استجابة لـ "الدعوة لتقديم المعلومات والإفادات الخطية" التي أطلقتها "بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان"، تقدّم "هيومن رايتس ووتش" التوصيات المقترحة التالية بشأن جهود المساءلة لتحقيق العدالة في الجرائم الدولية الخطيرة المرتَكَبة في السودان، من قِبل "القوات المسلحة السودانية" و"قوات الدعم السريع" وحلفائهما الذين يعملون في سياق من الإفلات التام من العقاب.
تتضمن هذه الوثيقة توصيات ستقدم إلى الجهات الفاعلة المعنية، بالإضافة إلى خطوات محتملة لوضع استراتيجيات متوسطة وطويلة المدى بخصوص العدالة ومساعٍ فعلية للمساءلة في السودان.
من حيث المبدأ، ينبغي أن تتمحور جميع جهود المساءلة حول أصوات السودانيين، بما يشمل الناجين والضحايا والمجتمع المدني.
حول إنشاء تحالف دولي أساسي للعدالة في السودان
دعوة الدول الأعضاء في "الأمم المتحدة" إلى تشكيل تحالف سياسي عابر للأقاليم، لتعزيز جهود المساءلة في السودان. من خلال هذا التحالف، يمكن للدول الأعضاء، بما في ذلك مجموعة الدول الأفريقية في الأمم المتحدة، أن تضمن بقاء العدالة محورا أساسيا في جميع النقاشات والمبادرات المتعلقة بالسودان، وأن تتعاون مع قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة السودانية، والسلطات السودانية الأخرى، والمجتمع المدني السوداني والدولي، وغيرها من الجهات المعنية والشركاء في الجهود الرامية إلى تعزيز العدالة. يمكن للتحالف أن يعمل على تنفيذ المبادرات التالية:
- تعميم النقاشات حول المساءلة عن الجرائم الجسيمة في السودان على المحافل الإقليمية والدولية القائمة الأخرى، مثل "قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي"، واجتماعات "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" (مجلس الأمن) و"الجمعية العامة للأمم المتحدة"، و"قمة الاتحاد الأفريقي"، واجتماعات "مجلس السلام والأمن" التابع للاتحاد الأفريقي.
- تأمين الموارد الكافية لعمليات المساءلة، بما في ذلك في "المحكمة الجنائية الدولية"، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ولمجموعات حقوق الإنسان في حركة العدالة الدولية.
- متابعة وضمان تنفيذ توصيات بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، وغيرها من الاستجابات العدالة المعززة، بما في ذلك من خلال التحدث على أعلى المستويات الحكومية حول ضرورة بذل جهود مركَّزة بشأن المساءلة.
بإمكان مجموعة الدول هذه أن تبحث في خطوات ملموسة أخرى لتحقيق المساءلة الشاملة، على المديين القريب والبعيد، تماشيا مع التوصيات الواردة في هذه الوثيقة. على الرغم من أن جهود المساءلة طويلة الأمد قد تستغرق وقتا أطول لتتحقق، يتعين على الدول أن تباشر بها على الفور، بالتوازي مع الجهود قصيرة ومتوسطة الأمد، للتحضير بشكل ملائم لإطار عدالة شاملة للسودان، قبل وبعد انتهاء النزاع المسلح في البلاد.
يمكن للتحالف الدولي الأساسي للعدالة في السودان أو أي جهود أخرى تقودها الدول أن يتضمن أهدافا على صعيد العدالة والمساءلة ويعطيها الأولوية في جميع مفاوضات السلام والانتقال السياسي على أعلى المستويات، وأن يعمل على ضمان عدم إدراج العفو أو بنود أخرى تساعد على إفلات المرتكبين المزعومين للجرائم الدولية من العقاب في أي مفاوضات سلام أو اتفاقية سلام من أجل السودان.
بإمكان التحالف التشاور بجدية مع المجتمع المدني السوداني، والضحايا والناجين السودانيين، وممثليهم في جميع المبادرات الرامية إلى تعزيز المساءلة في السودان، وضمان أن تكون أصواتهم في صميم النقاشات والقرارات حول أفضل السبل للاستعداد لفترة ما بعد النزاع في السودان بما يضمن أن تكون العدالة والمساءلة في صدارة الأولويات.
حول دعم المحكمة الجنائية الدولية
فيما يلي توصيات يمكن تقديمها إلى الجهات الفاعلة المعنية لدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية، من أجل الاستفادة إلى أقصى حد من إمكاناتها في إنجاز ولايتها بنجاح:
إلى حكومة السودان:
- التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية، لدفع تحقيقاتها في دارفور، بما في ذلك من خلال:
- التسليم الفوري للرئيس السوداني السابق عمر البشير، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم حسين، المطلوبَيْن من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، يضاف إليها في حالة البشير تهم بالإبادة الجماعية. كلاهما محتجز في السودان حاليا.
- العمل فورا على تحديد مكان وزير الدولة للشؤون الداخلية السابق ومحافظ جنوب كردفان السابق، أحمد هارون، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، واعتقاله وتسليمه، والذي تناولت تقارير إعلامية كثيرة مؤخرا مكانه وأنشطته المحتملة.
- منح فريق التحقيق التابع لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية، وغيرهم من موظفي المحكمة، إمكانية الوصول الكامل وغير المقيد إلى جميع الأراضي الخاضعة لسيطرتها في السودان.
- إصدار إعلان خاص بمفعول رجعي، بموجب المادة 12(3) من "نظام روما الأساسي"، لقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على كامل أراضي السودان. سيسمح ذلك للمحكمة بتوسيع تحقيقها الجاري في الجرائم الدولية في دارفور ليشمل التحقيق في الجرائم وملاحقة مرتكبيها في جميع أنحاء البلاد، وهو ما لا تستطيع المحكمة القيام به حاليا بسبب القيود المدرجة في إحالة مجلس الأمن للوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية في 2005.
- الانضمام إلى نظام روما الأساسي، لتصبح السودان دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية.
إلى قوات الدعم السريع:
- التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية لتعزيز التحقيقات التي تجريها في دارفور، بما في ذلك من خلال منح فريق التحقيق التابع لمكتب المدعي العام للمحكمة، وغيرهم من موظفي المحكمة، إمكانية الوصول الكامل وغير المقيَّد إلى جميع الأراضي الخاضعة لسيطرتها في السودان.
إلى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، والدول الأخرى الداعمة للعدالة:
- ضمان حصول المحكمة الجنائية الدولية على التمويل الكافي في ميزانيتها العادية لتتمكن من تنفيذ ولايتها بقوة وفي الوقت المناسب في جميع الحالات الخاضعة للتحقيق، بما في ذلك في دارفور.
- دعم وحماية المحكمة الجنائية الدولية كمؤسسة قضائية مستقلة ونزيهة، ودعم وحماية مسؤوليها والمتعاونين معها من أي تدخل أو ضغط سياسي. إذا لم يتم التصدي للإجراءات القسرية ضد المحكمة ومسؤوليها وغيرهم ممن يدعمون العدالة أمامها، ستقوض هذه الإجراءات المساءلة الدولية عن أسوأ الجرائم، وستحرم الضحايا السودانيين، والضحايا حول العالم، من العدالة. لذلك، ينبغي أن يشمل هذا الالتزام اتخاذ خطوات ملموسة لحماية العمل الأساسي للمحكمة من العقوبات، من خلال سنّ قوانين حماية من العقوبات الخارجية وجهود مماثلة أخرى.
- استخدام الدبلوماسية العلنية والسرية مع الأطراف المتحاربة في السودان لتحقيق تعاون قوي وسريع مع المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك تسليم الفارين من العدالة، وتوفير الوصول والدعم لمسؤولي المحكمة.
- دعوة الحكومة السودانية إلى قبول الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية في جميع أنحاء البلاد، ودعوة مجلس الأمن إلى تقديم الدعم الكامل لعمل المحكمة (أنظر أدناه).
إلى مجلس الأمن:
- تعزيز دعم المجلس لولاية المحكمة الجنائية الدولية في دارفور، بما في ذلك عبر تطبيق قرارات المحكمة المتعلقة بعدم التعاون، وضمان تعاون الأطراف المتحاربة في السودان.
- توسيع نطاق اختصاص مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية ليشمل التحقيقات في الجرائم الدولية المرتكبة على كامل الأراضي السودانية، بما يتماشى مع الفصل السابع من "ميثاق الأمم المتحدة" والمادة 13(ب) من نظام روما الأساسي، باعتبارها الجهة الأكثر قدرة على مقاضاة المسؤولين الرئيسيين عن انتهاكات حقوق الإنسان بشكل فعال، ويمكن أن تشكّل مرجعية أساسية للنظام القضائي المحلي على المدى الطويل.
حول حفظ الأدلة، وتوثيقها، والتحقيق في الجرائم الدولية في السودان
إلى أطراف النزاع:
- التعاون الكامل مع التحقيقات الدولية والمحلية المستقلة في الجرائم الدولية، بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، و"البعثة المشتركة لتقصي الحقائق في جمهورية السودان" التابعة لـ"الجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"، ما يسمح بالوصول الكامل وغير المقيد إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها في السودان.
إلى البلدان المجاورة:
- التعاون مع التحقيقات الدولية والمحلية المستقلة في الجرائم الدولية المرتكَبة في السودان، بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، والبعثة المشتركة لتقصي الحقائق في جمهورية السودان التابعة للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والسماح بوصول محققيها وتقديم الدعم إليهم.
إلى الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء فيها:
- دعم آليات وبعثات التحقيق الإقليمية والدولية، مثل بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في السودان وبعثة تقصي الحقائق المشتركة التابعة للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، لضمان حصولها على الموارد السياسية والمالية اللازمة للقيام بمهامها، بالإضافة إلى المشاركة في المساعي الدبلوماسية لضمان الوصول الفوري وغير المقيد إلى السودان والدول المجاورة.
- زيادة الدعم المالي والتقني بشكل كبير لمنظمات المجتمع المدني لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان. يشمل ذلك سد الفجوة الناجمة عن خفض حكومة الولايات المتحدة لتمويل منظمات المجتمع المدني في السودان – مما أدى إلى توقف البرامج التي تقدم الدعم للمدافعين الحقوقيين الذين يواجهون خطرا شديدا بسبب عملهم الحقوقي، بالإضافة إلى البرامج التي تدعم جهود توثيق انتهاكات الحقوق – واستخدام الدبلوماسية العلنية والسرية لإدانة استهداف الأطراف المتحاربة للمدافعين الحقوقيين والمحامين بسبب دورهم في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان.
حول الإجراءات الوطنية بموجب الولاية القضائية العالمية، وغيرها من الولايات القضائية خارج الحدود الإقليمية
إلى جميع الحكومات:
- التحقيق مع الأفراد المشتبه بارتكابهم جرائم جسيمة في السودان، وملاحقتهم قضائيا بفعالية، حسب الاقتضاء، بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وبما يتماشى مع القوانين المحلية.
- ضمان التعاون بين الولايات القضائية الوطنية، وغيرها من التحقيقات المحلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في السودان، وبعثة تقصي الحقائق المشتركة التابعة للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في جمهورية السودان، والمحكمة الجنائية الدولية.
- الالتزام بتعزيز الأطر القانونية الوطنية، وتقديم الدعم السياسي اللازم للسماح للسلطات القضائية المحلية بالتحقيق بشكل مستقل ونزيه ومقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية المزعومين في السودان، لا سيما في البلدان التي تعلم سلطاتها بوجود المرتكبين المزعومين على أراضيها.
حول آلية قضائية دولية متخصصة للسودان (محكمة ذات طابع دولي/مختلطة)
إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والدول الأعضاء فيهما:
- البحث مع ممثلي المجتمع المدني السوداني والدولي، والنظر بجدية في الدعم السياسي والمالي والفني اللازم للعمل على إنشاء آلية قضائية دولية خاصة للتحقيق في الجرائم الدولية المتعلقة بالسودان وملاحقة مرتكبيها، بما في ذلك من خلال استخلاص أفضل الممارسات والدروس المستفادة من الآليات القضائية المماثلة. ويمكن لهذه الآلية أن:
- تعمل بالتوازي وبشكل متكامل مع المحكمة الجنائية الدولية.
- تتخذ هذه المحاكم إما شكل محكمة دولية مخصصة، أو محكمة مختلطة تجمع بين القضاء الوطني والدولي، أو محكمة ذات طابع دولي أو دائرة جنائية ضمن النظام السوداني الوطني، لا سيما في سياق ما بعد النزاع في السودان.
حول التعويض عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني
إلى الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والدول الأعضاء فيهما:
- تلبية النداء السابق لبعثة تقصي الحقائق المشتركة التابعة للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في جمهورية السودان، إلى إنشاء هيئة مخصصة لمعالجة الاحتياجات الفورية للضحايا والناجين والمجتمعات المتأثرة بانتهاكات الحقوق، بما في ذلك المرتكَبة خلال النزاع المسلح في السودان.
النظر في المقترحات التي قدمها المجتمع المدني لإدراج صندوق ائتماني في هذه الهيئة يكون قادرا على تقديم تعويضات مؤقتة ودعم فوري، وضمان دعم الضحايا والناجين والمجتمعات المتأثرة مدعومين كمشاركين فاعلين في عمليات العدالة والمساءلة الحالية والمستقبلية