Skip to main content
تبرعوا الآن

تونس: أطلقوا سراح رئيس الحكومة السابق المحتجز تعسفيا

قيادي معارض محتجز بتهم غامضة تتعلق بالإرهاب

علي العريّض، رئيس الحكومة آنذاك، يلقي كلمة في خلال مؤتمر صحفي في العاصمة تونس، في 22 فبراير/شباط 2013. © 2013 "آيه بي فوتو"/حسين دريدي

(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ على السلطات التونسيّة الإفراج عن علي العريّض، رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس حزب "النهضة" المعارض. ما يزال العريّض محتجزا منذ 19 ديسمبر/كانون الأول 2022 دون أن يُعرض على قاض.

استنادا إلى بطاقة الإيداع [مذكرة الإيقاف] الصادرة بشأنه، والتي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، يواجه العريّض تهمة التقاعس عن مواجهة انتشار السلفيّة، وهو تيّار إحيائي في الإسلام السُني، وجماعة "أنصار الشريعة" الإسلاميّة المسلّحة خلال عمله في الحكومة. شغل العريض منصب وزير الداخليّة من ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى فبراير/شباط 2013 ثم رئيس الحكومة من مارس/آذار 2013 إلى يناير/كانون الثاني 2014، وكانت الحكومة ائتلافية وتتكون من حزب النهضة وحزبين يساريين ("التكتل" و"المؤتمر من أجل الجمهورية"). تُشير المذكّرة إلى أنّه ملاحق بسبب قراراته وسياساته لما كان في الحكومة، وليس بسبب أعمال جنائية محدّدة.

قالت سلسبيل شلالي، مديرة تونس في هيومن رايتس ووتش: "استنادا إلى المعلومات المتاحة، يبدو أنّ محاكمة العريّض هي مثال آخر على محاولة سلطات الرئيس سعيّد إسكات قادة حزب النهضة وغيرهم من المعارضين من خلال وصمهم بالإرهاب. يتعيّن على السلطات الإفراج فورا عن العريّض وغيره من الشخصيات السياسية والمنتقدين المحتجزين في غياب أدلّة موثوقة على ارتكابهم جرائم".

يُعدّ احتجاز العريّض (67 عاما) جزءًا من تحقيق واسع للشرطة حول كيفية تمكّن آلاف التونسيين من مغادرة البلاد والالتحاق بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ’داعش‘) وجماعات إسلاميّة مسلّحة أخرى في سوريا والعراق وليبيا بعد 2011، عندما أطيح بالزعيم السلطوي زين العابدين بن علي. أستُدعي أيضا زعيم النهضة راشد الغنوشي وقادة آخرين من الحزب للاستجواب من قبل الشرطة حول ما يُسمى "تسفير" الإسلاميين المتطرفين.

جاء إيقاف العريّض كذلك في خضمّ تصعيد للإجراءات القمعيّة والمحاكمات ضدّ معارضي الرئيس قيس سعيّد منذ استيلائه على السلطة في يوليو/تموز 2021 وما تلاه من إخضاع للقضاء. كان قادة النهضة هدفا رئيسيا للسلطات منذ أن منح سعيّد لنفسه سلطات استثنائية. تعرّض العديد منهم للاعتقال وحظر السفر بشكل تعسّفي.

في بطاقة الإيداع الصادرة عن أحد قضاة التحقيق في "وحدة مكافحة الإرهاب" بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، يُواجه العريّض تهمة "عدم التعاطي مع الظاهرة السلفيّة" – رغم أن السلفيّة ليست محظورة في تونس – و"تحديدا تنظيم أنصار الشريعة والتصدي به بالكيفية اللازمة، حتى توسع نشاطه... وهو ما تسبب في تنامي ظاهرة تحوّل الشباب نحو بؤر التوتر بدعوى للجهاد".

كما يتهم القاضي العريّض بأن "تعاطيه وتعامله مع التنظيم [أنصار الشريعة] لم يكن بوصفه تنظيم إرهابي"، رغم أن حكومته هي التي صنفتها تنظيما إرهابيا في أغسطس/آب 2013، وبالسماح بـ"دخول العديد من الدعاة من بينهم من كان موضوع إجراء حدودي... وآخرين عُرفوا بخطابهم الديني المتشدد".

تُشير المذكّرة إلى تعيين العريّض لرجلين في مناصب عليا في أجهزة الأمن الوطني "تورطا لاحقا" في اغتيال سياسي سنة 2013. تمّت تبرئة هذين الرجلين من جملة التهم الموجهة إليهما في هذه القضيّة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بحسب ما قاله أمين بوكر، أحد محاميي العريّض، لـ هيومن رايتس ووتش. تشير المذكّرة أيضا إلى أنّ العريّض عيّن في مناصب حكومية رجلين آخرين لهما ثبت ارتباطهما بـ "قيادات من النهضة... ويدل بصفة صريحة على ضلوعهما في تسهيل دخول ومغادرة العناصر المشبوهة من التراب التونسي".

يخضع العريّض، الموقوف على ذمّة المحاكمة في "سجن المرناقية"، للتحقيق بموجب عدّة فصول من "قانون مكافحة الإرهاب" لسنة 2015، والفصل 32 من "المجلّة الجزائية" بتهم تصل عقوباتها القصوى إلى السجن المؤبد، مثل "تمجيد الإرهاب"، و"الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، و"استعمال تراب الجمهورية أو تراب دولة أجنبيّة لانتداب أو تدريب شخص أو مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب احدى الجرائم الإرهابية" و"تسهيل هروبهم" و"والدخول أو الخروج بشكل قانوني أو غير قانوني من التراب التونسي"، وغسيل الأموال.

 

قال أحد محاميي العريّض لـ هيومن رايتس ووتش إنّ موكله لم يتم استجوابه منذ اعتقاله، لكنّه كان استُجوب من قبل وحدة مكافحة الإرهاب في 20 سبتمبر/أيلول 2022 ومن قبل أحد قضاة التحقيق في 19 ديسمبر/كانون الأول. قال محاموه إنّه استُجوب بشأن إدارته وطريقة اتخاذ القرار في منصبه بشأن الأصوليّة الدينية، وليس بشأن سفر التونسيين وانضمامهم إلى الجماعات المسلّحة. وفقا لدراسة لـ"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" لسنة 2021، غادر ما يتراوح بين 3 آلاف و4,500 تونسي البلاد للالتحاق بالجماعات الإسلامية المسلحة، خاصة في سوريا والعراق وليبيا، بين 2011 و2014. بعض التقديرات تشير إلى ضعف هذه الأرقام. واجهت تونس مزيدا من العنف المسلح من جانب الإسلاميين بين 2011 و2016، منها ثلاث هجمات قاتلة في 2015.

في 1987، قبل فترة وجيزة من تولي بن علي السلطة، حُكم على العريّض بالإعدام وقضى عدّة أشهر في انتظار تنفيذ العقوبة بتهمة الانتماء إلى "حركة الاتجاه الإسلامي" المحظورة – قبل أن تتحول إلى النهضة – بزعم ارتكابه جرائم تهدف إلى تغيير "هيئة" الدولة، قبل أن يحصل على عفو. ثم اعتُقل مجددا سنة 1990 وأدين في محاكمة جماعية معيبة من قبل محكمة عسكريّة سنة 1992 بتهمة "التخطيط للإطاحة بالحكومة بالقوة". أمضى أكثر من 11 عاما، من أصل 15، في الحبس الانفرادي وتعرّض للتعذيب.

في 30 يناير/كانون الثاني 2023، رفع محامو العريّض دعوى، اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، اتهموا فيها أعوان الشرطة في وحدة مكافحة الإرهاب بتزوير وثائق أساسيّة في ملف القضيّة. مازالت الدعوى معروضة على مكتب النيابة في المحكمة الابتدائية بتونس. أكّد محامو العريّض أيضا أنّ الشرطة أزالت بشكل متعمّد أدلّة البراءة التي قدّمتها السلطات المختصّة من الملف.

قال المحامون إنّ ملف العريّض يشتمل على تقارير أجهزة المخابرات، وأقوال لشهود مجهولين، ومقالات إخبارية على الانترنت تعود إلى 2012 و2013، وكلّها قدّمت كأدلّة.

قدّم محامو العريّض طلبيْن للإفراج عنه مؤقتا، لكن دون جدوى. قال واحد منهم إنّ محكمة الاستئناف في تونس رفضت التماسا آخر يوم 2 مارس/آذار دون أيّ مبرّر.

بموجب القانون الدولي، يجب إبلاغ المتهم بالتهم الجنائية المحدّدة الموجهة إليه بشكل سريع، أي في غضون أيام من اعتقاله. يجب احتجاز المشتبه به على ذمة المحاكمة فقط في ظروف استثنائية عندما توجد أسباب قاهرة وفرديّة للاحتجاز. يجب تقديم المتهم إلى المحاكمة في غضون فترة زمنيّة معقولة، وله الحق في المثول أمام قاض للحصول على حكم بشأن مشروعية وضرورة احتجازه. لا يُفرض الإيقاف التحفظي إلا كـ"استثناء" بموجب الفصل 84 من "مجلة الإجراءات الجزائية" التونسية.

منذ اعتقال العريّض، سجنت السلطات أكثر من 20 شخصا آخر، منهم معارضون، ونشطاء، ومحامون، وصحفي، بتهم بعضها يتعلق بالإرهاب، على صلة بأنشطتهم السياسية أو نشاطهم وتصريحاتهم العامة. تسعة منهم على الأقل كانوا أعضاء في النهضة، مثل نور الدين البحيري وعبد الحميد الجلاصي.

قوّض سعيّد بشكل منهجي استقلالية القضاء. في فبراير/شباط 2022، حلّ "المجلس الأعلى للقضاء"، ومهمته ضمان استقلالية القضاء، وعيّن مجلسا مؤقتا له سيطرة واسعة عليه. في يونيو/حزيران 2022، منح لنفسه سلطة فصل القضاة بشكل أحادي، وفصل 57 منهم، في محاولة لإخضاع النيابة العمومية والقضاة للسلطة التنفيذيّة.

يكفل "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة" (العهد الدولي)، وتونس طرف فيه، الحق في حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. تونس ملزمة أيضا بموجب العهد الدولي و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" باحترام الحق في المحاكمة العادلة.

قالت شلالي: "توجّه السلطات تُهما ملفقّة تتعلق بالإرهاب أمام سلطة قضائية خانعة لتشويه سمعة المعارضين والمنتقدين ووضعهم خلف القضبان".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة