس إقامة المرء في بيته أو منطقة ما. وعلى مدار السنوات العديدة الماضية، واجه السوريون في لبنان معوقات بلا حصر، سواء في التسجيل للحصول على الإقامة القانونية أو في تجديدها، بحيث أن 74 بالمئة من السوريين المشمولين بالاستبيان في لبنان لم يعودوا حائزين على إقامة قانونية.[95]
تذرّع الشرطة البلدية أحيانا بعدم وجود الإقامة القانونية كأساس لإخلاء السوريين ربما كان سببه سوء فهم للسلطة المكفولة لها بموجب الفقرة 38 من المادة 74 من قانون البلديات، التي تسمح لشرطة البلدية بالتصرف بصفة الضابطة العدلية.[96] وفي حين قد يتعرض من يفتقر للإقامة القانونية في لبنان للتوقيف والاحتجاز، فليس الإخلاء من العقوبات المقررة للتواجد بصفة المهاجر غير القانوني. رغم أن الشرطة البلدية لها سلطات التوقيف، فبحسب محام لبناني يعمل لصالح منظمة إنسانية دولية في لبنان، يمنع القانون هذه الشرطة من احتجاز الناس الذين ليس لديهم إقامة قانونية سارية في لبنان، ويوجهها بمرافقة هؤلاء الأفراد إلى مقار الأمن العام.[97]
عندما ذكرت الشرطة البلدية مخالفات الإقامة في لبنان، كانت في العادة تهدد أيضا بتدخل الأمن العام. في بعض الحالات هددت الشرطة البلدية بإعلام الأمن العام في حال عدم مغادرة البلدية، رغم سريان الإقامة القانونية للسوريين المهددين. قالت رشا – التي كانت وقت كتابة هذه السطور مهددة بالإجلاء من زحلة – إن الشرطة البلدية ذهبت إلى بيتها 3 مرات لمطالبتها بمغادرة المدينة. قالت رشا: "سألنا لماذا، فقالوا اذهبوا اسألوا الأمن العام. لكننا معنا إقامة قانونية سارية من الأمن العام".[98]
حقوق الخصوصية
الإخلاءات من قبل بلديات لبنانية معينة تخرق حقوق الخصوصية، ليس فقط المذكورة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وإنما أيضا المنصوص عليها في الدستور اللبناني، الذي نصّ على: "للمنزل حرمة ولا يسوغ لأحد الدخول إليه إلا في الأحوال والطرق المبينة في القانون".[99]
في حين توجد مسوغات تسمح للشرطة البلدية بدخول المنازل حال وجود أسانيد معقولة ومرجحة للتفتيش، فإن بعض التصرفات التي وصفها لاجئون سوريون لـ هيومن رايتس ووتش تمثل خرقا للحقوق الأساسية في الخصوصية، من حيث أن التعدي على خصوصيتهم يبدو غير مبرر أو غير متناسب ولا ضرورة له. قالت نوال (19 عاما)، التي تزوجت حديثا من لاجئ من دمشق، إنها كانت تسير في الشارع مرتدية الحجاب في سبتمبر/أيلول 2017، عندما رأتها الشرطة البلدية في زحلة ولاحقوها إلى بيتها:
كنت قد خلعت حجابي عندما سمعت الطرق على الباب. كانت الشرطة [البلدية]. طلبت منهم أن ينتظروا لحظة واحدة حتى ارتدي الحجاب، لكنهم دخلوا البيت. أثناء المقابلة بالكامل رحت أطلب منهم أن ينتظروا لحظة حتى أرتدي الحجاب، لكنهم لم يسمحوا لي. لم يكفوا عن مضايقتي حتى وقعت ورقة تقول إن أمامي أسبوعا لأغادر، ثم وضعوا تلك الورقة على بابنا. جاءوا في 25 سبتمبر/أيلول وكان أمامنا حتى 5 أكتوبر/تشرين الأول لنغادر، لكننا غادرنا على الفور.[100]
رواية نوال متسقة مع حالات أخرى سمعنا بها من نساء أخريات كن وحدهن بالمنزل عندما جاءت الشرطة لتسليم إنذار الإخلاء.
المعايير الدولية للإخلاء
ترى "لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وهي الهيئة الأممية التي تفسر مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن الحق في السكن الملائم في العهد الدولي يشمل الحماية القانونية من الإخلاء القسري. وتحديدا، فقد ذكرت إجراءات الحق في سلامة الإجراءات القانونية التي تضمن قانونية الإخلاء، وهي:
(أ) إتاحة فرصة للتشاور الحقيقي مع المتضررين؛ (ب) إشعار المتضررين كافة بشكل واف ومناسب قبل الموعد المقرر للإخلاء؛ (ج) الإحاطة علما بعمليات الإخلاء المقترحة، وعند الاقتضاء، بالغرض البديل المقرر استخدام الأرض أو المسكن من أجله، على أن تتاح هذه المعلومات لجميع المتضررين في الوقت المناسب؛ (د) حضور موظفين حكوميين أو ممثلين عنهم أثناء الإخلاء، وخاصة عندما يتعلق الأمر بجماعات من الناس؛ (هـ) التعيين الصحيح لهوية جميع الأشخاص الذين يتولون القيام بعملية الإخلاء؛ (و) عدم القيام بالإخلاء عند سوء الأحوال الجوية بشكل خاص أو أثناء الليل، ما لم يوافق المتضررون على غير ذلك؛ (ز) توفيـر سبل الانتصاف القانونية؛ (ح) توفير المعونة القانونية، عند الإمكان، لمن يكونون بحاجة إليها من أجل التظلم لدى المحاكم.[101]
لم تراع إخلاءات البلديات في لبنان أي من هذه المعايير الإجرائية تقريبا، وتحديدا البنود (أ)، لم تكن هناك فرصة للتشاور الحقيقي مع المتضررين، و(ب)، لم يتم إشعار المتضررين كافة بشكل واف ومناسب، و(ج)، لم تتح معلومات تُذكر حول الإخلاءات المقترحة، وباستثناء الإخلاء في رياق، لم تُقدم معلومات عن الغرض البديل المقرر استخدام الأرض أو المسكن من أجله، و(د)، في كل الحالات تقريبا التي تعرف بها هيومن رايتس ووتش، لم يحضر موظفون حكوميون أثناء الإخلاء، (وإن كان يبدو أن السبب في هذا، في الحالات التي وثقناها، هو أن الصادر بحقهم قرارات الإخلاء امتثلوا بالأوامر في ظرف الفترة المقررة فلم تحدث تدخلات لإخراجهم)، و(هـ) رغم أن الشرطة البلدية كانت في العادة معروفة للسوريين المعرضين للإجلاء، ففي حالات عديدة أمرت الشرطة البلدية السوريين بالمغادرة دون الإعلان عن هويتهم أو هوية الجهات التي أصدرت أمر الإخلاء، و(و) في أواخر ديسمبر/كانون الأول حدثت إخلاءات رياق في ظل ظروف جوية سيئة وأمرت بعض البلديات السوريين بالمغادرة خلال الشتاء في البرد القارس، و(ز) لم يتم في أي حالة توفير سبل انتصاف قانونية، و(ح) لم تُقدم مساعدة قانونية لمن يحتاجون إليها للتظلم لدى المحاكم.
حافظ (57 عاما) المقيم في الحدث منذ فترة طويلة، والذي قال إن جميع أوراقه سليمة، تحدث عن انعدام الإجراءات السليمة أثناء إخلائه في يناير/كانون الثاني 2018:
راحت الشرطة البلدية تطرق على الباب. لم يقدموا أي أوراق، كان الأمر شفهيا فقط. كانوا يرتدون الزي الرسمي، وكنت أعرف بعضهم. بعضهم عملاء لي بالمتجر الذي أعمل فيه. سألتهم لماذا يجب أن أغادر، ولم يقدموا أي سبب، قالوا فحسب: "لا يُسمح للسوريين بالإقامة هنا". لم تكن هناك محاكم أو قضاة أو إجراءات قانونية. لم يتهموني بالإقامة غير القانونية لأن معي إقامة قانونية. قالوا فحسب: "يجب أن تغادر وإلا أخرجنا أمتعتك إلى الشارع". كانوا يحضرون كل أسبوع، ثم كل يوم، ثم مرتين في اليوم. طلبت منهم أن يمهلوني حتى نهاية الشهر إلى أن تنتهي مدة الإيجار، لكن لم يوافقوا، لذا دفعت إيجار شقتين ذلك الشهر.[102]
كما تؤكد شهادة حافظ، فإن لبنان لم يضمن – كما تقول لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنه مطلوب بموجب العهد الدولي – "استكشاف البدائل المجدية بالتشاور مع المتضررين" أو "توفير سبل الانتصاف أو الإجراءات القانونية للمتأثرين بأوامر الإخلاء".[103] لم يحدث أن قال أي من السوريين الذين تعرضوا للإخلاء والذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن أية هيئة حكومية لبنانية، مدنية كانت أو عسكرية، عرضت تقديم مساكن بديلة قبل الإخلاء أو قدمتها فعلا، ولم يحدث في أي حالة لسوريين قابلناهم أن تم تعريفهم بحقهم في الطعن أمام سلطة بلدية أو حكومية بأمر الإخلاء.
تقول لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا إن الحكومات مسؤولة عن أن يُتاح لجميع الأشخاص المعرضين للإخلاء "الحق في التعويض الكافي عن أية ممتلكات تتأثر [...] شخصية كانت أم عقارية".[104] لم يحدث في أية حالة أن قال سوريون قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن البلدية أو أية سلطات لبنانية أخرى قدمت لهم عونا أو مساعدة بعد الإخلاء، أو قدمت لهم مساكن بديلة إثر إجلاءهم، أو عوضتهم على الأمتعة والممتلكات المفقودة. ضحك بعض اللاجئين في مرارة عند طرح هذا السؤال عليهم. سأل رياض، الذي تم إجلاؤه من الحدث: "هل تعتقد حقا أن من طردونا سيساعدوننا؟"
.V قيود أخرى تمييزية أو لا داعٍ لها على اللاجئين
إجلاء اللاجئين السوريين من البلديات لا يحدث في الفراغ، إنما في بيئة من التمييز والمضايقات. أعرب لاجئون سوريون عن إحساسهم بالعدوانية والضغط لمغادرة لبنان بشكل متزايد. قال البعض إن الضغط لا يأتي إلا من الساسة والشرطة البلدية ومجموعات لها أجندات سياسية أو عنصرية، وليس من أصحاب البيوت وأصحاب العمل والجيران اللبنانيين، فيما قال آخرون إن المضايقات من الجيران وفي الطريق في تزايد.
حظر التجول والحواجز الأمنية
دأبت العديد من البلديات اللبنانية على فرض حظر تجول على اللاجئين اللبنانيين على مدار السنوات الأخيرة. أفادت هيومن رايتس ووتش في 2014 بفرض 45 حظر تجول على الأقل من قبل بلديات.[105]
رغم تباين أوقات الحظر والاستثناءات عليه من بلدة لأخرى، فجميع اللاجئين السوريين الذين قابلناهم لإعداد هذا التقرير يعيشون في بلديات أو كانوا في بلدات طُردوا منها، قالوا إنهم التزموا فيها بقيود حظر التجوال. عمرو، اللاجئ السوري البالغ من العمر 50 عاما المقيم في كفرذبيان بمحافظة جبل لبنان، أخبرنا بصعوبة الحظر في بلدته:
لا يمكننا مغادرة البيت بعد الساعة 5 مساء. سبق أن تعرضنا لحالات طوارئ في التاسعة مساء، وكنا نحتاج إلى مساعدة طبية. حدث هذا لصديق لي قبل 10 أيام. كان عليه الخروج للصيدلية لجلب دواء عاجل. أوقفته الشرطة البلدية وضربوه. حدث هذا لي قبل شهرين عندما كان ابني يعمل لساعة متأخرة وذهبت مع زوجته لأخذه من عمله. أوقفتنا الشرطة ورفضت أن تسمح لنا بالمرور، وأعادونا أدراجنا دونه.[106]
قال عمرو: "لا أمانع في الحواجز الأمنية. أريد حالة أمنية جيدة. لكن إذا كانت أوراقي قانونية، وإذا كنت أدفع إيجاري في وقته، وإذا كنت حسن السلوك، فلماذا يضايقوني؟"[107]
بطاقات تعريف البلدية
بدأت بعض البلديات في إصدار بطاقات التعريف خاصتها للاجئين السوريين وهددت من لا يسددون رسوم تجديد البطاقات بالطرد. قال نائب رئيس مجلس بلدية زحلة لـ هيومن رايتس ووتش إن زحلة بدأت في إصدار "أوراق خاصة للسوريين في الآونة الأخيرة فقط منذ بدأت مشاكل داعش".[108] لكن ليس في القانون اللبناني ما يصرح للبلديات بإصدار بطاقات الهوية خاصتها للمواطنين السوريين، أو أن تفرض رسوما على السوريين مقابل تحصيل هذه البطاقات وتجديدها.[109]
عبد الله رجل سوري يقيم في عشقوت، وهي بلدة بقضاء كسروان بجبل لبنان، قال إن بدءا من عام مضى بدأت بلدية عشقوت في إصدار بطاقات التعريف خاصتها للاجئين ورسومها 200 دولار أمريكي، قابلة للتجديد كل 6 أشهر مقابل 100 دولار أخرى، وقال: "يحتاج كل فرد بالأسرة لهذه البطاقة، حتى الأطفال". وأضاف موضحا أنه: "تعطيني البطاقة الإذن بالخروج بعد الساعة 7 مساء، وهو وقت حظر التجول على اللاجئين، لكن أيضا إذا لم أجددها يمكنهم إخباري أن عليّ مغادرة البلدة". قال عبد الله إن كل من يعرفهم دفعوا ثمن البطاقة "ليس هناك من لم يدفع".[110]
قال اللاجئون ببلدة بكفيا بقضاء المتن بمحافظة جبل لبنان إن البلدية تجبرهم على دفع رسوم تجديد بطاقة تعريف البلدية كل 3 أشهر. في البداية كانت البطاقة تكلف 10 آلاف ليرة لبنانية (7 دولارات) كل 3 أشهر ثم وفي توقيت عمل المقابلات في يناير/كانون الثاني 2018 كانت الرسوم قد زادت إلى 50 ألف ليرة لبنانية (33 دولارا) للنساء و100 ألف ليرة (66 دولارا) للرجال. تحمل البطاقة اسم صاحبها وتاريخ مولده وجنسيته على جانب، وعنوانه على الجانب الآخر ومعه صاحب عمله وصاحب شقته ورقم هاتفه وتاريخ الإصدار وتاريخ انتهاء صلاحية البطاقة. قال ماهر (30 عاما): "هذه البطاقة لحمايتنا. إما أن تدفع أو تغادر البلدة". قال إن كل 3 أشهر في موعد انتهاء صلاحية البطاقة:
تحضر الشرطة [البلدية] إلى بابنا مسلحين بالكلاشنيكوف. يأتون في سيارات الشرطة ومعهم كشافات قوية. يأتون ليلا ويسلطون الأضواء على وجوهنا. يصرخون فينا ويفتشون البيت أحيانا. يحدث هذا كل 3 أشهر. دائما ما يحضرون قبل انتهاء صلاحية البطاقة مباشرة. سوف يحضرون قريبا.[111]
قال ماهر إنه يعتقد أن الشرطة تضايق الناس بسبب تجديد بطاقة تعريف البلدية ليس فقط لإكراهه هو والسوريين في بكفيا على مغادرة البلدية، إنما ليغادروا البلد. قال: "تقول الشرطة [البلدية] أن نعود إلى سوريا. يخبرونا أن الوضع آمن لأن نعود. لا يعرفون أن لا بيت لنا هناك، لا شيء. إذا كان الوضع آمنا في سوريا كنت بقيت فيها".[112]
منع الأطفال السوريين من ارتياد المدارس
قال عمرو إن أبناءه يذهبون إلى المدرسة في كفرذبيان على مدار السنوات الخمس الماضية، لكن وجد الأمور تغيرت عندما رافقهم إلى المدرسة في فصل الخريف ببداية السنة المدرسية 2017:
لم يخبرني أحد بشكل مباشر أن أعود إلى سوريا، لكن عندما أخذت بناتي إلى المدرسة التي يرتدنا منذ 5 سنوات، لم يقبلوهن، وقالوا إنهم لا يقبلون أي سوريين. هي مدرسة عامة، وقد ناشدت المدير ليسمح لواحدة منهن على الأقل بارتياد المدرسة لكنه رفض وقال لي أن أشتكي لوزارة التربية.[113]
منعت بلدية بشرى الأطفال اللاجئين من سوريا من ارتياد مدارسها الحكومية في بداية السنة المدرسية 2017. قال رئيس الدائرة التنفيذية في بلدية بشري لـ هيومن رايتس ووتش:
بعد الحرب السورية، جلب العمال المهاجرون السوريون زوجاتهم وأطفالهم هنا وبدأوا في تبديل التركيبة السكانية. لهذا السبب أخذت وزارة التربية قرار عدم قبول الأطفال السوريين بالمدارس. لا حيلة لنا في هذا القرار، فقد تم اتخاذه في بيروت. كان القرار هو عدم قبول الأطفال السوريين بالمدارس لعام كامل.[114]
حين روى اللاجئون المطرودون من بشري لـ هيومن رايتس ووتش تجربتهم بالكامل، كانت القصة دائما تبدأ بإغلاق أبواب المدارس في وجوه أطفالهم. موسى (40 عاما) تم إجلاؤه من بيته ومعه زوجته و3 أطفال في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. قال موسى إن منع الأطفال من ارتياد المدرسة كان أول بادرة على المشاكل المقبلة:
أول مرة أعرف بأننا قد نُخلى من البلدة كانت في سبتمبر/أيلول 2017 عندما ذهبت لتسجيل أطفالي في المدرسة، وهو ما فعلته دون مشاكل العام الماضي. لكن حين ذهبت لتسجيلهم قال لي المعلم أنهم لا يمكنهم تسجيل الأطفال وأن علينا مغادرة البلدة. بدأت الشرطة تطرق بابنا بعد هذا، لتخبرنا أن علينا المغادرة.[115]
شام (34 عاما) هي أم وحيدة لها 5 أطفال، قالت:
كان أطفالي يذهبون إلى المدرسة في بشري، لكن هذا العام عندما أخذتهم إلى المدرسة لتسجيلهم أوقفونا ولم يسمحوا لنا بإدخال الأطفال المدرسة. أرسلوا الأطفال إلى البيت في اليوم الأول للمدرسة بعد أن ضايقوهم بالكلام. هي مدرسة حكومية وبلدية بشري هي التي أبعدت أبنائي عن المدرسة. حدث هذا لجميع أبناء اللاجئين السوريين.[116]
المضايقات في الشوارع ومن الجيران
رغم أن هذا التقرير يركز تحديدا على الإخلاءات القسرية والطرد، وهو الأمر المفهوم بشكل عام أنه تحقق بسبب أوامر صادرة من السلطات للاجئين للمغادرة، فإن السياق الذي حدث فيه ذلك اشتمل على العدوانية من المجتمعات المضيفة. على سبيل المثال، فإن أمينة – وهي أم لخمسة أطفال أجليت من بيتها في زحلة في مطلع صيف 2017 – قالت إنها عندما كانت تسير في الشارع بحجابها كان المارة يصيحون "داعش" وأيضا "لماذا ما زلت هنا؟ لماذا لم تعودي إلى سوريا؟" قالت إن ابنتها لا يمكنها اللعب في ملعب الحيّ لأن الجيران اللبنانيين يقولون إن الملعب "أرض لبنانية" وإن الأطفال السوريين يحدثون الكثير من الضجة. [117]
رغم أن اللاجئين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش من أماكن مثل الحدث قالوا عموما إن علاقاتهم كانت طيبة بالجيران اللبنانيين وإن مشاكلهم كانت مقتصرة على مسؤولي البلدية، ففي أماكن أخرى قال اللاجئون إنهم تعرضوا لمضايقات شفهية في الشارع ومن الجيران اللبنانيين. يبدو أن الكثير من هذه المضايقات كان موجها إلى النساء المحجبات. هالة (30 عاما) هي أم لثلاثة أبناء أجليت قسرا من بيتها في بشري، قالت إن مشكلتها مع الجيران اللبنانيين بدأت قبل الإخلاء بكثير:
رغم أن الجيران اللبنانيين لا يعيشون بالقرب منّا، فعندما نحرق القمامة خارج البيت يصيحون فينا من على مسافة عدة أبنية. هناك امرأة تضايقني طوال الوقت. ذات مرة حاولت خلع حجابي. راحت تصيح: "السوريات ساقطات. أنتن تسرقن أزواجنا". أطلقت كلبها عليّ.[118]
قالت رشا، اللاجئة التي كانت في الشهر الثامن من حملها عندما جاءت الشرطة لأول مرة تطالبها بإخلاء بيتها في زحلة، إن جيرانها هللوا وتصايحوا فرحا عندما جاءت الشرطة لإجلائها:
لم يعودوا راغبين في وجود اللاجئين هنا. الإساءات الشفهية دائمة. يصرخون فينا ويقولون "يا ساقطات". عندما ننشر ثيابنا المغسولة لتجف، يصرخون فينا لكي ننشر غسيلنا.[119]
العنف الأهلي وغياب حماية الشرطة
لم يعتبر اللاجئون السوريون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش الشرطة البلدية جهة حماية لهم، وبشكل عام لا يرجحون القيام بإبلاغ الشرطة بالجرائم التي تعرضوا لها. حتى عندما تعرض لاجئون لهجمات من مجموعات مجهولة من الرجال، قالوا إنهم لم يلجؤوا للشرطة لتحميهم، معتقدين أن الشرطة توافق على التهديدات والعنف الصادر عن هذه المجموعات. كما أن غياب الإقامة القانونية الواسع النظاق يعرض السوريين للخطر في أي تعامل مع السلطات.
في مقابلات منفصلة وعلى انفراد مع لاجئين سوريين ببلدة حراجل بقضاء كسروان بمحافظة جبل لبنان، قدموا لـ هيومن رايتس ووتش روايات متسقة حول هجمات مجموعات من الأهالي عليهم، مع إفلات هؤلاء من العقاب. اللاجئون الذين تحدثنا إليهم كانوا مصابين بالصدمة بصفة خاصة جراء واقعة في صيف 2016، عندما قامت مجموعة من 10 إلى 15 من الشبان المسلحين في ثياب مدنية بالتوافد في سيارات جيب وبدأوا في مضايقة عائلات اللاجئين المقيمين في بناية ليس فيها إلا اللاجئين، قائلين أشياء مثل: "غادروا. ماذا تفعلون في لبنان. ارحلوا من هنا". ثم ضربوا 6 رجال لاجئين ضربا مبرحا. قال اللاجئون إنهم رأوا الشرطة البلدية أثناء الواقعة جالسين في سيارتهم يتفرجون ولا يفعلون أي شيء مع استمرار المضايقات والضرب. ماجد هو أحد اللاجئين المصابين يومئذ، وقد وصف ما حدث بعد أن ركب الشبان سياراتهم الجيب وغادروا:
أصبنا إصابات بليغة. ضربوني بمفتاح تغيير إطارات السيارات وكان رأسي ينزف. لكن عندما جاءت الشرطة البلدية أخيرا أخذوا منا أوراقنا لا أكثر. هدد أحد رجال الشرطة بضرب أحدنا، وكان ينزف، لأنه لم يعطه أوراقه بالسرعة الكافية. لم تعرض الشرطة على أحد النقل للمستشفى. لم يقبضوا على أيّ ممن هاجمونا.[120]
سيما (30 عاما) امرأة سورية كانت في البناية، وسمعت شتائم مهينة موجهة إلى اللاجئات وشهدت على ضرب الرجال. قالت إنها ومعها طفليها تعرضوا للمضايقات اللفظية في الشارع في حرجل، وإنها تخشى الخروج من البيت أو أن تترك الطفلين وحدهما، وهذا جزئيا بسبب غياب حماية الشرطة:
أنا أخاف الاتصال بالشرطة. إذا اتصلت بالشرطة فلن يحموني، حتى لو كنت أتعرض لمشكلة كبيرة. إذا تعرضت لمشكلة مع رجل لبناني فلن أفكر في الذهاب للشرطة لأنهم سيقولون إنني أكذب أو يعكسوا الأمر ويوجهوا الاتهام إلي.[121]
هالة المذكورة أعلاه، التي قالت إن امرأة ضايقتها وأطلقت عليها كلبها، لم تذهب إلى الشرطة:
كان زوجي يريد أن يبلغ الشرطة بما حدث، لكن جار لنا يعمل بالبلدية قال: "إذا قدمتم شكوى فيها ستفقدون حقوقكم هنا". وعلى مدار شهرين كنت أخشى الخروج من البيت وأن يراني أحد بالحجاب.
VI. أثر الإخلاءات القسرية على اللاجئين
الخسائر المالية وخسائر في الممتلكات
قال العديد من اللاجئين السوريين الذين تم إجلاءهم إنهم اضطروا لترك ممتلكات وأمتعة وقال الكثيرون إنهم دفعوا إيجار الشهر بالأماكن التي تم إجلاؤهم منها ودفعوا في الوقت نفسه إيجار وتأمين الشقق الجديدة عن الشهر نفسه. كما أن الإخلاءات أدت لاضطراب سبل كسبهم للدخل؛ إذ تعرض الكثيرون لخسائر في الدخل في لحظة حرجة كانوا بحاجة فيها للنقود لنقل الأمتعة وإدخال الأطفال المدارس، وثمن المواصلات إلى أماكن العمل في بلدات طردوا منها. أجرت مؤسسة "أوكسفام" استبيانا للاجئين السوريين المعرضين للإخلاء في 2017، فتبين أن 72 بالمئة ممن تعرضوا للإخلاء أفادوا عن اقتراضهم نقودا لتغطية تكاليف الانتقال والإيجار أو بسبب خسارة العمل بعد الإخلاء.[122]
قال يوسف (35 عاما)، وأب لثلاثة أولاد: "لا أريد الحديث عن بشري. لقد انتهى هذا الأمر. ما أريد الحديث عنه الآن هو مشاكلنا الحالية". قال يوسف إنه وقت إجراء المقابلة في يناير/كانون الثاني كان مدينا بمبلغ 2,000 دولار، منذ تم إجلاؤه في نوفمبر/تشرين الثاني، وإنه يواجه صعوبات في العثور على عمل بعد الإخلاء. وجد عملا أخيرا لكن صاحب عمله في المنية حيث يعيش الآن لم يدفع له أجرته. قال إنه لم يحصل على أي تعويض أو مساعدة منذ تم إجلاؤه قسرا. قال يوسف إنه وزوجته يقيمان في لبنان بصفة قانونية، ومسجلان لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وإن المفوضية كانت تدفع لهم عن كل فرد 27 دولارا في الشهر على مدار سنتين، لكن منذ سنتين ونصف السنة قالت المفوضية ليوسف إن أسرته لم تعد مستحقة للمساعدات، لذا لم يحصلوا على شيء منذئذ:
نحتاج إلى شراء الحليب للأطفال، وثياب شتوية. اضطررت لتسخين حديدة ووضعها على أسناني لأن ليس معي نقود لزيارة طبيب الأسنان. اضطررت للذهاب سيرا على الأقدام إلى مفوضية اللاجئين في طرابلس 3 مرات منذ الإخلاء طلبا للمساعدة، لأنني غير قادر على ثمن المواصلات إلى هناك، لكن قالوا إنهم لا يمكنهم مساعدتنا. في المرة الأخيرة لي هناك تعاملوا معي بوقاحة بالغة، وقالوا لي ألا أعود إليهم مرة أخرى.[123]
قال إبراهيم إنه بعد الإخلاء من مزيارا ذهب إلى بيروت بحثا عن عمل، لكن لم يجد وظيفة رغم البحث لمدة شهر، ومن ثم عاد إلى الفوار، وهي منطقة قريبة من طرابلس حيث تمكن من العثور على عمل على مدار الشهرين المنقضيين. قال: "سوف تلد زوجتي بعد شهر. كيف نتدبر أمورنا؟ لا أعرف. منذ خرجنا من مزيارة أخذت قرضا بمبلغ 2,000 دولار لمساعدتنا على تكاليف المعيشة. نحن مسجلان لدى الأمم المتحدة وقد تحدثت معهم في كفرشلان، لكننا لا نحصل على أي مساعدات من الأمم المتحدة".[124]
الأثر على التعليم
أدت الإخلاءات وعمليات الطرد القسرية للاجئين السوريين إلى اضطراب التعليم وتسببت أحيانا في فقدان الأطفال لشهور من التعليم المدرسي، وفي حالات أخرى أدت إلى توقفهم عن ارتياد المدرسة بالكامل. قال فايز الذي تعرض للإخلاء من الحدث في أواسط أكتوبر/تشرين الأول: "أردت تسجيل ابني في المدرسة في الحدث، لكن لم يقبلوا تسجيله بسبب الإخلاء، لذا فهو الآن غير مسجل ولا يذهب إلى المدرسة".[125] في استبيان أوكسفام حول السوريين المعرضين للإخلاء في 2017، قال 68 بالمئة إن التحاق الأطفال بالمدارس تعطل بسبب الإخلاء، وفي 23 بالمئة من هذه الحالات كان الأطفال هم مصدر الدخل الأساسي بعد الإخلاء.[126]
رفضت السلطات في بشري تسجيل الأطفال السوريين للعام المدرسي 2017-2018، وقالت عائلات قابلتها هيومن رايتس ووتش إنه لم يقبل مسؤولون بمساعدتهم في العثور على مدارس بديلة للأطفال. شام (34 عاما)، الأم التي تربي أولادها وحدها وتم إجلاؤها من بشري في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قالت إن أطفالها الأربعة لم يحرموا فحسب من ارتياد المدرسة في بشري، إنما لم يرتد أي منهم المدرسة منذ الإخلاء والطرد من بشري. قالت: "أريد معاملة طبيعية. أريد أن يحصل أطفالي على التعليم وأن يعاملوا بطريقة معاملة اللبنانيين لأطفالهم".[127]
الأثر النفسي للإخلاء القسري
للعديد من اللاجئين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش جذور ممتدة وعميقة في المجتمعات التي طُردوا منها. ففي حالات عديدة كان الرجال يعيشون في هذه البلدات بشكل موسمي كعمال مهاجرين لسنوات من قبل اندلاع الحرب في 2011 في سوريا، وبعد نشوبها فحسب جلبوا عائلاتهم ليقيموا هناك طوال العام. هؤلاء الناس تحديدا قالوا في حالات كثيرة إن لهم صداقات قوية تمزقت بسبب الإخلاءات. عُمر الذي طُرد من الحدث كان أحد العمال المهاجرين هؤلاء الذين تحولوا إلى لاجئين:
عضت في الحدث 9 أعوام. الجميع هنا يعرفوني. صاحبة البيت الذي أعيش فيه ذهبت إلى البلدية وقالت للمختار إنه يجب أن يُسمح لي بالبقاء لأني أساعدها منذ غادر أبناؤها البلد. اضطررت لترك بعض الأغراض، لكن صاحبة البيت تخزنها لي. لم أفقد نقودا بسبب الإخلاء لكنني حزين للغاية. بكيت على خسارة جيراني وصاحبة البيت. وكأنني خسرت أسرتي.[128]
رياض (25 عاما) أخلي بدوره من حدث، وتعرض لخسائر مالية كبيرة نتيجة للإخلاء، وخسر عمله، واضطر لسداد مبلغ 350 دولارا لإيجار شقة سيئة في عاليه، وهي بلدة في محافظة جبل لبنان، بعد أن كان يدفع 250 دولارا إيجارا للشقة التي جددها للتو في الحدث، بموقع على مسافة يمكنه قطعها سيرا إلى عمله. بدا عليه الاكتئاب أثناء المقابلة، واتضح السبب سريعا:
تغير وضعي بالكامل. لا توجد وظائف هنا في عاليه. لا يمكنني تحمل ثمن الحليب لأطفالي. لا يغطي أجري الإيجار أو المواصلات. إذا عدت إلى سوريا سيعتقلني الجيش. بيتي هنا يسرب سقفه المياه عندما تمطر، والجو بارد دائما. لم نقدر على كلفة نقل ممتلكاتنا من الحدث. ولكن الخسارة العاطفية كانت أكبر من المادية. اضطررت إلى ترك طيوري التي كنت أربيها منذ 5 سنوات، وعندما عدت لجلبها لاحقا كانت قد ماتت جميعا.[129]
شكر وتنويه
أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه بيل فريليك، مدير برنامج حقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش. كما ساعد بسام خواجاـ الباحث المعني بلبنان في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في بحوث التقرير وتحريره. قام بالمراجعة كل من لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبيل فان إسفلد الباحث الأول بقسم حقوق الأطفال. وقدم مراجعة برمجية وقانونية توم بورتيوس وكلايف بالدوين على التوالي.
قدمت ساندرا أبو متري مساعدات ميدانية. وقدمت المساعدة في الإنتاج والتحرير النهائي مارتا كوسمينا، المنسقة بقسم حقوق اللاجئين. قدمت كل من شارلوت تاتي ونانور بيطار وكايتلين دومينسكي مساعدات بحثية إضافية. وقدم فيتزروي هوبكنز، المدير الإداري، المساعدة في إنتاج التقرير.
تتقدم هيومن رايتس ووتش بالشكر للاجئين السوريين الذين تكرموا بإطلاعنا على تجاربهم، وتشكر أيضا مسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والبلديات اللبنانية الذين وافقوا على لقائنا، وردوا على طلباتنا بالمعلومات وراجعوا أجزاءً من التقرير. كما نتقدم بالشكر إلى وزارة الشؤون الاجتماعية على ردها على رسالتنا إليها التي ضمّت نتائج التقرير وبعض الأسئلة.