Skip to main content
تبرعوا الآن

سوريا: يجب حماية مقبرة جماعية في دمشق والتحقيق بشأنها

رفات بشرية وأدلة تشير إلى أن المنطقة مسرح جريمة ضخم

(بيروت ) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن حالة مقبرة جماعية في دمشق وشهادات أشخاص يعيشون في المنطقة المحيطة بها تشير إلى أن المنطقة مسرح جريمة جماعية وربما كانت موقع تنفيذ إعدامات ميدانية.

زارت هيومن رايتس ووتش الموقع في حي التضامن جنوب دمشق يومي 11 و12 ديسمبر/كانون الأول 2024، ووجدت أعدادا كبيرة من الرفات البشرية في موقع مجزرة وقعت في أبريل/نيسان 2013 وأخرى مبعثرة في أنحاء الحي المحيط. على السلطات السورية الانتقالية اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين وحفظ الأدلة المادية في جميع أنحاء البلاد على الجرائم الدولية الخطيرة التي ارتكبها أعضاء الحكومة السابقة.

قالت هبة زيادين، باحثة أولى في قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بدون جهود سورية ودولية فورية لتأمين المواقع المحتملة للجرائم الجماعية وحفظها من أجل عمليات منسّقة لاستخراج الجثث وإجراء تحقيقات جنائية، هناك خطر يتمثل في ضياع الأدلة الأساسية للمساءلة. يستحق أحباء الأشخاص الذين قُتلوا بوحشية هنا أن يعرفوا ما حدث لهم. الضحايا يستحقون المساءلة".

أكدت هيومن رايتس ووتش الموقع الدقيق للمقبرة الجماعية بعد التحقق من فيديو سُرِّب سابقا، التُقط في أبريل/نيسان 2013، وتحديد موقعه الجغرافي، ويظهر إعدامات ميدانية من قبل قوات الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها. بعد سقوط حكومة الأسد، زار باحثو هيومن رايتس ووتش الموقع واتخذوا خطوات لتوثيقه.

تتبّع الباحثون اللحظات الأخيرة للضحايا الـ 11 المعصوبي الأعين الذين ظهروا في الفيديو والذين أطلِقت النار عليهم جميعا عن قرب، ودُفِعوا إلى مقبرة كانت قد حُفرت بآليات، إلى جانب جثث 13 شخصا آخرين. تحدث باحثو هيومن رايتس ووتش أيضا إلى أحد السكان الحاليين في المنطقة، والذي قال إن مجموعة شبه عسكرية موالية للحكومة أجبرته وسكانا آخرين على دفن الجثث في قبور محفورة مسبقا وحفر أنفاق في المنطقة في عامي 2015 و2016.

في الموقع، عثر الباحثون على رفات بشرية، منها أسنان وجمجمة وفك ويد وعظام حوض على الأرض وفي كيس جمعه السكان. كما تتناثر رفات بشرية على أرضية المباني المجاورة للمقبرة الجماعية، ما دفع الباحثين إلى استنتاج أن أشخاصا آخرين ربما قُتلوا أو دُفنوا في الموقع نفسه. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ما إذا كانت الرفات التي عُثِر عليها تعود للضحايا في الفيديو، ولا ما إذا كانت توجد جثث أخرى مدفونة هناك. من غير الواضح ما إذا كانت الجثث نُقلت من المنطقة وما هو نطاق عملية النقل.

صورة لشارع في حي التضامن بدمشق، التقطت في 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، مركّبة على إعادة بناء لموقع عمليات الإعدامات الميدانية والمقبرة الجماعية من فيديو صُوِّر في أبريل/نيسان 2013. الصورة © 2024 غرافيكس هيومن رايتس ووتش © 2024 مارتينا مارتشيناك/هيومن رايتس ووتش

قال سكان في حي التضامن إن الإعدامات كانت شائعة في المنطقة. في مقابلات أجريت عام 2022، وصفوا 10 حوادث أخرى على الأقل للقتل الميداني بين أغسطس/آب 2012 ويناير/كانون الثاني 2014 في التضامن، وداريا، والمعضمية، والمناطق المحيطة بها. تشير هذه الأدلة إلى أن جثثا أخرى دُفنت في المنطقة وحولها. كانت المنطقة أيضا مسرحا لاشتباكات مسلحة بين قوات الحكومة السورية ومقاتلي المعارضة التابعين لـ "الجيش السوري الحر" في نقاط عديدة بين 2012 و2013.

بدأت هيومن رايتس ووتش التحقيق في المجزرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد تلقي فيديو مسرب اكتشفه عنصر في ميليشيا سورية على لابتوب وسُلِّم إلى أنصار شحود وأوغور أوميت أونغور، الباحثين في "جامعة أمستردام" و"معهد نيود لدراسات الحرب والهولوكوست والإبادة الجماعية" في أمستردام، وهيئة البث الألمانية "إيه آر دي".

قالت زيادين: "هذا الفيديو، الذي صوره الجناة أنفسهم وهم يضحكون بينما يقتلون ضحاياهم، يُظهر التجاهل الوحشي لحياة الناس من قبل الحكومة السورية. هذه المجزرة ليست سوى حادثة مروعة واحدة في نمط من العنف الذي تمارسه الدولة وجرائم الحرب المفترضة".

عملت هيومن رايتس ووتش مع محقق مكاني لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد للموقع بناء على الفيديو من أجل تحديد أبعاد المقبرة والتحقق من الموقع وعدد الضحايا. حدد الباحثون أن مقاييس المقبرة تبلغ حوالي 3 أمتار بـ 7 أمتار وعمق مترين.

حددت هيومن رايتس ووتش حجم المقبرة المحفورة بآلة بعد إجراء تحليل مكاني وتصويري للفيديو وإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد للموقع.  © 2024 مارتينا مارتشيناك/هيومن رايتس ووتش

تلقت شحود وأونغور فيديوهات أخرى من مصدر مجهول في إطار تحقيق استمر عامين، نُشرت تفاصيله في مجلة "نيو لاينز". لم تراجع هيومن رايتس ووتش هذه المقاطع الإضافية بعد، لكنها تظهر أن 288 شخصا، بينهم 7 نساء و12 طفلا، بعضهم رُضَّع، قُتلوا في حي التضامن، 41 منهم خلال هذه الحادثة.

قبل أسابيع قليلة من الموعد المقرر لنشر هيومن رايتس ووتش نتائجها في العام 2022، تلقى الباحثون تقارير موثوقة عن تهديد أمني وأوقفوا نشرها. نشرت صحيفة "الغارديان" ومجلة نيو لاينز وإيه آر دي لاحقا تفاصيل حول الجناة المتورطين ومقاطع الفيديو.

قال أحد سكان التضامن الذي يبلغ من العمر 24 عاما، وعاش في المنطقة طوال فترة النزاع، لـ هيومن رايتس ووتش إنه حتى العام 2020 على الأقل، كانت "قوات الدفاع الوطني"، وهي مجموعة شبه عسكرية موالية للحكومة، تمنع السكان من الاقتراب من منطقة تبلغ مساحتها كيلومتر مربعا واحدا على الأقل وتضم المقبرة الجماعية. قال إنه في أواخر العام 2015 وأوائل العام 2016، أجبروه – وكان صبيا بعمر 15 عاما في ذلك الوقت – على القدوم إلى المنطقة لإنشاء الأنفاق، وانتشال الجثث من بين الأنقاض وإلقائها في قبور محفورة مسبقا بينما كان أفراد قوات الدفاع الوطني يطلقون النار بين أرجلهم.

قال ساكن آخر من المنطقة إنه في 20 مايو/أيار 2013، ذهبت والدته البالغة من العمر 61 عاما وشقيقته (27 عاما) وابنته (12 عاما) إلى منزلهن قرب هذه المنطقة لجلب بعض ممتلكاتهن ولم يعدن قط. قال إنه لم يسمع عنهن، وقدّم إلى السلطات وثائق تفيد باختفائهن.

استخدمت حكومة الرئيس المخلوع بشار الأسد القتل بإجراءات موجزة بالتزامن مع تكتيكات غير قانونية أخرى، مثل الاعتقالات التعسفية والهجمات العشوائية والتجويع، لتنفيذ التهجير القسري بحق سكان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. بعد أن استعادت الحكومة السابقة عديدا من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة بحلول العام 2018، صممت ونفذت سياسات سمحت لها فعليا بمنع الأشخاص الذين اعتبرتهم معارضين من العودة إلى ديارهم.

قالت هيومن رايتس ووتش إن عمليات القتل خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وقد تشكل جرائم ضد الإنسانية عندما تُرتكب بشكل منهجي أو واسع النطاق كسياسة دولة. وثّقت هيومن رايتس ووتش الاستخدام المنهجي للتعذيب من قِبل الحكومة السابقة كجريمة ضد الإنسانية.

على السلطات الانتقالية السورية تأمين الأدلة وجمعها وحفظها، بما فيها تلك الموجودة في مواقع المقابر الجماعية والسجلات والأرشيفات الحكومية، والتي ستكون أساسية في المحاكمات الجنائية والإجراءات القانونية المستقبلية. إتاحة الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمات العادلة لمرتكبي المذبحة المزعومين أمر أساسي. ينبغي للسلطات الانتقالية ضمان تمكين المراقبين المستقلين الذين يمكنهم المساعدة في حفظ الأدلة، بمن فيهم "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا" و"لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا"، من الوصول بدون عوائق. وينبغي للسلطات والهيئات المستقلة إشراك المنظمات الحقوقية السورية في هذه الجهود. على الدول الأخرى أن تساعد في جهود تأمين الأدلة وحفظها.

كما ينبغي للسلطات الانتقالية السورية أن تتعاون مع "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، التي يمكنها أن تقدم الخبرة والدعم الأساسيَّيْن لحماية هذه السجلات بهدف المساعدة في توضيح ما حدث للأشخاص المفقودين وبالتالي تقديم الإجابات للعائلات، التي تألمت جراء حالة الغموض لسنوات إن لم يكن لعقود.

قالت زيادين: "على المجتمع الدولي تقديم الدعم إلى السلطات المحلية والمنظمات المعنية للحفاظ على هذا الموقع والمواقع المماثلة في جميع أنحاء البلاد حتى تُجمع الأدلة ويحاسَب المسؤولون".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة