Skip to main content

لا مخرج من غزة

مع غياب الخيارات أخرى، يجب أن يكون للسكان الحق في الفرار

نُشر في: The Hill
رجل يطبخ داخل شقته المتضررة في منطقة خزاعة بخان يونس، غزة، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. © 2023 محمد زعنون/ صور الشرق الأوسط/ وكالة فرانس برس/غيتي إيمجز

في تسعينيات القرن الماضي، روّع متطرفون المدنيين في البوسنة والهرسك ودفعوهم إلى مغادرة منازلهم بهدف تغيير الخريطة السكانية باستخدام "التطهير العرقي". مدفوعة برعبها وهي تشاهد النزوح القسري العنيف أثناء حدوثه وبرغبتها في وقفه، أكدت مفوضة الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين آنذاك ساداكو أوغاتا على مبدأ جديد أسمته "الحماية الوقائية"، واستخدمت مصطلح "حق البقاء".

لكن مفوضية الأمم المتحدة للاجئين وغيرها من الأطراف الإنسانية لم تتمكن من وقف التطهير العرقي. وفاقم الأمرَ استغلالُ الدول الأوروبية "الحق في البقاء" كمبرر لمنع طالبي اللجوء من الفرار من البوسنة. أعلن "مجلس الأمن الدولي" إنشاء "مناطق آمنة" لاحتواء النازحين وحمايتهم داخل البوسنة، ونعلم كيف انتهت هذه القصة: المقابر الجماعية للرجال الذين ذبحوا في سريبرينيتسا، إحدى المناطق التي أطلِق عليها "آمنة"، تقف شاهدا على فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين.

اليوم، بعد 30 عاما، هناك 2.3 مليون فلسطيني محاصرين في غزة، ولكن بخلاف البوسنة، لا يوجد مكان داخل تلك المنطقة الصغيرة المكتظة بالسكان يمكن حتى أن يُزعم أنه آمن. بعد الهجمات التي قادتها "حماس" في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمرت القوات الإسرائيلية مساحات شاسعة، ما حوّل كثيرا من المساكن إلى أنقاض، وقُتل أكثر من 31 ألف شخص، وفقا لوزارة الصحة في غزة، معظمهم من النساء والاطفال.

هُجّر معظم سكان غزة، وأُمر كثير منهم بإخلاء منطقة، قبل أن يُقصفوا ويُجَوَّعوا ويجبروا على الفرار مجددا مرة تلو الأخرى. يعيش أكثر من مليون شخص فروا إلى رفح على الحدود الجنوبية لغزة مع مصر في خوف مع اقتراب عملية عسكرية برية إسرائيلية ضد رفح وإجلاء جماعي آخر يلوح في الأفق.

كما فعلت أوغاتا قبل 30 عاما، استمرت منظمتي، "هيومن رايتس ووتش"، مع كثير من المنظمات الأخرى في محاولة حشد التحرك الدولي لوقف مزيد من الفظائع الجماعية. واصلنا دعوة إسرائيل إلى احترام حق الفلسطينيين في العودة إلى المناطق التي نزحوا منها في غزة، وأيضا حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ما يعرف الآن بإسرائيل. أكثر من 80% من سكان غزة لاجئون، وهم الأشخاص الذين طُردوا أو فروا عام 1948 مما يعرف الآن بإسرائيل، وأحفادهم، فيما يسميه الفلسطينيون "النكبة".

لكل شخص الحق في العودة إلى بلده، وهو الحق المنصوص عليه في عديد من اتفاقيات حقوق الإنسان، وأكدته قرارات من "الجمعية العامة للأمم المتحدة"يعود تاريخها إلى عام 1948. لكن السلطات الإسرائيلية استمرت في تعطيل هذا الحق ومنعت اللاجئين الفلسطينيين من العودة. منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، واصلت السلطات الإسرائيلية منع الفلسطينيين في غزة من الفرار إلى إسرائيل المجاورة للبحث عن ملجأ ولو مؤقت هربا من الأعمال العدائية، في انتهاك للقانون الدولي.

حدود مصر المجاورة مغلقة في الغالب أيضا. ولم يُسمح إلا لعدد قليل نسبيا من سكان غزة بالدخول إلى مصر عبر معبر رفح، من بينهم حاملو جوازات السفر الأجنبية والجرحى ومرافقوهم، وبعض من دفع مبالغ باهظة للفرار عبر مصر. مع عدم رغبته في تدفق موجة من اللاجئين إلى بلاده، خاصة مع احتمال قيام السلطات الإسرائيلية بمنعهم من العودة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "رفض مصر الشديد للتهجير القسري للفلسطينيين ونقلهم إلى الأراضي المصرية في سيناء".

ولكن ماذا عن الفلسطينيين في غزة الذين يشعرون أن فرصتهم الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هي مغادرة غزة؟ إلى متى تستطيع إسرائيل ومصر منع الأشخاص اليائسين من الفرار؟

ينبغي السماح للفلسطينيين في غزة بالبقاء بكرامة في منازلهم وممارسة حق العودة، ولكن لديهم أيضا حقوقا أخرى بموجب المعاهدات يجب أن تحترمها جميع الدول: الحق في مغادرة بلد ما، والحق في طلب اللجوء، والحق في عدم الإعادة القسرية، أي عدم إعادتهم أو دفعهم إلى العودة لمواجهة الاضطهاد أو غيره من التهديدات الخطيرة.

عبر اتصالات هاتفية متقطعة، تحدث باحثو هيومن رايتس ووتش مع سكان من غزة أثناء فرارهم من مكان كئيب إلى آخر. روى لنا رجل عمره 34 عاما من مدينة غزة، متزوج وأب لطفلين، محنته: "ما شهده الأطفال في المنطقة الأخيرة أصابهم بالصدمة والرعب. يقفزون عند سماع أصوات صغيرة الآن. كان من الصعب جدا عليّ أن أنقل عائلتي من المكان الأخير إلى هنا. أغلق الجيش الإسرائيلي معظم المناطق".

تفتقر عائلته إلى الملابس والأدوية. تتكون المساعدات الإنسانية حتى الآن من كيسَيْ طحين. كانوا ينامون على الأرض في خيمة في رفح مع 10 آخرين، ويستخدمون مرحاضا خارجيا مشتركا يخدم حوالي 70-80 شخصا. أضاف: "نعيش حياة الحيوانات".

المسألة بالنسبة لهذا الرجل الآن هي البقاء على قيد الحياة، وقال إن الشيء الوحيد الذي يريده هو أن يأخذ عائلته ويغادر غزة. قال: "غزة الآن مقبرة لجميع مواطنيها. إذا أتيحت لي طريقة أو فرصة، سآخذ عائلتي وأمي وأخواتي وأغادر بدون تفكير. لا أريد أن أبقى هنا وأتحول إلى حيوان وأتقاتل مع الآخرين للحصول على الماء والطعام".

للفلسطينيين، مثل أي شخص آخر في كل مكان، الحق في العيش بكرامة في منازلهم، ولهم أيضا الحق في المغادرة حفاظا على أمنهم والعودة بأمان وكرامة. وقف التهجير القسري وغيره من الجرائم الفظيعة هو الأولوية القصوى في هذه اللحظة، ولكن عندما تُعطّل جميع حقوق الإنسان الأخرى، يصبح الحق في الفرار الخيار الأخير المتبقي. لا يمكن إلغاء هذا الخيار.

 

 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة