Skip to main content
تبرعوا الآن

أزمة المناخ في العراق هي أزمة حقوق إنسان

نُشر في: Rudaw Research Center
صياد سمك يمشي في رقعة أرض جافة في الأهوار جنوب العراق بمحافظة ذي قار، 2 سبتمبر/أيلول 2022. تنحسر الأهوار العراقية بسرعة بسبب الجفاف وسوء إدارة المياه المحلية والتحويل من البلدان المجاورة. © 2022 أسوشيتد برس/أنمار خليل

تتعرض بيئة العراق لضغوط شديدة بكل المقاييس، فالبحيرات والأنهار والأهوار تتقلص، بل وتختفي تماما في بعض الحالات. كما تتزايد وتيرة العواصف الرملية وشدتها، ما يستدعي إدخال الأشخاص إلى المستشفيات وإلغاء الرحلات الجوية. أدت عقود من التلوث المرتبط بالنزعات، وإهمال السياسات البيئية، وضعف الحماية البيئية، وسوء إدارة الموارد الطبيعية إلى تدمير المشهد الطبيعي في العراق.

لا يمكن إنكار الآثار الضارة لتغير المناخ في العراق، والتي ستزداد في العقود القادمة. إذ يشهد العراق بالفعل موجات حر أكثر شدة وتكرارا، وجفافا زراعيا ناجما عن تدهور المناخ العالمي. وثمة سبب وجيه لتصنيف "الأمم المتحدة" العراق خامس أكثر الدول عرضة للاحتباس الحراري.

تُشكّل هذه التحديات البيئية مجتمعة وضعا حرجا لملايين العراقيين، الذين يواجه الكثير منهم أصلا صعوبات اجتماعية واقتصادية. صحتنا ورفاهنا مرتبطان ارتباطا وثيقا بصحة البيئة التي نعيش فيها وسلامتها، وعندما تُعاني البيئة، نُعاني نحن أيضا.

على سبيل المثال، تسببت أزمة مياه عام 2018 في البصرة في دخول قرابة 120 ألف شخص إلى المستشفيات، وأدت إلى انضمام آلاف المواطنين إلى احتجاجات حاشدة ضد السلطات الحكومية المحلية والاتحادية. ردّت السلطات بقطع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في العراق؛ واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الأقل وإصابة المئات؛ وتنفيذ اعتقالات تعسفية، قبل إطلاق سراح المتظاهرين في نهاية المطاف دون توجيه تهم إليهم.

اليوم، تُهدد ندرة المياه ودرجات الحرارة القصوى والتصحر نسبة هائلة من الأراضي الزراعية في العراق، ما يؤدي إلى زيادة معدلات تلف المحاصيل. في دراسة أجراها "المجلس النرويجي للاجئين" عام 2023، قال 60٪ من المزارعين الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا يزرعون مساحات أقل من الأراضي أو اضطروا إلى استخدام كميات أقل من المياه بسبب الجفاف الشديد. في عام 2023، أفاد العراق عن انخفاض في حصاد ثمانٍ من أصل 10 محاصيل رئيسية، منها الخضراوات والبقوليات. يؤدي فشل المحاصيل إلى ارتفاع أسعار علف الماشية، ويكون صغار المزارعين والبدو الرُّحل الأقل قدرة على استيعاب الصدمات التي تُحدثها هذه الظاهرة على مداخليهم. كما أنهم غالبا ما يكونون الأكثر تضررا من الفقر.

مع تقلّص الأراضي الصالحة للزراعة وتبخر مجاري المياه المخصصة لصيد الأسماك، وغيرهما من العوامل الاقتصادية الأخرى، ينتقل عدد متزايد من العراقيين إلى المدن بحثا عن عمل. حتى مارس/آذار 2024، سجّلت "المنظمة الدولية للهجرة" وجود أكثر من 140 ألف عراقي نازح في سياق الجفاف وتدهور الأراضي. وإذا لم تُلبَّ احتياجات والنازحين داخليا بشكل كافٍ، فقد يزيد ذلك من الضغط على الخدمات، ويرفع أسعار المواد الغذائية، ويفاقم التوترات الاجتماعية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الاحتجاجات وحتى العنف.

ومع ذلك، فحتى في الوقت الذي يُعاني فيه العراق من الآثار المتفاقمة لأزمة المناخ، فإنه لا يزال يُسهم في تفاقمها؛ فالعراق هو سادس أكبر منتج للنفط في العالم، لكنه يحتل المرتبة الثانية مباشرة بعد روسيا في حرق الغاز، وهي عملية مُهدرة يُحرَق فيها غاز الميثان أثناء استخراج النفط. يبعث الحرق غازَيْ ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي، ويُمثل حرق الغاز العراقي تقريبا 10% من انبعاثات حرق غازات الدفيئة في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من النهج الحكومي الراسخ المتمثل في عدم التطرق إلى أي آثار صحية تترتب على القطاع النفطي في البلاد، فقد أقرّ وزير البيئة العراقي (آنذاك) علنا في العام 2022 بأن التلوث الناجم عن إنتاج النفط هو السبب الرئيسي لارتفاع معدلات السرطان في المجتمعات المحلية المجاورة.

ولتجنب أسوأ آثار تغير المناخ والحفاظ على كوكب صالح للعيش، يجب الحد من الاحتباس الحراري قدر الإمكان، والمثال المرتجى هو ألا تتعدى زيادة الحرارة 1.5 درجة مئوية من متوسطات ما قبل الثورة الصناعية. عالميا، يتطلب ذلك التخلص التدريجي الفوري والعادل من الوقود الأحفوري. ولكن ماذا يعني هذا التخلص التدريجي لبلد مثل العراق، حيث يُشكل الوقود الأحفوري الغالبية العظمى من إيراداته الحكومية؟

تُغطي الإيرادات المُستمدة من الوقود الأحفوري رواتب موظفي القطاع العام، وخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية والكهرباء، والاستثمارات في مشاريع البنية التحتية. ويتطلب تعويض هذه الإيرادات والطاقة التي يوفرها الوقود الأحفوري تنويعا اقتصاديا واسعا واستثمارا في الطاقة المتجددة، إذ يمكن أن يُحقق هذا التحول فوائد جمة لسوق العمل العراقي. ورغم أن قطاع الوقود الأحفوري يُهيمن على الاقتصاد العراقي، إلا أنه لا تُمثل سوى 1% من إجمالي التوظيف في البلاد. يوجد مسارٌ لتحقيق تحول سريع وعادل من شأنه بناء اقتصاد أكثر عدلا وخالٍ من الوقود الأحفوري، يُحسّن حقوق جميع العراقيين.

في الوقت نفسه، ينبغي للعراق البدء في التعامل مع التدهور البيئي الحالي والتكيف مع الأضرار المتوقعة لتغير المناخ. هذه أجندة شاقة، لكنها قد تشمل استثمارات في البنية التحتية التي تستجيب لمتطلبات المناخ؛ وأنظمة وسياسات عادلة لإدارة الأراضي والمياه؛ وفرصا مستدامة ومتنوعة لسبل العيش؛ بالإضافة إلى أنظمة الإنذار المبكر والتأهب للكوارث. هذه الجهود حاسمة في الحد من مواطن الضعف وبناء القدرة على الصمود على المستويين المحلي والوطني. ورغم أن الوضع يبدو مُزريا، إلا أن هناك ما يدعو إلى الأمل.

ففي السنوات الأخيرة، أولت الحكومة العراقية أهمية متزايدة للبيئة، حيث وعد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في مارس/آذار 2023، باتخاذ تدابير شاملة لمواجهة تغير المناخ، منها وضع خطط لتلبية ثلث احتياجات البلاد من الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة. وفي سبتمبر/أيلول 2024، أطلقت الحكومة استراتيجية وطنية جديدة لحماية البيئة وتحسينها في العراق. وتعهدت كذلك بالتوقف عن حرق الغاز أثناء استخراج النفط بحلول عام 2027؛ وقد يُسهم تزايد تدقيق الجمهور في هذه القضية في ضمان أن يُسهم هذا التعهد هذه المرة في خفض انبعاثات حرق الغاز.

عالميا، أزمة المناخ هي أيضا أزمة حقوق إنسان. فالتعامل مع التدهور البيئي وأزمة المناخ في العراق مهمة شاقة، ولكن ببساطة، لا يمكن للعراق أن يقف مكتوف الأيدي، فرفاهية الشعب العراقي وحقوقه الإنسانية تعتمد على ذلك.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة