من مشارح القاهرة إلى زنازين غوانتانامو، رأيت الكثير من المعاناة والقسوة خلال سنوات عملي الحقوقي. لكن تقييد حياة شخص ما بسبب هويته حصرا، كانت أقسى ما عرفت، بل أقسى أحيانا من سفك الدماء.
مررت بلحظة كهذه أثناء زيارتي مخيما للاجئين الفلسطينيين في لبنان قبل سنوات. صُدِمت لدى لقاء أطفال حُكم عليهم، دونما ذنب اقترفوه، أن يعيشوا حالة لجوء أبدية، كما عاش والديهم وأجدادهم من قبلهم، فقط لأنهم فلسطينيون.
يصادف يوم 15 مايو/أيار الذكرى الـ 75 للنكبة، إحياء لذكرى أكثر من 700 ألف فلسطيني فروا أو طُردوا من منازلهم، وتدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية في الأحداث المصاحبة لقيام إسرائيل في 1948. وكما كتبت "مؤسسة الحق – القانون من أجل حقوق الإنسان" الفلسطينية الحقوقية: " أجبرت هذه النكبة ثلثيّ الشعب الفلسطيني تقريبا على اللجوء"، بينما " فرضت [إسرائيل] نظاما من التمييز العنصري المؤسسي بحق الفلسطينيين المقيمين في أراضيهم". يوجد اليوم أكثر من 5.9 مليون لاجئ فلسطيني، منهم أحفاد الذين فرّوا أو طُردوا.
منعت السلطات الإسرائيلية، بموجب قوانين تمييزية، هؤلاء اللاجئين وذرّياتهم من العودة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. في غضون ذلك، يمنح القانون الإسرائيلي اليهود الذين يحملون جنسيات أخرى حق الاستقرار في إسرائيل أو مستوطنات الضفة الغربية وأن يصبحوا مواطنين. هذا يعني أن أي يهودي يحمل أي جنسية أخرى، والذي لم يدخل إسرائيل يوما، يمكنه الانتقال إليها والحصول على جنسيتها، بينما يُمنع من ذلك الفلسطيني الذي طُرد من منزله وبقي أكثر من 70 عاما في مخيم للاجئين في بلد مجاور.
يعكس هذا الواقع السياسة الإسرائيلية الطويلة الأمد المتمثلة في الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين، وهو أحد عناصر جريمتها ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري.
يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان حق اللاجئين والمنفيين في دخول أراضيهم الأصلية، حتى في الحالات التي تكون فيها سيادة على تلك الأراضي متنازع عليها أو انتقلت إلى جهة أخرى تغيرت؛ كذلك يمنحهم الإقامة في الأراضي التي كانوا هم أو عائلاتهم يعيشون فيها يوما ما وحافظوا على صلات بها. تماما مثل اللاجئين في سياقات أخرى، مثل لاجئي الروهينغا المطرودين من ميانمار، ينبغي أن يتمتع الفلسطينيون بحرية اختيار العودة للإقامة في المناطق التي ينتمون إليها هم أو عائلاتهم، أو الاندماج في المجتمع المحلي، أو إعادة التوطين في بلد ثالث.
بصرف النظر عن عدد السنوات التي مرت، ينبغي أن يظل الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم واحترامه محوريا في مناقشة المستقبل في إسرائيل وفلسطين.